في الكنيسة.. الممارسات الشاذة تحرج الكرسي البابوي

 

شبكة النبأ: قضايا الفضائح والاعتداءات الجنسية التي يرتكبها ورجال الدين و الرهبان داخل الكنائس، وعلى الرغم من تستر السلطات الدينية المسيحية على الكثير منها، فهي لاتزال محط اهتمام العديد من الجهات الإعلامية والشعبية في مختلف دول العالم كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان تلك التصرفات الشاذة قد أسهمت وبشكل فاعل بإحراج الكرسي البابوي وإضعاف الكنيسة المسيحية، التي هجرها أتباعها بعد ان فقدوا الثقة بهذه المؤسسة المهمة التي أصبحت مرتعا للشذوذ والاعتداءات الجنسية المتكررة، التي يقوم بها الراهبات والقساوسة وهو ما اعترفت به الكثير من الشخصيات المسيحية، التي سعت أيضا الى معالجة بعض تلك السلوكيات الشاذة من خلال اعتماد خطط وقوانين جديدة.

وفي هذا الشأن فقد قال البابا فرنسيس إن بيانات جديرة بالثقة تشير إلى أن "نحو 2 في المئة" من رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية لديهم ميول جنسية تجاه الأطفال، حسبما أفادت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية. واعتبر بابا الفاتيكان أن الاعتداء على الأطفال جنسيا أشبه بمرض "الجذام" الذي ابتليت به الكنيسة، بحسب الصحيفة. وتعهّد البابا بـ"مواجهة الأمر بكل ما يلزم من شدة".

لكن متحدثا باسم الفاتيكان قال إن التصريحات الواردة في صحيفة "لا ريبوبليكا" غير مطابقة حرفيا للكلمات التي استخدمها البابا فرنسيس. وبحسب المقابلة المنشورة بالصحيفة، قال البابا إن نسبة الاثنين في المئة التي أشار إليها نقلها له مستشاروه. وتمثل هذه النسبة نحو 8 آلاف قس من مجموع نحو 414 ألفا في أنحاء العالم. ونظرا لعدم وجود إحصاء دقيق لمعدلات الاعتداء الجنسي على الأطفال بين عموم السكان، تشير تقديرات إلى أن النسبة أقل من خمسة في المئة. ونقلت الصحيفة عن البابا قوله إن "من بين الاثنين في المئة المولعين جنسيا بالأطفال هناك قساوسة وأساقفة وكرادلة. أما الآخرون - وهم كثيرون - فهم يعرفون لكنهم يتكتمون الأمر. وهم يعاقبون دون إبداء الأسباب." وأضاف أن "هذا الأمر لا يمكن تحمله."

وأبرزت صحيفة "لا ريبوبليكا" المقابلة بعنوان "البابا يقول: مثل المسيح، ساستخدم العصا ضد القساوسة المولعين جنسيا بالأطفال." ونفى الأب فيديريكو لومباردي، المتحدث باسم الفاتيكان، أن يكون البابا فرنسيس قال إن هناك كرادلة كانوا مولعين جنسيا بالأطفال. ويذكر أن البابا فرنسيس شدد قوانين الفاتيكان ضد الاعتداء على الأطفال العام الماضي، وطلب في وقت سابق العفو من ضحايا الاعتداء الجنسي على يد القساوسة، وذلك في أول لقاء له مع الضحايا منذ انتخابه. بحسب بي بي سي.

وأعرب الكثير من ضحايا الاعتداء الجنسي على يد القساوسة عن غضبهم إزاء ما اعتبروه بمثابة إخفاق الفاتيكان في معاقبة كبار المسؤولين الذين وجهت لهم تهم بالتستر على الفضائح. وأشار بابا الفاتيكان، ردا على سؤال خلال نفس المقابلة للصحيفة بشأن لائحة العزوبية الخاصة بالقساوسة، إلى أن اللائحة جرى تبنيها بعد 900 عام من وفاة المسيح، موضحا أن الكنيسة الكاثوليكية الشرقية تسمح لقساوستها بالزواج. وأضاف أن "المشكلة موجودة بالتأكيد، لكنها ليست على نطاق واسع. وستحتاج إلى وقت، لكن الحلول موجودة، وسأجدها." ونفى الأب لومباردي أيضا أن تكون هذه هي الكلمات الحرفية التي استخدمها البابا.

خداع وسرقة مواليد

من جانب اخر أكدت الكنيسة الكاثوليكية في تشيلي تورط أحد القساوسة في عمليات تبني قسرية لاثنين من المواليد على الاقل دون علم امهاتهما وانه أقام "علاقة غير شريفة" مع احداهن. ويخضع جيراردو خوانون لتحقيق قضائي بشأن قيامه بتقديم عدد غير معروف من المواليد للتبني في السبعينات والثمانينات وابلاغ امهاتهم غير المتزوجات كذبا بوفاة الجنين.

ودافع القسيس عن نفسه قائلا انه كان يأخذ المواليد من أمهاتهم وهن من الطبقة الوسطى نظرا لوصمة العار التي كانت تلتصق بالأمهات غير المتزوجات في المجتمع الكاثوليكي المحافظ في تشيلي في ذلك الوقت. وقال اليكس فيجيراس رئيس الكنيسة الاقليمية المسؤول عن التحقيق مع خوانون "التحقيق الاولي أثبت صحة الاتهامات... كان يعرف ان المولودين لم يتوفيا." وأضاف ان القسيس قاد الصلاة على روحي المولودين اللذين يعرف تماما انهما على قيد الحياة. وصرح بأن القسيس كان على "علاقة غير شريفة" مع إحدى الأمهات ولم يقدم المزيد من التفاصيل.

النساء ورجال الكنيسة

في السياق ذاته قالت الكنيسة المورمونية ان مؤسسها جوزيف سميث تزوج حوالي 40 إمرأة من بينهن فتاة عمرها 14 عاما واخريات كن بالفعل زوجات لأتباعه بعد ان كانت رسمت له صورة علنية على مدار سنوات بانه كان زوجا وفيا لامراة واحدة فقط. وحاولت كنيسة يسوع المسيح لقديسي الايام الاخيرة التستر على جوانب من تاريخها بما في ذلك تعدد زوجات سميث وبريجهام يونج الذي ساعد في تأسيس الكنيسة التي يوجد مقرها في مدينة سولت ليك بولاية يوتا الامريكية.

وفي مقال بعنوان "تعدد الزوجات في كيرتلاند ونوفو" والذي يعد جزءا من مجموعة صدرت العام الماضي قالت الكنيسة "تزوج جوزيف زوجات إضافيات عديدة وسمح لآخرين في قديسي الأيام الأخيرة بتعدد الزوجات" مشيرة إلى أن "التقديرات الدقيقة تضع الرقم بين 30 و40." وتعرضت الكنيسة المورمونية لانتقادات على نطاق واسع عن معاملتها للنساء والسود الذين منعتهم من الوصول الي الدرجات الاعلى في سلم الكهنوتية حتى عام 1978 والمثليين الذين حظرت عليهم دخول معابدها إذا كانوا نشطين جنسيا.

وتراوحت أعمار زوجات سميث بين 20 و40 عاما لكنه تزوج هيلين مار كيمبل التي كانت ابنة أحد أصدقائه المقربين قبل بضعة اشهر من إتمام عامها الخامس عشر. وتأسست الكنيسة المورمونية في 1830 وحظرت تعدد الزوجات في 1890 عندما هددت الحكومة الأمريكية بتجريد يوتا من كيان الولاية. بحسب رويترز.

وقال اريك هوبكنز المتحدث باسم الكنيسة "حقيقة ان جوزيف سميث كانت له علاقات زواج متعددة ليست جديدة بالطبع" مضيفا ان المقال كان اجتهادا لمساعدة الناس على فهم تاريخ وعقيدة الكنيسة. وقال هوبكنز "أكدت (الكنيسة) علانية ممارسة جوزيف سميث لتعدد الزوجات قبل اكثر من قرن ونصف وخاصة في نقاشات مع جماعات دينية اخرى ارجعت اصولها الي جوزيف سميث وأكدت انه لم يمارس تعدد الزوجات."

من جانب اخر يمكن للنساء الآن أيضا أن يصرن أساقفة في إنكلترا. إذ عقدت الكنيسة الأنجليكانية "سينودس" مجلسا عاما في مدينة يورك الواقعة شمال البلاد، وصوتت خلاله من أجل إتاحة الرسامة الأسقفية للنساء. ودعم هذا الإصلاح التاريخي رئيس أساقفة كنتربري (جنوب شرق) جستين ولبي. وكان الاقتراع على هذه المسألة قد قسم الكنيسة لعقود، لكنه استقبل بترحيب يؤشر بأن رسامة أول امرأة أسقف قد تتم في بداية 2015.

ونظم اقتراع سابق في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 لكن نقصته ستة أصوات للسماح برسامة النساء. وصادق وقتها مجمع الأساقفة ومجمع رجال الدين على الإصلاح بالثلثين، لكنهما واجها معارضة مجمع العلمانيين، بالرغم من أن الكنيسة تسمح برسامة النساء منذ العام 1992. ودعم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون هذا الإصلاح، ويجب أن يتبناه البرلمان قبل الحصول على موافقة الحاكم الأعلى لكنيسة إنكلترا الملكة إليزابيث الثانية. وتسمح كنائس أنجليكانية أخرى على غرار كنيسة الولايات المتحدة وأستراليا وكندا برسامة نساء أساقفة.

الكنيسة ومشكلة المطلقين

على صعيد متصل افتتح البابا فرنسيس في الفاتيكان في اجواء متوترة مجمع اساقفة (سينودس) حول الزواج والعائلة، وطالب الاساقفة بإيجاد حلول مفتوحة ومرنة تتيح ضم اشخاص الى الكنيسة يعتبرون انفسهم مستبعدين مثل المطلقين او المتزوجين اكثر من مرة او الذين يرتبطون بدون زواج. وهذا السينودس الاول في حبرية البابا فرنسيس والذي يضم حوالى 200 اسقف ويعقد في جلسات مغلقة. وما يدل على صعوبة النقاشات، ان مداخلات المشاركين لن تنقل الى وسائل الاعلام.

ومن المرتقب ان يركز هذا السينودس على الهوة الكبيرة الفاصلة بين ما تقوله الكنيسة عن العائلة وما يفعله عشرات ملايين الكاثوليك. وفي كاتدرائية القديس بطرس وجه البابا تحذيرا من استمرار الوضع القائم وذلك خلال القداس الافتتاحي لهذا السينودس "الاستثنائي". وصلى عشرات الآلاف من الكاثوليك بينهم عائلات مع اطفالها في ساحة القديس بطرس مع البابا الارجنتيني من اجل نجاح هذا السينودس، وهم يمسكون آلاف الشموع التي اضيئت.

وقال البابا ان "الزواج هو ايقونة حب الله" وكذلك "عمل يدوي تصنعونه بايديكم"، مشيدا بمفهوم العائلة التقليدية التي قال انها "مدرسة لا مثيل لها في البشرية". وطلب من الاساقفة والكرادلة ان يتقنوا "الاصغاء" ويتفهموا الوقائع الجديدة اليوم. وقال ان ثلاثة امور مطلوبة من المشاركين من اجل تحقيق نتائج ايجابية في السينودس الذي يمكن ان يفتح الطريق "لتجديد على طريقة القديس فرنسيس، للكنيسة والمجتمع". والامور الثلاثة هي "نعمة الاصغاء، والاستعداد لمواجهة جدية ومنفتحة واخوية" والرغبة في "التفكير دائما بيسوع المسيح".

ويشكل هذا "السينودس الاستثنائي" ، الاختبار الدقيق الاول للبابا فرنسيس الذي يصر على عقد هذا اللقاء. ومنذ انتخابه في آذار/مارس 2013، تحدث البابا فرنسيس عن "الجروح" التي تسببها انقسامات العائلات. وشبه وضع الكنيسة بمستشفى ميداني. وقال ان "الجروح يجب ان تعالج برأفة، فالكنيسة ام" وليست "مكتبا للجمارك" يتحقق في مدى تطبيق القواعد، ملمحا بذلك الى العديد من المطلقين او الذين يعيشون معا خارج اطار الزواج والامهات العازبات. لكن هذه المسائل لا تلقى اجماعا بين الاساقفة. وتثير مسألة المطلقين الذين يتزوجون من جديد اكبر الانقسامات.

وكان البابا فرنسيس احتفل في 14 ايلول/سبتمبر بزواج عشرين شابا وشابة كان عدد كبير منهم يعيشون مع بعضهم البعض الاخر من دون زواج. وقد بعث بذلك رسالة واضحة تؤكد حرصه على "الترحيب الودي" بهم ايا يكن الطريق الذي سلكوه. وتطرق البابا ايضا الى الامهات العازبات والمتروكات وصعوبة الشعور الذي يواجهه اطفال هؤلاء النساء والعائلات المعاد تكوينها، بأن الكنيسة تحتضنهم. وستحتل هذه المسائل صدارة المواضيع المطروحة.

لكن الموضوع المركزي هو مكانة اعداد كبيرة من المطلقين الذين تزوجوا من جديد، في اطار الكنيسة. هل يمكن ان يسمح لهم بالمناولة؟ وكيف يسمح لهم بها، مع العلم انهم بزواجهم الجديد المدني ينتهكون احد الاسرار الالهية؟. وقد بدأ التوتر خلال الشتاء باستمارة بعثت بها روما الى جميع الابرشيات. واراد البابا الا تكون اي "من الحقائق الجديدة" (المساكنة خارج الزواج والثنائي المثلي مع اطفال، الخ.) محرمة. وكان هذا الموقف جديدا جدا، لكن من دون ان يعني ان الابرشيات توافق عليه. وكشفت الاجوبة الهوة الكبيرة بين توصيات الكنيسة وتصرفات المؤمنين.

وازدادت حدة التوتر في مجمع الكرادلة الذي عقد في شباط/فبراير، عندما كلف البابا الكاردينال اللاهوتي الالماني فالتر كاسبر المعروف بانفتاحه على المطلقين الذين تزوجوا من جديد، عرض القضايا التي سيناقشها المجمع. وشكل كتاب اصدره خمسة كرادلة محافظين يطالبون بألا يتغير شيء حول المطلقين الذين تزوجوا من جديد، نموذجا للنقاش الجاري. ويقال ان البابا لم يكن مسرورا.

ولا يرضي شكل المجمع الجميع ايضا، لأن المداخلات فيه ستتسم بالانضباط الشديد، ولأن المتزوجين والنساء والعلمانيين هم اقلية فيه. ورغم ان زواج مثليي الجنس لا يشكل احد الجوانب التي تفكر فيها الكنيسة بتليين مواقفها، الا ان هذا الموضوع سيكون حاضرا في السينودس حيث يدعو اساقفة من دول متطورة على الاقل الى تقبل افضل لمثليي الجنس. ويعقد مثليو جنس كاثوليك من الرجال والنساء اجتماعا في بورتيماو في البرتغال للمطالبة بان يسمع صوتهم واخذه بالاعتبار خلال السينودس. بحسب فرانس برس.

وسيتحدث مئات الاساقفة وعشرات العلمانيين منهم اقلية من النساء في السينودس الذي سيليه بعد سنة مجمع آخر "عادي" يستطيع البابا ان يستخلص فيه على الارجح الاصلاحات او التحولات، لكن ليس قبل 2016. وقال ياكوفو سكاراموتسي الخبير في شؤون الفاتيكان في تي ام نيوز "ثمة اولئك الذين يتخوفون من ان يؤدي الانفتاح الى انهيار بنية العقيدة الكاثوليكية من جهة، ومن جهة اخرى الذين ينتظرون عمليات تجديد كبيرة والذين يمكن ان يصابوا بخيبة الامل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/تشرين الثاني/2014 - 26/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م