الحقوق والحريات في تركيا.. ضحية الذرائع القانونية والشعارات الزائفة

 

شبكة النبأ: تخشى الكثير من المنظمات الدولية على مستقبل الحريات العامة في تركيا التي تشهد تراجعا مقلقا على صعيد الحقوق والحريات بشكل غير مسبوق خلال الاونة الأخيرة،  حتى اصبحت وبحسب بعض التقارير ثاني أشد الدول تقييداً لحريات المواطنين بعد الصين. خصوصا وان الحكومات التركية قد اعتمدت سياسات قمعية خاصة تجاه المعارضين السياسيين والمؤسسات الاعلامية.

حيث عمدت حكومة رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي رجب طيب اردوغان جملة من القرارات التي تهدف الى تعزيز السلطة ومنها قمع الحريات ومنع الاحتجاجات الشعبية ومراقبة الإنترنت وغيرها من القرارات الاخرى التي رفضتها الكثير من المنظمات الانسانية والحقوقية، والتي نددت ايضاً بالقرارات الجديدة التي اتخذتها الحكومة الحالية لرئيس الوزراء احمد داود اوغلو والتي سعت هي الاخرى الى اعتماد قرارات وقوانين مشددة ستساعدها في إحكام قبضتها على البلاد.

ويقول متخصصون بالشأن التركي ان الحكومة التركية قد دخلت اليوم مرحلة جديدة من الديكتاتورية، فقد اعتمدت قانون خاص يمنح قوات الامن المزيد من الصلاحيات وتشديد العقوبات بحق المتظاهرين وغيرهم، وقد اسفرت موجة جديدة من الاحتجاجات بمقتل العشرات من المواطنين الأكراد الذين عانوا الكثير من الظلم والاضطهاد والتهميش.

0وبحسب بعض المراقبين فان الاحداث الاخيرة التي شهدتها تركيا، قد اثبتت وبدليل القاطع زيف الشعارات التي رفعتها الحكومة بخصوص حرية الشعوب في اختيار حكامها، وتحديدًا بعد ما بات يعرف بثورات الربيع العربي، حيث عمدت تركيا الى استخدام كافة سبل الدعم الاعلامي من اجل فبركة الحقائق وتزيفها وخصوصا فيما يتعلق بالحرية وحقوق الانسان في سوريا التي ساهم اوردغان بتدميرها.

حيث أعربت تلك المنظمات عن قلقها المتزايد بسبب اتساع رقعة الانتهاكات والقمع واعتماد قرارات وقوانين خاصة تستخدم لقمع وتقيد حرية التعبير وتقويض الحقوق وإقصاء الخصوم، وهو ما يعد مخالفة واضحة لكل القوانين والمعاهدات الدولية.

إذ يرى الكثير من المحللين ان قانون منع التظاهر قرار تعسفي فما تقوم به السلطات التركية الحالية من تضيق للحريات وتجاوزات على الحقوق، ضد بعض النشطاء والمعارضين تثير الكثير من المخاوف حيل مستقبل أوضاع حقوق الانسان وحرية التعبير في بلاد التركية.

قانون التظاهر

 وفيما يخص بعض القوانين والاجراءات الجديدة التي ابعتها الحكومة التركية فقد كشف رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو عن تفاصيل اصلاحات امنية واسعة وصفها المعارضون له بانها قمعية، وقال ان الاشخاص الذين يتم العثور بحوزتهم على ادوات محظورة خلال التظاهرات قد يسجنون لمدة اربع سنوات. واعلنت الحكومة ذات الجذور الاسلامية عن هذه التغييرات عقب احتجاجات دامية في اسطنبول وفي المناطق الجنوبية الشرقية التي تسكنها غالبية من الاكراد بسبب سياسة تركيا في سوريا.

وقال داود اوغلو ان القانون يهدف الى توضيح عقوبة استخدام "اسلحة العنف" في التظاهرات ومن بينها القنابل الحارقة والحجارة وغيرها من الادوات الحادة. وقال ان المتظاهرين الذين يعثر بحوزتهم على مثل هذه الادوات -- وهو ما لا يعتبر حاليا جريمة -- سيتم تعقبهم ومنعهم من المشاركة في التظاهرات. واضاف انه سيحق للشرطة اعتقال المشتبه بحيازتهم مثل هذه الادوات في التظاهرات، وان المعتقلين قد يواجهون الحكم بالسجن لمدة اربع سنوات.

وصرح داود اوغلو في اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في انقرة ان "القنابل الحارقة هي اسلحة عنف. فاذا اشعل شخص النار في عربات اسعاف او مكتبات او مساجد او معاهد قرانية بالقاء الزجاجات الحارقة .. لا يمكننا ان نسمي ذلك حرية". واضاف ان مشروع القرار يدعو الى انزال عقوبات اقسى بالمخالفين الذين يرتدون اقنعة لاخفاء هوياتهم ومن يلحقون الاضرار بالممتلكات العامة ومن يقاومون الشرطة. وقال ان فترة الاحتجاز ستضاعف لتصبح 48 ساعة.

كما سيتم منح الشرطة سلطات اوسع لتفتيش المتظاهرين او منازلهم دون الحاجة الى وجود "دليل ملموس"، بحسب داود اوغلو.

واكد ان "الدعوات الى العنف" عبر مواقع التواصل الاجتماعي ستعتبر كذلك جريمة. وقتل 34 شخصا على الاقل واصيب 360 اخرون في وقت سابق من هذا الشهر عندما خرج الاكراد في تظاهرات بسبب عدم تقديم تركيا الدعم للاكراد الذين يقاتلون تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف في مدينة عين العرب (كوباني) على الحدود بين البلدين. واعتقل اكثر من الف شخص بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات التي لحقت خلالها الاضرار بمئات المباني العامة.

ولاقت اساليب الشرطة العنيفة في مواجهة المحتجين واللجوء الى استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، انتقادات واسعة من جماعات حقوق الانسان داخل تركيا وخارجها. وقتل ثمانية اشخاص واصيب الالاف في القمع الوحشي الذي مارسته الشرطة ضد المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في ايار/مايو وحزيران/يونيو 2013.

واثارت الاصلاحات الجديدة غضب المعارضة السياسية، وقالت انها ستحول تركيا الى "دولة بوليسية" وتهدد حق المواطنين في التظاهر. الا ان رئيس الوزراء قال ان الاصلاحات تهدف الى "تعزيز ضمان الحريات العامة والامن". وحذر وسائل الاعلام الاجنبية من وصف الاصلاحات بانها سلطوية، وقال ان دولا اخرى تطبق نفس الاجراءات. واضاف ان "وسائل الاعلام في اوروبا يجب ان لا تثير ضجة بشان هذا القانون .. يجب ان تنتقد نفسها اولا".

كما هاجم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان منتقدي القانون، وقال ان الحكومة تتخذ نفس الاجراءات التي تتخذها "اوروبا والولايات المتحدة". وقال في ندوة في انقرة "انا شخصيا اعرف كيف تتعامل قوات الامن في الغرب مع العنف والتخريب". وسيفرض القانون كذلك عقوبات اشد على المتاجرين بالمخدرات الذين قال داود اوغلو انهم يسعون الى "القضاء على الاجيال المقبلة .. وسيتم التعامل معهم على انهم ارهابيون". وهذه الاجراءات هي جزء من حملة ضد مخدر البونزاي الصناعي الذي اصبح يمثل مشكلة اجتماعية خطيرة في تركيا.

وقال نائب رئيس الوزراء بولنت ارينج ان القانون الجديد "سيمنح مزيدا من الصلاحيات للشرطة" في مواجهة "العنف المنتشر" كما سيمنحه "مزيدا من الحرية لاستخدام ادوات واجراءات جديدة". وحذر رئيس الوزراء احمد داود اوغلو المحتجين من تحطيم صهاريج خراطيم المياه التي تستخدمها الشرطة لتفريق المتظاهرين. وقال "سنشتري خمسة او 10 صهاريج مقابل كل صهريج يتم اتلافه". بحسب فرانس برس.

من جانب اخر انتقد اعضاء البرلمان المعارضين الاجراءات الجديدة وقالوا انها ستحول تركيا الى دولة بوليسية. وصرح ادريس بالوكن من حزب الشعب الديموقراطي المؤيد للاكراد "ان هذا يشبه صب البنزين على النار .. في الوقت الذي تقتل فيه الشرطة اعدادا كبيرة من الاطفال في الشوارع". واضاف "من الان فصاعدا ستستخدم الشرطة ليس فقط الدروع ولكن كذلك البنادق بعد منحها تخويلا بالقتل".

وقال اوزكان ينجيري النائب في حزب العمل الوطني ان "الشرطة سنفعل ما يحلو لها كما لو كانت حالة الطوارئ قد فرضت على البلاد. وستصبح تركيا دولة بوليسية". غير ان نومان كورتولموس نائب رئيس الوزراء رفض تلك الانتقادات وقال "بعد ان قامت تركيا بالعديد من الخطوات الحاسمة باتجاه الديموقراطية على مدى سنين، لا يمكنها ان تتخذ خطوات باتجاه ان تصبح دولة بوليسية مرة اخرى". واثارت تلك الحملة انتقادات واسعة من جماعات حقوق الانسان داخل البلاد وخارجها.

حريات الانترنت

من جانب اخر اعرب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مجددا عن نفوره من الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في لقاء مع وفد من لجنة حماية الصحافيين مؤكدا ان ذلك النفور "يزداد يوميا". وافادت اللجنة في بيان ان اردوغان قال لزائريه "انني كل يوم ازداد معارضة" للانترنت. الا ان مستشاره الاعلامي نفى المعنى الذي الصقته لجنة حماية الصحافيين بهذه التصريحات.

واكد لطف الله غوطاش في تصريح لوكالة الاناضول القريبة من الحكومة ان اردوغان "اراد فقط لفت الانتباه الى ان الشبكات الاجتماعية يمكن ان تستخدم كاداة دعاية من جانب الدولة الاسلامية وتنظيمات اخرى". واضاف غوطاش "لقد اشار (اردوغان) بعد ذلك الى ان اتجاها مقلقا هو الذي يزعجه، وهذا لا يعني انه ضد الانترنت".

وجرى اللقاء غداة الغاء المحكمة الدستورية بنودا عدة من قانون جديد يسمح لهيئة الاتصالات بتعطيل بعض مواقع الانترنت بدون قرار قضائي بحجة "حماية الامن القومي والنظام العام أو الحؤول دون وقوع جريمة". ودافع اردوغان عن القانون مؤكدا ان "المنظمات الاجرامية والارهابية" بما فيها تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق والذي بات على مشارف تركيا، يجند المقاتلين عبر الانترنت، على ما افادت اللجنة.

من جهته، انتقد وزير الاتصالات لطفي الفان قرار اعلى هيئة قضائية في البلاد. وقال في تصريح صحافي "باتت لا تتوافر لتركيا آلية للتدخل على الفور في حال حصول مخالفات". في المقابل، رحبت منظمة "مراسلون بلا حدود" بقرار المحكمة الدستورية واعتبر ممثلها الاقليمي يوهان بير ان هذا القرار "يذكر بان احترام حرية التعبير ينبغي ان يتقدم على موجبات الامن الوطني".

وخلال اللقاء اعربت لجنة حماية الصحافيين عن قلقها من ضغوط تستهدف الصحافيين في تركيا وانتهاكات حرية التعبير والصحافة. غير ان اردوغان رفض تلك الانتقادات قائلا "يجب ان لا تتوفر أبدا حرية الشتم لوسائل الاعلام". ويهاجم الرئيس باستمرار وسائل الاعلام التي تنتقده. وفي محاولة اسكات التهم بالفساد الموجهة اليه عشية الانتخابات البلدية في اذار/مارس أمر اردوغان بتعطيل شبكتي تويتر ويوتيوب مثيرا الغضب في تركيا والخارج حتى انه اضطر الى التراجع نزولا عند تعليمات القضاء. بحسب فرانس برس.

واقرت حكومته عبر البرلمان قانونا مثيرا للجدل يشدد الرقابة على الانترنت. وفي تقرير نشر في كانون الاول/ديسمبر قالت لجنة حماية الصحافيين ان تركيا ما زالت تعتبر اكبر سجن للصحافيين في العالم وأحصت منهم اربعين وراء القضبان، معظمهم معتقل لقربهم المفترض من حركات التمرد الكردية.

أوربا وتركيا

من جهة اخرى قال مسؤول كبير بالاتحاد الأوروبي إن المفوضية الأوروبية ستنتقد تركيا لتقصيرها في الحفاظ على استقلال قضاتها وتريد اجراء مزيد من المناقشات بشأن الحقوق في جهود أنقرة للانضمام الى عضوية الاتحاد الأوروبي. وتنشر مفوضية الاتحاد الاوروبي تقريرها السنوي لتقييم مدى التقدم الذي حققته تركيا والدول الأخرى التي تتطلع للانضمام الى عضوية الاتحاد لتقويم قوانينها بحيث تتفق مع معايير وقيم الاتحاد الأوروبي.

وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه "ما حدث في تركيا أثار شكوكا خطيرة بشأن استقلال القضاء." واضاف المسؤول وهو يشير الى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت "توجد شكوك جدية بشأن الحريات الأساسية." وتشعر المفوضية بالقلق بشأن صراع على النفوذ على المحاكم بينما يلاحق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خصومه السياسيين.

وخيم الصراع على السلطة في الشهور الاخيرة لتولي أردوغان منصب رئيس الوزراء حيث شهدت قيامه بحملة تطهير شملت الآلاف من رجال الشرطة ومئات من القضاة وممثلي الادعاء وهي خطوات أثارت قلقا بين الحلفاء الغربيين والمستثمرين. وأثار انزعاج المفوضية الأوروبية أيضا قانون يشدد سيطرة الحكومة على الإنترنت مع أن المحكمة العليا في تركيا ألغته. وتؤثر توصياتها على الكيفية التي ستمضي بها قدما حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن مفاوضات تركيا للانضمام الى الاتحاد. بحسب رويترز.

وبدأت تركيا محادثات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي في عام 2005 بعد 18 عاما من تقديم طلب العضوية. لكن جانبا كبيرا من عملية الانضمام تعثر بسبب سلسلة من العقبات السياسية ولاسيما بشأن قبرص ورفض ألمانيا وفرنسا انضمام تركيا الى عضوية الاتحاد. غير ان المسؤول قال إن المفوضية الأوروبية ستوصي بفتح مجال جديد أو فصل جديد بشأن القضاء والحقوق الأساسية باعتباره أفضل وسيلة "لتقديم خارطة طريق للإصلاحات".

الغاء حكم سابق

في السياق ذاته الغت محكمة التمييز التركية حكما مثيرا للجدل بالسجن مدى الحياة صدر في 2013 على عالمة الاجتماع التركية بينار سيليتش لمشاركتها في هجوم في 1998 في اسطنبول نفت باستمرار تورطها فيه. وقالت المحكمة ان سيليتش ستحاكم من جديد في محكمة في اسطنبول في موعد سيحدد لاحقا.

وكانت سيليتش البالغة من العمر اليوم 43 عاما اوقفت في 1998 على اثر انفجار في سوق التوابل في اسطنبول اسفر عن سقوط سبعة قتلى ونحو مئة جريح. وقد اتهمها القضاء بالانتماء الى حزب العمال الكردستاني المتمرد وباعداد قنبلة وزرعها الا انها نفت كل تلك الاتهامات. وافرج عنها في 2003 بعد تقرير لخبراء نسب الانفجار الى تسرب للغاز. وبناء على هذا التقرير وتراجع شاهد الادعاء الرئيسي، برأت المحاكم التركية سيليتش ثلاث مرات في 2006 و2008 و2011. لكن في كل مرة كانت محكمة التمييز تلغي هذه الاحكام. لكن في 2012، قررت محكمة في اسطنبول اعادة محاكمة عالمة الاجتماع مستفيدة من تغيير قاض واصدرت عليها حكما في 2013 بالسجن مدى الحياة.

وخلال الجلسة التي عقدت في محكمة التمييز ، طالب محامو سيليتش بالغاء هذا الحكم. وقال المحامي ايهان اردوغان "لم يكن هناك اعتداء، ليس هناك اي دليل يثبت ذلك. كل العناصر تدل على انه تسرب للغاز". ودان محام ثان بحري بيلين الطابع "السياسي" لمحاكمة موكلته الناشطة في مجالي حقوق الانسان والدفاع عن الاقلية الكردية. وقال ان "هذه المحاكمة تشبه محاكمة الزوجين روزنبرغ (الاميركيان اليهوديان الشيوعيان اللذان اعدما بتهمة التجسس في الولايات المتحدة) ومحاكمة دريفوس (الضابط الفرنسي اليهودي الذي اتهم بالخيانة في فرنسا)". بحسب فرانس برس.

وغادرت بينار سيليتش تركيا في 2009 وتقيم حاليا في ستراسبورغ. وقد منحت العام الماضي اللجوء السياسي الى فرنسا. وقال مصدر قريب من الملف ان الشرطة الدولية (الانتربول) رفعت مذكرة التوقيف التي صدرت ضدها بطلب من السلطات التركية بعد زيارة قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى تركيا. وتتمتع عالمة الاجتماع بتأييد كثيرين في فرنسا وخصوصا في الاوساط الجامعية ولدى منظمات غير حكومية للدفاع عن حقوق الانسان التي تعتبر محاكمتها رمزا لتجاوزات القضاء التركي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/تشرين الأول/2014 - 1/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م