معصوم الى الرياض ورسالة باللغة العراقية

 

شبكة النبأ: قبل ان يفكر بالزيارة والملفات المطروحة على بساط البحث، يبدو أن رئيس جمهورية العراق الدكتور فؤاد معصوم، مهّد لهذه الزيارة بما هو غير مسبوق في العلاقات الدبلوماسية، حيث جعل منطلقه الى السعودية من النجف الاشرف، وتحديداً من بيوتات مراجع التقليد وفي الطليعة، المرجع الديني السيد علي السيستاني، فبدلاً من ان تكون تقلع طائرته من بغداد، كان مطار النجف هو المنطلق نحو الرياض، وحسب المصادر، فان معصوم أجرى جولة مكوكية على مراجع الدين في مبادرة ذات دلالات للمراقبين، وايضاً للمسؤولين السعوديين.

هذه المبادرة تعزز الاعتقاد بوجود عزم شديد لدى رئيس العراق بإنجاح الزيارة التي تعد الاولى من نوعها منذ سنوات، وفي ظل تداعيات واسقاطات سياسية وامنية في العلاقات بين البلدين، يساعده في ذلك وجود عدو كبير ومشترك للعراق والسعودية، كما للعالم أجمع، وهو "داعش"، علماً أن البلدين يتجاوران في الاصطفاف ضمن التحالف الدولي لمحاربة هذا التنظيم بقيادة الولايات المتحدة.

السعودية من جانبها، ايضاً ترنو الى كسب النجاح من هذه الزيارة على طريقتها الخاصة، فهي طيلة السنوات الماضية تُصر في أدبياتها السياسية وخطابها الاعلامي على وجود مظالم بحق أهل السنّة في العراق، وأن العملية السياسية برمتها في العراق لم تشمل المكون السياسي كما ينبغي، وكما يتوقعه رجال السياسة والدين والمال في السعودية. لذا لم يجدوا هؤلاء جميعاً غضاضة من هروب العشرات بل المئات من السعوديين المنبوذين من المجتمع والباحثين عن ذواتهم، والاتجاه صوب سوريا والعراق للانضمام الى الجماعات التكفيرية والدموية تحت شعارات دينية صاغتها أفواه وعقول أئمة الجوامع وما يعرف بـ "الدعاة"، ومنهم محمد العريفي و اشبابهه.

كل المعطيات في الساحة تؤكد وصول السعوديين الى طريق مسدود مع هؤلاء وما يحملون من منهج تكفيري وإقصائي، فرغم التنديد والاستنكار الدولي على الافعال الشنيعة واللاانسانية التي يرتكبوها في سوريا والعراق، فان ذلك لن يكون دافعاً لهم لأن يعتذروا و يتراجعوا – مثلاً- عما فعلوه من بناء العقلية التكفيرية ومنح الشرعية بالفتاوى والتحريض الطائفي، لذا فهم يبادروا الى اجراءات تجميلية مثل اعتقال العريفي وإسكات بعض الاصوات التحريضية او مطالبة أئمة الجوامع بإدانة العملية الاجرامية التي استهدفت حسينية المصطفى في الاحساء وأسفرت عن سقوط شهداء وجرحى في صفوف المعزين بذكرى الامام الحسين، عليه السلام، وقد أثار اوساط اعلامية تجاهل عديد أئمة الجوامع في السعودية هذا النداء الرسمي، ولم ينددوا بالعملية الاجرامية ولم يتطرقوا اليها بتاتاً. الامر الذي يعزز الاعتقاد لدى هذه الاوساط وايضاً الاوساط السياسية في العراق والمنطقة، من صعوبة تخلّي السعودية عن نهجها بهذه السرعة والسهولة، لاسباب ربما اهمها؛ عدم وجود ما يضمن مصالحها في العراق والمنطقة، الوقوف على قدمين غير مهزوزتين أمام ايران؛ القوة المتصاعدة سياسياً وعسكرياً وربما نووياً.

من هنا يجد السعوديون، وتحديداً الملك عبد الله فيما يسمى" الحرب على  الارهاب"، خير وسيلة للخروج من عنق الزجاجة والظهور امام العالم بانها تشارك في الحرب على "داعش" الى جانب العراق الذي يعد في خط المواجهة مع عناصر هذا التنظيم، وربما تكون هنالك اتفاقيات للتنسيق والتعاون بين البلدين تكشف عن بعضها الرياض، كعربون ودليل حسن نية للعراق وللعالم بانها بريئة ولا دخل لها بالجماعات الارهابية والتكفيرية، وانها لن تمثل السياسة السعودية، وهذا ما نبه اليه الرئيس معصوم خلال وجوده في السعودية بدعوته السعودية "إلى تنسيق ثنائي عال مع العراق لمكافحة "الارهاب". وقد بادله الشعور والتصور الملك السعودي عندما تحدث بغير قليل من المجاملة خلال اللقاء عن "التاريخ المشترك والجوار والاخوة بين العراق والعربية السعودية..."! وأن "تكون العلاقات متطورة وجيدة ولاسيما ان البلدين وسائر دول المنطقة تواجه عدوا مشتركا هو الارهاب".

وحسب مراقبين ومتابعين فان ثمة ورقة رابحة بيد السعودية أمام معصوم، أو  العراق برمته، فيما اذا اراد الرئيس العراقي التوصل الى نتيجة مثمرة من هذه  الزيارة وتغيير الخطاب السعودي وحتى النهج العام، فثمة قاسم مشترك بين البلدين؛ وهو الانضمام الى التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة اميركا، وهو التحالف الذي لا يضمّ ايران الدولة الكبير والمؤثرة في المنطقة، وعدم الانضمام هذا يمثل اهم نقطة ايجابية تهدء بال السعوديين وتثلج صدورهم. يبقى أمر الامر الآخر بالنسبة للدور الايراني القائم وبقوة في العراق، وحسب المصادر السياسية في بغداد، فان السعودية تنظر بعين القلق الشديد من التواجد العسكري والمخابراتي الايراني في العراق، لاسيما بعد التحوّل الايراني في الساحة العراقية من حالة الخفاء والتمويه، الى العلن ونشر صور واخبار قائد ما يسمى بـ "فيلق قدس" الجنرال قاسم سليماني، ويتم الترويج له بأنه هو القائد الفعلي للعمليات العسكرية في العراق ضد عناصر "داعش"، وهو بطل تحرير "آمرلي" ومعظم العلميات الظافرة للقوات العراقية إنما تتحقق بتخطيط وتدبير من هذا الجنرال الايراني المخضرم.

نعم؛ السعودية تعلم ما يريده العراقيون، وقف التحريض والتمويل للجماعات الطائفية، وهذا يشمل كل الجماعات او الاشخاص المناوئين للحكومة والعملية السياسية برمتها، بيد ان هذا المطلب كبير جداً، حتى وإن رافقته حجة قوية من قبل معصوم بأن الخطاب الديني – المرجعي (في العراق ) يمثل صورة مشرقة للتعايش السلمي والقبول بالآخر رغم الاختلاف في المذهب والعقيدة. بيد ان هذا النفس واللهجة غير مفهومة بتاتاً في السعودية، وربما غير مرغوبة بالاساس، إنما المراد والمطلوب إعادة النظر في حجم الدور الايراني في العراق، او ربما اجراء نوع من التوازن تكون السعودية ذات منفعة ومصلحة في معادلة قوة جديدة في العراق، لا تستأثر بها ايران، ولا تكون هي المحاربة للارهاب في العراق بعيداً عن السعودية وعن التحالف الدولي ايضاً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/تشرين الثاني/2014 - 19/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م