قيم التخلف: اللذات العاجلة

علي حسين عبيد

شبكة النبأ: تنقسم اللذات التي يبحث عنها الانسان الى نوعين.. لذات مادية وأخرى معنوية، ولا يمكن أن تتحقق هذه اللذات من دون جهد، عبر التخطيط والتنفيذ، ولكن هناك إشكالية تعترض طريق الانسان وهو يحث الخطى لتحقيق ملذاته التي تتوزع على كلا النوعين، هذه الاشكالية تتمثل بمشروعية هذه اللذات!! والسبل التي ينتهجها الانسان وصولا الى تحقيقها، علما أن المادي منها قد يكون على شكل أموال عينية او نقدية، أما اللذات المعنوية فهي تتمثل بالمركز الاجتماعي والنفوذ والسلطة والمكانة بين الناس، هذه كلها لا يمكن تحقيقها من مثابرة وجهد متواصل من الانسان، ولا ضير في ذلك بطبيعة الحال، ولكن المشكلة التي يواجهها الانسان وهو يسعى لتحقيق ما يحب، هي طريقة الوصول الى ذلك.. بمعنى اوضح، كيف يستطيع الانسان أن يحقق رغبات ومكاسب مادية ومعنوية؟ وهل سيكون عرضة للضعف ازاء نفسه واهواها؟ وهل سيضرب الضوابط الانسانية والاعراف والقيم والقوانين عرض الحائط وهو يسعى الى تحقيق ملذاته؟؟.

هناك طريقان لتحقيق ما يربو إليه الانسان من اللذات، الطريق الاول يتمثل بالعجالة، حتى لو رافقت هذا الاسلوب عواقب وخيمة ربما تكون ليست آنية، فالانسان الذي يلهث وراء ملذاته ويسعى لتحقيقها بصورة عاجلة، لا يرى الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها، لأن الوصول الى اللذة هدفه الاول الذي يغطي على الخسائر وحتى المخاطر، فلا يراها الانسان الذي يسعى الى لذّاته بسرعة من دون ان يتذكر او ينظر الى خسائره. وهناك من يسعى الى المكاسب بتأني، بمعنى لا يكون متعجلا، نعم هو يسعى الى تحقيق فوائد كبيرة ولذات كثيرة، لكنه يتخذ من التأني طريقا الى ذلك، لهذا ستكون مساعيه مشروعة ومكللة بالنجاح والقبول، لسبب واضح أنه يرى خسائر الذات العاجلة فيتجنبها، لصالح اللذات الآجلة، أو الفوائد والمكاسب المادية والمعنوية التي يمكن أن يحققها الانسان ولكن بتروّي وهدوء وتخطيط رصين، يضمن لذات كبيرة للانسان، مع احتفاظها وتميزها بالمشروعية وشرعية التحقق.

لذلك نلاحظ أن الفرد الذي يكون ضحية للذات العاجلة، غالبا من يفتقر للرؤية بعيدة الأفق او المدى، أي أن تفكيره وتخطيطه محصور بالآنية، فهو لا يفكر بالمستقبل، ولا يعني له الغد شيئا، إنه إبن اليوم فقط، لذلك هو لا يفكر أن يبحث عن مكاسب جوهرية استراتيجية كبرى، هو غير معني بذلك، لأنه محاصر بقيمة اللذة العاجلة، إذ تمنعه من التأني وتدفعه الى الكسب المادي الآني، وتضع على بصيرته غطاءً يمنعه من رؤية الغد او المستقبل، فلا يعرف تلك الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها، ليس شخصه فحسب، وانما نسله وذريته اطفاله الذين سيأتون بعده، هؤلاء سوف يتحملون أعباء وأخطاء أصحاب اللذات العاجلة.

هذه القيمة شائعة بيننا الآن، حتى أننا نرى رؤية العين أناسا لا يفكرون بمشاريع مستقبلية ضخمة، يمكن أن تطور حياتهم وتجعلها اكثر كرامة ورفعة، ولكن هناك تأجيل لحصد النتائج بشكل فوري، وهناك تخلي عن الطمع والجشع والخضوع الى هاجس تحقيق اللذات الآنية، التي تحرم الانسان نفسه ومن معه، من فوائد جمة يمكن أن تتحقق بصورة متأنية يتم التخطيط لها بعلمية، ترفض العجالة والارتجال والعشوائية، والصراع الأعمى على المال والجاه والسلطة وما شابه، فمن يطلب لذاته بصورة متسرعة عاجلة، عليه أن يفهم الاضرار الفادحة التي ستطوله، وتطول الاجيال القادمة.

لذلك عمدت الامم والشعوب العاقلة الذكية، الى نبذ قيمة اللذات العاجلة، ووضعت نصب أعينها اللذات الآجلة، أي الفوائد والنتائج التي يتم قطفها نتيجة للتخطيط المتأني الذي يرفض الخضوع للرغبات المريضة، التي يندفع لها الانسان تحت الحاح غرائزة وليس عقله وافكاره السليمة، فالعقل السليم هو الذي يتجنب اللذات العاجلة على حساب الذات الآجلة، والانسان الذي يمتلك رؤية مستقبلة لا يمكن أن يفضل فوائد آنية ولذات عاجلة على حساب بناء المستقبل، ولا شك أن نتاج الفرد سوف يصبح نتاجا مجتمعيا بالتراكم، لهذا سوف ينعكس ايمان الفرد بقيمة اللذات العاجلة على المجتمع كله، وبالتالي لن تكون الخسارة فردية إنما مجتمعية شاملة.

من هنا نحتاج الى نبذ قيمة اللذات العاجلة، ونستعيض عنها بقيمة اللذات الآجلة، فالاخيرة هي التي تكفل للانسان راهنا متوازنا ومستقبلا زاهرا، أما التمسك بقيمة اللذات العاجلة، وسعي الفرد والمجتمع لتحصيل الملذات الآنية والنتائج المادية الفورية، فسوف يقود الجميع الى خسائر غير مرئية، ولكنها سوف تصبح في المستقبل مدمِّرة للفرد والمجتمع بما في ذلك الأجيال القادمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/تشرين الثاني/2014 - 29/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م