فـــذَوَّبْتَهُ عِشـــْقاً وَصَـــيـــَّرْتَهُ حَـــشْرَا
فصـــارَ رمـــادُ الأرضِ من وَهْجِهِ تِبْْرَا

وغَـــذَّ بإنـــسانَيـــكَ يَسْبــــِرُها غَـــوْرَا

وكُـــنتَ لـــهُ المَـــرْفَا، وكنُتَ لهُ البَحْرَا

ويُـــوغِـــلُ في الأمواجٍٍ لا يبتَغي جَزْرَا

وأَهْـــدَابُها الصَفْراءُ مِنْ ضَوْئِهِ غَيْرَى

يُـــزَيِّنُ جِـــيْدَ القـــَفرِ والتُــربَةَ السَمْرَا

تنـــاغيهِ بالأشـــواقِ أنـفاسُهُ السَكْرَى

نَســـِيْمَاً عــلى الأشواكِ يَمْلَؤهَا عِطْرَا

يُضيءُ الليالي السودَ، يُزْجِي لها فَجْرَا

تـــَجَارَى يَـــبابُ الجَـدْبِ من رَيِّهِ طُهْرَا

فصـــارَ كِتـابُ الكونِ من سَطْرِهِ سِفْرَا

تَســـَائَلُ عـــن مَعـــناهُ ذاهِـــلَةً حَيْرَى:

وِشـــاحاً يُمَنِّي الخُلْدَ لو أصْبَحت نَحْرَا؟

تنــاهَت دُروبُ المـــجدِ في مِيْلِهِ شِبْرَا؟

وهَـــدْهَدَةُ الأَحْـــلامِ في بَـــوحِهِ تَـــتْرَى

تَـــفَايَضَ في جَـــنْبَيَّ نُـــورُ أبي الزَهْرَا

تَــــقَلَّبُ في الأيَّـــامِ أُقصـــُوصَةً خَـضْرَا

وآدَمُ يَــحْـــكِيها... يُـــلَبِّي بـــها جَـــهْرَا

ويَـــحـضـــِنُها "الجُـودِيُّ" مُمْتَلأً فَخْرَا

زُلالاً و"إبـــراهـيمُ" يحـــسَبُها جَـــمْرَا

لتَـــرْتَسـِمَ الـــوِديـــانُ مـن شَدْوِهِ ثـَغْرَا

تَــــشُقُّ لهُ الأمواجُ في قلبـِها المَجْرَى

لِـــتُـذْرَى بصـــدرِ الموتِ، تَبْعَثـُهُ عُمْرَا

تَـــنَاقَـلُها الأجـــيالُ فــي صُـــلْبـِهَا فِكْرَا

تـــلَّقَتهُ بالأحـــشاءِ "آمِـــــنَةُ" الحَوْرَا

وظَـــلَّ وَحيـــدُ الـــدهرِ في رَحْمِهَا وِتْرَا

تَـــغَـــنَّاهُ ثـَـــغْرُ النـورِ في الليلةِ القَمْرَا 

ومُـــزِّق بالأشـــواقِ إيوانُهُ "كِسرَى"

وفـي السَـــاعَة العُظْمى ودَقَّاتُهَا تَتْرَى

فـــهـــللتِ الأكـــوانُ للطـــَلعَةِ الـــغَـرَّا

تَـــلُوذُ اليَـــتامى آمِـــلِيْنَ بِـــهِ ذُخْـــرَا

ويَـــوماً بِـــما يُـــشْرَى ويَوماً بما يُقْرَا

إليـــهِ لـــكي يَـــرْوِي جدائِلَها الشـــَقْرَا

تقـــومُ كُـــنوزُ الكـــونِ مُـــدْقََعَةً فَـــقْرَا  

تصـــاحبُهُ حُـــلماً وتَـــرقَـــبُهُ بُـــشْــرَى

- مـــنَ العالمِ العلوِيُّ- واهِبَـــةً غَـــمْرَا

تُـــقَـــبِّلُـــهُ الأفــــــلاكُ، تـــرشِـــفُهُ دَرَّا

فـــأتـــرابُهُ الآمـــالُ والمُـــهَجُ الـحَرَّى

نخـــيلُ السَنـــا القُدسِيِّ مِن عِذقِهِ تَمْرَا

لِـــتُـــقْرِأَهُ الأمـــلاكُ مـــِن رَبِّها "إقْرَا"

فَـــصارت بُغـاثُ السفحِ في أفْقِهِ نُسْرَا

فهـــذا بـــهِ يَـــنْدَى، وهَـــذي بـــهِ تُغْرَى

وإن هُـــوَ إلا الغـــيثُ لا يبـــتغي أجْرَا

تَـــرَوَّى بـــهِ الآمـــالُ في يَبَسِ الصَحْرَا

فكـــانَ لـــه المَسرى وكَان له الجِسْرَا

و"طه" إنتهاءُ الدربِ والضِفَّةُ الأُخْرَى 

وذاقـــت بـــهِ الأرواحُ شَهْداً ولا أَمْرَى

وتَحْـــمِلُكَ الأيـــامُ في صَـــدْرِها ســـِرَّا

تفـــجَّرَ في كـــفَّيكَ مـــاءُ النـــَدَى نَهْرَا؟

وفـــي راحِـــكَ الأحجارُ تَسْبيحُها يَتْرَى 

تَـــرِفُّ عـــلى يُمـــنىً شـَققتَ بها البَدْرَا

فجاءَت تَخُبُّ الأرضَ أَشْجَارُها الخَضْرَا

تَـــنَـــزَّل وحـــيُ الله إلا لِكـــي تُـــدْرَى؟

فسُبحان من ناجى وسُبحان من أسْرَى

تحوطُكَ في مَسرىً، وتَحمِيْكَ في مَسْرَى

وإن معـــي ماضِيهِ في عُسْرِيَ اليُسْرَا

على كَفِّكَ البـــيضاءِ أعْـــجُوبَةً أُخْـــرَى

ووَشَّيْـــتَها قُـــدْسَاً وسَـــرْبَلتَها طُهـــْرَا

أذِي دُرَّةٌ نَـــورَاءُ أم مـــريَمُ الـــعَذْرَا ؟

فقـــالَت لهُـــم إنِّـــي أنا "فاطِمُ الزَهْرَا" 

ونشـــكوا مـــآسينا ونـــلتَمِسُ الـــعُذْرَا

وهـــا نحن صـــيَّرناكَ في صُحْفِنا حِبْرَا

فخِـــلْنَاكَ تعـــويذاً نَـــزِِينُ بـــهِ قَصـــْرَا

فمُـــتنا وعَذْبُ الـــوِرْدِ ممتـــلئٌ مَوْرَا

فَـــرُحْنَا فَيـافِي التِيْهِ في غَابـِها نَعْرَى

وتطعِمُها الأكراشَ والضِرْسَ والظِفْرَا

تعـــالَي فهـــذا العُـــضوِ لم تُوْفِهِ نَخْرَا

تُـــبَضِّعُ كَـــفٌّ مِـــنْهُمُ كَـــفَّها الأُخْرَى

ولـــكِن ضُـــلُوعُ الصَدْرِ أَعْيَيْنَهَا كَسْرَا 

فـــؤادٌ بــــِهِ الآلامُ قــــد حُـــفِرَت حَفْرَا

تُـــجَرِّبُ فيـــهِ النَـــابَ والخَتْلَ والغَدْرَا

ولَـــو كـــانَ طَـــوْدَاً مِنْ شَرَاسَتِها خَرَّا

تَـــجُرُّ عـــلى الكُثــــْبَانِ أنْفُسَهَا جَـــرَّا

لأنَّ بـــِهِ "طـــهَ" أبو الوِحْدَةِ الكُبْرَى

غَرِيبَاً أتاكََ النورُ في ظُلْمَةِ المَسْرى

وسَــــرْبَلتَهُ سِـــحْراً وجلبـــبتَهُ رُؤىً

ومَـــرَّ علـــى جَفـــنَيـكَ طَـــيْفَاً مُوَلَّهاً

فكـــُنتَ سَـــفِيْنَ الـــنورِ، رُبَّانَ دربـِهِ

فـــراحَ بـــمَدِّ البَـــحرِ يَغســـِلُ عُـودَهُ
وآبَ وَعَيـــْنُ الشَمـــسِ تَقــْفو خَيَالَهُ  
ورَفَّ عـــلى البيداءِ عِقْداً من الهَوى
وطـــافَ بصـــدرِ الريحِ رَوْحاً ونَشوَةً
وفـــاحَ عَبـــيرُ القُـــدسِ فـــي نفَحَاتِهِ
ولاحَ بـــريقُ الـــهَدْيِ يـــرفِلُِ بـالسَنَا
وســـالََ طَـــهُورُ الـــوحي وِرْداً بَدَفْقِهِ
وَرَفَّ ببـــيتِ اللهِ سَـــطْراً مـن الرُؤَى

فَـــهَبَّتْ تنـــاغـــيهِ الحـــياةُ وتنحـــني
أيـــا نُـــورُ من وَشَّاكَ مِن أَلَقِ السَما

يـــا نـــورُ مــا مَسراكَ ما دَرْبُكَ الذي

فـــتمتَـــمَ مَـــحــبُـوراً وردد بـــاسِمـــاً
أنا من شُعاعِ العرشِ، نَهْرٌ مِنَ السَنا
أيـــا كَوْثـَـــرَ الأنـــوارِ يَــا أَزَلَ الضِيا

تَـــرَسَّمُ فـــوقَ "اللَوحِ" نَـحتَاً مُقَدَّسَاً
وَيَـــلْثِمُها طُـــوفـــانُ "نوحٍ" ورَكْبـِهِ
وتشـــرَبُها النـــيرانُ في لَـــهَوَاتِـــها

ويشـــدوا بهـــا "دَاوُدُ" بيـــن جِـبالِه
ويَشْهَرُها "موسى" طريقاً إلى النَجَا
ويَـــحْمِلُها "عـــيسى" حَـــيَاةً بِكَـــفِّهِ
وتبـــقى على الأزمانِ شَهْداً وشاهِداً
فحـــتى إذا نـــاءَ الـــزمانُ بحـــملِـــهِ
فصـــار جنـــينُ الـــروحِ شَفْعَ حياتِها
ولـــمَّا بـــهِ تَمَّـــت تَـــراتِيْلُ ذِكْـــرِهـــا
فغـــارَت لـــهُ "سَـاوَى" تَرَشَّفُ نَبْعَهُ
وجـــلجَلتِ الـــدُنيا ودَارَ رَحَـى الهُدى
أطَـــلَّ عـــلى الـــدُنْيا شُعَاعُ "مُحَمَّدٍ"

أطـــَلَّ عـــلى الـــدُنيا يَتـــِيْمَاً بــــِكَفِّــهِ
فيَـــمْسَحُ عـــنْها اليـــُتْمَ يَـومَاً بِنُورِهِ
فـــلَمَّا رَأَتْـــهُ الأرضُ مَـــدَّت جَبـِيْنَها
أطـــَلَّ عـــلى الـــدُنيا فقـــيراً بـــبَابـِهِ
وَِشَـــبَّ وأيَّـــامُ الحـــياةِ تـــحـــوطُـهُ
رَضِيـــعٌ وأنـــداهُ تَســـِيْلُ على الرُبى
فـــطـــيمٌ وَرَيّـــَانُ اللُجـــَيْنِ بـِـــثـَغْرِهِ  
ربيبٌ فـــلا الأتـــرابُ تُـــدْرِكُ شـــأوَهُ
فَـــتِيٌّ تُـــحاكِيْـــهِ الـــنُجومُ وتجتـــني

نجـــِيٌ وغـــارُ "النـــورِ" يوقَدُ حَولَهُ
نبـــِيٌ دَنـــى للســـفحِ من قِمــمِ العُلى
رســـولٌ إلـى شَـــوكِ الأديـــمِ ووَرْدِهِ
فتَـــشْكُرُهُ بالـــعِطْرِ، لـــكِنْ يـــرُدُّهـــا
خِتـامُ رِســـالاتٍ ومَنـــهَلُ عِـــصـــمَةٍ
تَعَــفَّت جُـــسورُ الفجرِ، ضاعَ طريقُهُ
فَـكُلُّ دُروبِ الـــنورِ "طــه" ابتداؤها
مُـــحَمَّدُ يـــا وِرْداً تَغََـــنَّى بـــهِ الهَوَى 
تبـــوحُ عـــلى سَـمعِ الزَمانِ مَعَاجِزاً
تـــدَفَّقْتَ يُنـــْبُوعاً فـــهـــل عَـــجَبٌ إذا

وردَدَكَ النُـــسَّــاكُ وِرْدَ صَـــلاتِـــهِـــم 
وشَـــقَّتْ قُـــلوبَ الناسِ مِنْكَ جَــدَاوِلٌ
نَـــسَجْتَ بـــِوَسْطَ القَفرِ واحةَ سُندُسٍ
تنَـــزَّلتَ بـــالقُـــرآنِ معـــجِزَةً وهـــلَ
وأدنـــاكَ ربُ الـــعـــرشِ ناجَاكَ عِندَهُ
وسَـــلَّت لـــكَ الأمـــلاكُ أنفاسَها ضُبَاً
فـــقُلتَ لهـــا قـــََرِّي فإن معي "علي"
وجئـــتَ إلى الصَـــحْرا وعِنـــدَكَ دُرَّةٌ
فـــجَلَّـــيْتَها هَـــدْياً وســـاقَيـتَها نـــدىً
فَـــهَبَّـــت إلـــيكَ الحـــورُ تسْـأَلُ لَهْفَةً
فـــأَوْمَأتَ لِلنَـــوْرَاءِ رُدِّي جَـــوَابَـــهُم
أتيـــناكَ يـــا "طـــه" نـــبُـثُّكَ حُبـــَّنـــا
ُقِـــشتَ بـــألواحِ الســـماءِ عـــقيـــدَةً
وكُـــنـــتَ لنـــا صَـــرحاً نلوذُ بهِ حِمَىً
وكنـــتُ لنـــا نبـــعاً تَـــجَارَى لِنَـرتَوي
وكنـــتَ لنـــا سُـــوراً ومأوىً ومنهَجاً
فحـــاطـــتَ بنـــا الذؤبانُ تَنْهَشُ لَحمَنا
ونـــحنُ بوَسْطِ النَهشِ نُوْمِيْ لِجُوْعِهَا 
تـــعالَي وأغْــرِي المُسْلِمِينَ بـِبَعْضِهِم
فَـــحَطـــَّمَتِ الـــذُئـــبانُ كُـــلَّ عِظـامِنا
وظـــَلَّ - برَغمِ النزفِ - يخـــفِقُ بينَها
فَـــحَارَت بِـــهِ تِـــلْكَ الـــذِئَابُ وأَقْبَلَتْ
وتُشْبـــِعُـــهُ بَطْـــشَاً وَهَـــدَّاً وقَـــسْوَةً
ولَـــكِنَّـــها خـــابَتْ وعـــادَت ذلـــِيـــْلَةً
ووَلَّـــت ولَـــم تَـــدْرِي بـــِاَنَّ صُمُودَهُ