ما الإجراءات المطلوبة لإيقاف نزيف أموال الشعب العراقي؟

 

شبكة النبأ: عندما نسمع بحوادث السرقة والسطو المسلح، وظهور عصابات خطف وابتزاز في العراق، فهذا لا يعني أن المجتمع العراقي استقر في الدرك الأسفل من الانحلال والانحراف الاجتماعي، إنما الموجود، لا يعدو كونه ظاهرة طبيعية تسود كل مجتمع في العالم، لاسيما تلك التي تعيش ظروفاً غير طبيعية على الاصعدة كافة، بل في اعتقاد الكثير من الخبراء، أن الحالة لا تعدو ان تكون افرازاً طبيعياً لجملة من التداعيات والاسقاطات التي تؤدي بدورها الى اسقاطات اجتماعية حادّة.

بيد أن التساؤل في العراق، يدور حول انتشار هذه الظاهرة بشكل "منظّم" وليس عشوائي، بمعنى أننا نواجه – الى حدٍ ما- جريمة منظمة، فاللصوص ليسوا – في احيان كثيرة- اشخاصاً عاديين، إنما يخرجون الى الشارع، وليس على اسطح البيوت ليلاً، كما السابق، وهم مزودون بسيارات مضللة وملابس عسكرية وربما بطاقات تعريف نافذة مع مختلف انواع الاسلحة، بحيث يلتبس الامر على بعض المواطنين، فيظنهم رجال أمن او افراد من القوات الخاصة، وأنهم هم اصحاب المشكلة والازمة، وعليهم إطاعتهم وتسليم ما بحوزتهم من اموال اذا طلبوا ذلك. وإن تعرضوا للخطف والابتزاز، فانهم لن يصلوا الى نتيجة في البحث والتحقيق لاسترداد حقوقهم، إنما يشكرون الله على استعادة المخطوفين!

احد المقربين من صنّاع القرار، عزى انتشار ظاهرة تشكيل عصابات السرقة والابتزاز الى ما ظهر قبلها من انتشار مافيات الفساد المالي والاداري في هذه الدولة الفتية التي تشكلت على أمل إنجاح التجربة الديمقراطية على أنقاض التجربة الديكتاتورية. ففي مقابل كل خبر ينشر عن اعتقال لصوص او عصابات اجرامية، ينشر خبر بالمقابل عن حالات فساد تفوق باضعاف لا حدّ لها، ما تسرقه تلك العصابات.

وربما القارئ المتابع يكون غنياً عن الارقام والشواهد والاسماء التي تورطت في اعمال فساد فظيعة ومهولة خلال السنوات الماضية، ممن كان تعقد الآمال عليها لإنتشال البلد من الحرمان والتخلف وآثار الديكتاتورية والاضطهاد، واذا بالشعب يتلقى ضربات موجعة جديدة من نوع آخر، وهذا ما يجعل فئة من المجتمع، تعبر عن مشاعرها ومكنوناتها بطريقتها الخاصة!

بيد ان الآمال معقودة اليوم على المحاولات الجديدة لرئيس الوزراء الجديد، الدكتور حيدر العبادي، الذي وضع هذه القضية في سلّم اولوياته، إدراكاً منه لخطورة هذه الظاهرة وآثارها الجانبية على الوضع الاجتماعي والنفسي وايضاً الامني، فكانت خطوته الاولى لمكافحة هذه الظاهرة في الاتجاه الصحيح ، عندما وضع يده على أحد اهم عوامل الفساد والإفساد المالي  والاداري في العراق، والكائن في وزارة الدفاع، فكان قراره الشجاع والمفاجئ بإقالة (132) ضابطاً كبيراً، على رأسهم ثلاثة برتبة فريق، و (24) برتبة لواء وعميد، مما يعطي الانطباع عن حجم القصور وانعدام المسؤولية لدى أهم فئة في أخطر مؤسسة في الدولة.

طبعاً؛ التحليلات ذهبت الى أن القرار جاء على خلفية الاسقاطات الامنية الخطيرة الحاصلة في ميدان الحرب ضد الجماعات  الارهابية، وسقوط المدن الواحدة تلو الاخرى بيد عناصر "داعش"، بيد أن تحليلات اخرى تؤكد أن هذه الاسقاطات والهزائم لم تحصل لولا الهشاشة في النفوس، وانعدام الحالة الايمانية لدى عدد لا بأس من ضباط القوات المسلحة، وعدم التفكير بوجود بلد وشعب ومصير مشترك. فكانت الرشاوى واستحصال المال الحرام، هو سيد الموقف خلال السنوات الماضية. فالذي يفكر بالملايين بل والمليارات التي يجب ان يحصل عليها قبل غيره، لن يفكر ابداً بمصير شعبه وبلده، بل وحتى بمصير الجنود الذين تحت إمرته.

بيد أن الخطوة الجديدة لمكافحة الفساد المالي، لابد لها من خطوات لاحقة تستكمل المشروع الكبير لمكافحة ظاهرة اللصوصية وانتهاك حقوق الآخرين. وهذا ما طالب به عضو في لجنة الامن والدفاع النيابية مؤخراً، رئيس الوزراء بمصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لكبار القادة الامنيين المتهمين بقضايا فساد.. وقال حسن سالم: "ان عملية تغيير القيادات الامنية الفاسدة في وزارتي الدفاع والداخلية أمر محمود، إلا انه يجب اصدار اوامر بمصادرة اموالهم، علاوة على محاكمتهم محاكمة عسكرية".

بمعنى أن المطلوب استعادة جميع الاموال المسروقة او بعضها – على الاقل- والحد من استنزاف ثروات واموال العراق، التي من الصعب إحصاء المبالغ الهائلة والرهيبة التي عبرت الحدود خلال السنوات الماضية. فما فائدة إعفاء ضابط كبير او مدير عام ، أو إحالة مسؤول كبير على التقاعد، عندما يكون قد "شفط" الملايين او المليارات من اموال الشعب المغلوب على أمره؟

وبالمحصلة؛ تؤكد التجارب التي مرت بها شعوب وأمم سابقة، خبرت حالات فساد مالي لدى رجالات الدولة، من عسكريين ومدنيين، إن العقاب العاجل وعلى مرآى ومسمع من الناس، كفيل بأن يقدم درساً بليغاً للمجتمع بأكمله بأن يد العدالة تطال الجميع وأن اللص والمفسد والمتجاوز على  القانون لن يكون في مأمن من العقاب، سواء أ كان مواطناً عادياً او موظفاً بسيطاً او مديراً او قائداً عسكرياً، بل حتى سياسياً مرموقاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/كانون الأول/2014 - 8/صفر/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م