ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

المرجعية القرآنية في صياغة الاستراتيجيات المعرفية والتنظير الحضاري

نجف علي الميرزائي

إن النص القرآني الكريم هي بمثابة القطب والمركز بين النصوص الدينية ومنزلته مثل منزلة الكعبة بين البيوت، علينا أن نتوجّه إليه بالفكر والعقل والفهم ونتخذ منه قبلة للمعرفة ونعتبره الأساس في شرعنة المعرفة، وميزاناً للتمييز بين الحق والباطل، كما أننا اعتمدنا على التعامل مع بيت الله الحرام رمزاً إلى كلّ هذه المفاهيم الرامية إلى تكريس التوحيد الشمولي.

ومن المفارقة أن نوجّه الأجساد نحو الكعبة ونمانع من توجيه الفكر والعقل إلى كعبة النّص ومحور المعرفة ومركز الوحي ونصلّي بأبداننا تجاه قبلة مكّة وبيت الله الحرام، ونمتنع عن الصلاة في المعرفة والعقل والعلم متوجهين إلى الإتجاه نفسه.

إنّ أسباباً متنوعة وظروفاً متشعّبة قد أدّت إلى اختزال الدور القرآني في العملية الاجتهادية، منها الفهم الخاطئ لعلاقة النصوص الدينية غير القرآنية به، ومنها ما يرجع إلى إعمال الذوق والسليقة والإستحسان غير المستند إلى القوانين القرآنية وغيرها من أسباب لا نرى مبرراً لإحصائها الآن. واللافت في الأمر هو الشرخ الكبير الحاصل في مراحل عملية الاستنباط جرّاء استبعاد غير مقصود للقرآن الكريم.

ولعلّ القرون الماضية والظروف الاجتماعية والحضارية فيها، لم تَدعُ إلى التحدّي ولم تكن مسرحاً للصراع الفكري والمعرفي بين التوجهات الدينية والوضعية، أو بالأحرى لم تكن هذه المستويات في درجة التحدّي الخطير؛ لأنّ الحياة والحضارة لم تكن بعد تحولت إلى ما وصلت إليه اليوم من زوال المسافات والفواصل بين الرؤى والعقائد والثقافات؛ وإنَّ الحضارات المتنوعة والأفكار العالمية لم تصل إلى لحظة الاضطرار إلى التجاور والتعايش الذين يحتويان على عناصر التنافس والتعامل بينها في نفس الوقت.

النص الديني ومقتضيات العولمة:

إن النصوص الدينية لم تكن تتجاوز أيدي أصحابها العلماء ورجال الدين وإنَّ هؤلاء بدورهم كانوا على اتّصال مع شريحة محدودة من المتدينين والمتعبدين بها، بيد أنّ التاريخ قد انقلب والزمن قد تحوّل وذلك في ضوء التطوّر العلمي والتقدم الصناعي والتكنولوجي والوسائل الحديثة الأخرى لن تسمح بغياب الأرصدة النصّية الفكرية الثقافية عن أي نقطة من الأرض، ولم يعد بمقدور أحد منّا إخفاء شيء أو السعي لتخبئة أمر أو رأي أو حديث. أزيلت الأستار عن كلّ ما كان لنا في جوف التاريخ من حق أو باطل. فاشتعلت التحديات واحتدمت العلاقات واضطربت الثقافات ومعها الحضارات، رغم كلّ الأوهام والتصوّرات حول الحتميات والقطعيات والعقليات النهائية – لو صح التعبير- والساحة مازالت في عراك وحراك والفائز هو الأقدر على إثبات أكبر قدر ممكن من اختزان عقائده وتصوّراته لعناصر الائتلاف والاستيعاب والعقلانية في منظومة جدلية متعددة الأطراف من الإنسان والطبيعة والوحي والمعرفة والسلطة. والنَّصر مِن نصيب مَن يربط "الحق&quot ) بالكون والطبيعة وسير الإنسان ولا يفهمه في عالم الذهن والاعتبار والتجريد فحسب، ما يفقد الفكر قدرته الحضارية وإمكانياته الواقعية بناءً وعمارةً.

وأي سعي للحيلولة دون فضولية الناس ورغبتهم في إثارة التساؤل والاستفهام، وبحثهم عن حقٍ يفهموه ويقتنعوا به يبوء بالفشل. وأيُّ جهدٍ يُبذل لإبقاء الأجيال اللاحقة على جبلّتهم التعبدية سابقاً هو هدر للوقت وضياع للطاقة. وإنَّ الحلّ الوحيد والبديل الفريد الصالح لإيجاد التصالح والتعاون بين الإنسان بكلِّ تجلياته وطاقاته العقلية والمعرفية والروحية، وكذلك علاقاته الداخلية، وبين الله الخالق وما يمثّله من دين ونصّ وأنبياء وأئمة معصومين، والفطرة التي هي الواسطة المعرفية والعقلية والجهاز الإلهي المستودع في الإنسان بينهما، وكلّ ذلك في تعامل بين الإنسان والطبعية والله الخالق لهما... إن البديل الحلّ والمَخرجَ الوحيد من كلّ ذلك، هو اللجوء إلى القرآن الكريم الذي يمثّل صورةً نصّيةً وتجلياٍّ كتابياً لله وتعبيراً نصّياً عن الفطرة الإلهية؛ لأنّ التمسّك بالقرآن الكريم سيكشف لنا بوضوح عن طبيعة هذه العلاقات وكيفية التعايش بينها. وإنّ الإنسان ليكون عاجزاً عن التوازن في الفكر والسلوك مع أبناء نوعه والطبيعة وكذلك مع الله المكوّن.

والمرجعية المعرفية هي للقرآن وحده، والمعصوم النبي أو الإمام هو بدوره يرتكز في فهمه وعقله ورسالته إلى الخضوع لمرجعية القرآن الكريم ومن خلال هكذا علاقة بينهم وبين كتاب الله يطمحون إلى تقديم أفكار وتوجيهات لهداية الإنسان. وإنَّ قول المعصوم مهما ثَقُلَ لن يبلغ مستوى قول الله، وإنما هو من نفس الاتجاه ويقع في طول كتاب الله تفسيراً له. ودوره في ذلك كدور المختصّ القانوني في تفسير الدستور مثلاً.

إنّ فترة أربعة عشر قرناً من تعامل المعصومين مع النَّص القرآني كفيلة بصياغة منهج متكامل في فهم القرآن الكريم وكيفية استفهام آياته ووعي دلالاته في عصرنا، وخاصة لو نظر إلى أنَّ هذه الفترة الطويلة قد تجرّبت فيها الحياة بأنماط وأشكال متنوعة، كلٌّ عاشَ زمناً يتميّز عن غيره السابق وقد جَرَّبَ ظرفاً اجتماعياً خاصاً مما اضطر كُل منهم(ع) أن يقارب الدلالات القرآنية طبقاً لقراءة النَّص ومنهاجهم فيها من جهة، وفهم للإنسان والمجتمع المعاصرين ووعي تفاصيل الحيثيات والملابسات المحيطة من جهة ثانية.

وإنّ متابعة دقيقة للنصوص القرآنية مع رعاية منهجية علمية في دراسة طريقة فهم المعصومين(ع) تثبت أنَّ القرآن الكريم كان بمثابة المرجع لهم أولاً، وأنَّ مثل هذه الدراسة تكرّس لمنهاج متكامل في تعامل الإنسان مع القرآن والسنّة ثانياً وهو قابل للإقتباس والتعميم.

التجديد في خطوطه العامة:

إنني وبعد محاولة لِمعرفة المعالم الكلّية والخطوط الشاملة والعريضة لمشاريع التجديد وطروحات النهضة لم أقف على عدد ملحوظ من هذه النظريات والجهود مما ارتكز على اعتبار المرجعية المعرفية والاجتهادية للقرآن هي الأصل والبديل. وبدا لي من هذه المطالعة أنّ هؤلاء ينظرون إلى الأمّة والمسلمين كافة وكأنهم ساكتون على أمر بديهي وأنهم متقاعسون في ما هو واضح من أمر أبعاد الحياة كافة وأنَّ الدور السياسي سيكون العلاج الأخير. رغم أنّ المعضلة الكبرى والمصيبة العظمى هي أنَّ سير العلم الديني والتربية الإسلامية والثقافة الأسرية ليس على أساس ينتهي إلى القرآن، والعقل المسلم لا يرتكز في التنشيط عقله وتحريك وعيه إلى تفاهم النص القرآني، والأدهى والأمرّ من ذلك هو أنّ الدعوة الإسلامية قد فشلت في جعل القرآن الكريم وما يحويه من عناصر التكوين الشامل لمشروع الإنسان المهتدي والمجتمع المهتدي والموالي، قد فشلت في المرجعية الأولى في تكوين الثقافة وأصول التربية. وأمّا وضع الاجتهاد ومدى الارتباك والاضطراب فيه بشأن المساهمة القرآنية فهو واضح.

وهناك جانب آخر لنقد التوجهات التجديدية وهو متعلق بالتركيز على نقد النقد ورفض تبنّي الطروحات الراهنة هنا وهناك، تحت عناوين وحجج قد تكون صحيحة إلاّ أنَّ المطلوب هو العمل على تقديم الحلول والبدائل في التنظير الحضاري والسعي لإيجاد تبريرات دقيقة للأحكام الشرعية يتم فهمها ووعيها ضمن منظومة نظرية متكاملة.

إنّ المشهد الفكري الديني رغم كونه حافلاً بالنشاط والتحرّك وبالذات في جانب المحاولة للدفاع وتطبيق أجوبة الأمس على أسئلة اليوم، إلاّ أنه خال نوعاً ما من أي حركة جادة وشاملة في تحديد قوانين وقواعد عامّة دون تقاطعها في حقول الفقه والكلام والسياسة والاقتصاد والتربية ودون أن يشذ كلّ من الاتجاهات عن السير الشمولي للمعرفة الدينية وينقطع في مستويات مختلفة عن أطرافه.

إنّ إحداث تطوير عميق جداً في النظام التربوي من خلال الاستفادة العاقلة من شمولية المفاهيم التربوية- على عكس ما هو موروث في مفهوم التربية الدينية- وإعادة النظر في كيفية التعامل والتعاطي بين العنوان الشامل والمستوعب وغيره من ركائز المعرفة الدينية وكلّ ذلك عبر دراسات تربوية أو قراءات تربوية لنصّ القرآن الكريم في منهج قراءة، ومنهاج فهم قد كرّس له النبي(ص) والأئمة من بعده(ع) جزءاً مهماً من حياتهم وجهودهم، إنّ إحداث عمق بهذا المستوى في النظرة التربوية والتنظير التربوي يمكن أن يكون تمهيداً لإرساء حضارة إنسانية- إلهية وبناء شخصية إنسانية متسمة بالقيم والمواصفات الأخلاقية ضمن هذه المجموعة الكاملة من الحركة والنشاط والاجتماع.

إنّ حصيلة عدم الاعتراف بمرجعية القرآن الكريم في ذلك كلّه، هي الوقوع في فخ اعتبار نصوص ظرفية جزءاً أساسياً في التنظير وبالتالي انتهاء إلى محاولة قولبة زمن وعصر يختلف في كلّ شيء عن سوابقه بقوالب تاريخية، ما يدفعنا باتجاه اعتبار نسبة كبيرة منها كمرجعيات معصومة لأجل فهم وصياغة المنهاج الاستنباطي بصرف النظر عن الظرف التاريخي المصداقي الذي يرتبط المعنى والدلالة الخاصة به.

وبشكل أوضح أنّ تفسير القرآن الكريم في جانب المنهاج والميثودولوجيا للفهم والتفسير دون الارتباط المتين بالسنّة المعصومة في أكثر من حالة قد يؤول إلى الانحراف؛ ومن هنا فهي ضمان لعدم الضياع والوقوع في تيه إثر مشاهدة كثرة الاحتمالات والوجوه الدلالية للآيات مثلاً، مع أنّ المنهاج المعصوم في فهم القرآن لا يَحصرُ فهمَ الآية في احتمال ولا يريد أن يعمّم احتمالاً معنوياً قد يصلح لظرف ما، على الظروف الأخرى كافة.

رغم ذلك، قد يصحّ القول: إنّ تحميل التعامل الأحادي مع القرآن والتعاطي الحصري معه وعدم الاستفادة من النصوص غير القرآنية مسؤولية كلّ الانحرافات ليس صحيحاً؛ لأنَّ القرآن الكريم بكليته لم يتحول إلى المركز ومازال لا يشغل القدر المتوسط من الهمّ الفكري والمعرفي للمعني بالشأن العلمي الديني.

مع ذلك ينبغي الانتباه إلى أنَّ الحديث ليس في أصل الأدوار وكيانها؛ لأنَّ الفهم الذي لا يرتكز إلى منهاج النبي المرسل إليه النّص نفسه في فهم القرآن ومن بعده خلفائه المعصومين، سيكون فهماً مليئاً بالسقطات واحتمالات الضلال. وإنما القصد هنا تكريسُ مبدأ مرجعية القرآن والالتجاء إليه في حال حصول الالتباس وعدم السعي لتقويم دلالات القرآن عبر غيره وإنما العكس هو المطلوب تحقيقه.

ملاحظات قبل الختام:

وأخيراً يجدر ذكر عدة نقاط حول مشروع نقد البحث القرآني الكلاسيكي المدرسي ومن ثم الحديث النهائي عن التنظير:

1- من أولويات هذه الدراسات في ما يخصّ الاهتمام النقدي هو وعي مدى العلاقة بين المعرفة القرآنية في سياقها التاريخي، وبين الصياغات والمضامين العلمية للنظريات والأنظمة الفكرية القبلية ومع العينيات الموضوعية والواقعية من جهة ثالثة. بحث في غاية الأهمية والحساسية سيكون مساهماً فاعلاً في إيضاح صورة التعاطي مع القرآن الكريم وفهم متونه.

2- إنّ القرآن الكريم هو العنوان المشترك بين الأطراف المذهبية الإسلامية وهو بمثابة العامود الفقري للتصور الإسلامي، والخلل فيه أو الإيحاء الكثيف إلى ذلك قد يكون مساهماً في إضعاف هذه الموقعية واستضعاف الرؤية الإسلامية على المستوى العام. ما يجعلنا ندعو حركة النقد للتفسير إلى تجنب إيجاد صورة سوداوية في ذلك بالتركيز على الجوانب السلبية مهما كانت الدواعي والحوافز في ذلك؛ لأنّ اتجاهات كثيرة جداً من حركات المطالعة الاستشراقية أو غيرها للقرآن تتربص بالمشهد لنقل ما يبدو متهافتاً إلى الساحة العامة.

ذلك لأنهم يوازون بين النقد التقليدي للكتاب المقدس والذي كان متوجهاً إلى تباين وتفاوت المكونّات فيه وسبَّبَ في آخر المطاف هبوط القيمة المعرفية له، وبين أي عمل نقدي للدرس والبحث والتفسير القرآني، رغم أنّ محور النقد الإسلامي حول العمل القرآني مُتّجه نحو تفسيره وفهمه وليس يتجه نحوه، عكس ما كان ولا يزال في الغرب فيما يتعاطون مع الكتاب. ويحثني ذلك على أن أدعو الجميع بإلحاح إلى إيجاد توازن واعتدال في اهتماماتهم بين تقديم البدائل والتنظيرات الحضارية من جهة والجانب النقدي من جهة ثانية. كي لا يتحوّل النقد من كونه فرصة للتطوير والتنظير إلى تهديد وتحدٍّ للذّات والمرجعية للهويّة، وتخصيب المناخ لسوء الفهم وإساءة الرؤية إلى كتاب الله المعصوم.

4- إنّ المنهاج أو المناهج المعتمدة في حماية النقد للكتاب المقدس أو مثيودولوجيا نقد النص المقدّس عموماً في الغرب لا يصلح اعتباره منهاجاً متناغماً مع اللّحاظات الإسلامية للنقد الداخلي لأسباب متنوعة جداً؛ منها ما هو متعلق بالسياق التاريخي، وأيضاً بطبيعة المجالين المختلفين من عدة جهات.

حيث إنَّ السعي الإسقاطي للتعميم لا يولّد إلا سوء الفهم والمغالطة، لأنَّ هناك مفروضات مسبقة في تلك المناهج قد تسقط كلّياً لدى نقدنا للتفسير القرآني، وهي –أي هذه المفروضات- منها ما هو فلسفي أو اجتماعي أو تاريخي وما إلى ذلك من مجموعة مقوّمات منهجية لا تسمح للمناهج النقدية أن تتعمّم وتتحرّك بمصداقية.

فقدان التوازن في الاهتمام النقدي من جهة وتجاهل العمل التنظيري، والحركة الرامية إلى وضع أسس مجدّدة ومحدّثة للاجتهاد أو عمليات التوفيق بين المدلول الشرعي للنصوص الدينية والأحكام النقلية-الوضعية، فقدان هذا التوازن والدقة المنطقية والتخادمية –لو صح التعبير- بين الجانبين سوف يخلّ بحركة الفكر الإسلامي والنشاط الديني عموماً ومعها يصعب الحديث عن حضارية المعرفة الدينية، وإمكانية اعتبارها بمثابة الركيزة والأساس لحركة الحياة المعرفية.

وإن نظرة عابرة إلى حجم العمل النقدي الذي يتناوله النقد الإسلامي، أو الذي يقوم به الإسلاميون عموماً وبخاصة لو أضفنا إليه العملَ النقدي المتوجه نحو المفاد الديني – نصّاً وتفسيراً- من قبل أوساط غير إسلامية، تؤكّد ضآلة الاهتمام المنصبّ في خانة التنظير وتحضير البدائل الفكرية الإسلامية، ولعلَّ القضية المركزية في هذا التقاعس هي أنّ الاهتمام الأكبر لقواعد الاستنباط مازالت تنصب على الجانب غير القرآني من النصوص الشرعية، وإن عدداً لا يستهان به من القائمين على مثل هذه الأعمال والاجتهادات وسط الأمة مازالوا يعتبرون الصيغ الماضية في تعامل المسلمين مع الاجتماع السياسي أو الاقتصادي ومفاهيم التربية والدعوة وغيرها من مفاصل الحياة الحديثة، هي الفضلى دون الاستناد في ذلك إلى الدلالات القرآنية أو المفاهيم القواعدية من النصّ الشرعي، وإنما لمجرّد شعورهم بأفضلية الصيغ القديمة والمجرّبة في أنماط ممارسة السلطة مثلاً.

وعلى كلّ حال، إنَّ الظروف الراهنة هي أصعب على حال الأمة الإسلامية والمجتمع البشري عموماً من نواحٍ كثيرة وعلينا العمل على إرساء قواعد اجتهادية وقوانين كلية للدلالات الشرعية إلى جانب جهود توفيقية للمصالحة العقلية-الشرعية بشكل حاسم وقاطع للخروج من أكثر من أزمة تخيّم على أوضاعنا. مخرج الصدق ومدخله هو اللجوء إلى القرآن الكريم خلال قراءات ومطالعات منهجية جديدة، تحظى بأوصاف الشمولية والحركية وعلى المستوى القواعدي والمتعلق بالطبقات العالية والخاصة بفلسفات الوجود الشرعي وأسباب جوهرية للتشريع دون الغرق في الشعائر الدينية أو العناصر الرمزية والشكلية أو حتى الجوانب المتعلقة باقتضاءات تاريخية وظرفية، فرغم ما لهذه الحالات والمستويات من أهمية لا تنكر، بَيدَ أنها لا تساعد على وضع القواعد أو بالأحرى، إن مرتبتها ومستواها في العملية التنظيرية بالأفق الحضاري والعالمي دون المستوى الاستراتيجي من المعرفة الدينية، لأنّ هندسة الاجتهاد التقليدي غير مبنية على أسس الفهم الحضاري الاجتماعي؛ فلذلك فإنه من الطبيعي في هذه الرؤية المدرسية أن ترتكز إلى عناصر التفريع غير القابلة للبناء الحضاري؛ لأنها تفتقر إلى تنظيرات مسبقة فلسفية شمولية عامة هي المنطلق الأول في تشميل وتنمية ركائز الاجتهاد الحياتي.

إنّ مراعاة التوازن والاعتدال في حقول البحث والدراسة بين الحركة النقدية والتي تؤسس لبدائل جديدة، ولتنظيرات منهاجية خاصّة، وتوزيع الإمكانيات والموارد البشرية والفكرية والمادّية على كلا الجانبين تمثّل خطوة عاجلة وطارئة دونها تبدو المحاولات الرامية إلى تغليب النقد الخالي من صياغة البدائل والحلول، غير كافية للتأسيس الحضاري للفكر الديني، ومن دون أدنى تردد فإنّ كتاب الله الكريم لما فيه من رؤى عامّة استراتيجية وأسس هندسية للدين الشمولي، يمثل قطب الرحى وكعبة المصادر وقبلة العقل والفكر وعليه ينبغي أن يرتقي مستوى التعامل معه في العمل الإجتهادي.

شبكة النبأ المعلوماتية - السبت 18/10/2003 - 20/ شعبان/1424