المجتمعات الافتراضية تكتسح نظيراتها الواقعية

حسن الزبيدي

 

شبكة النبأ: ابتداءً من مقولة مارشال ماكلوهان الشهيرة "أن العالم سوف يصبح قرية كونية صغيرة" ومروراً بالثورة الزراعية والثورة الصناعية وثورة المعلومات، الاخيرة أظهرت المجتمعات الافتراضية كنتاج لوجود شبكة الإنترنت الذي أصبح بشكل عام جزءا من حياة الناس والجماعات الافتراضية بأنماطها المختلفة باتت تشكل أهمية للعديد من المهتمين بالانترنت على وجه خاص، ويرى الباحثون في هذا الشأن أن المرحلة الراهنة عالميا اداتها الرئيسة هي تكنولوجيا المعلومات ومنظومة الحاسبات والاتصالات والمنتج الرئيسي الذي تنتجه هو المعرفة، ففي ظل ماتشهده أغلب المجتمعات الواقعية من حالة تحلل اجتماعي في القيم وتفكك الاهداف مع التطور التكنولوجي والمعلوماتي المضطرد على مستوى العالم، يرى العديد من الباحثين ان الحدود القائمة بين المجتمع الواقعي والمجتمع الافتراضي هي حدود وهمية آخذت بالتلاشي، وهو ما يقدر الكثير من الاثار على اكثر من صعيد فضلا عما يتركه من تساؤلات هامة ابرزها، ما هي الاثار الاجتماعية للمجتمع الافتراضي، وكيف هو حال الحريات في المجتمع؟، في حين يعد التسأول حول ما يمكن تحتويه المجتمعات الافتراضية كالفيس بوك واليوتوب من مضامين إعلامية الاهم والاكثر تأثيرا على المجتمع الواقعي.

فبالنسبة للصحافة غيرت مركز الوساطة الإعلامية، تتسم هذه الشبكة بالفورية وقلة تكلفتها، واستخدامها الوسائط المتعددة وخاصية التفاعل مع الاخبار المنشورة، والارشيف الذي يغنيك عن الرجوع الى المكتبات وتصفح الكتب، والمرونة والقابلية للتطويع والتأقلم، كذلك يمكن اللجوء إليها اثناء الحرب على العكس من الصحافة التقليدية التي تتوقف عادةً في المناطق الساخنة كل هذا جعل منها ميدان عالمي مصغر لطرح القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية حيث ان الحكومات وسرعة الحصول والوصول إلى المعلومة، "وتعد السرعة سلاح ذو حدين وتعود الاسباب الرئيسة للانقلاب في المنظومة الاتصالية إلى الحرية المتوافرة على الإنترنت كفضاء افتراضي وظهور "إعلام نحن" والذي يعتمد على منظومة تواصلية افقية هي منظومة الكل للكل بدلاً من منظومة الواحد للكل في الصحافة التقليدية، مايعيب المجتمعات الافتراضية التلوث المعلوماتي فكل مستخدم بأستطاعاته ان يكون مصدر، وفي منطقتنا العربية وخاصة في العراق لم يمر بمرحلة وسطى فمن فوضى الجهل صعوداً بالسلم إلى اخر درجة التكنولوجيا.

اليوتوب والفيس بوك أنموذجا

يشكل فيس بوك ويوتوب قمة هرم المجتمعات الافتراضية، الاخير والذي نشأ عام 2005 في الولايات المتحدة الامريكية وكانت مجرد فكرة لدى مؤسسيه  "تشاد هولي وستيف شين" بعد حفل العشاء أراد الشابان فقط ان يرسلا فيلم الفيديو الذي صور حول العشاء إلى باقي الاصدقاء فقاما بتصميم موقع الكتروني لهذا الهدف ثم توسعت الفكرة واصبحت موقعاً يحمل اسم "youtube" اي "قناتك " لتبدأ معه ظاهرة مايعرف بالإعلام الفردي اي ان يقوم الشخص بتقديم اي مادة مصورة تخصه أو تخص الاخرين، واتسعت دائرة مستخدمي خدمة يوتوب لاسيما بعد ان عرضت فيه المحرمات التي لاتعرض في القنوات التقليدية للإعلام وتشمل مواضيع اجتماعية وسياسية واخلاقية وخاصة المتعلقة منها باحترام "حقوق الإنسان" مما دفع بالكثير من الأنظمة إلى اخضاعه للرقابة ثم القطع. اول فيديو رفع على يوتوب لجاود كريم من السنة نفسها وهو في حديقة الحيوانات، هذا النجاح عملت بعض القنوات التلفزيونية على توظيفه ومنها قناة الجزيرة القطرية وقنوات cnn الامريكية وقد تم سنة 2006 اختيار اليوتوب كأفضل اختراع لتلك السنة ليتم شراءه بعد ذلك من قبل شركة google بمبلغ مليار وستمائة وخمسين مليون دولار.

بينما يعد موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيسبوك" من المواقع الأكثر شعبية وانتشارا في اغلب المجتمعات العالمية، إذ أصبح ظاهرة منتشرة في العالم بأسره وشكلت أداة للتعبئة وتنظيم الصفوف للناشطين في ثورات الربيع العربي، إذ انه الموقع الأكثر اتساعا في مشاركة وتداول القصص الإخبارية الهامة التي تقع بمختلف أنحاء العالم، حيث تمت مشاركة ما لا يقل عن 40 موضوع خبري مثير ونشرهم على موقع "فيس بوك" خلال عام 2011.

في حين بات الفيسبوك اليوم يزلزل كيان الإعلام التقليدي إذ أصبح إعلاما بديلا للإعلام التقليدي، بل يتعدى ذلك إلى تركيع الإعلام القديم ليسعى لمواكبته، من جانب أخر وجدت دراسة  تقول أن الأشخاص الذين لديهم أصدقاء كثر على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يتمتعون بمناطق دماغية أكبر مقارنة بالآخرين الذين لديهم أقل عدد من الأصدقاء، كما انه ساهم في إيجاد آلاف الوظائف في أوروبا في العام 2011، وبهذا أصبح الفيسبوك اليوم حديث الناس لما له من تأثير سياسي واقتصادي واجتماعي على حد سواء.

هل يعد فيس بوك ويوتوب موقعان إعلاميان؟

وبحسب باحثين إعلاميين اكاديميين لا يعد يوتوب وفيس بوك مواقع ذات مضامين إعلامية  وإذا اعتبرنا ان فعل الاخبار دون مرجعية محددة فعلاً إعلامياً فهذه مواقع اعلامية اما إذا التزمنا بالقاعدة المدرسية التي تدرس في كل جامعات ومعاهد الإعلام بأن الخبر بلا مصدر هو مجرد إشاعة فإن هذه المواقع لاعلاقة لها بالمضامين الاعلامية، في حين يزخر يوتوب في المقاطع التي تظهر المرشحين  في الانتخابات الاميركية السابقة لمصالح تروق لواضعيها.

الاثار الاجتماعية للمجتمع الافتراضي

الايجابيات المتوافرة داخل هذه المجتمعات ليست بمنأى عن السلبيات، وداخل هذه المدينة الافتراضية مدينة لاتنام إذ تجد رواد مقاهي الإنترنت المدمين بأنتظام، او رواد الشبكة، وشعور الشخص بحالة مزاجية سيئة إذا ماترك هذا المجتمع وعيشه بعزلة عن مجتمعه الحقيقي  كل هذه الاسباب في منطقتنا العربية قد تكون البطالة تنطوي تحت طائلتها، في السياق ذاته من جانب آخر استخدام هذه المواقع كجزء تخريبي للافكار"التلوث المعلوماتي" كطرح العقائد الفاسدة، وارتياد المواقع الاباحية وانتشار الالفاظ الغريبة إضافة للتشهير والمضايقات التي يتعرض لها المستخدم، وبحسب مستخدمين اخرين يقضون ساعاتهم من اجل الدردشة أو التسلية ولتكوين علاقات جديدة بين الجنسين، ساهمت هذه التجمعات الافتراضية كجزء ايجابي في بناء المجتمع من خلال الاطلاع على الثقافات الاخرى ومشاركة المستخدمين في  حملات توعية ومطالب قد تصل إلى صفحات المسؤولين وتفرض البعض نجاحها او اخفاقها طبقاً لحاجة المجتمع.

الحريات في المجتمعات الافتراضية

الحريات المتاحة في المجتمعات الافتراضية تتيح لمستخدميه الولوج بأسماء مستعارة ولكلا الجنسين احياناً، في المقابل لايمكن الاغفال عن سرقة الملكية الفكرية، ويعد بعض مستخدمي المجتمع الافتراضي في المنطقة العربية استخدام هذه المواقع فرصة للهروب من الواقع نحو فضاء اكثر حرية.

ان الدول التي تدعي الديمقراطية هي اكثرها فرضاً للقيود وتمارس الحجب  وتتخذ من المعارك التسقيطية ولوحات عرض الفضائح على صعيد واسع عابر للقارات منها تسريبات سنودن التي تكشف تجسس امريكا وبريطانيا على اولمرت "رئيس وزراء إسرائيل الاسبق"، ومسؤول اوربي   وباتت المجتمعات الافتراضية ميداناً جديداً لإلزام القيود من قبل الحكومات سيئة السيط ، في حين ان اغلب القضايا التي تثار وتشكل الرأي العام هي في المجتمعات الافتراضية ومنها  ثورات ما سمية بـ "الربيع العربي".

لكن ما زلت العديد من الأمور الذي يحتويه هذا المجتمع سواء كانت ايجابية او سلبية، فهناك العديد من الإيجابيات وأيضا هناك سلبيات عديدة، لكن سيد الموقف هو المستخدم ، فإذا أراد استخدامه للفائدة فسيحصل على الفائدة وأكثر، وإن أرده للتسلية وهدر الوقت هباء منثورا فايضا سيحصل على ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/تشرين الأول/2014 - 2/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م