النفط عربون للوحدة الوطنية

 

شبكة النبأ: ربما لا تكون مصادفة أن ينتهي الخلاف المالي – النفطي بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية، بوجود وزير مالية من الكُرد (هوشيار زيباري) بعد ان ودّع الحقيبة الدبلوماسية، ليحرك الحقيبة المالية لما يضمن به مصالح شعبه و ابناء جلدته... فقد تحول عامل الازمة بنفسه الى عامل انفراج وحل، فقد تمت الخطوة الاولى على طريق حل المشاكل بين الجانبين حول حصة الاقليم من الثروة الوطنية التي تؤمنها إيرادات النفط. ووقع كلٌ من وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي ورئيس حكومة الاقليم نيجرفان بارزاني، على اتفاقية تقضي بتحويل مبلغ 500 مليون دولار كمستحقات متأخرة للأقليم في ذمة الخزينة العراقية، على أن تكون دفعة تعقبها دفعات اخرى، بالمقابل يقوم الاقليم بتسليم الحكومة الاتحادية حصة من النفط العراقي، بواقع 150ألف برميل من النفط يومياً.

من يتابع المشهد السياسي العراقي في اللحظة الراهنة، يجد أن الاتفاق الاخير يمثل نقطة ضوء متوقعة في مسار التقدم الذي تطويه الحكومة العراقية على الصعيد الامني والعسكري، بتحقيق انتصارات كبيرة على تنظيم "داعش" واستعادات مناطق استراتيجية، ليس أقلها قضاء ومصفى بيجي، وما لهما من بعد استراتيجي في مضمار المواجهة المحتدمة في نطاقها الدولي. و ايضاً؛ في اطار حاجة الحكومة الى تضامن وتظافر الجهود (الكردية) لإلحاق المزيد من الضربات للارهابيين في هذه اللحظة بالذات، حيث العدو في حالة دفاع وتراجع وانحسار في مواقع نفوذه في محافظات صلاح الدين، وبموازاة الحديث في الاوساط الاعلامية عن الاستعداد للتوجه شمالاً باتجاه الموصل المحاذية للاقليم.

وما يعزز هذا الاعتقاد، تصريحات الرئيس مسعود البارزاني التي لام فيها الولايات المتحدة على تأخرها في تسليح العراق لمواجهة "داعش"، وهو ما يفهم منه المراقبون، رغبة الكرد في تحالف حقيقي مع بغداد لاعتبار "داعش" خطر يهدد الجميع، وليس فقط بغداد والوسط والجنوب، كما كان يروج لذلك، وإنها متوقفة على أبواب اقليم كردستان.

وربما تكون العملية الارهابية الاخيرة في اربيل، مناسبة لأن يعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن توجهاته الجديدة إزاء الكرد، وجاء على لسان المكتب الاعلامي في رئاسة الوزراء، أن "كل حدث ارهابي يؤلم كل العراقيين، ويؤكد الحاجة للوحدة الوطنية لمواجهة عدو لا انساني بتوحدنا..."، كما اضاف في هذا السياق: "جميع العراقيين يقاتلون الارهاب تحت شعار الدفاع عن الارض وبهذه الوحدة سننتصر عليه". هذه التصريحات وغيرها تمثل رسالة واضحة للأقليم بأن الوقت مناسب جداً، بل هو ملزم للطرفين بإعادة النظر في السياسات الماضية، والمشحونة بالازمات خلال الاعوام الماضية، حيث تقدر خسارة العراق من توقف تصديره نفطه من الشمال خلال فترة التوتر في العلاقات مع الاقليم بحوالي ثلاثين مليار دولار، وهو ما جاء على لسان وزير النفط الحالي في الحكومة الجديدة، فيما تعرض الاقليم لأزمة مالية خانقة خلال الفترة ذاتها، تمثلت في تأخر صرف الرواتب وتوقف بعض المشاريع التنموية، بسبب امتناع بغداد عن صرف حصة الاقليم من الموازنة العامة بواقع (17) بالمئة، علماً أن العام الجاري يشارف على الانقضاء ولم يتمكن مجلس النواب من التصويت على الموزانة التي ارسلتها حكومة المالكي السابقة.

وحسب المصادر فان الحكومة السابقة كانت قد أرفقت مع مسودة الموازنة المرسلة الى البرلمان فقرة تلزم الاقليم بدفع خسائر العراق من عدم تسليم الحكومة الاتحادية مقدار النفط المصدر من حقول النفط التي يسيطر على الاكراد في الشمال، وهذا تحديداً ما كان يقضّ مضاجع الكرد، وكان يفسر – الى حدٍ ما- رفضهم المشاركة في عملية التصويت على الموازنة لهذا العام.

الاوساط السياسية في بغداد، ومعها الموقف الدولي، اعرب عن تفاؤله بهذه الخطوة التصالحية الجديدة، حيث وصفها وزير النفط (عادل عبد المهدي) بان الهدف منها هو "إعادة بناء الثقة وحل الخلافات شكل شامل وعادل ودستوري". كما تحدث بيان له، عن الخسائر التي لحقت بالجانبين جراء استمرار القطيعة والخلاف النفطي – المالي، مبيناً أن الاتفاق الاخير يضمن للطرفين مصالحهما الاقتصادية. بيد أن تساؤلاً يثيره الخبراء حول مستوى الفائدة التي تجنيها بغداد من هذا الاتفاق، وهو ارسال الكرد (150) الف برميل من النفط يومياً الى مخازن شركة النفط العراقية (سومو)، بينما تسلّم الاكراد نصف مليار دولار، وهو مبلغ ضخم جداً لا يتناسب بالمرة مع كمية النفط المرسلة، ثم ان المراقبين يشيرون الى ان الاكراد لم يكن وضعهم بذلك السوء الذي تصوره بعض واسائل الاعلام، إذ انها توفر السيولة النقدية من مصادر متعددة، منها الرسوم الجمركية، والتحويلات الخارجية، علاوة على بيعها النفط العراقي سراً الى السوق السوداء، وهو ما أكدته المصادر العديدة.

وهناك تساؤلٌ آخر يطرحه الكثير، عن مفهوم الوحدة الوطنية الذي يأمله المسؤولون في بغداد كما يأمله كل مواطن عراقي، يتوقع أن يكون عاملاً لتحقيق الامن والاستقرار. فاذا كان الاستنتاج من هذا المفهوم واحداً لدى الكرد والعرب، فما الحاجة الى أن يسّلم الاقليم النفط الى بغداد؟ وهل هناك منشآت نفطية خارجة عن سيطرة وادارة وزارة النفط العراقية؟

انه شعار كبير حقاً... (الوحدة الوطنية)، بيد انه بحاجة الى ترجمة على ارض الواقع، واكثر منه، الى التزام متبادل لتحقيق المصلحة المشتركة بين جميع مكونات المجتمع العراقي، لا ان يكون مجرد شعار تتم تحته صفقات سياسية يدفع ثمنها الشعب العراقي – كما هو دائماً- من ثورته ولقمة عيشه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/تشرين الثاني/2014 - 26/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م