ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

الاقتصاد اللامادي والثورة التكنولوجية

هشام محمد الحرك*

آفاق التلقي الجديدة من خلال العولمة والاقتصاد اللامادي والثورة التكنولوجية العولمة، الاقتصاد اللامادي، الثورة التكنولوجية الحديثة، الانسان بوصفه متلقيا، والتلقي، والتلقي عن بعد، وأثر ذلك على الفنون والاداب، وتحديدا، على المسرح الذي يجمع الكتابة والفن والانتاج والتسويق والارسال والتلقي. هذه هي الأسس التي يجب الاعتماد عليها في أية مقاربة لواقع ومستقبل الممارسة المسرحية عند العرب.ولكن، لنبدأ من حيث انتهينا فجرَ القرن الجديد..

عولمة أم شوملة؟ العولمة مصطلح حديث النشأة والعهد. لكنه تمكن، على الرغم من ذلك، من غزو جميع الخطابات واختراق كل الممارسات، تقريبا، بشكل ليس له نظير من قبل. فعلى مستوى الخطاب الاقتصادي أسس المصطلح، من بين ما أسس له، ما سمي بالعولمة الاقتصادية، بينما أسس بالنسبة لخبراء التكنولوجيا لما سمي بالعولمة التكنولوجية في الوقت الذي تبناه "أهل الثقافة" فيما أسموه بالعولمة الثقافية أو رجال الأعمال فيما اصطلحوا على نعته بعولمة المال والأعمال ورأس المال.

على مستوى الممارسة وظف المصطلح، من بين ما وظف فيه، لتبرير وبالتالي تمرير برامج ومخططات لم ينجح الخطاب السائد إلا جزئيا في تبريرها وتمريرها. فنجد من هنا من يفسر طبيعة الأزمة بظاهرة العولمة، وينادي بضرورة مسايرتها أو على الأقل التكيف معها. ونجد من يرى فيها إحدى فرص الخلاص على اعتبار ما توفره من حوافز وما يمنحه تبنيها من امتيازات. دأبت الأدبيات الاقتصادية، منذ عهود بعيدة، على الحديث عن اقتصاد أو علاقات اقتصادية بين الدول والشعوب للتدليل على وجود علاقات تبادل للسلع والخدمات وتنقل للأفراد والرساميل بين هذه الدول والشعوب. وقد نظر لذلك بعمق ومؤسس له بجدية كبيرة على الأقل منذ الثورة الصناعية وانتصار الرأسمالية وتقدم القيم الليبيرالية. بالتالي ، فالمصطلح، مصطلح الاقتصاد الدولي، إنما جاء لتكريس وجود علاقات اقتصادية دولية يتم من خلالها تبادل السلع والخدمات بين الدول وفي إطارها تتنقل الرساميل وفي سياقها يتحرك الأفراد وتنتقل المجموعات.

من الوارد القول إذن، بناء على ذلك، إن العولمة إنما هي ظاهرة انبثقت من ظاهرتين سابقتين لها، هما ظاهرتي التدويل و تعدد الجنسيات. وتتجلى في هذه المقاربة كما في غيرها، الصعوبة الموضوعية التي يطرحها أمر ترسيم حدود فضاء العولمة لا على اعتبار الطابع العالمي للظاهرة فحسب، ولكن أيضا بالاحتكام إلى ضعف الأدوات الإحصائية الكفيلة بتحديد ذات الفضاء، وهو ما لم يكن مطروحا (و لا واردا حتى) بالنسبة لمقاربة ظاهرتي التدويل وتعدد الجنسية. ويمكن أن نلاحظ هنا ايضا عدم قارية وثبات مصطلح العولمة وتطوره المستمر، بالتالي انفتاح طرحه وتفتحه على ظواهر جديدة له، مواكبة لظهوره، كتزايد دور العلم والتكنولوجيا في الأنشطة الإنسانية وتطور انتشار تكنولوجيا الإعلام والاتصال على نطاق عالمي واسع متجاوز للحدود والتنظيمات والقوانين. لقد أصبح ثابتا الان في أية تناولات لقضية العولنة، تلك الاحالة إلى خاصية التناقض التي تتسم بها ظاهرة العولمة في إحدى جوانبها لا سيما ظاهرة علمية التكنولوجيا وتكنولوجية العلم، وهي الظواهر التي تنبئ بما سيكون عليه النشاط الإنساني طيلة القرن الحادي والعشرين اقتصادا واجتماعا وطبيعة معرفية. ما يميز ظاهرة العولمة، فضلا عن كل هذا، أنها لم تُمَأْسِسْ فقط لقطيعة في التوجهات السابقة لها (انفتاح وتداخل الاقتصاديات عبر تطور المبادلات وظهور أقطاب اقتصادية جديدة كالدول الآسيوية، وكذلك زيادة وتيرة الاستثمارات الدولية وما إلى ذلك)، بقدر ما ساهمت في تعميقها وإثراء محتوياتها. وهذا الإثراء تمثل أساسا لا في كون ظاهرة العولمة قد مست فحسب جميع مراحل العملية الإنتاجية بما في ذلك عملية البحث والتطوير، وتزامنت وظهور أشكال جديدة لتنظيم الأسواق (التحالفات بين المؤسسات قصد امتلاك التكنولوجيا الجديدة والتقسيم السريع والممنهج للمعرفة وكذا تنظيم قطاعات صناعية جديدة...الخ)، ولكن وبالخصوص في تأثيرها على مكانة ودور بعض المؤسسات الرسمية كمؤسسة الدولة/الأمة، حيث تزايد نسبية السياسات الاقتصادية الوطنية، وكذا مؤسسة البحث العلمي حيث مكنت العولمة من تعميق العلاقات بين المؤسسات الإنتاجية الوطنية والدولية وبين مؤسسات إنتاج المعرفة ومحيطها الاقتصادي وما إلى ذلك. إن ربط تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال بظاهرة العولمة إنما يجب أن يتم عبر مسألتين متلازمتين: المسألة الأولى وتتعلق بكون تكنولوجيا الإعلام والاتصال (من معلوماتية واتصالات وسمعي- بصريات) لم تحدد لمسار العولمة بقدر ما مهدت لها الطريق ويسرت لها السبل. والمسألة الثانية وترتبط بكون هذه التكنولوجيا لم تَسْلَمْ هي نفسها من ظاهرة العولمة، كما لم تسلم من ذي قبل وإن بمستويات أخف، من ظاهرتي التدويل وتعدد الجنسية. من الثابت إذن، على الأقل من الناحية الكرونولوجية لتتابع الأحداث، إن مرحلة عولمة الاقتصاديات والمؤسسات الإنتاجية قد تزامنت ومرحلة عولمة الإعلام والاتصال والرموز وكذا للمؤسسات المنتجة والمروجة لها، وبالذات مؤسسات الإعلاميات والاتصالات وتقنيات ومحتويات السمعي-البصريات. إذ أن " تراسل المعطيات بسرعة الضوء (300000 كيلومتر في الساعة) ورقمنة النصوص والصوت والصورة، والالتجاء لأقمار الاتصالات وثورة الهاتف وتعميم المعلوميات في قطاعات إنتاج السلع والخدمات وتصغير الكومبيوترات وربطها داخل شبكة كوكبية، قد مكنت من خلق انقلاب ضخم وشامل في نظام العالم". وعلى أساس كل هذا لم يتردد البعض في وصف اقتصاد نهاية هذا القرن واقتصاد القرن المقبل باقتصاد الرموز على اعتبار أن المعطى التكنولوجي المركزي الذي مكنته وسائل الإعلام والاتصال يتمحور حول اللامادية والسرعة والآنية والشمولية وما إلى ذلك، مؤسسة بذلك لما بدأ يصطلح عليه بـ "الشوملة" أو "الكوننة". وقصارى القول في هذا السياق هو ان السلطة (في ظل العولمة) لم تعد تكمن في امتلاك الأدوات المادية من أرض وموارد طبيعية وآلات وغيرها، بقدر ما أصبحت تتمحور تدريجيا حول التحكم في الأدوات اللامادية من بحث علمي وتحكم في التكنولوجيا العالية، في الإعلام والاتصال والمال لدرجة بدأ الحديث يتركز على مجتمع الإعلام والاتصال والمعرفة أكثر ما يتركز على المجتمع الإنتاجي المادي المقدم في كونه تقليديا.

ولعل إحدى أبرز العلامات على الميل المضطرد باتجاه الاقتصاد اللامادي بروز شركات كبرى للإعلام والاتصال وتوسع نشاطها على المستوى الكوني. إذ من بين 20 مؤسسة صناعية كبرى نجد ستة منها متخصصة في الإلكترونيات الدقيقة وفي المعلوماتية في حين لم يكن لمثل هذه الشركات أثر يذكر قبل عشرين سنة مضت. من الطبيعي إذن أن نتفق مع أحد المختصين بشأن العولمة، وهو " ريكاردو بتريل"ا في رأيه القائل بأن الغزاة الجدد (وهم صانعو العولمة دون منازع) هم أشخاص معنويون (أو عاديون حتى) ذوو قدرات مالية هائلة يتصرفون بفضلها في تخصيص وتوزيع الموارد العالمية، يحددون القيم والرهانات والأولويات بل و" يلعبون" في بعض الاحيان وعلى مزاجهم قواعد اللعبة على المستوى العالمي. فإن "أسياد العالم" هم اليوم قلة تتمثل في بضعة مئات أشخاص، رؤساء وأعضاء لجان تسيير لمؤسسات قليلة العدد تعمل في ميادين الإلكترونيات والمعلوماتية والاتصالات والبرامج والسمعي-البصريات والصحافة والنشر والتوزيع، والأنكى من هذا هو ان ربعهم متمركز في أوروبا، ومثله في آسيا والباقي في أمريكا ". وعلى اعتبار التحالفات الاستراتيجية التي يبرمونها فيما بينهم والاندغامات التي يخضعون لها فإن عشرة شبكات عالمية متداخلة وضخمة فقط هي التي تسير الاقتصاد وترسم معالمه المستقبلية على خلفية أنه قليلة اليوم هي الشركات التي تستطيع لوحدها فرض منطقها وسلطانها على السوق العالمي، بالتالي فمفهوم القطب ذاته لم يعد ذو قوة تفسيرية ذات بال إذ انصرف عنه لصالح مصطلح شبكات التحالفات المتعددة الأقطاب. لم يعد السوق العالمي إذن في ظل ظاهرة العولمة مجرد فضاء مادي تتم من خلاله العمليات التجارية والمالية كما عهدناه في مرحلتي التدويل وتعدد الجنسية، بل أضحى ملتقى إعلاميا كوكبيا يتم في إطاره تبادل المعطيات والتحكيمات المالية على حساب الاقتصاد الواقعي أو المادي، وخرجت من صلبه مافيات نشيطة ذات خبرة واسعة في مجال المضاربات المالية والعقارية واندحرت داخله مفاهيم المنافسة الحرة وقيم الشفافية لصالح الممارسات الاحتكارية وثقافة الارتشاء والتهرب من الضرائب وتبييض مال المخدرات...الخ.

هذه العولمة خلقت إذن "مجتمع شبكات عالمي" لا " قرية كونية" كما تنبأ بذلك مارشال ماكلوهان، إذ لا يعدو الأمر كونه "نقلا للسلطات القطرية لا لصالح مؤسسات فوق- قطرية ولكن لقوى خاصة ذات مصالح عالمية آنية ستدخل لا محالة في صراع مع ضرورات تنمية مستديمة، موزعة توزيعا عادلا، مقررة ديموقراطيا ومقبولة إيكولوجيا...". ثورة تقنية جديدة من المسلم به اليوم ان المجتمع الصناعي الذي ساد طيلة القرن العشرين قد أخذ في التراجع ليترك المجال أمام مجتمع المعلومات، وخاصة في البلدان التي راهنت مبكراً على القطاع الالكتروني والاقتصاد اللامادي. ومنذ أن ظهرت أولى ملامح هذا المجتمع الجديد منذ ربع قرن توصل الباحثون جميعاً إلى استنتاج واحد وهو ان عهداً جديداً قد أتى وقوامه الإعلام والمعرفة إلى جانب المادة والطاقة.

يقوم مشروع الطريق السريعة للمعلومات والاتصال بالاعتماد على الشبكات التفاعلية ذات الدفق العالي والنطاق الواسع، كما انه يتجسم بالتقاء المعلوماتية والهاتف والتلفزيون ومزج الصور المتحركة مع الصوت والنص المكتوب والمعطيات الرقمية، ومن المنتظر ان تمر هذه الطريق بكل بيت وان تدخلها عبر جهاز الحاسوب والتلفزيون والشاشة حيث سترتبط عالمياً أغلب العائلات بشبكة الانترنت قبل سنة 2020. وبذلك سيتيسر تبادل المعلومات في أي مكان وبمختلف الأشكال، وستساعد الوسائط الاعلامية مهما بعدت المسافة على انجاز الكثير من الخدمات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما سيصبح بالامكان توظيف هذه التجهيزات في مجالات السياسة الدبلوماسية والدفاع الوطني وغيرها. وتتمثل المشاريع النموذجية التي حددت لتحقيق هذه الأهداف في تكثيف تدفق الإعلام وتبادل البيانات واختيار المشاريع التي تتكامل فيها الفوائد الاقتصادية والاجتماعية وتساعد على بروز أسواق واسعة لتبادل المنتجات الثقافية الجديدة وخلق حاجات غير معهودة.

الاقتصاد اللامادي

يعتبر الاقتصاد اللامادي مفهوما جديداً نسبياً انشأه عصر الاتصالات عن بعد وهو اقتصاد يقوم اساساً على انتاج الفكر الإنساني بحيث تكون الموارد البشرية أهم موارده واضعة في خدمتها الاتصالات الحديثة. وفضلاً عن اسهامه في التنمية باستثمارات غير مرتفعة بما ان الذكاء هو رأس المال الاساسي في هذا المجال، فان الاقتصاد اللامادي يفتح افاقاً هامة على مستوى التشغيل بصفة عامة وتشغيل الكفاءات المختصة على وجه الخصوص كما يسهل التبادل بين المؤسسات وقضاء شئون المواطنين عن بعد في وقت قصير وبأقل التكاليف. لقد أحدث الاقتصاد اللامادي انعكاسات متعددة وفي الوقت ذاته في الفرد والمؤسسة والادارة والجمعية، وقد يغطي خمسة مجالات محورية من الضروري ان تنصهر ضمنها بصفة متناسقة وتدريجياً المؤسسات وأصحاب الكفاءات والمستعملون. ففي خصوص تبادل المعلومات الالكترونية أصبح الانخراط بشبكة الانترنت من الحاجيات الأساسية للجمعية أو للمؤسسة والمواطن عموماً، إذ ان استعمالها أضحى شرطاً من شروط كسب القدرة الاضافية من حيث الكلفة والسرعة إلى جانب الامكانيات المتاحة لتطوير التشغيل والتصدير. أما المجال الثاني فهو يتعلق بتبادل الخبرات والخدمات عبر الطرق الالكترونية حيث عرف رقم معاملات التجارة الالكترونية في العالم، أي البيع والشراء عبر الانترنت، انفجاراً فاق كل التوقعات وتبين ان شبكة الانترنت خلقت سوقاً عالمية لتجارة السلع والخدمات لم يسبق لها مثيل من قبل ويمكن لتنظيمات مهنية ان تلعب دوراً مهماً في تنظيم هذا النشاط الجديد. ويتصل المجال الثالث بالعمليات الالكترونية عبر الانترنت، وهي حلقة أساسية لتطوير التعامل في الاقتصاد اللامادي وتمثل مجالات واسعاً لتنمية خدمات ومهن جديدة ذات قيمة مضافة عالية. كما سيتيح هذا النظام الجديد للعمليات فرصاً كبيرة للاستفادة من هذه الخدمات والآليات كتجديد اشتراك الأعضاء وتوزيع النشرات وإبلاغهم آخر المعلومات المتصلة باجتماعاتها وبرامجها. أما المجال الرابع فهو يتصل بإحداث أنماط جديدة من العمل حيث أصبح العمل عن بعد يشهد حركة متسارعة، إذ ان ملايين من العمال والكوادر يمارسون نشاطهم عن بعد بمؤسسات متواجدة في مختلف أنحاء العالم، وقد برزت في السنوات الأخيرة خدمات على الخط في بعض الاختصاصات تتطلب خبرات عالية غير متوفرة بالقدر الكافي، وتطورت من جهة أخرى خدمات متعددة في هذا الاتجاه. ويخص المجال الأخير تطوير الذكاء واستغلاله وتقاسمه، وذلك عن طريق توفر وسائل تكنولوجية للمتعاملين عبر الشبكة للحصول على الحلول للاشكاليات المطروحة بفضل وجود مزودي خدمات الذكاء.

لماذا القارئ؟ وما أو من هو؟ يلعب مفهوم القارئ والقراءة دورا أساسيا في الفكر والممارسة النقديين في الوقت الحاضر. وهناك من يزعم بأن مفهوم القراءة والتقبل والتلقي هي من أهم علامات مرحلة العولمة، بعد قامت تلك المفاهيم بالتبشير بقيم ما بعد الحداثة ومهدت للانتقال الى الدور المعرفي الذي نحن فيه الان. ولكن، يزعم البعض بأن مقولة "القارئ" كمكون أساسي في العملية الإبداعية ليست بجديدة علينا، فقد أثيرت منذ أمد بعيد. وقد بدأ الاهتمام بالقارئ والقراءة قبل ظهور نظرية التلقي ، غير أن هذا الاهتمام لم يسفر عن تصور منهجي نسقي لهذه العملية ، بحيث بقي في طور البدايات ، وإن الفصل الذي خصصه سارتر في كتابه " ما الأدب ؟ " تحت عنوان " لمن نكتب ؟ ". يبرز بجلاء الانشغال المبكر لدى هذا الفيلسوف الوجودي بمسألة القارئ والقراءة، كذلك نذكر في هذا السياق ذلك الكتاب المهم الذي أبدعته الروائية "فرجينيا وولف" بعنوان "القارئ العادي".إن مواصفات القارئ التي يضعها سارتر تتحدد من خلال مفهوم الحرية والتاريخية، فالقارئ شخص منخرط في التاريخ ليس بالقارئ المثالي ولا بالقارئ الساذج. ومعالمه تتحدد أيضا في ثنايا العمل الأدبي ، إذ ما دامت " حرية المؤلف وحرية القارئ تبحث كل منها عن الأخرى، ويتبادلان التأثير فيما بينهما من ثنايا عالم واحد ، فمن الممكن أن يقال : إن ما يقوم به المؤلف من اختيار لبعض مظاهر العالم هو الذي يحدد القارئ ، كما يمكن أن يقال أيضا إن الكاتب - حينما يختار قارئه - يفصل بذلك في موضوع كتابه. ولذلك كانت كل الأعمال الفكرية محتوية في نفسها على صورة القارئ الذي كتبت لــــــه"من خلال هذا النقد الذي يوجهه سارتر للمنهج الوضعي، الذي يحاول تفسير الإبداع بمقولات خارجية متحكمة ومقيدة للحرية ، تبرز الخلفية الفلسفية المتحكمة في تصوره للإشادة بمقولة القارئ باعتباره محررا للعمل الأدبي وضامنا لاستمراريته في الحاضر والمستقبل ، في حين أن كل تفسير يعطي الأولية للعلل المتحكمة يسقط في دفع العمل إلى الماضي وإلى الخلف. تبقى هذه الأفكار حول مفهوم القراءة والقارئ لبنات أولية في بروز نظرية التلقي ، هذه النظرية التي ستتخذ صيغتها النسقية في ألمانيا ، في مدرسة كونستانس، وقد كان من أبرز رواد هذه النظرية كل من هانز روبرت ياوس وفولفغانغ آيزر.

نشأة نظرية التلقي والأسس المكونة لها يذهب " فان جوف " في كتابة "ما هي القراءة" إلى أن السبب في الاهتمام بالقراءة والقارئ هو المأزق الذي عرفته الدراسات الشكلانية ، والتطور الذي حصل في ميدان اللسانيات ، لقد بدأ الاهتمام بالقراءة يتطور " في الوقت الذي عرفت فيه المقاربات البنيوية بعض الفتور ، إذ تبين أن اختزال النص الأدبي إلى مجموعة من الأشكال عديم الفائدة ، لقد أصبحت الشعرية في مأزق ـ إذ كل دراسة تعنى بالبنيات فقط تؤدي إلى نماذج عامة وناقصة جدا ".أما "روبرت هولوب" ، في كتابه نظرية التلقي ( مقدمة نقدية ) فإنه اعتمد مقالة لهانز روبرت ياوس نشرت سنة 1969 تحت عنوان " في أنموذج الدراسات الأدبية ". حيث لخص فيها هذا الأخير تاريخ المناهج الأدبية مفترضا أن بداية ثورة ما في الدراسات المعاصرة كانت على وشك الحدوث. وقد أكد ياوس في هذه المقالة " أن دراسة الأدب ليست عملية تشتمل على التراكم التدريجي للوقائع والحجج التي من نشأتها أن تقرب أكثر، كل جيل متعاقب ماهية الأدب في الواقع أو تقربه من فهم صحيح للأعمال الأدبية الفردية ، بل بالأحرى يتميز التطور الأدبي بالقفزات النوعية والانقطاعات ونقط الانطلاق الأصلية. ويتم إقصاء الأنموذج الذي سبق أن وجه البحث الأدبي في الوقت الذي لم يعد يستجيب للمتطلبات التي وضعتها له الدراسات الأدبية ، وهكذا فإن أنموذجا جديدا يكون ملائما أكثر لهذه المهمة ومستقلا عن النمط الأسبق ويحل هذا الأنموذج محل المقاربة المتقادمة إلى أن يصبح هو بدوره عاجزا على مسايرة وظيفته التي هي تفسير الأعمال الماضية للأجيال في الوقت الحاضر. يتبين من خلال هذا النص أن ياوس استفاد من بعض المفاهيم الأبستيمولوجية ، وهي مفهوم "الأنموذج paradigm " و " الثورة العلمية " محاولا بذلك إعادة تفسير طبيعة التطور الأدبي محتذيا في ذلك منهجية العلوم الطبيعية ، فمفهوم الأنموذج مكنه من رصد الانقطاعات الحاصلة في التطور الأدبي ؛ حيث أن كل أنموذج يحمل معه رؤية ترتبط بأسئلة معينة وتستجيب لحاجيات خاصة ؛ وحينما يعجز الأنموذج على مسايرة التطورات الحاصلة ولا يقدر على إيصال الأعمال القديمة للقارئ الحديث فإنه يخلي المكان لنموذج آخر ، قادر على خلق تقنيات تأويل جديدة وكذا الموضوعات التي ينبغي تأويلها. ولكي يبرز ياوس جدة الأنموذج الذي سيطلق عليه نظرية التلقي، سيصنف النماذج السابقة مبرزا طبيعتها وخلفياتها وحدودها وهي كالتالي : أ/ أنموذج ما قبل المرحلة العملية : وهو أنموذج كلاسيكي ذو نزعة إنسانية يعتمد كمعيار مقارنة الأعمال الأدبية بالنماذج المتفق عليها لدى القدماء. فالأعمال التي قلدت الأعمال الكلاسيكية بنجاح كانت تعتبر جيدة أو مقبولة ، أما تلك التي خرجت عن أعراف النماذج العريقة فكانت تعتبر رديئة أو غير مرضية. وكانت مهمة الناقد هي قياس الأعمال الأدبية في الحاضر مقابل القواعد الثابتة. ب/ أنموذج الثورة العلمية للنزعة التاريخية : ظهر هذا الأنموذج بعد انهيار النموذج الأول في القرنــــين 18 و 19 وقد ظهر عقب تأسيس الأمم والاتصالات من أجل الوحدة الوطنية في كل أرجاء أوربا . وكنتيجة للتغيرات السياسية والتخمينات الإيديولوجية ، فقد أصبح تاريخ الأدب لحظة مؤملة من لحظات الشرعية الوطنية وبالتالي ارتكز النشاط على دراسات المصادر وعلى محاولات إعادة بناء ما قبل التاريخ لنصوص القرون الوسطى المعيارية ... وغالبا ما ارتبطت هذه المقاربة " التاريخانية " الوضعية من حيث المنهج بمقاربة آلية للنصوص وكذا برؤية ضيقة تكاد تكون شوفينية. ج/ النموذج " الجمالي-الشكلاني": داخل هذا الأنموذج مناهج متعددة كالأسلوبية وتاريخ الأفكار، والشكلانية الروسية ، والنقد الجديد ، وما يربط مختلف هؤلاء النقاد والمدارس هو التحول من التفسيرات التاريخية والسببية إلى التركيز على العمل نفسه. إن الوقوف على محدوديته هذه الأنموذجات سيفسح في المجال لظهور أنموذج رابع ، ولو أنه "لا يمكن تحديده بعد بشكل دقيق" كما يذهب الى ذلك "هولوب" ، غير أن ياوس يضع مجموعة من المقتضيات المنهجية تحدد طبيعة هذا النموذج وتميزه عن النماذج الأخرى. فبالإضافة إلى التأويل والتوسط وتحيين فن الماضي وهو شرط أساسي استوفته كل أنموذج سابق. هناك شروط أخرى وهي - الوساطة بين التحليل الجمالي ، والشكلي ، والتاريخي ، والتحليل المرتبط بالتلقي ، وكذا بين الفن والتاريخ والواقع الاجتماعي. - ربط المناهج البنائية والمناهج التأويلية.- سبر أعماق جمالية التأثير ( التي لم تعد ترتبط بالوصف وحده ) ، وبلاغة جديدة تستطيع فعلا تفسير الأدب " الراقي " وكذا الأدب الشعبي وظواهر وسائل الإعلام في آن واحد . من خلال هذه المقتضيات يتضح لنا الطابع التركيبي لنظرية التلقي ؛ حيث أن هذه الأخيرة تسعى إلى تجاوز النزعة البنائية والشكلانية المعتمدة على الوصف وتجاوز النزعة التاريخانية التي تعتمد على تفسير الحدث محاولة بذلك تركيب هذين التوجيهين بفتحها على القارئ وعلى الهرمينوطيقا ، بغية إحداث بلاغة جديدة تكسر الحدود ما بين ما اصطلح عليه بالأدب الراقي والأدب الشعبي. ما علاقة هذا بذاك؟من كل ما تقدم، ابتعاد الجمهور عن المسرح تلقي البعد تقريب المسرح للناس تبعيد المشاهدة الخ معضلات تواجه المسرح ارسالا وتلقيا. وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم كل هذه التغييرات، فان بوادر تحول واضح في العمل المسرحي أصبحت تلوح في الافق القريب. وما نقل الاعمال المسرحية الى السينما والفيديو والوسائط الرقمية الا نماذج بسيطة من هذه التحديات الجديدة. ولكن يبقى التحدي الاكبر هو مدى استيعاب الفنان المسرحي لهذه التبدلات في انماط الفكر العالمي والاقتصاد اللامادي ووسائل الاتصال المعاصرة، ومدى مرونته في التعامل معها من قريب او من بعيد. لقد رضي المغني العربي تحت ضغط الواقع بالسنثيلايزر ولوحة المفاتيح والكونسوليت الرقمي وتدخل مهندسي الصوت الذين هم في اغلب الاحيان ليسوا فنانين، رضي بوجودهم واستمر في انتاجه، فهل سيرضى المسرحي العربي بدخول اغراب الى ميدانه الذين لربما سيحاولون نزع تاج سلطته الاوحدية؟ ام انه هو الذي سيعمد الى تلقي التقنيات االجديدة وادغامها واستغلالها في عمله المسرحي. فبدون هذا وذاك سيكون الموقف واضحا في تراجيديته التي قد تصل درجة الملهاة وهي ان على المسرحي العربي ان يتوقف تماما عن العمل اذا هو لم يخلق لنفسه جمهورا. ويا ويل الفنان المسرحي العربي الجديد من هذا الجمهور الجديد الشبابي المدجج بالتقنيات والمتمترس خلف شاشات العرض الكومبيوترية.

 

باحث تقني

سورية – مصياف

WWW.SRMDNET2.JEERAN.COM

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 10/8/2003 - 11/ جمادى الثانية /1424