البحث عن أسلم الطرق لإيقاف نزيف المال العراقي

 

شبكة النبأ: يبدو ان الحكومة الحالية برئاسة الدكتور حيدر العبادي، مع وزرائه ومساعديه وجهازه التنفيذي بشكل عام، ما يزال عاقداً العزم على تنظيف المؤسسة التنفيذية من ركام الفساد الاداري والمالي، والنهب المنظم للثروة خلال السنوات الماضية تحت مسمّيات عديدة.

الهبّة الجديدة تذكرني بالهبّة الجماهيرية العارمة التي اندلعت العام الماضي، للمطالبة بإلغاء رواتب التقاعد الهائلة للنواب والوزراء والرؤساء و.... وكان كل همّ الناس، الحفاظ على ثرواتهم وأموالهم التي تعود اليهم اليهم – بالحقيقة- كما يقرّ بذلك المسؤولين انفسهم، ولو بالكلام والشعارات. وربما يتجاوز المبلغ الذي انفقته الحكومة خلال السنوات الماضية من عمر الديمقراطية في العراق، (800) مليار دولار، او ربما يتجاوز الـ "ترليون"، وهذا بالنسبة للمواطن العراقي الذي نرى أن نسبة لا بأس بها من المجتمع، يعمل "شيفتين" ليسد حاجاته الاساسية من أجور السكن والغذاء والنقل وغيرها. بل ان جميع افراد الاسرة العراقية اليوم، تفكر بالحصول على المال؛ الشاب الطالب والطالبة والمرأة وحتى الطفل الصغير، الى جانب الأب.

التصريحات الاخيرة للدكتور العبادي، لا شك انها تلامس هواجس هذه العوائل، وربما يكون هدف الحكومة هو هذه الشريحة الواسعة والكبيرة لتطمينها على أن القادم خير. فكان قرار الرئاسات الثلاث بتخفيض الرواتب بنسبة (50%)، وإجراءات التدقيق والمراجعة في اكثر من وزارة ومؤسسة كان مقدمتها المؤسسة العسكرية ودوائر الضمان الاجتماعي وغيرها، بما يدلل عشعشة الفساد والمحسوبية والنهب المنظم في هذه الدوائر اكثر من غيرها خلال السنوات الماضية، واحياناً يتم أمام أنظار الناس، حتى بات يُطلق على الاسماء الوهمية التي حصدت مليارات الدنانير بـ "الفضائيين". فبعد "الجنود الفضائيين" الذين اكتشفهم العبادي، تحدث محافظ البصرة ماجد النصراوي عن "عمال فضائيين" في بلدية البصرة، وذلك عندما علت الاصوات لدى شريحة العمال، وأن هنالك عمالاً "حقيقيين" لم يستلموا رواتبهم منذ اربعة اشهر، وعمد بعضهم الى إلقاء النفايات قبالة مبنى المحافظة! وهذا ما حدى بالمحافظ لأن يكشف عن وجود خمسة آلاف عامل نظافة "فضائي"، في المحافظة من أصل ثمانية آلاف. وقال: إن "مجموع العاملين بالأجور اليومية في مديرية البصرة يبلغ عددهم ثمانية آلاف عامل مسجل على الورق"، مبينا أن "نحو 2500 عامل يعلمون بشكل حقيقي إما الباقي فهم "فضائيين"، فضلاً عن وجود 180 آلية مؤجرة لحساب بلدية المحافظة فائضة عن الحاجة".

على ما يدلّ هذا؟!

إن حركة بسيطة من رئيس الحكومة الجديدة نحو معالجة الفساد، وليس اجتثاثه بالكامل، أحدثت هزّة في البنية التحتية لهذه الظاهرة الاجتماعية – السياسية المقيتة. فاذا ظهر في وزارة الدفاع ثم البلديات، موظفون فضائيون، فمعنى هذا أن جميع الوزارات مهددة بالكشف عن "فضائيين" لديهم...! وهذا بدوره يخبئ ارقاماً مهولة لأموال تم استنزافها خلال السنوات الماضية وذهبت الى المجهول.

بعض المتابعين يحتملون أن تكون هذه القضية الشائكة والواسعة في مدياتها وابعادها، مادّة سياسية للاستهلاك الاعلامي والدعائي، فمن يسمع تصريحاً او كشفاً عن اموال مهدورة بالمليارات، فان القاعدة الشعبية له والمؤيدين والمتفاعلين معه – في كل الاحوال- سيرونه الأكثر حرصاً على الثروة العامة واكثر صدقاً وعدلاً...! او انه احسن من غيره على الاقل. وهذا ما لاحظناه من احد المسؤولين عندما تحدث عن مليار دولار فقط لتسديد نفقات حماية المسؤولين خلال السنوات الماضية، وبالعراقي المبلغ اكثر من ألف مليار دينار (ترليون دينار)! وهذا يشمل رواتب الحمايات واسلحتهم وسياراتهم وغير ذلك.

ما هو الحل برأي هذا المسؤول؟

يقول: "هنالك فكرة لمشروع يقضي بتقليص أعداد الحمايات لكافة المسؤولين، وتشكيل لواء خاص منهم يكون تحت تصرف المسؤولين، عند الحاجة اليهم..." وبين ان "الفكرة تكمن بتخصيص 80 عنصرا لحماية الرؤساء الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب) و50 عنصرا لحماية نوابهم و30 عنصرا لحماية الوزراء".

إذن؛ فهنالك حمايات وتكاليف لهم، وكذلك سائر الموارد التي تشملها التقليص والتحديد، والنتيجة هي التقليل من الهدر وليس الحل النهائي والدواء الناجع لداء الاسراف والتطاول على المال العام، إذ كما يعلم الجميع – ومنهم المسؤولون- أن المال العام، يبقى مالاً عاماً، سواءً كان قطعة واحدة من فئة ألف دينار، أو مليار دينار.

إن مسألة التحديد من نفقات المسؤولين، سواء في رواتبهم ومساكنهم وخدماتهم وغير ذلك كثير، لا تُحل بقرار او "جرة قلم"، إنما هي ثقافة بكل ما تعينه الكلمة. فالذي يستسيغ انفاق المال العام على أمور بعيدة عن الصالح العام، لن يمنعه هذا القرار او ذاك، لانه مسؤول، لاسيما اذا كان في مراتب عليا، فهو أعرف من غيره بإيجاد ما يبرر انفاق ملايين ومليارات جديدة على هذا القضية او تلك. فهل يطارد الدكتور العبادي هذا وذاك فيما اذا سوّلت لهم انفسهم بالتطاول على المال العام؟!

من الحريّ بمسؤولينا مطالعة ومتابعة بسيطة للمسؤولين في عديد دول العالم، الذين يتقاضون رواتب موظف بسيط في العراق. وأن هناك على اخبار "النت" أفقر رئيس في العالم، وهو رئيس الأروغواي الذي تقاعد عن العمل وراتبه (12)الف دولار وقد تبرع بتسعين بالمئة منه للفقراء...! وهنالك صور وشواهد لا تعد ولا تحصى من هذا القبيل، من شأنها ان تشجعهم، او تثير فيهم الحمية والانسانية، علماً أننا في بلد يفتخر بانه يحتضن مرقد أعظم شخصية انسانية ورمز للعدالة الاجتماعية بإقرار المسلمين وغير المسلمين، وهو الامام علي بن أبي طالب، عليه السلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/كانون الأول/2014 - 15/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م