هل استطاعت العقوبات الغربية أن تزعزع مكانة الروبل الروسي؟؟

 

شبكة النبأ: لا يزال الصراع الروسي الغربي في ذروته، بسبب قضية اوكرانيا، والعقوبات التي تواجهها روسيا، إذ تعد من اقسى العقوبات التي يلجأ إليها الغرب لمعاقبة المناوئين له، وكما هو واضح فإن المواجهة التي تخوضها روسيا ضد اوربا والغرب عموما تقريبا، تعد من المواجهات الصعبة، إذ يبذل الرئيس الروسي بوتين قصارى جهوده في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لكي يحد من تأثير هذه العقوبات، ويحاول بمساعدة الخبراء الروس المعنيين، أن يبقى الروبل قويا ازاء اليورو والدولار، وهناك محاولات مستمرة للحد من الغلاء الذي طال الاسعار وأثر بشكل مباشر على الاسر الروسية الفقيرة، التي اثقل كاهلها العقوبات المذكورة ضد روسيا.

وقد توقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يستقر سعر الروبل قريبا بعدما خسر ربع قيمته منذ مطلع العام، معربا عن ثقته في التدابير التي اتخذها البنك المركزي. وقال بوتين متحدثا في بكين بقمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول اسيا والمحيط الهادئ (ابيك) "نلاحظ حاليا تحركات في سعر الصرف ناتجة عن المضاربة واعتقد ان ذلك سيتوقف قريبا جدا نظرا الى الخطوات التي قام بها البنك المركزي ردا على المضاربين". ورأى ان انهيار سعر الروبل لا يعكس "على الاطلاق" الوضع الاقتصادي في البلد. وخسرت العملة الروسية على خلفية الازمة الاوكرانية وتراجع اسعار النفط ربع قيمتها في مقابل الدولار منذ مطلع العام ويثير تسارع تراجعها الذي سجل 10% الاسبوع الماضي قلق الاسر التي تعاني من تراجع قدرتها الشرائية. وبعدما انفق عشرات مليارات الدولارات لضبط حركة سعر الصرف بدون التوصل الى نتيجة اعلن البنك المركزي الاسبوع الماضي انه سيحد من تدخلاته بشكل كبير ولن يتحرك بشكل مكثف الا في حال الخطر على الاستقرار المالي. وعلى اثر هذا القرار الواضح بترك العملة تتراجع سجل الروبل انهيارا جديدا الى مستويات قياسية ما حمل البنك المركزي على اصدار بيان مساء الجمعة اكد فيه استعداده "لزيادة تدخله في اي لحظة". وكان الروبل يتجه صعودا حيث سجل سعر اليورو 57,08 روبل وسعر الدولار 45,76 روبل، وقال بوتين مؤخرا ان "السلطات المالية تتخذ كل التدابير الضرورية". واكد "كما سبق وقلت، لا نية لدينا في فرض قيود على حركة الرساميل" نافيا بذلك شائعات سرت بشان الروبل.

صادرات المحروقات بالعملة الصعبة

ويؤدي تراجع سعر العملة الروسية تلقائيا الى زيادة العائدات في الميزانية التي تنتج في قسمها الاكبر عن صادرات المحروقات التي تباع بالعملات الاجنبية وتامل السلطات الروسية ان تجعل الصناعة المحلية اكثر تنافسية. غير انه ادى في المقابل الى تزايد التضخم الذي تخطى نسبة 8% ما ينعكس على الاستهلاك في وقت وصل الاقتصاد الروسي الى شفير الانكماش.

وفي السياق نفسه توقع البنك المركزي الروسي ان يصل حجم حركة هروب الرساميل من البلاد الى 128 مليار دولار هذه السنة نتيجة الازمة الاوكرانية وان تتخطى نسبة التضخم 8 بالمئة. وافاد البنك المركزي الروسي في تقرير ان "الاحداث في اوكرانيا وفرض بعض الدول عقوبات على الاقتصاد الروسي ... ادى الى تدهور كبير في ظروف التمويل، مغلقا في الواقع اسواق الرساميل الخارجية في النصف الثاني من السنة". وتابع التقرير ان "هذه الاحداث تسببت بحركة هروب كثيفة للرساميل" ولا سيما مع تحويل الافراد والشركات ودائعها بالدولار". ورقم 128 مليار دولار اعلى بكثير من توقعات الحكومة البالغة مئة مليار دولار ومن رقم العام 2013 البالغ اقل من 60 مليار. وادى هروب الرساميل الى انهيار الروبل وبالتالي ارتفاع الاسعار، ولا سيما مع فرض حظر في اب/اغسطس على معظم المنتجات الغذائية الغربية. ويتوقع البنك المركزي ان يتخطى التضخم هذه السنة 8% بينها 3,5 نقاط على ارتباط بعوامل "خارجية لا يمكن توقعها". كما يتوقع ان يبقى نمو اجمالي الناتج الداخلي بحدود 0,3% هذه السنة مقابل توقعات سابقة ب0,4% و1,3% عام 2013. واقرت رئيسة البنك المركزي الفيرا نابيولينا بان "المشكلات الجيوسياسية وتدهور الظروف الاقتصادية الخارجية حصلت في وقت كانت المصادر التقليدية للنمو الاقتصادي تنضب .. وهي تشكل تحديا جديا امام السياسة الاقتصادية عموما والسياسة النقدية خصوصا"، بحسب ما ورد في التقرير. ورفع البنك المركزي بشكل كبير نسبة الفائدة الرئيسية (الى 9,5% في نهاية تشرين الاول/اكتوبر) لمنع هروب الرساميل وتراجع الروبل، لكن بدون ان ينجح في ذلك. وبعد انفاق عشرات مليارات الدولارات لدعم الروبل اعلن الاسبوع الماضي انه سيحد بشكل كبير من تدخلاته ولن يتحرك بشكل مكثف الا في حال كان الاستقرار المالي في خطر. واكدت نبيولينا ان توسيع هامش الحرية لسعر الروبل "لا يعني ان البنك الروسي سيتوقف عن مراقبة اسواق الصرف" مشيرة الى انه "في حال ظهور خطر على الاستقرار المالي في وسع البنك المركزي القيام بعمليات في سوق الصرف او استخدام ادوات اخرى لارساء الاستقرار". وقال البنك المركزي الروسي في بيان انه يلغي سلة صرف العملات التي كان حددها حتى الان والتي كان يتقلب فيها سعر صرف الروبل من دون اي تدخل من جانبه. وقال البيان ان ذلك "لا يعني عدولا تاما عن التدخل في سوق الصرف، لكن التدخل ممكن في حال بروز تهديد للاستقرار المالي". وفي السنوات الاخيرة عمل البنك المركزي الروسي الذي يهدف منذ وقت طويل الى تطوير سياسته من هدف صرف عملات الى هدف تضخم مثل البنوك المركزية الغربية، على توسيع سلة اسعار الصرف هذه تدريجيا وقلص شبح التدخلات الممكنة.

الا ان الازمة الاوكرانية اجبرته على التدخل بعشرات مليارات الدولارات لدعم الروبل من دون منعه من خسارة في قيمته منذ بداية العام. وقد ادى ذلك الى تراجع احتياط العملات الاجنبية في روسيا بنسبة 20 في المئة. والاسبوع الماضي، اعلن البنك المركزي الروسي تقليص تدخلاته اليومية الى حدود 350 مليون دولار فقط. وهذا القرار الذي اعتبر بمثابة رغبة في ترك سعر الروبل يتدهور، سرع تراجعه (-10 في المئة الاسبوع الماضي) ذلك ان الاسر تسارع الى تحويل مدخراتها الى عملات اجنبية. وامام تدهور سعر صرف العملة الروسية، خرج البنك المركزي مساء الجمعة عن صمته ليقول مجددا انه على استعداد ل"زيادة تدخلاته في اي لحظة". وتحسن سعر صرف الروبل الاثنين بحيث ارتفع سعر اليورو الى 56,56 روبلا حوالى الساعة 09,50 ت غ مقابل اكثر من 60 روبلا الجمعة، في حين بلغ سعر الدولار 45,31 روبلا.

قمة بريكس هل تنقذ الروبل

سجل الروبل الاثنين تراجعا قياسيا جديدا مقابل اليورو والدولار الاميركي، لتواصل بذلك العملة الروسية تدهورها بسبب الازمة الاوكرانية والعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على موسكو وايضا بفعل انخفاض اسعار النفط. وتراجعت العملة الروسية الى مستوى قياسي جديد من الضعف الاثنين في مقابل العملة الاميركية التي تخطت عتبة اربعين روبلا للدولار، على خلفية الازمة الاوكرانية وانعكاساتها على الاقتصاد الروسي. ويتابع الروس عن كثب تقلبات عملتهم التي اثارت ارتفاعا في الاسعار زاد من حدته الحظر الذي فرضته السلطات الروسية على معظم المنتجات الغذائية الغربية. ومن المحتمل ان تسعى الاسر الى تحويل مدخراتها الى عملات اجنبية، ما سيتسبب بهشاشة في النظام المصرفي.

وتسعى القمة السادسة لدول بريكس في البرازيل الى التصدي للعزلة التي يفرضها الغربيون على روسيا، في مؤشر جديد على دبلوماسية تعدد الاقطاب التي تدعو اليها الدول الناشئة. وينتظر قادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب في فورتاليزا وفي برازيليا عودة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى قمة دولية منذ استبعاده من مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى بسبب الازمة الاوكرانية. وقال اوليفر ستونكل استاذ العلاقات الدولية في مؤسسة جيتوليو فارغاس لوكالة فرانس برس ان "دول بريكس اظهرت للغرب انه لا يستطيع استبعاد الدول الناشئة حتى بشأن قضايا جيوسياسية اساسية". واضاف ستونكل ان هذه البلدان "رفضت المشاركة في الجهود لعزل روسيا واثبتت انها لا تؤمن بالعقوبات"، مشيرا الى ان هذه الدول "نجحت حتى في منع استبعاد روسيا من مجموعة العشرين"، نادي الدول المتطورة والنامية. وقال مسؤول حكومي برازيلي في لقاء مع صحافيين ان "الرؤساء ليسوا جاهلين بالوقائع ومن الممكن ان ترد الازمة الاوكرانية" في البيان. ويتوقع هذا المسؤول تبني موقف يتناسب مع الموقف الذي تبنته هذه الدول في الامم المتحدة في آذار/مارس عندما امتنعت مجموعة بريكس عن التصويت في الجمعية العامة للمنظمة الدولية على الحاق القرم بروسيا. وكان فاديم لوكوف منسق وزارة الخارجية الروسية لدول بريكس اكد في تصريح لوكالة الانباء ريا نوفوستي حينذاك ان المسألة الاوكرانية "ساهمت في تعزيز التحالف". ورأى الباحث في مركز الدراسات والابحاث الدولية في باريس برتران ابادي لوكالة فرانس برس انه "امر يسر بوتين ان يرى قبل قمة دول بريكس انه في مواجهة التضامن الغربي، هناك اختلاف بارز لدى شركائه". واشار الى "حياد" الصين "الحريصة جدا عادة في ما يتعلق بوحدة وسلامة الاراضي"، بينما تبنت "البرازيل والهند مواقف اكثر تكتما ومثلهما جنوب افريقيا". وهذه التباينات تعكس مصالح كل بلد في علاقاته الثنائية مع روسيا. واكد ستونكل انه "ليس هناك اي ضغط يمارس داخل بريكس من اجل موقف مشترك". ونقطة الاتفاق بين هذه الدول بسيطة وهي ضمان شريك اساسي، سواء كان الامر يتعلق بالصين او بالهند والتصدي لهيمنة غربية على الصعيد الدبلوماسي. وقال مارك ويسبرو عضو مجلس ادارة مركز الابحاث الاقتصادية والسياسية في واشنطن لفرانس برس ان دول "بريكس كانت واضحة جدا في معارضتها لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ضد روسيا". واضاف "انها لا تستطيع اجبار واشنطن على تغيير سياستها الخارجية لكنها تستطيع تدفيعها ثمنا سياسيا واقتصاديا". ويشكل انشاء مصرف للتنمية وصندوق للاحتياط رهانا كبيرا لمجموعة بريكس، ودليلا على الرغبة في الاستقلال عن المؤسسات الدولية. ويرى ابادي في ذلك "نوعا من الانتقام المالي لدول الجنوب والشرق من الهيمنة الغربية". وقال تشارلز موفيت مسؤول اوروبا الشرقية في المجلس الاستشاري الانغلوساكسوني اتش آي اس ان "ذلك سيشكل بداية بناء عالم مالي متعدد الاقطاب يعكس العالم الجيوسياسي المتعدد الاقطاب الذي يريده بوتين". وعلى كل حال هذا المصرف لبريكس لا يمكنه الحد من تأثير عقوبات اقسى "على النشاطات المالية اليومية" لروسيا. وفي تصريح لفرانس برس، اشار الرئيس السابق للمجلس الاميركي الروسي للتجارة ادوارد فيرونا الذي يعمل في مكتب الاعمال الاميركي ماكلارتي اسوشييتس الى حدود اخرى ستواجه الدول الناشئة في حال فرض عقوبات ضد روسيا تتعلق "بصناعات تقنية" تبدو دول بريكس "عاجزة عن تقديمها". وهي طريقة للتذكير بان الدبلوماسية المتعددة الاقطاب يمكن ان تصطدم بالواقع الاقتصادي.

صورة روسيا بعيون الآخرين؟

اظهرت دراسة اميركية ان صورة روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين تتدهور في العالم وخصوصا في اوروبا والولايات المتحدة بعد الدور الذي لعبته موسكو في الازمة في اوكرانيا. وتراجعت صورة روسيا خلال عام مع حصولها على 43% من الاراء السلبية مقابل 34% من الاراء الايجابية، بحسب الدراسة التي اجراها معهد بيو للابحاث بين 17 اذار/مارس و5 حزيران/يونيو وشملت 48643 شخصا من 44 دولة بينها روسيا. وتم استطلاع جميع الاشخاص بعد صدور اعلان فلاديمير بوتين في 18 اذار/مارس بشأن ضم منطقة القرم الاوكرانية. وتراجعت الاراء المؤيدة لروسيا الى حد كبير خلال عام وخصوصا في الرأي العام الاميركي حيث ازدادت الاراء السلبية بمقدار 29 نقطة والراي العام الاوروبي. وتظهر بولندا وبريطانيا واسبانيا والمانيا وايطاليا بصورة خاصة زيادة في الاراء السلبية تفوق 10 نقاط مئوية. وفي فرنسا ازدادت الاراء السلبية حيال روسيا ورئيسها بتسع نقاط لكن صورة روسيا في هذا البلد كانت خلال العام 2013 الاكثر تدهورا بين جميع الدول الاوروبية المستطلعة بمستوى 64% من الاراء السلبية حيث ارتفعت نسبة هذه الاراء الان الى 73%. واليونان هي البلد الاوروبي الوحيد الذي ينظر بايجابية الى روسيا سواء في 2013 او في 2014 مع تقدم الاراء السلبية بنقطتين فقط. اما الاوكرانيون انفسهم فقد تبدل رأيهم بروسيا بشكل تام منذ 2011، العام الذي جرى فيه اخر استطلاع للرأي. فقد ابدى 60% اراء سلبية مقابل 11% قبل ثلاث سنوات، والارقام تختلف بحسب المناطق حيث تتركز الاراء السلبية في الغرب (83%) اكثر منها في الشرق الناطق بالروسية (43%). اما في القرم فتراجعت هذه النسبة الى 4% فقط.

كذلك تتدهور صورة روسيا في الشرق الاوسط واميركا اللاتينية ولو بنسب اقل. اما في افريقيا، فصورة روسيا تميل الى الايجابية باستثناء في جنوب افريقيا، بالرغم من تسجيل تراجع في نسبة التاييد. وفي اسيا فان صورة روسيا تتعزز في الصين مع تقدمها 16 نقطة وتسجل غالبية من الاراء الايجابية كما في فيتنام وتايلاند وبنغلادش. اما بالنسبة للرئيس الروسي ولقدرته على "اتخاذ القرارات الجيدة في شؤون العالم" فان الغالبية الساحقة من المستطلعين لا يثقون به، باستثناء في روسيا والصين وبنغلادش وفيتنام وكينيا وتنزانيا وغانا. كما ان غالبية الاراء ببوتين سلبية في جميع انحاء اوكرانيا باستثناء في القرم حيث تتراجع الاراء السلبية الى 5%. في حين اعربت السفارة الروسية في لندن عن "اسفها" الشديد السبت لرفض السلطات البريطانية منح تاشيرات دخول لممثلين رسميين روس يريدون المشاركة في معرض صناعة الطيران في فارنبورو، وذلك في اطار العقوبات المرتبطة بالازمة الاوكرانية. وقالت السفارة الروسية بأسف ان "وزارة الصناعة والتجارة ووكالة الفضاء الروسية والوكالة الفدرالية للطيران المدني وعشرات الشركات الروسية توقعت ارسال ممثلين عنها الى المعرض"، مشيرة الى ان افراد الجهاز البشري التقني المسؤولين عن امن العروض في الجو حرموا ايضا من الحصول على تاشيرات. واضافت السفارة الروسية انها تطلب توضيحات عاجلة من وزارة الخارجية البريطانية. وفي اتصال مع وكالة فرانس برس، اكدت وزارة الخارجية البريطانية انه "لم توجه الدعوة الى اي ممثل للحكومة الروسية" لحضور معرض فارنبورو "بسبب انشطة روسيا في اوكرانيا". واضاف المصدر نفسه ان "الحكومة كانت حازمة ايضا لسحب روسيا من لائحة الدول التي يمكنها استخدام اجازات تصدير وذلك بهدف عدم تشجيعها على المشاركة في معرض فارنبورو" الذي يبدأ الاثنين. وقررت لندن في 18 اذار/مارس تعليق اي تعاون عسكري مع روسيا بما في ذلك اجازات التصدير السارية وذلك ردا على ضم شبه جزيرة القرم. واعلن مصدر مجهول لوكالة ريا نوفوستي الروسية ان هذا الرفض بمنح تاشيرات "يضر باحتمال اجراء محادثات مهمة" وخصوصا بين شركة تصدير الاسلحة الروسية روسوبورن اكسبورت والمستثمرين الاجانب. وقال المصدر نفسه ان "كبار المفاوضين وبينهم رئيس الوفد سيرغي كوميف، لم يحصلوا على تاشيرات في حين تقدموا بطلباتهم في الوقت المحدد. وستلغي روسيا ايضا عددا من العروض وعلى سبيل المثال عرض مروحياتها العسكرية". واذ قدمت الازمة الاوكرانية على انها السبب وراء ذلك، الا انها ليست المرة الاولى التي يترافق فيها معرض الطيران في فارنبورو الذي يقام كل سنتين في جنوب غرب لندن بالتناوب مع معرض لوبورجيه، مع نزاع دبلوماسي بين لندن وموسكو. وفي 2012، اعربت روسيا عن اسفها لان عددا من ممثلي شركات الطيران الوطنية لم يحصلوا على تاشيرات. واكدت السفارة البريطانية في موسكو انذاك ان هؤلاء الاشخاص تاخروا جدا في تقديم طلباتهم.

من ناحية اخرى ولتعزيز الاقتصاد الروسي ومواجهة العقوبات سيفتقد كبار المسؤولين الروس قريبا الجلوس داخل السيارات المرسيدس السوداء المريحة الفاخرة التي تعبر بهم بوابات الكرملين بعد ان يستبدولنها بسيارات محلية الصنع في إطار تحرك لحماية الصناعة المحلية المهددة بالخطر نتيجة العقوبات الغربية المفروضة بسبب أزمة أوكرانيا. وقال رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف إنه وقع قرارا بالحد من شراء السيارات المستوردة من أجل مسؤولي الدولة والمحليات. وتتماشى هذه الخطوة مع مسعى الرئيس فلاديمير بوتين لزيادة الاعتماد الذاتي بدءا من قطاع الهندسة ووصولا إلى مجال الدفاع لكنها تحمل أهمية رمزية أكثر منها تجارية. ويتم تجميع الكثير من السيارات الغربية في روسيا الآن لكن ليست سيارات مرسيدس ليموزين الفاخرة والتي تعد الخيار الأفضل لكثير من المسؤولين الحكوميين ويستخدمها الرئيس بوتين كثيرا. وفي العهد السوفيتي كانت تخصص لكبار المسؤولين سيارات ليموزين طراز زد.إي.إل وتخصص سيارات فولجا للمسؤولين الأدنى درجة. واختفت أنواع هذه السيارات الآن من الشوارع. وصدرت تعليمات إلى منتجي السيارات المحليين بتصميم سيارة للمسؤولين الحكوميين بحلول نهاية العام في إطار مشروع عرف باسم "كورتيجي". وحاول بوتين من قبل الترويج للسيارات روسية الصنع وقام بقيادة سيارة لادا صفراء من طراز كالينا الرياضية عبر الحدود الصينية عام 2010.

إحياء الرموز الروسية

على صعيد آخر يقام في العاصمة الروسية معرض عن الزعيم السوفياتي السابق يوري اندروبوف الذي ترأس جهاز الاستخبارات "كاي جي بي" لفترة طويلة في الحقبة السوفياتية واشتهر بقمعه الشرس للمعارضين، والذي يعتبره الرئيس فلاديمير بوتين "شخصا موهوبا"، بالتزامن مع عرض افلام عنه على الشاشات الروسية. ولدى افتتاح المعرض قبل ايام، وجه بوتين تحية الى هذا الرجل الذي شغل منصب الامين العام للحزب الشيوعي، واصفا اياه بالشخص "الموهوب الذي كان يتمتع بقدرات كبيرة جدا". واقيم هذا المعرض لمناسبة الذكرى المئوية لولادة اندروبوف، وهو توفي في العام 1984. واشتهر اندروبوف بارسال بعض المعارضين السياسيين الى مصحات عقلية، مثل الشاعرة ناتاليا غوربان غوربانيفسكايا، وليونيد بليوشتش، والجنرال بيترو غريغورنكو، والشاعر يوري غالانسكوف الذي توفي في سن الثالثة والثلاثين، وفلاديمير شيلكوف. وقد زينت الجدران بالاقوال المنقولة عن اندروبوف التي تندد باجهزة الاستخبارات "الامبريالية"، و"عملياتها المخربة"، في جو يعيد الى الاذهان حقبة الدعاية السوفياتية ابان الحرب الباردة. ورغم ان الهدف من المعرض هو تكريم اندروبوف، الا ان بعض المعروضات تبدو صادمة. ومن هذه المعروضات رسالة بعثها في العام 1951 الى السلطات السوفياتية العليا يطلب فيها الاذن بتهجير مزارعين ليتوانيين من اراضيهم بعدما افلتوا من موجة اولى من الاعتقالات. وخصص جزء من المعرض لدوره المهم في قمع الثورة المعادية للشيوعية في بودابست العام 1956، والتي سحقتها الدبابات السوفياتية. وفي تلك الآونة كان اندروبوف يشغل منصب سفير موسكو في المجر. والمرحلة الاهم من حياة اندروبوف هي تلك التي تولى فيها قيادة جهاز الاستخبارات السوفياتية بين العامين 1967 و1982، في عهد ليونيد بريجنيف. وتظهر وثائق وقع عليها اندروبوف تتعلق بالمعارض يوري اورلوف وآخرين كيف ان جهاز "كاي جي بي" كان يقرر مسبقا العقوبة التي يصدرها القضاء على المعارضين. وتظهر تقارير معروضة كان اندروبوف رفعها الى السلطات السوفياتية العليا الرقابة المشددة المفروضة على الكاتب الكسندر سولجينيتسين، والاكاديمي المعارض اندري ساخاروف، بسبب "انشطتهما المعادية للاتحاد السوفياتي". لكن القيمين على المعرض لم يشاؤوا الغوص في الزوايا الاكثر سوادا من تاريخ اندروبوف، ولاسيما ما عرف عنه من ارسال المعارضين السياسيين الى معسكرات الاعتقال سنوات طوال، او تحويلهم الى مصحات نفسية عوملوا فيها على انهم مضطربون عقليا. وتشير وثائق معروضة الى القلق الذي اعترى جهاز الاستخبارات بعد تسرب مذكرات نيكيتا خروتشوف سرا الى الغرب والتي قدمت احيانا رواية للتاريخ تختلف عن تلك التي يتبناها الكرملين. واقترح اندروبوف اجراء عملية تفتيش سرية لأغراض الزعيم السابق الذي اطاح به بريجينيف، بحثا عن وثائق ذات صلة لاخفائها. ومن المقتنيات المعروضة ايضا اسطوانة لفرقة الجاز الاميركية "تكساس جاز لاب باند"، وهي معلقة بين وثيقتين معروضتين، وهو ما يؤكد ما كان معروفا عنه من ولعه بهذه الفرقة رغم عدائه لقيم الغرب واسلوب الحياة فيه. واضافة الى هذا المعرض، تحيي روسيا الذكرى المئوية لاندروبوف بعرض افلام عنه و"انجازاته". وتظهره هذه الافلام مثاليا ودبلوماسيا وقريبا من المثقفين، وشاعرا ومصلحا وذا حياة متقشفة. ويندرج تكريم اندروبوف في اطار برنامج احياء التراث السوفياتي الذي يعتمده بوتين منذ وصوله الى الكرملين في العام 2000، وقد تصاعدت وتيرة هذا التوجه في السنوات القليلة الماضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/تشرين الثاني/2014 - 24/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م