نتائج الحرب الذكية ضد الارهاب

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: لتحقيق أفضل النتائج بأقل الخسائر في الحروب والمعارك، تبحث مراكز التخطيط والدراسات العسكرية في العالم عن النهج الأصح الموافق للمنطق والعقل، وليس المنبعث عن الحماس والعاطفة. هذا ما نلاحظه في الحروب الاهلية أو ما وراء الحدود، ويتأكد الامر عندما تكون الحرب ذات ابعاد دولية، تشترك فيها اطراف عديدة، فيكون من اللازم التفكير الموضوعي المسبق في كيفية إدارة الحرب، وهذا ما نحتاجه اليوم تحديداً في الحرب المفروضة علينا من قبل تنظيمات ارهابية – تكفيرية، فحتى هذه التنظيمات التي يبدو ظاهرها بسيطاً، لكن أثبتت المعيطات والحقائق وجود تخطيط ومنهجية محكمة، موضوعة لها من قبل مؤسسات مخابراتية وعسكرية، اقليمية ودولية. فالقضية لا تبدو أنها "همجية" أو "بربرية" دون حساب وكتاب، كما يتصور البعض.

وعندما نتصفح كتاب "ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين"، لمساحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- نجده استشرف المستقبل من سنوات طويلة، عندما أوصى بـ "وضع المنهاج الصحيح للمواجهة"، على سبيل التغيير الشامل والحقيقي في الأمة، بما يضمن لها السلامة والنمو والتقدم. لذا نجده يضع لنا ثلاثة عشر قاعدة لهذا المنهاج الذي يفترض سماحته أن يكون "قويماً" لا اعوجاج فيه ولا تناقض؛ القاعدة الاولى: "لا للانتحار"... 

الاستشهاد لا الانتحار

في المفاهيم العسكرية الحديثة لا توجد فقرة في المناهج الدراسية تشير الى "العمليات الانتحارية" أو حسب المفهوم الديني "التضحية"، او كما يطلق على الانسان المضحي "الفدائي"، إنما هنالك خطط ميدانية خاصة لمواجهة العدو، ينفذها الجندي ضمن سياقات عسكرية في الميدان، لذا نلاحظ الجيوش في العالم تهتم أيّما اهتمام بسلامة الجندي او الضابط، فتصنع له مختلف انواع المعدات والالبسة التي تقيه من مخاطر الحرب او أن يصاب بجروح بليغة وقاتلة. وهذا ما نلاحظه جليّاً في الجيش الامريكي بشكل خاص.

صحيح؛ نحن لا نمتلك ما لدى الجيوش في البلاد المتقدمة، بيد أن لدينا العقل الخلاق القادر على الابداع بما يحقق لنا الهدف المنشود، ولو بمستوى معين. وهذا ما يدعو اليه سماحة الامام الراحل، حيث يؤكد على عدم دفع الامور الى حد الانتحار، فانه "أسوأ شيء...". ويذكر بان "الشرق والغرب مع امتلاكهما للأسلحة النووية المدمرة، لكن لا يستخدمونها، لان ذلك يعني انتحارهم".

نعم؛ هنالك ظروف خاصة في المواجهة تستدعي اجراءً خاصاً لتحقيق النصر على العدو، بحيث يكون  الموت هو الخيار الوحيد في المعركة، لا أن يختاره الجندي او القيادة التي تقف خلفه. هنا يعد سماحته هذا الموت "شهادة" واستشهاد، موضحاً معادلة هامة، وهي ان يكون الموت "في حالتي الإقدام والإحجام على السواء، حينئذ يختار الانسان افضل الطريقين، وهو طريق الاستشهاد لانه يوجب كسب المستقبل، لذا نرى أن الامام الحسين، عليه السلام، لما خيّر بين الأمرين؛ الاستشهاد مع الاقدام او الاستشهاد مع الإحجام، قدم الاستشهاد مع الإقدام".

مستقبل الأمة أولاً

هذا النوع من الموت هو الذي يخلّد صاحبه ويكسبه الشرعية والمقبولية عبر الاجيال والتاريخ وحتى الحضارة، فاذا نلاحظ كثرة المفكرين والمؤرخين والادباء غير المسلمين الذين انهالوا على الامام الحسين، وعلى واقعة الطف، يمجّدون بها ويستلهمون من تلك التضحية العظيمة، إنما بسبب ما  وجودوه من اسباب الحياة والكرامة الانسانية في هذه النهضة، ولم يجدوا الموت والفناء والانتقام، كما تفعل الجماعات الارهابية اليوم والتي ترفع الشعارات  الدينية ظلماً وزوراً،وسعياً وراء الشرعية دون أن ينالوها، فلا يجبرهم على الموت بالطرق البشعة التي نراها، سوى تنفيذاً لافكار مريضة ومعقدة، ترعاها مخططات مشبوهة الهدف منها تمزيق الامة.

من هنا نلاحظ السعي الواضح من هذه الجماعات الارهابية في العراق بشكل خاص، وهي تسعى جاهدة لتحقيق هدفها الاساس بدفع الاطراف الاخرى المستهدفة في المواجهة لأن تثور وتُستفز وترد بالمثل، وتقوم بعمليات عسكرية الهدف منها الموت، بل وصناعة الموت...!

فاذا نقرأ هذه الالتفاتة الذكية من سماحة الامام الراحل في كتابه المؤلف منذ اكثر من ربع قرن من الزمن، فان الاجدر بالمؤسسات الثقافية والعلماء والخطباء تكريس ثقافة الحياة والتطلع الى المستقبل في خضم المواجهة العسكرية، مهما كانت الظروف السياسية وتشابك المصالح وتعقيد الاجواء وغير ذلك، فكل ما نلاحظه، يعقد بالحقيقة هياج اعلامي وإثارات تديرها مؤسسات مخابراتية تجعل الجميع في حالة دوار تفقدهم صوابهم والاهتداء الى الطريق الصحيح، لتدفع الجميع الى ردود الفعل والانتقام والرد بالمثل، من باب توفير الامن واستقرار، او "استخدام السلاح الذي يفهمه العدو". بينما المهم بالحقيقة، هو المستقبل للشعب العراقي وللأمة جمعاء، فالمقاتل في الجبهات أمام عناصر "داعش" – مثلاً- ربما ينال الشهادة في سبيل الله، ويذهب الى جوار ربه، بيد أن الأهم؛ ما يتركه من آثار بين ابناء شعبه وامته، فان كان مشابهاً ومماثلاً لما تركه الامام الحسين، عليه السلام، لهي الشهادة العظيمة والخالدة والمعطاءة، لذا نرجو ان تكون شهادة جميع الابطال الصامدين والمقاتلين بوجه الجماعات الارهابية في العراق وغيرها، في هذا الطريق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 16/تشرين الثاني/2014 - 22/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م