القوّة وحدها لا تُعيد الهدوء والاستقرار!!

د. عادل محمد عايش الأسطل

 

لا يكفي بعد !! ....

لا يكفي بعد، عبارة أعتقد أنها كانت عنواناً لدعاية انتخابية إسرائيلية – يسارية- تُرجح الحلول السياسية على الأمنيّة- ربما حركة (ميرتس، أو راتس)، كنّا شاهدناها على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، في أواخر السبعينات أو أوائل الثمانينات من القرن الفائت، بِواقع دقيقتين أو ثلاث دقائق وعلى مدار الحملة، وهي أن ظَهَر جنديّاً وفي يده قنبلة، ينظر إليها قائلاً: إنها لا تكفي لجلب الأمن لإسرائيل. ثم ظهر ثانيةً وهو يُمسك مسدساً محشواً بالرصاص، فنظر إليه وقال: هذا أيضاً لا يكفي، ثم امتلك رشاشاً ثم مدفعاً فدبابة ثم المزيد من السلاح حتى تكدّس كترسانة من حوله، ثم خرج من وسطه ليقول بتأكيدٍ أكثر: لا يكفي بعد !!. والمراد من هذه، أن القوّة مهما ازدادت، فإنها بالمطلق لا تمثّل علاجاً، ولا تجلب أمناً، وإنما الحلول السياسية هي وحدها التي تكمن بها العصمة، وتمسك المال والدماء إضافة على ذلك، وتجلب الأمن للمستقبل.

ما يؤذينا جدّاً، هو رؤيتنا على مدى الأيام وفي معظم وطننا العربي، الاضطرابات السياسية والخلافات الأيديولوجية، والاختلافات المذهبية وانتشار الفتن وتوغلها عن النفس إلى داخل العقل، حتى نتج عنها المزيد من العنف والقتل وإهدار الجهود والأنفس والأموال، وجلب الكراهية والشماتة والسخرية، بالمقابل وعلى نطاقٍ واسعٍ، لم تشهده الأقطار العربية منذ الأزل.

الأصعب من ذلك، هو أن من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تعتمد القوّة ضد آخرين بحجةٍ ما، وهي تعلم أنها وبأيّ شكل، ليست بذات جدوى، تعلم باليقين أيضاً، أن العنف لا يولّد إلاّ عنفاً أكثر، ثم تعجل بالهرب بعد تدمير مكونات بلادهم ومستقبلها أيضاً، وكمثال الهروب الأمريكي من العراق، واليوم، الهروب من أفغانستان، وبدون أيّة مكاسب متعلقة بمحاربة الإرهاب، بل أوجدت البيئة المواتية لتكاثر الجهات المناوئة لها وازدادت في التطرف والإرهاب ضدها، وضد من قامت بتسليمهم الحكم، بسبب ما خلقته من افتتانات سياسية ودينية واجتماعية وعِنادٍ متبادل، وكان ثابتاً منذ الأوّل، أن القوّة التي فاضت بها، كانت ليست للقضاء على الإرهاب الذي تقول به، بل لترعاه وتزيد من حدته.

أيضاً في إسرائيل - مع الفارق- فقد مضت عقودٌ طويلة، لم تدع خلالها شيئاً من أدوات البطش ضد الفلسطينيين إلاّ واستعملته،- قتل، تشريد، تهجير، تهديد، اعتقال، إلخ- سعياً منها لتوطين مشروعها الصهيوني ولم تفلح إلى حد الآن، وأن الذي (أنتجته)، كانت حصلت عليه (سياسياً) فقط، ولم يستقر لها بطريق القوّة.

في دولٍ عربية، يسوؤنا مشاهدة أنها ليست مستقرّة وليست آمنة، ويفتّ من عزمنا ويُقلل من بأسنا كل أمر خارجٍ يحدث داخلها وفي أنحائها، على أن أيّة نشاطات مسلحة – غير رسمية- تعتمد وسائل العنف والقتل والانتقام والمغالاة فيها، لن تكون القوة الرسمية وحدها كافية، في إنهائها أو القضاء عليها، سيما وأن هناك ضحايا تذهب تحت الأرجل، لا ناقة لها ولا جمل، وسواء في أنفسها وأرواحها أو مصادر رزقها، ما يؤثر من غير شك على معاشها ومستقبلها، وهذا إذا كانت لدى أولي الأمر لهم قيمة وحساب يُحسب حسابه.

فالاتهامات شرقاً وغرباً، المبادرة بالقوّة، القمع، السجن، كبت الحريات، الملاحقات الدموية، الإفقار، التضييق، زيادة الأحمال على المواطنين، وغير ذلك، هي كلّها محاولات يائسة من شأنها أن تزيد الضغط والاحتقان، والتمرّد والكفر بسلطات الحكم، ثم لا يمكن حلّها أو التعامل معها كلّما تفاقمت الأمور أكثر، وكان من باب أولى أن تكون هناك اتجاهات سياسية، بعيدة عن القوّة، والقائمون على الحكم يعرفونها جيّداً، إذا ما أرادوا أن ينظّفوا رؤوسهم من جملة المفاهيم، التي يعتمدونها ويؤمنون بها كوسيلة إقصائية أو انتقامية وأخرى، وإلاّ فمن يعطينا مثالاً واقعاً على أن القوّة وحدها أخمدت أحداً أو أنتجت أمناً.

يتعين على دولنا العربية - كلّها- التي تشهد عنفاً والمستقرة كذلك، أن تراجع سياساتها في ضوء أن القوّة توجد فقط للدفاع عن الأمة ككل، كما وعليها أن تحدد مستقبلها من خلال حوارات أُخوّة ووطنيّة شاملة بدون أيّة تدخلات خارجيّة ومنافقة، وأن تعمل على توفير كل ما من شأنه أن يُهدئ النفوس ويُبعد الغِل من الصدور، لأن سياسات واقعية ومعمّقة، هي وحدها تمثّل حياة الأمة، فالقوة وحدها لا تشفي غليل ولا تُعيد الهدوء والاستقرار، وفي إطار هذه القاعدة، نحن ضد أن تُزهق نفس، أو أن تسيل دماء، أو أن يُهدر مال، أو أن يدخل إلى قلب عربي أو إسلامي أو أي إنسان، أيّاً من الأسى والكرب، وإنما يُسعدنا تماماً، أن نكون كعرب ومسلمين، آمنين غانمين وسادة الأمم.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/تشرين الأول/2014 - 3/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م