العراق في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة

علي الأسدي

 

بدأ السيد حيدر العبادي نشاطه السياسي الداخلي بخطوات هدفها استعادة العلاقات الطبيعية مع القوى السياسية الكردية والزعامات السياسية والعشائرية في غرب العراق من خلال تمثيلهم الواسع في حكومته مراعيا بذلك الضغوط الامريكية. وفي سياسته الخارجية يحاول اشراك الاشقاء العرب في معالجة معضلة الارهاب في العراق. فقد توجه للاردن من أجل المساعدة في فتح قنوات اتصال مع مسئولين سابقين في النظام السابق من مدنيين وعسكريين ممن لم يلوث تاريخهم بدماء العراقيين أو قمعهم على أمل لعب دورهم الايجابي في مساعدة بلدهم وشعبهم. فلبعضهم نفوذ داخل المعارضة العراقية ومن الضروري في هذه الحالة التعرف على موقفهم من السبل التي يمكن ان تعيد للعراق استقراره السياسي والأمني. ومعلوم ان تحرك رئيس الوزراء في هذا الاتجاه لم يكن ممكنا دون تنسيق الجانب الأمريكي مع الأردن وايران فالمبادرة جاءت بعد زيارته لايران مباشرة.

وبصرف النظر عما ستأتي به ما نسميه المبادرة العراقية\الأمريكية\الايرانية\الاردنية فان التحرك العراقي يظل قاصرا اذا لم تنخرط العربية السعودية في هذا الجهد الجماعي فلهذه الأخيرة أكثر من قناة مع المعارضة الاسلامية المتطرفة وبخاصة الوهابية التكفيرية التي تنشط في العراق منذ سنين. فالتمويل وادامة الصراع السني\الشيعي الذي اضطلعت به السعودية ودول الخليج كان وما يزال أداة ضغط على القوى السياسة الشيعية لتحجيم علاقاتها مع ايران التي بحسب وجهات نظرهم حولت العراق الى ضيعة ايرانية. يحاول العبادي ازالة تلك الصورة بنفس الوقت الذي تسعى ايران من جانبها التدليل على العكس، وهذا ما سيكون موضوعا لحوار الدولتين ايران والسعودية المخطط له في قادم الايام بمباركة أمريكية. الولايات المتحدة أكثر من متحمسة لما سيصدر عن تلك الحوارات من أجل استعادة ثقة ايران بالتعاون مع الولايات المتحدة حول قضايا أوسع وأبعد من الملف النووي، فللولايات المتحدة في ايران مصالح تمس صميم الاستراتيجية الجيوسياسية الأمريكية التي من أجلها تسعى الى تعزيز وجودها في المنطقة وخاصة في العراق.

كنا قد أبدينا في مقالات سابقة وجهة نظر قد تبدو للبعض متطرفة أكدنا فيها ان منظمة داعش الارهابية ما هي الا أداة لتحقيق الاستراتيجية الجيوسياسية الأمريكية في المنطقة بهدفها الأبعد وهو زعزعة الاستقرار السياسي في روسيا ومحيطها الجيوسياسي، وقد أستندت وجهة نظرنا الى تحليلات سياسية كثيرة نشرتها وسائل الاعلام الغربية. ويمكن تفصيلها بإيجاز على الوجه التالي.

1- تعزيز الوجود الأمريكي في العراق استجابة لضغوط الصقور في كل من الحزب الجمهوري والديمقراطي، فالانتقادات التي وجهوها للرئيس أوباما لم تتوقف منذ اعلان انسحابه من العراق عام 2011. فبقاء الولايات المتحدة قريبا من العراق في رأيهم ليس بأهمية وجودها في داخله، حيث يتسنى لها الاشراف على سياسة الحكومات العراقية فيما يخص استثمارات النفط والغاز والاتفاقات العسكرية التي قد يوقعها مع دول كروسيا والصين وكوريا الشمالية. فرئيس الوزراء نوري المالكي حاول اعادة علاقات العراق مع روسيا وعقد اتفاقات عسكرية معها وكنا شهودا على الطريقة المهينة التي أطيح بها من منصبه بسبب ذلك. والدليل على ذلك الهيمنة الأمريكية على القرار السياسي في دول الاشتراكية السابقة التي تربطها بها علاقات عسكرية وسياسية متعددة الأغراض. فقد صرح أخيرا الرئيس بوتين بقوله " همس باذني رئيس وزراء أحد تلك الدول قائلا " لا استطيع تعيين وزيرا للدفاع أو رئيسا لأركان الجيش دون موافقة مسبقة من الأمريكيين".

2- التواجد الدائم في العراق يضع الولايات المتحدة على حدود ايران لاحكام الرقابة عن قرب على النشاطات العسكرية الايرانية ولرصد تجاربها على الصواريخ البعيدة المدى وأي نشاط نووي محتمل. وبنفس الوقت العمل على زعزعة الاستقرار الداخلي الايراني بافتعال نشاطات سياسية على غرار ثورات الربيع العربي اذا لم تستجب ايران للتعاون الأمني الاقليمي معها. فليس بدون معنى أو هدف يقيم في العراق الآلاف من " مجاهدي خلق " المعارض الذي لم يلن للنظام الايراني منذ الحرب العراقية الايرانية بالرغم من محاولة حكومة المالكي السابقة اخراجهم من العراق تحت الضغوط الايرانية.

3- محاولة الولايات المتحدة من خلال تواجدها في الشمال العراقي ووسطه وجنوبه مد الجسور مع المنظمات الاسلامية المتطرفة الناشطة داخل الدول الاسلامية التي كانت تشكل جزء من الاتحاد السوفيتي السابق فدول مثل طاجكستان وداغستان وأذربيجان وقرغيزيا واوزبكستان وكازغستان وغيرها تشكل ساحة مهمة لتلك النشاطات، وليس مستبعدا تسهيل مرور ارهابيي داعش للتوغل عبر ايران الى الدول المذكورة التي تدخل مع روسيا باتفاقات اتحاد جمركي وتعاون اقتصادي وحيث تتحكم روسيا بعلاقات تلك الدول مع الغرب. والغرض هو زعزعة استقرار روسيا على غرار ما يجري في أوكرانيا. وكانت الولايات المتحدة قد سعت ونجحت لدفع متطرفين اسلاميين داخل الأقلية الاسلامية في الصين ذات الأصول التركية " الايغور " للقيام بنشاطات انفصالية داخل الصين.

السياسة الأمريكية في موقف الهجوم ضد روسيا حيث تقوم بحصارها وتقطيع أوصال العلاقات الروسية مع السوق الأوربية المشتركة. وتستخدم السلاح نفسه الذي استخدمه رونالد ريغن في الثمانينيات ضد السوفييت وهو سلاح النفط. فحينها بطلب من ريغن زادت السعودية صادرات النفط فهبطت أسعاره الى ثلث مستواها اضطرت السوفييت لسحب قواتهم من أفغانستان ممهدة لانهيار الاقتصاد السوفييتي. ولأن روسيا تعتمد بصورة رئيسية على واردات النفط والغاز فهي الآن في وضع يشبه وضعها في حقبة ريغن فالسعودية تلعب اللعبة ذاتها بأمر من واشنطن. فها هي أسعار النفط تهبط من أكثر من مائة دولارا للبرميل الى ثمانين دولارا في أقل من أسبوعين، والاسعار مرشحة للهبوط أكثر وكذلك الغاز. فالغاز والنفط يشكلان المصدر الرئيسي لموارد ميزان المدفوعات والتجارة الخارجية الروسية من العملات الصعبة. الغرض واضح وهو الضغط اقتصاديا بأقسى ما يمكن لاجبارها على الاستسلام للشروط الأمريكية. وفي تصريحاته الأخيرة رد بوتين على الضغوط الغربية قائلا:

" ان روسيا التي يصفها البعض بـالدب لا تتخاذل أمام أي كان في الدفاع عن مصالحها وعن مصالح الروس والناطقين باللغة الروسية بالخارج. ان روسيا لن تسمح لمن يدّعي الحق في تقرير مصير العالم وترتيبه ترتيبا يحلو له أن يتدخل في شؤونها فالدب لا يستأذن أحداً، فهو سيد غابات التايغا عندنا، ولا ينوي النزوح إلى المناطق المناخية الأخرى، لكنه لن يتنازل عن المنطقة الخاصة به. وان الذين اعتبروا أن الاتحاد السوفييتي ضعيف مثل جمهورية فولتا العليا، تحاشوا مع ذلك الدخول في مواجهة معه خشية أن تضربهم فولتا العليا بصواريخها".

الأمريكيون كما يبدو جادون بالتغلغل داخل محيط روسيا الجيوستراتيجي لعزلها عنه خطوة خطوة، وليس ببعيد ذلك الوقت الذي سنستمع فيه الى أخبار العمليات الانتحارية في دول الاتحاد السوفيتي السابق تماما كما نشاهدها ونسمع عنها في العراق. فالرئيس أوباما يريد قبل مغادرة البيت الأبيض افتعال مأثرة تخلد اسمه في التاريخ الأمريكي أسوة بالرؤساء الأمريكيين السابقين تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. من وجهة نظر الشعوب تعتبر تلك المآثر صفحات مخزية في تاريخ أولئك الرؤساء. فعهد دوايت ايزنهاور وترومان وكندي ونيكسون اقترن ببدء الحرب الباردة ومعاداة الشيوعية والحرب الكورية والفيتنامية. أما رونالد ريغن فمهندس ازالة جدار برلين وتفكيك المعسكر الاشتراكي. ولم يخرج كلينتون بصفحة بيضاء كذلك فكانت مأثرته حرب البلقان وتقسيم يوغسلافيا. وتقاسم الاب بوش وابنه حروب الخليج على العراق التي ما زال العراقيون وسيبقون الى أمد غير معلوم يعانون من تبعاتها المدمرة.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الثاني/2014 - 21/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م