الفسادُ.. إرهابٌ

نـــــزار حيدر

 

أُتابع عن كثب خطط السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي فيما يخص محاربة الفساد المالي والاداري الذي ابتُليت به مؤسسات الدولة العراقية منذ التغيير ولحد الان، والذي انتشر بشكل مُرعب خلال السنوات الأربع الاخيرة على وجه التحديد، لدرجة ان الوزارات بيعت والدرجات الوظيفيّة والأمنيّة والعسكريّة، فضلاً عن معلومات المخبر السرّي والاعتقالات وقرارات إطلاق سراح السجناء، هي الاخرى كانت معروضة في المزاد العلني، فالفساد أثقلُ تركةً ورثتها حكومة الدكتور العبادي على حد وصف البيان الذي صدر اليوم عن مكتبه الاعلامي.

انّ الفساد المالي والاداري هو السّبب الاول والمباشر لمشكلتين عويصتين وتحدّيين عظيمين يمر بهما العراق حاليا:

الاول؛ هو الاٍرهاب، والثاني؛ هو العجز في الميزانية.

بالنسبة الى التحدّي الاول، فان الفساد المالي والاداري هو الذي أتاح للارهابيين فرص ذهبيّة كبيرة ليتمدّدوا جغرافياً الى هذه الدرجة المرعبة.

كما انه السبب المباشر الذي يقف خلفَ كل عمليات التفجير بالسيارات المفخخة التي لازالت تجتاح مناطق واسعة من العراق.

اما بالنسبة الى التحدي الثاني؛ فانّ الفساد المالي والاداري أهدر المال العام إنْ بشكل مباشر او بشكل غير مباشر، كما انه تسبّب في تدمير او على الأقل عدم الاكتراث بمصادر الدخل القومي الاخرى، فظلّ العراق يعتمد كلياً تقريباً على البترول كمصدر وحيد للدخل القومي، واذا عرفنا بانّ سعر البترول في هبوط مستمر في السوق العالمية، فهذا يعني ان العجز في الموازنات الوطنية، من الان فصاعداً، سيكون كبيراً جداً ويتزايد عاما بعد اخر.

كما ان الفساد المالي والاداري حول العراق الى دولة ريعيّة، تصرف اكثر من (٦٥٪) من ميزانيتها السنوية على الاستهلاك، فضلا عن انّه السبب المباشر في عرقلة الاستثمار والتنمية، خاصّة على صعيد الخدمات الاساسيّة، الى جانب انتشار البيروقراطية والروتين والبطالة المقنعة في دوائر الدولة.

وبرأيي، فان مشروع محاربة الفساد المالي والاداري يتطلب من الدكتور العبادي ما يلي:

اولا؛ اعادة فتح كافة ملفات الفساد التي أغلقها او تستّر عليها سلفه، الكبيرة منها والصغيرة، والعمل على فضح مصادرها والجهات التي تقف وراءها، من دون تستّر على اي مسؤول كائن من كان، فالتستّر على الفاسدين شراكة حقيقية، ولكنها بالتأكيد ليست وطنية!.

ان معيار مدى جدية الدكتور العبادي في حربه على الفساد يكمن في مدى جديّته في كشف ملفات الفساد التي تورط بها الأقرب فالأقرب اليه من المسؤولين، فربما ليس من الشجاعة بمكان ان تفضح الفاسد البعيد عنك، ولكنها الشجاعة كلها ان تبدأ بملفات القريبين منك، ولذلك فليس عبثاً ان قال رسول الله (ص) وهو يشير الى حربه على الفساد {والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} وهو دليل جديته وحزمه في الامر فلو كان قد ذكر امرأة بعيدة عنه او رجلا بعيداً عنه لما صدّقه الناس، ولشكّكوا في صدقيّته.

ذات الامر فعله أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال متحدّثاً عن حربه الشعواء بلا هوادة على الفساد المالي والاداري {وَ وَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا}.

ثانيا: التحقيق في ملفات سوء التصرف بالسلطة، وسوء استغلال السلطة، خاصة في الانتخابات النيابية الاخيرة، وعلى وجه الخصوص ما يخصّ سلفه والذي تصرف بالمال العام بشكل مفرط لدعم حملاته الانتخابية، خاصّة تلك المتعلقة بأزواج بناته وأبناء اشقائه وشقيقاته.

ثالثاً: اعادة النظر بشكل جذري وحاسم بكل النفقات التي تسمّى بالسياديّة، فإنها تُثقل كاهل الميزانية بشكل كبير ومخيف.

رابعاً؛ اعادة النظر بالدرجات الوظيفية الخاصة، والتي تم توزيعها على الاحزاب والكيانات في إطار المحاصصة والتراضي بلا نفع او نتيجة.

وكذلك اعادة النظر بكل التعيينات الخاصة التي أقدم عليها سلفه، والتي كان الهدف منها حماية المقربين منه من الملاحقات القانونية والقضائية.

خامساً؛ اما على الصعيد الاخر، فان الاهتمام باستراتيجية تنويع مصادر الدخل القومي، وعدم الاعتماد فقط على البترول، يجب ان يكون احد اهم الاولويات بالنسبة للحكومة من اجل بناء استراتيجية اقتصادية جديدة تعتمد على رؤية جديدة أشار اليها اليوم الدكتور العبادي في معرض حديثه في حفل توقيع انطلاق الجيل الثالث للهواتف النقالة في العاصمة بغداد، والتي لخّصها بقوله؛ ان دور الدولة هو إسناد القطاع الخاص وليس منافسته، مؤكداً على ضرورة ان تكون هناك شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص، على حد قوله.

يبقى ان أشير الى نقطة جوهرية في غاية الأهمية تتعلق بمكافحة الفساد المالي والاداري، الا وهي؛ ان على كل المجتمع ان يُعين خطوات وخطط العبادي في هذه الحرب، فان استرسال سلفه مع ملفات الفساد وتستّره عليها عقّد الامر كثيراً، فكان ذلك سببٌ لانتشار الفساد في كل مرافق الدولة والمجتمع، حتى بات الجميع يمارسه بشكل او بآخر وبنسبة واُخرى، فتحوّل الى آفة اجتماعية كما انه آفة في مؤسسات الدولة.

انّ تصور البعض من انّ محاربة الفساد مهمّة الحكومة فحسب لهو تصور خاطئ، انه مهمة وطنية يجب ان يضطلع بها الجميع من دون استثناء، كلٌّ حسب موقعه ودوره في المجتمع والدولة.

صحيح ان الحيتان الكبيرة وائمة الفساد المالي والاداري مسؤولون في الدولة، ولذلك فان على الحكومة اولا ان تطلق الحرب ليتبعها الآخرون، ولكن هذا لا يعفي أحداً من دوره في هذه الحرب، فالفساد أخذ مداه الخطير والمرعب، وبات يهدد الدولة برمتها، ولابدّ من حملة وطنية شاملة وواسعة للقضاء عليه، قبل ان يفلت من عقاله، وخيراً تفعل المرجعية الدينية عندما تكرر الحديث عنه في كل خطبة جمعة.

واخيراً، أودُّ ان اهمس في اذن السيد رئيس مجلس الوزراء وأقول له:

ان العراقيين ينتظرون فعلاً ملموساً على صعيد الحرب على الفساد، كما حققت إنجازات ملموسة على صعيد الحرب على الاٍرهاب، فلكثرة ما وعدهم سلفُك بالكشف عن ملفات الفساد لتزداد بعد كل تصريح يدلي به بهذا الصدد، لم يعُد العراقيون يثقون كثيراً بالوعود أو بالسين والسوف، انما ينتظرون انجازاً ملموساً، الكشف عن صفقة فساد كبيرة مثلا او تقديم مسؤول رفيع للنزاهة او اعتقال مسؤول كبير متورط بالفساد، لتكسب ثقتهم وتعطي للأمر مصداقية وطنية واضحة لا لبس فيها، مع علم الجميع بصعوبة هذه الحرب ربما اكثر من صعوبة الحرب على الاٍرهاب، لانها تمس رحم حزبية!.

لقد سمعنا منه جعجعةً كثيرة ولكننا لم نر طحينا! فلتقلب انت المعادلة، جعجعةٌ قليلة وطحينٌ كثير.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/تشرين الثاني/2014 - 18/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م