لا أمن بلا نزاهة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عندما يأكل الكبير الصغير بلا رادع، ويعتدي القوي على الضعيف دون مقاضاة، كما يحدث في حياة الغاب مثلا، فلا أحد يستطيع أن يحافظ على نفسه من الفناء ظلما، والسبب واضح تماما، فطالما لا يوجد عدل ولا مساواة ولا قانون فاعل في المنطوق والتطبيق، فلا يظن أحد أن الحياة الآمنة متاحة له، وأمر طبيعي أن يفتقر واقع كهذا، لجانب قانوني واخلاقي يطلق عليه المعنيون تسمية أو مصطلح النزاهة، وعندما تفتقر الدول والمجتمعات لهذا الناظم القانوني القيَمي، فسوف يستحيل عليها تحقيق الأمن لأفرادها ومكوناتها كافة.

أما فناء الانسان الذي يتحقق بسبب غياب النزاهة او ضعفها كطريقة حياة، فقد يتم بطرق مباشرة او غير مباشرة، بمعنى قد يأكل الكبير الصغير بالقتل والتصفية الجسدية، كالاغتيال أو الحبس والتشريد وما شابه، أو قد يفقد الضعيف حياته بسبب تجاوزات القوي الغني على حقوق الفقير الضعيف، الامر الذي يجعله عرضة للفقر والجوع والمرض، ثم يكون عرضة للموت، وبهذا لا يمكن لأحد أن يحمي نفسه ماديا ومعنويا، في ظل مجتمع لا تحكمه النزاهة الفعلية، بل تزدهر فيه نزاهة صورية شكلية مزيّفة.  

السؤال المطروح في هذا الصدد، هل يحتاج العراقيون الى نزاهة حقيقية، في ظل واقعهم المأزوم الذي تستشري فيه أنماط سلوكية منفلتة، لا يردعها قانون أو عرف، إذ يتسيّد هذا الواقع قلة من الناس على عامة الناس، هذه القلة، تمتلك سلطات كثيرة ومتنوعة، تتوزع على المال والنفوذ والقوة، تجعلها قادرة على نشر الفوضى في المجتمع من خلال امتلاكها لكل عناصر القوة، يساعدها على ذلك عدم امتلاكها للوازع الانساني الرادع من جهة، وعدم خضوعها لحوكمة دولة قادرة على ضبط تجاوزتها.

الامر الذي يساعد على انعكاس تجاوزات واخطاء هؤلاء القلة على الدولة والمجتمع كله، ويجعل من الحلقات الضعيفة في المجتمع كبش فداء لهم، فتظهر نتائج ضعف النزاهة على الاوضاع المتردية لشريحة الفقراء بالدرجة الاولى، ولا يسلم من هؤلاء حتى ذوي الاموال والتجار والاثرياء وغيرهم، فالجميع عرضة للخطر، طالما هناك وحوش منفلتة، لا أحد يمكنه ردعها او مقاضاتها بسبب فسادها أولا وموت ضميرها، وامتلاكها لعناصر القوة الغاشمة التدميرية المسيّرة بطبيعة الجشع، والطمع والبطش التي تتحكم بأفكارهم وإراداتهم.

إذاً ما يحتاجه العراقيون، وكل البلدان التي تفتقر للنزاهة، حوكمة رسمية فعالة، تحد من شيوع الانفلات في مؤسسات الدولة ودوائرها، وتضع حدا للتلاعب بالمال العام، وتدفع اصحاب القرار والموظفون جميعا، الكبار والصغار، بكل صلاحياتهم الأعلى أو الادنى، الى الكف عن اسلوب عدم احترام القانون، بل حتى العرف لم يعد محط اهتمام هؤلاء، ولهذا دخلت على منظومة القيم ظاهرة خطيرة يُطلق عليها.. (الشطارة) وأحيانا (أكوِّن نفسي).. هذه القيم والتسميات الغريبة على مجتمعنا اصبحت محط تنافس بين ذوي العقول (الصغيرة)، أولئك التي تسيّرهم وتتحكم بهم رغباتهم ونفوسهم .. فيندفع هؤلاء نحو الاختلاس والفساد من اجل الحصول على اكثر كمية من الاموال والمنافع، بغض النظر عن مشروعية وشرعية الحصول عليها، كذلك بغض النظر عن حجم الأذى الذي تلحقه بالآخرين ظلما وتجاوزا.

من هنا تحتاج دولتنا ومجتمعنا ومؤسساتنا الحكومية كافة، الى حملة واسعة لترسيخ مبادئ النزاهة الفعالة، من خلال انتهاج الحوكمة الدقيقة والفعالة التي تضع حدا لجميع حالات الفساد لاسيما في مرافق ومنشآت ومؤسسات الحكومة، وتنمّي روح المسؤولية، وتطور قيما جديدة في المجتمع وفي الاوساط الرسمية تقوم على احترام حقوق الكل للكل، وتجعل من القانون منطلقا لتحقيق العدالة والمساواة بين افراد ومكونات المجتمع، ولا يمكن تحقيق هذه الاهداف الكبيرة من دون حضور النزاهة الحقيقية القادرة على كشف الخفايا كافة، وجعلها تحت مجهر الصدق والحقيقة، حتى يتخلى الفاسدون والمفسدون عن مآربهم، ولهاثهم وراء الاموال والمكاسب والمنافع بعيدا عن القانون والشرعية التي تحقّ الحق وتفضح الباطل.

عندها يسود الامن، وتقل الانتهاكات والجرائم، ويتفرغ المجتمع للابداع والانجاز الافضل، في جميع مجالات الحياة، إذ لم يعد يشغله الامن ولا التضييق على الحريات، ولا السرقات التي تحدث في وضح النهار، بأغطية متعددة، منها خداع الناس، فضلا عن اساليب السرقة بالقوة والاكراه وما شابه، إذاً لا أمن بلا نزاهة، وهذه معادلة أشبه بالقانون، كلما انتصرت وتضاعف قوة النزاهة كلما قلت وضعفت حالات الانتهاك بكل انواعها، وهذا سبب رئيس في تحقيق منظومة امنية و واقع امني رصين، غير قابل للاختراق قط.    

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/تشرين الثاني/2014 - 28/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م