العلاقات الأمريكية – الروسية وموضوع أوكرانيا

علي الأسدي

 

قبل أن تنتهي احتفالات العالم الرأسمالي بزوال الكابوس الاشتراكي عن كواهلهم برز لهم من تحت أنقاض الاشتراكية لاعب جديد في الساحة الدولية يجيد السباحة في المياه السايبيرية المتجمدة وممارس دائم للمصارعة الحرة وخبير لا يطاله الشك في الجاسوسية والقانون. عدا ذلك وهو الأهم مدافع لا يلين عن مصالح روسيا الاقتصادية والسياسية وموقعها كدولة عظمى في الساحة الدولية. ومن أجل تحقيق تلك الأهداف يعزز من قدرات دولته العسكرية وتحالفاتها لما يتناسب والمصالح الاستراتيجية الروسية. وربما لهذا السبب ابدت الولايات المتحدة امتعاضها من هذا المنافس الجديد. فلم يكن قرار ضم شبه جزيرة القرم الى الوطن الأم إلا الشرارة التي انتظرها الأمريكيون بشغف ليشعلوا النار في الهشيم، وكالعادة وقفت الدول الغربية الى جانب الأمريكيين في كافة الاجراءات التي اتخذتها لعقاب رجل روسيا الجديد في لعبة الحرب الباردة الجديدة التي يجيدها الاثنان اجادة تامة.

المحلل العسكري السابق والكاتب الأمريكي ذي الأصول الروسية Saker The يعيش حاليا في ولاية فلوريدا الأمريكية التقاه الكاتب والصحفي الأمريكي مايك وتني في 14\10\ الماضي وكان له الحوار التالي معه حول العلاقات الروسية - الأمريكية وحقيقة الموقف الروسي من الموضوع الأوكراني. وبسبب راهنية الأزمة الأوكرانية وأهميتها لقضية السلام العالمي قمت بترجمة الحوار عن الانكليزية لاطلاع القراء الأعزاء على ما دار فيه:

مايك وتني: هل الولايات المتحدة مسئولة عن الاضطرابات في أوكرانيا..؟؟

ساكر: نعم بالتأكيد ولا شك في ذلك. وبينما كان سكان أوكرانيا غير سعداء من نظام فكتور يانوكوفيج الفاسد (رئيس أوكرانيا المطاح به من قبل النازيين الجدد بمساعدة الأمريكيين) فالانقلاب عليه كان مدبرا من قبل السي آي أيه. الاتحاد الأوربي كان متورطا أيضا وخاصة ألمانيا، لكنهم لم يلعبوا دورا كبيرا كما الأمريكيون. وأظهرت الرسائل المتبادلة المسجلة أن فيكتوريا نولاند المسئولة في الخارجية الأمريكية لعبت دورا مهما خلف الكواليس.

مايك وتني: ماذا كان دور أوباما في اعلان كيف الحرب على شرق أوكرانيا..؟؟

ساكر: دورا مركزيا. وعليك أن تعلم أن ليس في كيف حكومة فاعلة. فبوروشينكو الرئيس الجديد لأوكرانيا والآخرين في الحكومة من حوله مدارون مباشرة من قبل أمريكا. رئيس الجهاز السري الأوكراني SBU فالنتين ناليفياجينكو وكيل في السي آي أيه. وهناك حقيقة بأن الأمريكيين يشيرون الى بوروشينكو بأنه رجلنا في أوكرانيا. وكل قراراته تعد من قبل المسئولين الأمريكان في كيف. كلمة بوروشينكو أمام الكونغرس قبل اسابيع كتبت له من قبل مسئول أمريكي.

مايك وتني: لقد حقق الانفصاليون في شرق أوكرانيا نجاحات ضد هجمات الجيش الأوكراني وشركائه النازيون الجدد في القوى الأمنية الأوكرانية. ماهو دور الروس في مساعدة المليشيات في شرق أوكرانيا..؟؟

ساكر: دور روسيا كان حرجا. بينما لم تشارك قوات روسية عبر الحدود، لكن موسكو أتاحت للمتطوعين والأسلحة من المرور. وفي حين لم تقدم المساعدة المباشرة من الأمن الروسيFSB أو الجيش قدمت المساعدة من قبل مجموعات خاصة. للروس القدرة على المساعدة عندما يقرروا ذلك. لقد حصل تدخل مدفعي عبر الحدود كما تقدم روسيا المساعدة الاستخباراتية والسياسية. بدون مساعدة ودعم روسيا لم يكن أبدا بمستطاع الانفصاليون من تغيير مسار الحرب.

مايك وتني: هل قامت القوات الروسية بصورة غير شرعية السيطرة على القرم أم أنها ادعاءات غربية..؟؟

ساكر: انها شكلية. نعم أرسل بوتين قوات الى القرم، لكنها لم تتجاوز الحدود المسموح بها وفق الاتفاقية السارية بين روسيا وأوكرانيا. ويجب أن لا ننسى أن للروس قوات كبيرة في البحر الأسود في قاعدة سواستبول. اضافة لذلك هناك الكثير من المتطوعين كانوا على قناعة تامة بأنهم جزء من القوات الخاصة الروسية. نعم أرسل بوتين في لحظة حرجة قوات خاصة الى القرم. لكن هل العملية مشروعة..؟؟ شكليا نعم، فهي لم تخرق الاتفاق بين البلدين من حيث عدد القوات الروسية المسموح بها، لكنها تجاوزت السيادة الأوكرانية. السبب الذي دفع بوتين لتلك العملية، لأنه حصل على أدلة مهمة بأن كيف كانت تخطط للتحرك ضد القرم. حيث كان هناك احتمال أن تقوم الأقلية التركية أو التتارية باضطرابات في القرم، وما لم يقم بوتين بما قام به فان اصطدامات دموية كانت ستقع ربما أسوء مما حدث في شرق أوكرانيا.

ايضا ان تنحية يانوكوفيج المنتخب ديمقراطيا قد خلف فراغا شرعيا في كيف. فاذا كان بوتين قد خالف قانون دولة وقعت في أيدي عصابة مسلحة فمن الأولى المحافظة على السلام وهو ما قام به بوتين. لقد أختار بوتين ان يسمح لسكان القرم بتقرير مصيرهم بالسماح لهم بالتصويت بحرية في الاستفتاء. الدعاية الصهيو\أنجليكانية ادعت ان التصويت قد تم تحت التهديد بالسلاح وهذا لا معنى له، فلا أحد اعترض على حقيقة ان 95% من المجتمع في القرم عبروا عن رغبتهم بترك أوكرانيا والانضمام الى روسيا. كل ما فعله الرجال المسلحون ذي الملابس الخضراء أنهم مكنوا الناس من ممارسة حقهم لتقرير مصيرهم وهو أمر لا يمكن أن تسمح به العصابة في كيف.

مايك وتني: ماهو التأثير الذي يلعبه أوباما على قرارات الرئيس الأوكراني بوروشينكو وهل واشنطن في حقيقة الأمر تدير المسرح..؟؟

ساكر: نعم تماما. أوبا يصدر الأوامر وبوروشينكو ينفذ. تماما كما يفعلون في كل مكان، الأمريكيون يستخدمون الزمر المالية لاستعمار البلاد. خذ مثلا روسيا فبين عام 1991 – 1999 كانت تدار من قبل زمرة أرباب المال والنفوذ من أمثال بوريس يلتسين. أي شخص يعرف ان روسيا أصبحت مستعمرة أمريكية وان أمريكا تستطيع أن تفعل اي شيء تريده وهي كذلك اليوم.

الرئيس الأوكراني السابق يانوكوفيج ليس مواليا لروسيا بقدر اي رئيس أوكراني، وهو أوليغارش كاي أوليغارش مثل الرئيس الحالي بوروشينكو. الرئيس بوروشينكو شخص ذكي جدا ويعرف ان بقاءه في السلطة مرهون بالعم سام وهو حاليا رجل واشنطن لكن ذلك قد يتغير بلمح البصر.

مايك ويتني: ما هي فرصة أمريكا لتحقيق هدف اقامة قاعدة للناتو أو قاعدة للصواريخ في أوكرانيا.. وما هو شكل الخطر الذي يشكله هذا الاحتمال على موسكو..؟؟

ساكر: المكان الوحيد الذي يمكن للناتو ان يقيم قاعدة في أوكرانيا هو القرم، لكن هذا لم يعد ممكنا. ومع ذلك فهناك الكثير من الأسئلة تطرح حول هذا الاحتمال. اذا استمرت الولايات المتحدة تدفع نحو هذه السياسة الاستفزازية بإقامة قواعد عسكرية على حدود روسيا عندها ستنسحب روسيا من اتفاقية INF المعروفة باتفاقية الاسلحة النووية المتوسطة المدى Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty وستقوم بنصب نسخة متقدمة من الصواريخ الباليستيكية السوفييتية SS-20 قريبا من الدول الأوربية. الموضوع المهم هنا أن التدخل الأمريكي قد يقود الى مواجهة عسكرية بين القوى النووية.

مايك وتني: لقد وضعت اللجنة الأوربية عقبات لمنع روسيا من بناء انبوب ناقل للغاز الى وسط وجنوب أوربا. الانتقادات الموجهة للأمريكيين بأنهم وراء ذلك، وان شركات الطاقة الكبرى الأمريكية ترغب بمنع انشاء الأنبوب أو أن تكون لها السيطرة والرقابة على امدادات الطاقة من روسيا الى أوربا. هل هذا الذي نراه في أوكرانيا انعكاسا لحرب الطاقة التي برزت في وقتها الحقيقي..؟

ساكر: هذا جزء مهم من الاجابة، لكن ليس الجزء المركزي منها. الموضوع المركزي هو الاعتقاد الخاطئ (الذي عبر عنه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيكنيف برجينسكي) بانه من دون أوكرانيا فان روسيا لا يمكنها أن تكون قوة عظمى. والاعتقاد الخاطئ المشابه الآخر (المعبر عنه من قبل هيلاري كلينتون) بأن بوتين يرغب بإعادة بناء الاتحاد السوفييتي السابق. بالنسبة للصهيو\انجليكانية ان على أمريكا الهيمنة على أوكرانيا أو تدميرها، لكن لا يجب أن يسمح لروسيا بحيازتها. المشكلة مع هذه النظرية أن روسيا في الحقيقة لا تريد ولا تحتاج أوكرانيا. ما تريده روسيا هو شريك محايد ومستقر ومستقل تستطيع العمل معه.

حتى الوقت الحالي حيث يطالب الناطقون بالروسية في الشرق الاستقلال التام عن أوكرانيا تقوم روسيا بالعمل على خطة مختلفة تماما. انها تريد أوكرانيا اتحادية تتمتع المنطقة الشرقية فيها بحكم ذاتي ضمن الدولة الاوكرانية. الغرب مشغول بأمر السيطرة على أوكرانيا انهم لا يتصورون بان روسيا لا ترغب بالسيطرة على أوكرانيا، انها لا تحتاج الى دولة محطمة فاشلة بعدد هائل من المشاكل وتحتاج الى بلايين وبلايين من الدولارات لإعادة بنائها. نعم هناك مشتركات ثقافية وتاريخية وبيئية وحتى علاقات عائلية بين الأوكرانيين والروس، لكن هذا لا يعني ان الروس يريدون ادارتها. روسيا حازت على ما تريده وهو شبه جزيرة القرم أما مع بقية أوكرانيا فتصرف روسيا هو " حطمتموها فهي ملككم ".

مايك وتني: ماهي حدود اللعبة هنا، وهل ينجح بوروشينكو بالحفاظ على أوكرانيا موحدة واحكام العزلة على روسيا عن أوربا أو تنقسم سياسيا وهل هناك سيناريو آخر..؟؟

ساكر: القرم ذهبت الى الأبد وكذلك الجزء الشرقي، لكن فيما يخص المستقبل فان هناك مرحلة انتقال يكون للجزء الشرقي فيها شبه استقلال. شيئ واحد مؤكد وهو انه قبل التوصل الى اتفاق نهائي هناك موضوعان يجب الانتهاء بشأنهما.

 الأول: يجب اجراء تغيير في النظام في كيف يتبعه الغاء النازية الجديدة. لا روسيا ولا شرقي أوكرانيا يمكن أن يعيشا بسلام مادام النازيون في السلطة في كيف. أي يجب استئصال معاداة الروسية والشعور القومي السائد الان في أوكرانيا قبل التوصل الى الحل النهائي. للروس وشرقي أوكرانيا مواقف مختلفة بهذا الشأن. لكن من دون تغيير النظام الحالي والقضاء على النازيين في السلطة فان مواطني شرقي أوكرانيا لا يشعرون بالأمن والسلام. ولهذا فان الروس مع هذا الرأي. سننتظر لنرى كيف ستتطور الأمور في المستقبل.

ثانيا: يجب أن يكون هناك مؤتمر للمتبرعين. فأوكرانيا بلد محطم. لقد تحولت أجزاء منها الى أنقاض وستحتاج الى سنين لإعادة البناء وأموالا طائلة. أمريكا والاتحاد الأوربي وروسيا سيساهمون، لكن اذا قاوم الصهيو- انجليكان واستمروا بدعم العصابة النازية في كيف فلن يدفع الروس سنتا واحدا. روسيا ستذهب نحو شرقي أوكرانيا وتدعمه. عاجلا أم آجلا، حاضرا أم مستقبلا سيدرك الأمريكيون والاتحاد الأوربي حاجتهم لروسيا، وعندما يدركون ذلك في النهاية سيعملون سوية للتوصل الى اتفاق سياسي شامل. حتى الآن هم مستمرون بمعاقبة بوتين عبر العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية ليثبتوا بانه ليس هناك من يعارض الامبراطور. لكن التصرفات المهينة لن تغير من الواقع على الأرض. الغرب يحتاج الى تعاون روسيا، لكن روسيا لن توافق على التعاون بدون أن تفي الولايات المتحدة ببعض الشروط قبل أن توافق موسكو على عقد تعاون معها.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/تشرين الثاني/2014 - 24/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م