ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

الثقافة العربية وزمن العولمة

امل فؤاد عبيد

مما لاشك فيه أن العولمة تمثل مادة ثرية للنقاش والتحاور بين كثير من العلماء والمفكرين.. حيث إنها (أي العولمة) ليست بحالة بسيطة يمكن معالجتها بسهولة، بل هي حالة مركبة من أحداث ووقائع متعددة ومتنوعة من الصعب حصرها في موضوع واحد أو حتى عدة موضوعات.. فهي حالة من الشتات والتشظي بما يدعو إلى طرح الكثير من الأسئلة الصعبة والسهلة في آن.

وفي عالمنا العربي حيث نجد أن التوجه العام اليوم للكتاب والنقاد يبحث إمكان وضع الثقافة العربية موضع التساؤل والنقد والتحليل للوقوف على أسباب تراجعها أمام الآخر، وطرح الفكر العربي طرحا نقديا جديدا لإيجاد نقطة صالحة للبدء والانطلاق نحو آفاق إبداعية مغايرة، وذلك من خلال إستكناه مكونات تلك الثقافة وذلك الفكر من مرجعيات سابقة عملت على تهميشه، والبحث عن عناصر خالصة فعالة يستطيع من خلالها الانطلاق إبداعا وإنتاجا تتجلى فيه الفرادة والأصالة والجدة، بعدما تخلى طويلا عن اختلافه وجدته، وأمسى فكرا جامدا خاضعا لغايات الآخر وأهدافه. وأصبح مقلدا ومطابقا لما يفد إليه من خارجه. مما حال ذلك دون تأكيد هويته.

لذا كان علينا ضرورة البحث عن تلك المكونات الخالصة واستحضار العناصر القابلة للتطور والنمو والعمل على استبعاد كل ما يختزل الذات ويجعلها في ولاء تام ودائم واستسلام للآخر، ولكل ما ينتجه من مفاهيم وقيم وأفكار والسعي لعدم الامتثال لتوجيهاته وتوجهاته تلك التي تعمل على استلاب الفكر العربي وفقدانه قدرته على الإبداع وتأكيد الذات والهوية. من هنا لنا ان نناقش ما كان قد طرحه بعض الكتاب العرب من أسئلة كثيرة والتي لا تخرج عن مضمون السؤال الجوهري والحساس فيما يدور حول الثقافة العربية بكل ما تمثله كلمة (الثقافة) خاصة وأن الأوضاع التي تعايشها الأمة العربية والإنسان العربي لهي أوضاع متقلبة ومتغيرة من آن لآخر.. كما انه يعاني أزمات لا مفر منها ومن معالجتها معالجة حكيمة واعية تفترض مسبقا الرغبة الحقيقية في خلق إمكانات لتجاوز هذه الأزمات أو إدارتها فيما هو افضل وانفع، وإمكان الاختلاف والتفرد والتحرر من التبعية والاتباع بكل أشكاله محاولا انتهاج سبيل النقد الفعال بطرح الأسئلة للوقوف على أسباب تدهوره وتراجعه التي كانت حائلا ومازالت بينه وبين إمكان وجود نهضة فكرية عربية حقيقية، يكون منتجها ومحققها بفكره وقدراته الإبداعية.

بداية يرى الدكتور أحمد حجازي أن العولمة ما هي إلا نظام قديم ظهر في ثوب جديد محكم (آخذ في التشكل ترتسم فيه معالم طريق يقود الدول إلى تخيل بنائي كقرية كونية صغيرة تضم الأمم والشعوب وتتأكد فيها الحاجة إلى نظام قيمي مشترك ونظام أخلاقي مدني عالمي، وقيادة مستنيرة تقود الشعوب إلى حوار دولي واحد)، فهذه الظاهرة الجديدة كل الجدة ما هي إلا حالة متطورة للرأسمالية أفرزتها جهود العقل الغربي، نتيجة تداخلات وفعاليات كثيرة متنوعة.. فهي ليست نتيجة عامل واحد من السهل تحديده، إنما هي نتيجة عوامل متداخلة ومتباينة عملت على تشكيل وعي مركب من كافة التطورات الفكرية والثقافية والتقنية وكافة العلوم الحديثة التي تراكمت على طول تاريخ طويل.. لذا لا يمكن البت في أمر العولمة.. إنها حالة مركبة من مظاهر كثيرة متشابكة لفكر مميز يسعى إلى تأكيد هويته من خلال الإجهاز على الثقافات الأخرى دون احترام لانتماء أو مراعاة لخصوصية.. مهما كان هذا الانتماء أو هذه الخصوصية دينية أو قومية أو وطنية.. فالخصوصية تنتفي عند حدود العولمة ليبقى فقط هذه الكوكبية الزائفة التي تسعى لأن تلغي كافة العوائق التي من المحتمل أن تعيق حركتها أو تحركها.. والسعي لتحقيق ما تهدف إليه منظماتها وحكوماتها الغربية المنشئ والمنبت وكان بالفعل لها ما تخطط له وقد جاء ذلك على حساب كثير من الشعوب التي وبفعل العولمة أصبحت تحتل المواقع الخلفية.. تلك المواقع التي لا مكان لها على الخريطة العالمية التي يدعونها وأمست تعاني مرارة هذه الاقتصادات المنظمة والمنتهجة مبدأ البقاء للأكفأ أو الأقوى اقتصاديا مما جعلها خلف أي تنمية ممكنة. فزادت بذلك التنحي من دائرة الاهتمامات الاقتصادية أو التنمية بأن أصبحت أكثر بؤسا وتخلفا مما كانت عليه من قبل تفشي هذه الظاهرة. والسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح كيف السبيل للقيام أو النهوض بهذه الدول الضعيفة والمهمشة والقليلة الإمكانات وسط بيئي متشرذم ؟ ما هو السبيل على وجه الخصوص لتجاوز مظاهر التفكك والتهميش التي يعاني منها الكثير من الدول نتيجة صراعها الحضاري الثقافي ؟!

يرى الدكتور أحمد حجازي أننا في عالم (يتجه نحو التوحد والتفكك في نفس الوقت) خاصة منذ (عقد التسعينيات) نتيجة التحولات الكبرى التي (غيرت من ثوابت الفكر وتوجهاته واستراتيجيات التنمية والتخطيط) كما حدث انقلابا هائلا وثورة عارمة (شملت كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) مما دفع بالكثير من العلماء والمفكرين لعقد الندوات لإمكان طرح التساؤلات وإثارة الإشكاليات ومحاولة التعرف على طبيعة العولمة، وأيضا ما يخص الثقافة العربية ذاتها التي كان من أهم الأسئلة المثارة والتي تمثل الإشكالية الأولى وهي مدى تأثر أوضاع الدول العربية بما يسمى بظاهرة العولمة، ومصير التراث من عولمة الثقافة.

يقترح الكاتب قاعدة أساسية لتجاوز أزمة الثقافة العربية بأنه طرح قضية الحاضر والماضي، وقد قرر بأنه من الواجب علينا الخروج من قوالب كنا قد مللنا بقاءنا فيها متعسكرين دون قوة تدفعنا للأمام فهذه الأدوار التي نتبادل مواقعنا داخلها لابد من تغيرها وابتكار أدوار تليق بالمرحلة التي نعيشها وأن نكون على وعي بمتطلباتها، وهي مرحلة حرجة بالفعل ليس لما تحمله من متغيرات على كافة المستويات.. بل لأنها مرحلة تتهدد كثير من قيمنا وأهدافنا.. وتعمل على استلاب قوانا وقدراتنا بتبديد ما نملكه من تراث وهوية وتاريخ.. هو تاريخ وجودنا.

ويؤكد الكاتب على أن الإنسان العربي يتقاسمه عالمين متناقضين (الحاضر) و (الماضي) على افتراض أن هناك تناقضا ما بين الحاضر والماضي دون اعتبار لأي من الشروط التاريخية الواجب الإحاطة بها.. ودون الوقوف على تلك الثقافات الخاصة التي عملت على إنتاج كل شخصية كانت قد (تكونت نتيجة ظروف تاريخية مرتبطة بها وهي المسؤولة عن نشوئها). أو إدراك تلك الشروط المحددة التي أنتجت كل ثقافة.. فثقافة الغرب للغرب وثقافة الشرق للشرق (ولا يمكننا قياس أي منها على الأخرى لاختلاف الظروف والشروط)، ولكننا نجد اليوم في ظل هذا الانفتاح اللا محدود أن الإنسان العربي يعايش اليوم ثقافات متنوعة (بقدر ما هي متداخلة فهي منفصلة) منفصلة حيث أن (ما يأتيه من الغرب بعيد عن شروطه التاريخية وشرطه الوجودي ذاته..) وبالرغم من ذلك الانفصال إلا أنها متداخلة ومتصلة لوجود عناصر مشتركة (ما بين الثقافات على اعتبار أن الثقافة في جانب كبير منها هي ثقافة موحدة تحت اسم أعم واشمل هي الثقافة الإنسانية بعامة).

من هنا نجد أن الإنسان العربي يحمل في شخصيته (ثقافتين غير متكافئتين) ثقافة تراثية مفعمة بالمواطنة الأصيلة، والأخرى عولمية تغريبية تسلبه الأولى وتدفعه نحو عصرنه فردية كوكبية مصطنعة) فهو يقف بين هذين العالمين (عاجزا عن الوصل بين ماضيه التراثي وبين عصرنه الآخر المغتربة عنه) ليصبح في معاناة هي معاناة الانفصام في الذات والاغتراب في ثقافته (لا يعرف كيف يواجه تجليان العولمة وإشكالية الخصوصية، فيعيش في عالم من الوهم ونسق من الخيال يصنعه لذاته). فليست المشكلة كما يطرحها الكثير من الباحثين والمفكرين.. مشكلة الهوية الضائعة.. أو سلوكيات قد فرضها علينا الغرب تتهدد استقرارنا وكرامتنا.. إنما المسألة.. مسألة وجود، وكيانات تخلق وتتخلق كل يوم، وأعمال تسطر على صفحات الزمن, ولابد لأجل التحرك الإيجابي، ترك تلك المقولات التي تكبلنا أكثر وأكثر فلا يمكن النظر إلى الخلف على طول الخط، ومن الصعب السير في طريق إلى الأمام كل الوقت، فهناك وقفات تحتاج لتركيبة نقدية ذات ازدواجية زمنية (ماضية وحاضرة).. ماضية تستثير فينا المستقبل وتؤكد ثباتنا.. ومستقبلا يصنع خطواته الأولى من خلال حاضر نزكيه ونحتويه ونعايشه، إنها المعادلة التي لابد من حسابها وصياغتها صياغة جماعية تستحثنا على خلق مفردات جديدة لوجودنا، وتحي داخلنا حماس الحياة وحرارتها، ولنتحرر من الفكر التآمري على حد قول عبد الوهاب المسيري، فهو فكر يعمل على استلاب القوة ويعزز الشعور بالضعف وقلة الحيلة.

من ناحية أخرى نجد أن المفكر عبد الله إبراهيم يرى أن (نقد ثقافة المطابقة هو السبيل إلى ظهور ثقافة الاختلاف)، إن العقل العربي اليوم يتطلع إلى إمكان هذا الاختلاف وهذا التفرد والتحرر من التبعية والاتباع بكل أشكاله والذي يسلبه أدواته، منتهجا سبيل النقد الفعال بطرح الأسئلة للوقوف على أسباب تدهوره وتراجعه. وقد يعتبر كتاب الدكتور عبد الله إبراهيم من تلك الكتب التي تبحث لها عن إمكان جديد للتفكير الجاد والرؤية النقدية الفعالة فيما أنتجه وينتجه العقل العربي من فكر وإبداع، راصدا حالة اليوم والأمس من خلال قراءة نقدية لبعض النصوص المختلفة للوقوف على أسباب عدة أدت على امتثال هذا العقل بصورة سلبية لتوجهات ثقافية وفكرية غريبة وبعيدة كل البعد عن منحاه الخاص ومن ثم علمت على جعله عقلا هامشيا يستقي أفكاره من خارجه، كما أدت به إلى إنتاج ثقافة يرى الكاتب أنها ثقافة مطابقة لمرجعيات مستوردة لا تتفق وشروطنا التاريخية التي أنتجتها، على أن هذه المطابقة وهذا الامتثال له أسبابه التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما وتتوزع تلك الأسباب ليتصل بعضها بالثقافة العربية ذاتها، وتتصل البعض الآخر بالثقافة الغربية وهذا ما يتضح لنا ويظهر من خلال عنوان كتابه (الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة) الذي يتمركز حول محورين رئيسيين :

1- المحور الأول (الثقافة العربية ومرجعياتها المستعارة تلك المرجعيات التي أفرزتها منظومات حضارية مخالفة، لها شرطها التاريخي والتي قد تكون مرجعيات غربية) من جهة أو قد تكون (مرجعيات متصلة بتجديد في فكر قديم ترتبط مضامين بالفروض الفكرية والدينية الشائعة آنذاك) وبين هذين النوعين من المرجعيات تسقط الثقافة العربية صريعة التناقضات الناتجة عنهما، حيث يجذبها تارة الماضي، وتارة إلى الآخر، أو تصبح هذه المرجعيات وكأنها (عناصر مستعارة جردت من شرطها التاريخي ووظفت في سياقات مختلفة عنها).

2- أما المحور الثاني : فإنه يشير على تلك الأسباب الخاصة بالغرب (تداخل الإنسان والمفاهيم ورهانات العولمة) فهو يؤكد على مفهوم المركزية الغربية وما أنتجته من نزعات فكرية حديثة أهمها العولمة كنزعة فكرية لها شروطها الخاصة والتي تهدف إلى كسر الحدود الفاصلة بين الثقافات والأنساق المختلفة. كما أنها نزعة غربية نتاج شروط تاريخية خاصة بها مشيرا الكاتب على ما للغرب من أدوار مباشرة وغير مباشرة للتأثير على الثقافات الأخرى، انطلاقا من الفاعلية الاستشراقية بوصفها (ممارسة عقلية غربية تسعى إلى إعادة صياغة الآخر وفقا لرؤية محددة وعبر منظور خاص بها، أو كضرب من الممارسة الفكرية التي اقتضتها حاجة العقل الغربي لأن يشمل بكليته المعطيات الثقافية للآخر، وإعادة إنتاجها بما يجعلها تندرج ضمن سياقات المركز وذلك وفقا لموجهات تمثل بدورها منظومة (الرؤى والدوافع الغربية).

تلك هي الأسباب المباشرة التي يرى فيها الكاتب أنها سبب تراجع الثقافة العربية وامتثالها للمطابقة للماضي تارة، وللآخر تارة أخرى. وهو ما ينقلنا إلى مناقشة العالمية والخصوصية إذ أن الكاتب أحمد حجازي يرى أن هناك مسافة تقع بين قطبين رئيسين هما : (العالمية المصطنعة والخصوصية المفقودة) وهو ما يطرح سؤالا جذب الكثير من العلماء والمفكرين حول (العولمة وإشكالية تهميش الثقافة الوطنية) مؤكدين على ضرورة تشخيص ظاهرة العولمة ومنشئها (واستحداثها في ثوب جديد محكم ليصنع نوعا من الثقافة المعممة التي تؤثر بلاشك على هوية الشعوب وتعمل على تهميش خصوصيتها الوطنية) ومن ثم الانتقال إلى (مكانة الإنسان العربي في ظل حضارة السوق في زمن العولمة). ويؤكد الأستاذ حجازي على غياب (الخيال الجماعي) وذلك من خلال حديثه أو تحليله العميق (لأزمة الإبداع السوسيولوجي) متخذا عنوانا لذلك هو (أمية المثقف العربي) ومناقشة (الأوضاع البنائية في المجتمعات العربية وأزمة التشوه المادي والفكري في محاولة لتشخيص تناقضات الواقع وازدواجية الفكر) وقد استطاع من خلال هذه الدراسة تحديد موقف المثقفين العرب (من قضايا الواقع ومدى التزامهم بها) و (أزمة التكون والهدر في الفكر الاجتماعي العربي) في ظل المتغيرات المحلية المعاصرة.

لينتقل بنا على دراسة خاصة تعتبر متممة لما قبلها تحت عنوان (المثقف الغربي والالتزام الأيديولوجي) فاتحا المجال لدراسة (ماهية المثقف في المجتمعات العربية وأزمة التشوه البنائي والفكري) من خلال استعراض الأوضاع في المجتمعات العربية وحال (التبعية الثقافية وازدواجية الفكر وتشوهه في النظام العالمي المعاصر أو ما نسميه بأزمة التعايش الفارق) طارحا سؤال في غاية الأهمية (هل يمكن صياغة أيديولوجيا فوقية واضحة تضع في اعتبارها أبعاد التاريخ العربي وظروف تشكله ؟) ثم ينتقل بنا بعد ذلك إلى الدراسة الرابعة والتي تتناول الثقافة العربية ذاتها وإشكاليتها في (أزمة النقد الذاتي) حيث يرى الكاتب أن المشكلة الحقيقية هي في المثقف ذاته إذ أنه (كثيرا ما يصب نقده على الآخر، متغافلا نقد الذات). خاصة وأن الكاتب يحاول معالجة أزمة المثقف والثقافة العربية من منظور (النقد الذاتي) على اعتبار أن ذلك يعد (خطوة أساسية في تحليل العلاقة بين الثابت والمتحول في بنية الفكر العربي ومنهجيته) بأن يكون طرح الأسئلة على الذات حول علاقتها بالآخر في ظل (المتغيرات الدولية وأثرها في تشكيل العلاقة بين التراث والمعاصرة).

وفي نفس المحور نجد أن الكاتب والمفكر ماجد السامرائي يطرح في كتابه (سؤال الحرية) مفهوما آخر للثقافة إذ يقول : (إن الطريق إلى الثقافة هي في الاستقلال الاقتصادي وإقامة المجتمع المنتج لا المستهلك وفي استيعاب شروط التطور ومعطيات العصر، وتطوير التراث وامتلاك الأدوات التي تؤهلنا لتشكيل وعي جماهيرنا وصقل سلم قيمنا والتأثير في أنماط سلوكنا.. إن الطريق الصحيحة الموصلة لثقافة جديدة هي الحرية..). على اعتبار أن الثقافة ليست بالمادة الصلبة.. إنما هي كائن مثل الكائنات الأخرى قابلة للتغير وأيضا للفناء والزوال والتدمير، أو التحديث والتطوير.. ومن ناحية أخرى يربط بين سؤال الحرية والمشروع الثقافي إذ أنه يطرح عدة مناهج لتفعيل السؤال (سؤال الحرية) حيث يرى أنه يشتغل على ثلاث مستويات:

المستوى الأول: هو تلك الصيغة التي تنادي (بتثوير التراث) بمعنى (محاولة إرساء تقاليد جديدة من خلاله) وهي التقاليد التي لا تلغي التراث أو تمتثل له، إنما هي التقاليد التي تفترض العودة إلى السؤال الأساسي وهو : (إلى أي مدى يمكننا التفاعل مع هذا التراث ؟).

أما المستوى الثاني فهو مطروح بصيغة (اكتشاف – من نحن – في عالم مفتوح على آفاق الهيمنة والصراع) وهو المستوى الذي من المحتمل أن يقودنا إلى (الاكتشاف), كما أنه من الممكن أن يقودنا إلى (الانقراض) إذ أن ذلك مرتهنا بما لنا من (قوى ذاتية) تعتبر هي الأساس في أي توجه أو اختيار

في حين أن المستوى الثالث هو محاولة (تحطيم النموذج والبحث عن نموذج بديل يمكن تأسيسه على مبدأ أو تحقق غير مرهون (لا لماضيه ولا للآخر) إذ أن هذا المستوى يرفض (القمع كما يرفض الوصاية) ومحاولا استشراف معنى وجوده من داخله، ومن ثم يرى الكاتب أن في هذا المستوى قد يكون هناك احتمال (الانطلاق) نحو التأسيس وبناء صياغة التفاعل الحي أو أن يكون فيه احتمال (الصراع) وفي هذا المستوى قد يكون للمشروع الثقافي (صيغة استراتيجية) لها بعدها الفكري الخاص بها والذي يحتاج إلى (قراءة معينة للواقع، كما للتاريخ) وهي القراءة التي تتأسس من خلال (التفاعل الحي بين الإنسان وكل من العصر والتاريخ والتراث) مما يتيح القدرة في النهاية على تكوين أو تشكيل (رؤية مستقبلية) تعتمد (إلغاء جميع الظاهر المرتبطة بفكرة الانحطاط وعقلية الانحطاط) والتي بدورها تبعدنا عن (واقع الهيمنة) وتعيننا على الانفلات من إطار أو إسار (التابع) وكل ذلك مرتبكا في اساسه بالرؤية (النقدية والموقف النقدي).

وفي ذات الاتجاه يرى الدكتور إبراهيم عبد الله أن لكل قراءة نقدية أو لنقل لكل نشاط عقلي جانبه النقدي وهذا الفعل النقدي يستوجب شرطا أساسيا يعتمد على ركيزتين أساسيتين هما : الرؤية والمنهج (الرؤية التي يصدر عنها الكاتب أو الناقد، والمنهج الذي يتبعه لتحقيق الأهداف التي يتوخاها من قراءته)، على اعتبار أن الرؤية النقدية (هي خلاصة الفهم الشامل للفاعلية الإبداعية) أو الواقع في نفس الوقت، والمنهج هو (سلسلة العمليات المنظمة التي يهتدي بها الناقد أو المفكر وهو يباشر وصف النصوص الأدبية) أو الفعل الجمعي (وتنشيطها واستنطاقها شرط أن يكون المنهج مستخلصا من آفاق الرؤية ذاتها). فهي على حد قوله (الثوابت الأساسية التي تقتضيها الممارسة النقدية الواعية، ففي غيابها أو غياب أحدهما يصبح النقد نوعا من التضليل والخداع والانطباع الساذج). و لا يقف الأمر عند حد الغياب لإحدى تلك الركائز بل هناك ما هو أهم من ذلك وأخطر على العمل النقدي، وهو تطبيق مفاهيم ومناهج مستوردة من خارج الإطار الثقافي والمعرفي الخاص بالناقد العربي أو المفكر العربي، لذا نجد أن الكاتب عبد الله إبراهيم يأخذ على النقاد القدامى والحداثيين (استثمارهم الإجراءات المنهجية بل والتطبيق الآلي لكثير من الرؤى والطرائق التي أنتجتها الثقافة الغربية في ظرف معرفي وتاريخي مغاير مما أدى على أن يكون الفعل النقدي مجرد ممارسة ذاتية تفتقر الوعي العميق بأهمية وضع أسس متينة لهذا الضرب من النشاط الفكري والمعرفي).

أما ماجد السامرائي فيرى أنه ومن خلال الموقف النقدي النشط يمكننا تجاوز طبيعة الكتابة وفعلها اليوم الذي يقع ما بين اثنين هما كتابات (لجأت للتبرير) وعندئذ لم يكن لديها إمكاناتها من امتلاك معين الحياة والتطور، وكتابات (تمركزت حول مقولات محددة لم تتجاوزها ولا هي خرجت عليها) وهي بذلك قد دفعت إلى إرساء واقعا جديدا من (التقليد) كما أكدت فكرة (الثبات) التي بدورها تقف عائقا أمام تشكيل أي بنية جديدة في فكر الإنسان : على أساس أن الكتابة كما يرى الكاتب هي فعل إنتاجي في حقيقته، كما أن له بعديه الأساسيين وهما المكان ولازمان، فالأول يمنح الخصائص وتكوين السمات وتأكيد الملامح، والثاني لتعميق المسار والدخول في أساسيات حركة الحياة والتاريخ، وأن فعل الكتابة ما هو غلا انتماء أو انحياز يؤكد قيمة الفردية، من حيث أن سمات الرؤية الفكرية الذاتية أو الشخصية تتمثل لنا من خلال فعل الكتابة وتشكل هويتها النهائية، وذلك أن هذا الفعل ما هو إلا تعبيرا عن قيمة ننتمي إليها في حقيقة الأمر أو قضية حقيقية، لذا يجد الكاتب ماجد السامرائي أن سؤال الحرية من أهم الأسئلة التي تتصل بفعل الكتابة بما انه فعل حر ينم عن انتماء لقضية ما أو إيمان بفكرة ما فبغير الحرية لا يمكن للكاتب أن يحقق ذاته على نحو موضوعي من خلال الكتابة أو بلغة الكاتب نفسه (أن يكون ضمير عصره، وليس مجرد شاهد على العصر فحسب) على اعتبار أن دور الكاتب وأهميته مرهون بالمعرفة والتغيير والتجاوز، وهي من المهام الصعبة التي يرتهن وجود الكتابة بها، وأن هذا الدور قد انتابه كثير من (الخلل في البناء والتوجه، بما يجعل الدور ناقصا، أو من شأنه الانتقاص منه) لما ينازع كتابنا اليوم ومثقفينا (الكثير من الاتجاهات المتناقضة والمتباينة، ومن ثم تقتسمهم الطرق والسبل دون أن يكون هناك رؤية موضوعية تعينهم على كشف الحقائق ورصد الواقع) إذ تتنازعهم أيضا انتماءات متباينة ما بين ماض ومستقبل.. تاريخ ماضي (يجدون فيه الذاكرة) والتي يسعون دوما إلى استعادتها وذلك لارتباطها (وجدانيا) بهذا التاريخ.. وفي الطرف المقابل هناك من يركنون إلى (الرؤية المستقبلية) وهي تتطلع (بنظرة حيية وكأنها تخجل مما سيأتي أو من وضعها في هذا المستقبل)، ومن هنا تظهر لنا مسؤولية أي مشروع ثقافي عربي في أن يجد له (النقطة المركزية) التي لا بد أن ينطلق منها وهي (الوعي بالحقيقة في وجهيها التاريخي والإنساني المعاصر)، إلى جانب ضرورة عدم إغفال الوضع الراهن كما له من حضور وواقعية دون (الحالات الكاذبة التي تحاول استيعاب حقيقته الرافضة) وبهذا يمكننا فقط خلق (قاعدة واعية يمكن أن تكون التأسيس لمرحلة تاريخية جديدة.. لا يستسلم فيها لا.. لقوى التاريخ الماضوي.. وما كان لنا فيه، ولا.. لأي قوى أخرى يمكن أن تفرض وجودها عن طريق هزيمتنا).

وفي ختام كتابه يتساءل الكاتب كيف يتم اليوم تشكيل الوعي على (أرضيتنا الثقافية) وعن أي فكر يجب أن نبحث، والذي نستطيع من خلاله أن (نكون هذا الوعي) وكيف يمكننا (بناء وعي جديد في واقع دولي قائم على محاصرة الآخر غير الأوروبي) يقول الكاتب أنه لابد من إتاحة الشروط الواجب توافرها لتحقيق ذلك الفكر والتي من أهمها (الحرية) والتي هي (عماد كل تفكير سليم) ولا يكون الفكر في تكوينه (جوهرا) من دون حرية، فالحرية في الفكر وفي حياة المفكر ووجوده ضرورة اجتماعية، فهي وحدها التي تنهض بالوعي وتقيمه على أسس صحيحة، خاصة وأن كل نهضة تعتمد في أساسها على اعتقاد مسبق بأن (المشكلة ليست في الطرح إنما هي في الممارسة والعمل ذاته).

لذا فإن (صدور الموقف الثقافي في زمن يفرض فيه الحصار ووضعه القاسي الثقيل على حياتنا) فإن هذا الموقف يحتاج منا تحديدا لتحقيقه إلى (الوعي والموقف) ذلك أن مسألة تأكيد الحرية، ورفض القهر وحالات الاستلاب لا يمكننا تحقيقها (بالفكر التبسيطي و الديماغوجية) إنما من خلال التفعيل البناء (للموقف الثقافي) والعمل على ترسيخ (الوجود الفكري) مما يدفع ذلك بالطبقات المبدعة والخلاقة أن تتخذ مسارها الصحيح والسليم في بناء صرح الحضارة والمجتمع الحضاري المأمول.

شبكة النبأ المعلوماتية - الخميس 13/11/2003 - 18/ رمضان/1424