قطرة الماء.. قطرة الدم

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: باهرة قطرة الماء على غصن شجرة، داعبها خيال الشاعر العربي في كل عصوره، وتغنى بها، ربما اختنق بحبات الرمال، تمتد على اتساع البصر في ليله ونهاره. ربما كان يبحث عنها لتروي سغب الروح وحرارتها قبل الظمأ الفاتك بالجسد، على صهوة جواد هو الاخر يبحث عن تلك القطرة الباهرة والمبهرة.. من اي ماء انت؟، هكذا يخاطب الهنود الحمر بعضهم البعض في عدد من مناطقهم حين يتلامسون فيما بينهم. وهو ربما رمز للمني الذكوري المسؤول عن الاخصاب، حيث يعتبر الماء في المصطلحات الجنسية استعارة للمني، وهو ماء الرجل.

ذكر القران الماء تحت ثلاث وعشرون صورة مختلفة لكل منها طبيعتها الخاصة وهي: (الماء المغيض - الماء الصديد - ماء المهل - ماء الأرض - الماء الطهور - ماء الشرب - الماء الأجاج - الماء المهين - الماء /غير الآسن - الماء الحميم  - المـــاء المبـارك - المـــاء المنهـمر - الماء المسكوب - الماء الغور - الماء المعين - الماء الغدق  - الماء الفرات  - الماء الثجاج الماء الدافق - ماء مــــدين - الماء السراب - الأنهار والينابيع  - الماء السلسبيل).

الماء دوما وابدا مصدر الحياة، ووسيلة تطهير، ووسيلة تجدد.

وكان لدى العراقيين القدامى، اصل االكون. ولدى المصريين، انبثق العالم من الماء الى الخليقة، وهو في صلاة قديمة لديهم تعبير عن (التركيز الداخلي). والماء دلالة على معرفة التنوير (رش تمثال بوذا بالماء).

والماء يطهر في كل الثقافات، ففي مصر كان الكهنة يغتسلون في بحيرة مقدسة قبل الفجر مطهرين اجسادهم. وفي بلاد مابين النهرين وفي اسيا الغربية القديمة كان الكاهن يطبق غسولات لكي يغسل المذنب من اخطائه. وقد اصبحت المناسبات مالوفة طالما ان الامراض كانت تعتبر نتائج للذنوب. والماء بالنسبة للعبرانيين يطهر القذارات، فكانوا يمجدون ماءا مقدسا وعند (عيد المظال) كانوا يجرون خلال سبعة ايام غسولات بالماء. وفي المسيحية يطهر الماء المذنبين عند تعميدهم. وتوجد رمزية التطهير ايضا في شعائر الماسونية، حيث تغطس ايدي المرشح للانضمام في الماء.

عدة مصادر للمياه اكتسبت قدسية خاصة في الإسلام والتي كانت لها دور مهم في الطهارة المادية والمعنوية للمسلمين، كما هو الحال في الماء الذي نبع عند قدمي مريم (ع) وبئر زمزم وغدير خُم.

ومن القصص المعبرة المتعلقة بالماء والتي رواها القرآن الكريم كان قصة النبي موسى (ع) الذي استسقاه قومه فضرب على صخرة بعصاه فانبجست منها اثنتا عشر عيناً كما ورد في سورة البقرة (2) الآية 60:

(وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ).

عند الشيعة فإن هذه الحادثة مصداق لوصف النبي محمد (ص) منزلة الإمام علي (ع) عنده كمنزلة هارون من موسى عليهما السلام حيث ترمز الاثنتا عشرة عين للأئمة الإثني عشر (ع).

كل هذه الرمزيات يقابلها رمزية الاناء وهو من الطين.

ومن الطين يتشكل الحجر، فهو جماع قطرة ماء جارية مع ذرة رمل هائمة.

وقد تشير كلمة حجر الى حجر البناء، او كتلة من المعادن والفلزات والاتربة، ومنها الاحجار الكريمة، او قطعة من صخر. وقد تشير الى بلدان (مدائن صالح) وهي قبور لحضارة االانباط انشئت في الصخر. او (حجر اليمامة) وهي عاصمة اقليم اليمامة التاريخية. ووادي حجر، وهو واد بالحجاز. ومن اشهر الاحجار هو الحجر الاسود لدى المسلمين.

دورة حياة الماء، فيها اكثر من معنى ودلالة،  فهو يتبخر في البحار ثم ياخذ بالصعود الى الهواء، ليتحول الى غيمة ثم مطر، يساقط على كل شيء تحته، وهو ربما ايضا من المفارقات انه يلمس ويحتك كل شيء يمر به، من عناصر ومعادن الارض.

هل يمكن لنا ان نفسر صعود الماء على شكل بخار الى الاعلى، كانه يريد من الله سبحانه وتعالى ان يباركه قبل ان يتحول مرة اخرى الى ماء، يغسل ذنوب وخطايا الاخرين، ويزيد المؤمنين ايمانا، وهم يرون الى تلك النعمة النازلة من سماوات الله؟

هل من علاقة بين قطرة الماء وقطرة الدم؟.

دم الانسان سائل يتكون من مادة سائلة تسمى البلازما يسبح فيها ثلاثة أنواع من الخلايا هي : (خلايا الدم الحمراء - خلايا الدم البيضاء - الصفائح الدموية).

تسعون في المائة من البلازما هي من الماء. وكأن قطرة الدم بعنفوانها وفورانها، لاتطمئن الا بتداخل قطرة الماء فيها.

الهذا السبب ربما اقترن العطش الى الماء، بدم الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء؟ ام ان الماء قد مات (قصيدة مات الماء لباسم الكربلائي) حين لم يطهره دم الحسين واهل بيته وصحبه؟.

ليس (أشدُّ من الماء حزناً) وهي عنوان قصيدة للشاعر الفلسطيني سميح القاسم يقول في مطلعها:

تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسه

أشدُّ من الماء حزناً

وأعتى من الريح توقاً إلى لحظة ناعسه

وحيداً.

ومزدحما بالملايين،

خلف شبابيكها الدامسه..

في اعلان يبث احيانا على قناة الجزيرة القطرية، تظهر صخرة كبيرة تعجز كل الطرق عن شقها وتهشيمها، ثم تاتي قطرة ماء نازلة من الاعلى وبمجرد سقوطها على هذه الصخرة العملاقة، تنشق الى نصفين.

هذا ماتفعله قطرة الماء واكثر. فهي قادرة على انبات البرعم الصغير على تلك الصخرة، وهي تستطيع ان تنحت منها اشكالا متعددة بمجرد الانسياب فوقها ومن تحتها. هي تعيد تشكيل تلك الصخرة، لكنها تفعل ذلك بدون قسوة وبدون ضجيج.

قطرة الماء حنونة، دافئة، تمسح عن جبين الحجر والشجر، والشوارع والطرقات، والاجساد والوجوه، ماعلق عليها من غبار الطبيعة والحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/تشرين الأول/2014 - 3/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م