صناعة الخبرة وطريق النجاح

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: من أهم وأبرز مشاكل بلادنا الاسلامية، قلّة الخبرة والتجربة في المجالات كافة، مما جعلها تقف في المراقي الدنيا في سلم الدول المتقدمة والمتطورة في العالم. فهي عاجزة عن التحرك بخطوات ثابتة ودقيقة ما يحقق لها النجاح في الاقتصاد، بمختلف جوانبه وتفرعاته، سواءً في الزراعة او الصناعة او التجارة او النفط والمعادن وغيرها، وكذلك الحال في المجال السياسي والعسكري والامني وحتى مجال الخدمات، التي يتفرض ان تكون من بديهيات أي دولة تريد الخير والرفاهية لشعبها.

وقد أشّر المفكرون والمصلحون في اوائل واواسط القرن الماضي الى هذه الثغرة الحضارية الخطيرة، عندما راقبوا تحركات الاستعمار في بلادنا، وكيف أنه استغل هذه الثغرة للإمساك بمقدرات الدول، لاسيما الغنية منها، والتي تمتلك ثروات معدنية وزراعية هائلة دون معرفة كيفية  استثمارها والاستفادة منها، وتقف في المقدمة العراق وايران ودول الخليج ومصر وغيرها، مما جعل مصيرها رهن الشركات النفطية و المؤسسات الاقتصادية ومراكز الابحاث والدراسات في الغرب، فهي التي تخطط وترسم، ثم تطلب التنفيذ من هذه الدول، وما فاض من الارباح يصل الى هذه الدول، فيما تذهب الارباح الحقيقية والكبيرة الى تلك الدول.

وعندما طوي عهد الاستعمار، واكتسبت البلاد الاسلامية نوعاً من الاستقلالية، وباتت تتحدث عن تجاربها الخاصة واكتسابها للخبرات في مجالات متعددة، فان الغرب "الخبير" في كل شيء. بدأ يتحدث عن تصدير الخبرات والتجارب، الى جانب السلع والمواد التي يصدرها الينا، بمعنى أنه أضاف شيئاً جديداً الى قائمة الاستيراد. فعندما تعقد اتفاقية على إنشاء مصفى نفط ، أو شراء طائرة عسكرية وحتى مدنية، فان مع الطائرة يلتحق خبراء وفنيين وتقنيين، يساعدون اهل ذلك البلد (المشتري) على تشغيل وصيانة هذه الطائرات، او القيام بالعمل الناجح في ذلك المصفى أو أي منشأة ومشروع انتاجي أو إنمائي...

لكن؛ هل يعني هذا ان تكون الدول "النامية" والطامحة للتغيير والتطور، متشائمة من أمر الخبرات الاجنبية، وتكون مسكونة بالسلبية إزاء كل ما من شأنه تحقيق التطور والتقدم؟

يجيب سماحة الامام الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره- في كتابه "الخبرة ودورها" حيث يدعو سماحته الى الانفتاح على جميع مصادر الخبرة والمعرفة في العالم، على الاقل؛ للتعويض عمّا لحق بالامة من تخلف طويل الأمد، جعلها تبتعد عن الامم المتقدمة لعقود طويلة من الزمن.

والسؤال هنا؛ عن كيفية الحصول على الخبرة، او بالاحرى، الآلية المناسبة التي تضمن سيادة وكرامة البلد  المستفيد، كما تضمن مصلحة البلد المصدّر. فالامام الشيرازي، طالما يحذرنا في احاديثه ومؤلفاته من خطورة الارتباط والتبعية بسبب قلّة الخبرة والتجربة، وكان – قدس سره- يردد هذا الحديث المشهور عن أمير المؤمنين، عليه السلام: "احتج الى من شئت تكون أسيرة، واستغن عمن شئت تكن نظيره وأحسن الى من شئت تكن أميره". بمعنى أن استيراد الخبرة والاستفادة منها، يجب ان يتم من خلال قنوات خاصة وبطريقة غاية في الدقة، بحيث تكون هنالك عملية تبادل وعلاقة متكافئة الى حدٍ ما، بحيث تمنع حصول أي نوع من الاستغلالية والتبعية وفرض الشروط المسبقة، كما يحصل اليوم في معظم العلاقات بين بلادنا وبلاد الغرب على صعيد تبادل الخبرات والتجارب.

ومن الطرق التي يؤشر عليها سماحته للحصول على الخبرات بطرق سليمة وآمنة، هو طريقة "الخدمات الودية"، ويوضح سماحته: "...تبعث دولة إلى أخرى بخبير، أو مجموعة من الخبراء تساعدها بلا مقابل، أي أن الدولة التي تبعث الخبراء لا تأخذ من الدولة الأخرى أجرة على ما يقومون به من خدمات، بل تكتفي بأخذ قروض طويلة الأجل بلا فائدة، أو لقاء خبراء آخرين من ذلك البلد. وهناك لون آخر، وهو البعثات التي تقوم بها الدول النامية مثلاً، إلى الدول الأوروبية، من أجل تحصيل الخبرة والمعرفة".

وفي الوقت الحاضر حيث تفخر بعض الدول بأنها بلغت مستوى لا بأس به من السيادة وإدارة شؤونها بنفسها وتقرير مصيرها، بعيداً – بعض الشيء- عن مراكز القرار في الغرب، فانها اليوم حرية بأن تفكر جدّياً بأمر الخبرات والتجارب ما يعزز هذه السيادة والاستقلالية والمصداقية  السياسية في الداخل والخارج، حتى في أحلك الظروف وأكثرها تعقيداً مثل الحرب ضد الارهاب التي يخوضها العراق حالياً، حيث تتشابك مصالح اقليمية ودولية في هذه الحرب، هذا من جانب، ومن جانب آخر تتعدد مصادر التمويل والتسليح والتخطيط من مصادر عديدة، تجعل محاربة هذا التنظيم وهزيمته أشبه بالمعجزة.

وربما تكون هذه الحرب وغيرها من التحديات التي تواجه العراق أو غيرها في بلاد اخرى، بمنزلة التجربة القاسية لمدى صلابة الموقف وتماسك البناء الداخلي والعلاقة بين القيادة والقاعدة. ومسألة الحصول على الخبرة، لها مدخلية في الامن والاستقرار ، كما له مدخلية في التنمية والتطور وتحقيق الرفاهية، فاذا كانت الدولة الطامحة متوفرة على شروط التماسك والصلابة والمنعة، فانها تكون ناجحة في استحصال الخبرات من موقع القدوة والاقتدار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/تشرين الثاني/2014 - 24/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م