اليمن وأزمة اختلاط الحابل بالنابل

 

شبكة النبأ: يرى مراقبون لمجريات الاحداث الاخيرة في اليمن، انها لا تقتصر على بعدها المحلي الذي اثاره دخول جماعة انصار الله الى العاصمة صنعاء اواخر سبتمبر الماضي واجبار النظام اليمني على تغيير ايقاع الخطوات السياسية البطيئة والفاسدة (من وجهة نظر الحوثيين)، وانما لها اكثر من بعد اقليمي ودولي، قد يروه حلقة اخرى ضمن سلسلة التغيرات المحتملة في الشرق الاوسط، بعد ان تغيرت الكثير من الثوابت والانظمة السياسية التي كانت سائدة في عصر ما قبل الربيع العربي عام 2011، سيما وان اليمن تعد من الدول المهمة في طبيعتها الجيوسياسية المطلة على (باب المندب، البحر الاحمر، خليج عدن، الحدود المشتركة مع السعودية)، اضافة الى كونها محطة مستقبلية تتنازع عليها اكثر من جهة اقليمية.

اذ ان العديد من الباحثين اشار الى وجود ثلاث تيارات متنافسة تدعمها دول متنافسة فيما بينها في المنطقة:

1. حزب التجمع اليمني للإصلاح الذى يمثل جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والذي يرجح ان تركيا وقطر هي من تقف وراءه.

2. التيار السياسي الذى يتزعمه الرئيس الحالي (عبدربه منصور هادى)، ويمثل النظام السابق في البلاد او (الحرس القديم)، وتقف وراء السعودية.

3. جماعة أنصار الله، التابعة لقبيلة الحوثي، ويعتقد انه مدعوم من قبل ايران.

ومهدت الثورة (التي وصفها الكثير من المحللين بالثورة الغير مكتملة) التي اسقطت نظام عبد الله صالح (فيما عده اخرون بسقوط شكلي كونه يتمتع بنفوذ سياسي قوي، اضافة الى وجود ولاءات عسكرية له في الجيش اليمني)، لحراك سياسي لم تعتد عليه اليمن او مواطنيها سابقا، مع قبضة النظام السابق على السلطة، الا ان التجاذبات السياسية، والقبلية (التي تعتبر احد ركائز المجتمع اليمني القائم)، اضافة الى استغلال تنظيم القاعدة للفراغ الامني الموجود بالسيطرة على مناطق عديدة في المحافظات الجنوبية والشرقية، ادى الى خلط الاوراق من جديد والدخول في متاهة كبيرة لم تستطع وعود المصالحة الوطنية والاصلاح السياسي والمبادرات من انهاء الازمة، التي ادت مؤخرا الى ما الت اليه الاوضاع.

ويبقى الامر مرجحا لمزيد من التوترات، بعد ان اختلفت اهداف واجندات المحرك السياسي للازمة اليمنية، خصوصا وان اختلاف هذه الاهداف يبقى محصورا في اطار المصالح العليا للدول التي ترعى الاعبين الاساسيين داخل المشهد السياسي في اليمن، بحسب مراقبين.

الاطاحة بالحرس القديم

في سياق متصل يتعين على الحوثيين الذين أذهلوا العالم العربي باستيلائهم المفاجئ على العاصمة اليمنية أن يبذلوا جهودا مضنية لتدعيم سلطتهم في مواجهة منافسين مسلحين جيدا في اختبار قوة يمكن أن يزج بالدولة المضطربة إلى المزيد من القلاقل، التفجير الانتحاري الذي أوقع 47 قتيلا في صنعاء نموذج للتكتيكات العشوائية التي يخشى اليمنيون أن يكون بعض الجماعات المسلحة مستعد لتطبيقها لوقف صعود الحركة الشيعية التي اجتاحت المدينة يوم 21 سبتمبر أيلول، وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته عن التفجير فيما بدا أنه تعبير عن غضب عارم تجاه قدرة المقاتلين الحوثيين على الاستيلاء على الدولة اليمنية الهشة وإملاء الشروط على رئيسها عبد ربه منصور هادي الذي تحاصره المشاكل.

وفي الوقت الحالي تحاصر مشاعر التوجس العاصمة صنعاء، وقال محمد صالح وهو سائق سيارة أجرة نقل الركاب بعيدا عن مكان الانفجار "هذه مجرد البداية"، وأضاف "إنها الآن حرب بين القاعدة والحوثيين، وأكثر من سيلحق بهم الأذى هم الناس العاديون"، ويتسق توقعه مع تكهنات محللين يخشون من أن يكون التفجير (وهو من بين أكثر من عشرة هجمات خلفت مئة قتيل في البلاد منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء) تنشيطا لحملة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضد الحكومة في اليمن الأمر الذي يزيد بدوره من حدة النعرة الطائفية، وقال مسؤول يمني طلب ألا ينشر اسمه نظرا لحساسية الموضوع "الوضع خطير للغاية"، وأضاف "لا نريد حربا أهلية لكن كل البوادر تشير في هذا الاتجاه".

وليست القاعدة وحدها هي المنزعجة من واحد من أكثر تغييرات السلطة غرابة في الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، فصعود نجم الحوثيين أدى الى اختلاط الحابل بالنابل بشان فرص تكون طائفة من القوى السياسية من بينها حرس قديم مكون من أصحاب النفوذ القبليين والدينيين والعسكريين علاوة على الانفصاليين الجنوبيين الساعين إلى الانفصال عن الشطر الشمالي من البلاد، وكان تهميش الحوثيين لحكومة الرئيس هادي الضعيفة والمنقسمة على نفسها ذورة صعود مشهود لجماعة تصدرت المشهد الوطني بعد ان كانت في وقت ما مغمورة وتنحدر من المناطق الشمالية النائية في اليمن.

الجميع يكابدون كي يدركوا مغزى صعود جماعة متحالفة مع إيران خصم السعودية جعلت من نفسها زعيمة للشيعة الزيديين الذين يشكلون نحو 20 في المئة من اليمنيين، ويقول دبلوماسيون إن ما يمكن أن يكون الجانب الأكثر إثارة للدهشة هو احتمال أن الاستيلاء على العاصمة تحقق من خلال تحالف بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي كان في وقت من الأوقات خصمهم اللدود، وإذا ما صح هذا فإنه يمثل تناقضا شديدا، فالحركة ترى في نفسها باعثة للحياة في انتفاضة 2011 التي أوحى بها الربيع العربي وقامت ضد ما رأى المحتجون أنه استبداد وفساد حكم صالح الذي استمر 33 عاما، وأثار سقوط صنعاء مخاوف السعودية التي تخشى من أن تكون إيران تشرع في فتح جبهة جديدة في حربها الباردة معها في الشرق الأوسط، وكان من شأن سقوط العاصمة أيضا إثارة البلبلة بشأن عملية انتقالية تساندها الأمم المتحدة وتمولها دول خليجية مانحة لنقل اليمن إلى مرحلة تعددية حزبية بعد سنوات من الحكم الدكتاتوري. بحسب رويترز.

وفي خطوة حدت قليلا من التوتر عين هادي سفير اليمن لدى الأمم المتحدة خالد بحاح رئيسا للحكومة ضمن اتفاق يقضي بعودة سلطة الدولة وانسحاب المقاتلين الحوثيين من صنعاء، لكن التعيين يبرز أيضا مدى نفوذ الحوثيين لأن بحاح كان أحد ثلاثة أسماء طرحها الحوثيون انفسهم لشغل المنصب بعد أن رفضوا علنا وباستماته قرار هادي تعيين مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك رئيسا للحكومة، ويتساءل اليمنيون، هل يطلب الحوثيون الآن من مقاتليهم الانسحاب من الشوارع؟، ويقول سكان إن وجود المقاتلين في الشوارع اضطر يمنيين كثيرين لمغادرة المدينة، وتسبب ذلك في أضرار لانشطة الاعمال وتعميق الإحساس بعدم وضوح الرؤية، وقال محمد علي (20 عاما) وهو بائع عطور متجول يحمل بضاعته في كيس من البلاستيك "أريد أن يترك الناس بنادقهم في البيوت لكن الآن نرى الآلاف منها (البنادق) حولنا" في إشارة إلى المقاتلين الحوثيين.

ومن الأسئلة التي تدور حولها المناقشات في صنعاء: كيف استولى الحوثيون على مدينة يسكنها مليونا نسمة بالحد الادنى من إراقة الدماء؟ وماذا سيفعلون بالسلطة التي غنموها حديثا؟، ويقول الدبلوماسيون إن الإجابة على كل من السؤالين تكمن في مزيج من الأيديولوجية الشعبوية والتنظيم الجيد وسياسات الحكم، ويرى الحوثيون في أنفسهم أنهم أطاحوا بشرذمة من أصحاب النفوذ القبلي والديني والعسكري الذين يقولون عنهم إنهم وأدوا انتفاضة 2011 تحت ركام من التنازلات والفساد والرضوخ للقوى الأجنبية، وظهر الحوثيون في الشمال في التسعينات مطالبين بإنهاء تهميش الشيعة الزيديين وخاضوا حربا حدودية قصيرة مع السعودية في عامي 2009 و2010، ويعتقد بعض اليمنيين أن الحوثيين يحلمون بإحياء الإمامة الزيدية التي حكمت اليمن ألف عام والتي توارث السلطة فيها قادة شيعة يقولون إنهم من نسل النبي محمد، وانتهت الإمامة بانقلاب عسكري عام 1962.

لكن رسالتهم التي تقوم على التحرر من أفكار المؤسسة الحاكمة تجد صدى طيبا لدى سكان صنعاء الشيعة الزيديين وعددهم كبير ويمثلون قاعدة تأييد طبيعية للحوثيين في المدينة، وتنجذب جماعات أخرى لتفكيرهم الاقتصادي الشعبوي، فالجماعة مدافع صلب عن الدعم الذي تقدمه الدولة للوقود على سبيل المثال، والعقيدة السياسية مجرد جانب واحد من القصة، ويقول محللون إن علاقتين تقفان وراء صعود الحوثيين إلى السلطة هما تحالف تكتيكي مع الرجل القوي المخضرم علي عبد الله صالح الذي تنحى عن منصب الرئيس في 2012 وارتباط أكثر استراتيجية مع القوة الشيعية إيران، وتخشى السعودية من أن يسعى الحوثيون لتكرار استراتيجية حزب الله المتحالف مع إيران في لبنان وأن يستغل التأييد الشعبي بين الشيعة المقترن بوجود عسكري قوي من أجل الهيمنة على السياسة وإظهار قوة إيران.

واتهم هادي إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لليمن من خلال مساندة جماعات مسلحة لم يحددها، وتنفي إيران تدخلها في الشؤون السياسية اليمنية، لكن مسؤولا إيرانيا قال إن بلاده ساندت الحوثيين دائما، ويعترف الحوثيون بأن علاقات ودية تربطهم بإيران وأنهم يشاركونها أيديولوجيتها المناوئة للغرب لكنهم ينفون الحصول على تدريب عسكري أو أسلحة من الجمهورية الإسلامية، وقال المسؤول اليمني إنه بينما كان الحوثيون يتقدمون صوب صنعاء في الأيام التي سبقت استيلاءهم عليها طلبت الحكومة اليمنية من إيران عبر وسطاء عمانيين توظيف نفوذها لدى الحوثيين لإقناعهم بالامتناع عن غزو المدينة، وقال المسؤول إن الجواب لم يكن مشجعا، وقال "الرد الإيراني شابه على نحو كبير رد الحوثيين".

وقال إبراهيم شرقية وهو خبير بالشؤون اليمنية في معهد بروكنجز الدوحة إن الحوثيين سعوا لمحاكاة حزب الله، وأضاف "يريدون أن يقرروا من يحكم اليمن، لكنهم لا يريدون أن يحكموا بأنفسهم"، لكن العلاقة التي مكنت الحوثيين من دخول صنعاء هي تحالف تكتيكي مع الرئيس السابق صالح الذي لا يزال يحتفظ بنفوذ في الجيش، ويقول بعض الدبلوماسيين إنه استخدم هذا النفوذ في جعل وحدات الجيش الموالية له تقف بعيدا وتترك الحوثيين يستولون على المدينة، ويعتقد دبلوماسيون أن دوافع صالح لهذا الارتباط تنبع من الخصومات السياسية اليمنية، فالاستيلاء على صنعاء هزيمة لعلي محسن وهو عسكري بارز يتمتع بقوة سياسية وكان قد انشق باستعمال العنف على صالح عام 2011 وحاولت قواته دون ان تكلل بالنجاح منع الحوثيين من الاستيلاء على صنعاء في سبتمبر أيلول.

وقال شرقية "ما تغير هو عقد تحالف بينهم وبين صالح، كل من الجانبين أراد الانتقام من علي محسن، علي محسن كان العدو المشترك"، ويبدو أن كثيرا من اللجان الشعبية التي شكلها الحوثيون للإشراف على أعمال الحكومة تضم من أنصار صالح أكثر مما تضم من الحوثيين، في نقطة تفتيش لجنة شعبية تعلوها لافتة حوثية في حي بير ابو شملة في صنعاء وهو معقل لمؤيدي صالح قال علي لطف إنه انضم إلى اللجان الشعبية يوم 21 سبتمبر أيلول عندما دخل الحوثيون صنعاء، وقال إن صالح "أحسن رئيس رأيناه"، ويؤيد لطف حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح، وقال إنه يؤيد الحوثيين أيضا لأنهم "لديهم نفس الأهداف"، من جانبه ينفى صالح التعاون مع الحوثيين، ولم يناقش الحوثيون الموضوع مباشرة لكنهم يقولون إنهم لا توجد مشكلة مع الرئيس السابق.

ازالة الاعتصام

من جهتها قالت السلطات اليمنية إن جماعة الحوثيين الشيعية أزالت اعتصاما احتجاجيا يسد الطريق الرئيسي إلى مطار صنعاء ولكن أبقت مقاتليها في شوارع العاصمة التي سيطرت عليها في الآونة الأخيرة، وتسمح إزالة الاعتصام لحركة المرور بالانتظام دون إعاقة للمرة الأوى منذ أسابيع بين المطار والعاصمة، ويتزامن هذا التحرك مع عودة رئيس الوزراء المعين خالد بحاح إلى البلاد لتولي مهامه في إطار اتفاق هدفه تحقيق الاستقرار في اليمن، وكان بحاح سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة، وسيطر الحوثيون على صنعاء في 21 سبتمبر أيلول بعد احتجاجات مناهضة للحكومة استمرت أسابيع تركزت على زيادات في أسعار الوقود، وسرعان ما وقعت الجماعة اتفاقا لتقاسم السلطة مع الأحزاب السياسية الأخرى وهو اتفاق أقره الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولكن ذلك لم يمنع الحوثيين عن مواصلة الزحف على أجزاء أخرى من البلاد.

وقال موقع وزارة الدفاع اليمنية على الانترنت إن مخيم الاعتصام أزيل بالفعل، واضاف الموقع نقلا عن مسؤول في بلدية العاصمة أن طريق المطار فتح بعد أن أزيلت الخيام تنفيذا لاتفاق الشراكة والسلام، وأضاف أن الحياة عادت لطبيعتها في أحياء طريق المطار، ولكن أهالي صنعاء قالوا إن مقاتلي الحوثيين ما زالوا يسيطرون على المدينة ويديرون نقاط التفتيش ويضعون حراسا على الوزارات الرئيسية والمناطق التجارية والبعثات الدبلوماسية، وبدأ الحوثيون توسيع نفوذهم في مناطق أخرى من البلاد مما زاد من خطورة اندلاع مواجهة مع الجماعات السنية ومنها متشددو القاعدة، وتنتمي جماعة الحوثيين إلى المناطق الشمالية وتقول إنها تحمي مصالح الأقلية الزيدية التي تشكل نحو خمس سكان اليمن البالغ تعدادهم 25 مليونا.

وانتشر مقاتلو الحوثيين في مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، وعلى الرغم من أنهم لم يقابلوا مقاومة تذكر ساعتها إلا أن نشطاء قالوا إن الأهالي نزلوا إلى الشوارع مطالبين برحيل الحوثيين، ووزع بيان عقب الاحتجاجات أفاد أن أهالي منطقة تهامة الساحلية يرفضون وجود الميليشيا المسلحة وتعهدوا بمقاومتها، وقال سكان ومسؤولون محليون إن مقاتلي الحوثيين اشتبكوا أيضا مع أنصار حزب الإصلاح السني في وسط البلاد أمس مما أثار شبح مواجهة طائفية أوسع نطاقا في البلاد، ووقعت معارك في بلدة يريم في محافظة إب بعد مقتل 15 شخصا في اشتباكات بين رجال قبائل سنة ومقاتلي الحوثيين في العاصمة الإقليمية وحولها والتي تبعد 150 كيلومترا جنوبي صنعاء. بحسب رويترز.

وقال الأهالي إن اشتباكات اندلعت بعدما هاجم مقاتلو الحوثيين منزل علي بدير المسؤول المحلي في حزب الإصلاح، وجاء هجوم الحوثيين بعد مقتل أربعة من أعضاء الجماعة في كمين عند الفجر في البلدة، وبدا أن هدنة تم التوصل اليها صامدة وقال الأهالي إن السلطات المحلية تحاول جعل الطرفين يوافقان على سحب مقاتليهما من المدينة، واشتبكت الجماعة في الأسابيع الأخيرة مع مقاتلين من تنظيم القاعدة السني المتشدد الذي يعتبر الحوثيين عملاء لإيران.

تداعيات الحرب

فيما يعتبر محللين ان اليمن على جمر منذ أشهر ومؤسساته الحكومية والعسكرية في تخبط لا تعرف من أولى بالمواجهة، هل هم أنصار الشريعة وخلايا "القاعدة في جزيرة العرب" أم هم الحوثيون أم القبائل الجنوبية أم ماكينة الحكم السابق، تخبُط صب في مصلحة الحوثيين الذين ما برحوا يتقدمون من منطقة إلى أخرى وصولا إلى السيطرة على مفاصل الحكم في صنعاء، وباتت البلاد على قاب قوسين من حرب أهلية شاملة، فإذ نظرنا إلى حالة الساحة اليمنية منذ خروج الرئيس علي عبد الله صالح من الحكم واستبداله بعبد ربه منصور هادي نلحظ أن حالة التوتر وعدم الاستقرار السياسي كانت مفيدة للحوثيين كما لأنصار الشريعة والقاعدة معها، معادلة ضاعفها دخول دول العالم كما المنطقة في حرب شاملة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" قلب معادلات المنطقة رأسا على عقب، وكل تقدم للحوثيين على حساب الدولة اليمنية يشد عصب المكون السني وعبره القبائل حول الفكر والتوجه الجهادي الذي بات يظهر كالسد الوحيد أمام المد الحوثي وعجز السلطات، وما التطورات الأخيرة في صنعاء وغيرها إلا تأكيدا ومحفزا لهذا التوجه ، وها هي العاصمة اليمنية تشهد تفجيرات كانت قد غابت عنها لفترة، ذلك على خلاف العمليات التي كانت تستهدف الجيش والقوى الأمنية ومنشآتها التي لم تتوقف قط.

اليوم باتت معظم مقومات الدولة والحكم في اليمن تحت سيطرة وسطوة الحوثيين الذين استفادوا من انحسار القوات الحكومية في مناطقهم وانهماكها في مواجهات مُنهكة مع تنظيم "أنصار الشريعة"، فالحرب البرية وتكثيف حملات الطائرات بدون طيار  لم تأت بالنتائج التي كانت تعوّل عليها، حيث تسرع الكثيرون في الإعلان عن "ضربة قاسمة" لقيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ليتبين لاحقا أن الأمر لم يتجاوز قصف معسكر للتدريب وانسحاب للجهاديين من بضع مناطق، والمعادلة التي كانت قائمة والتي أوصلت رئيس البلاد الحالي إلى الحكم وإلى إزاحة الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم تعد قائمة اليوم بسبب تطورات الساحة العراقية – السورية والتحالف الذي نشأ للحد من تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية"، فالحرب المستعرة في كلا البلدين ترمي بظلالها على سائر بلدان المنطقة ومنها اليمن وما تقدم الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء إلا نتيجة ولُبنة من لبنات هذه الحرب.

وقد خرج تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" ببيان نُصرة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في تموضع يُنذر ببداية تمايز عن تنظيم "القاعدة" الأم في سياق الصراع القائم ما بين فرع التنظيم السوري و"الدولة الإسلامية" في سوريا، وهذا أيضا يأتي كنتيجة مباشرة لقيام التحالف الدولي ضد "الدولة الإسلامية"، إلا أن التمدد الحوثي سبق هذا التموضع لا بل قد يكون هو ما سرع به، علما أن "أنصار الشريعة" وفرع القاعدة في اليمن يعتبران من التشكيلات الجهادية الأكثر فعالية على غرار تنظيم "الدولة الإسلامية"، إن كان من حيث العمليات "النوعية" ووتيرتها كما بالنسبة للمجهود الدعائي المتقن، فتموضعهما هذا والنقاش القائم في صفوفهم بخصوص تنظيم "الدولة الإسلامية" له أهمية مركزية وكبيرة على الساحة الجهادية، من ناحية أخرى لا يمكن إلا أن نأخذ بعين الاعتبار غض الطرف السعودي عن التمدد الحوثي، حيث من المعلوم أن المملكة العربية السعودية ساعدت صنعاء لا بل وساهمت بشكل فعال في مجهود الحرب على الحوثيين منذ فترة ليست ببعيدة، فترة باتت من التاريخ بسبب قيام التحالف على تنظيم "الدولة الإسلامية" مع خصم الأمس الإيراني الداعم والحليف الأول للحوثيين. بحسب فرانس برس.

فضلا عن أنه لا يمكن أن لا نقيّم غض الطرف السعودي إلا من منظار استشعار الرياض بميول "أنصار الشريعة" نحو تنظيم "الدولة الإسلامية"، وإن كانت قيادات التنظيم ما زالت ملتزمة بتوجهات أمير "القاعدة" أيمن الظواهري، فاليوم من يشكل الخطر الداهم على مصالح الرياض ليس الحوثيين بل الجهاديون الذين اخترقوا حدود المملكة وصولا إلى مدينة شرورة منذ أشهر قليلة، ومن يهدد أمنها ليس الحرس الثوري الإيراني بل مؤيدي ومحبذي تنظيم "الدولة الإسلامية" في ربوعها ومواطنيها المتواجدين على شتى المستويات في صفوف "الدولة الإسلامية"، حيث الرياض متيقنة أنها أحد أهداف "الدولة الإسلامية" الأولية، وبحسب أمرائها ومنظريها، فتهديد تنظيم "الدولة الإسلامية" للملكة العربية السعودية ليس كالتهديد للحكم القائم في بغداد أو في دمشق ولا من حدودها الشمالية، لا بل من الداخل ومن حدودها مع اليمن.

نهاية، من الواضح أن التغاضي عن التمدد الحوثي وإعادة إحياء بعض رموز الحكم السابق في اليمن، يأتي في نفس سياق دعم حكم الرئيس السيسي في مصر والمواجهة مع الفصائل الجهادية والإسلامية في ليبيا، وفي سياق إعادة خلط ورسم لأولويات وسياسات المنطقة العربية ككل، كما لتحديد جديد للعلاقة مع طهران، رأس الحربة في تسليح ودعم الجهات والفصائل التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" في كل من العراق وكردستان كما سوريا ولبنان، ولدورها الإقليمي الجديد الذي بدأت ترتسم ملامحه في عواصم القرار، ذلك بينما تستمر المعارك بين عدد من القبائل السنية والحوثيين بالتوسع إلى مناطق جديدة آخرها منطقة السحول شمال محافظة إب.

هجمات القاعدة

الى ذلك ذكرت مصادر قبلية ومسعفون أن 33 شخصا على الأقل قتلوا في تفجير انتحاري وهجمات مسلحة في وسط اليمن في حين سيطر مقاتلون من القاعدة على مدينة يمنية في تحد جديد للحكومة المركزية، واتسع نطاق العنف في اليمن منذ أن استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء الشهر الماضي الأمر الذي يمثل تهديدا لاستقرار البلاد، وانتشر الحوثيون في وسط وغرب اليمن مما يشكل تحديا للقبائل السنية ومتشددي القاعدة، واحتدم القتال في عدة محافظات، وفي أحدث الهجمات التي شهدها اليمن ذكرت مصادر طبية أن انتحاريا من القاعدة قاد سيارة ملغومة باتجاه منزل مسؤول بالحكومة المحلية في بلدة رداع في محافظة البيضاء فقتل ما لا يقل عن 13 شخصا.

وقالت جماعة أنصار الشريعة التابعة للقاعدة في بيان إن الهجوم استهدف اجتماعا في منزل زعيم للحوثيين وإن العشرات إما قتلوا وإما جرحوا، وكانت مصادر قبلية ذكرت في وقت سابق أن مقاتلي أنصار الشريعة قصفوا منزلا في رداع حيث يعيش زعيم محلي للحوثيين مما أدى إلى مقتل مسلحين، وقالت المصادر القبلية إن ما لا يقل عن عشرة مقاتلين حوثيين قتلوا في واقعتين اخريين احداهما على أطراف رداع والاخرى عند نقطة تفتيش في محافظة إب القريبة، وقالت أنصار الشريعة في تقرير من منطقة العرش في البيضاء إن عشرات الحوثيين قتلوا أو جرحوا في معارك وإن اثنين من مقاتليها قتلا في إب، ويبلغ سكان رداع 60 ألفا وهي معقل لأنصار الشريعة منذ وقت طويل، ويضم أنصار الشريعة في صفوفهم مقاتلين من قبائل محلية اشتد غضبها بسبب الوجود الجديد للحوثيين في منطقة أغلب سكانها من السنة. بحسب رويترز.

ويتزايد القلق الدولي ازاء الاضطرابات في اليمن المجاور للسعودية والذي يطل على ممرات شحن دولية بالإضافة إلى خطر استخدام القاعدة البلاد كنقطة انطلاق لهجمات في الخارج، وفي تطور مهم قال سكان ونشطاء إن مقاتلي القاعدة ساروا إلى مدينة العدين في محافظة إب بوسط البلاد واستولوا على مبان حكومية ورفعوا رايتهم ذات اللونين الأسود والأبيض عليها، وقال ساكن من العدين "دخلوا عند منتصف النهار واجتاحوا المدينة ورددوا تكبيرات واستولوا على مجمع الحكومة دون مقاومة"، وقال سكان أيضا إن متشددين سنة دمروا منزل أحد الحوثيين بالمنطقة والذي كان يحاول تجنيد مقاتلين للانضمام إلى لجنة شعبية وهي عبارة عن قوة شرطة أقامها الحوثيون في اجزاء اخرى من البلاد.

وفي بيان قالت لجنة من رجال قبائل محليين إنها لن تتساهل مع وجود أي ميليشيا مسلحة من أي طرف في محافظة البيضاء ودعت الحكومة المركزية إلى التدخل للحفاظ على النظام، وجاء في البيان أن على الدولة ان تضطلع بواجبها الوطني لتجنيب المحافظة الصراع الطائفي، وتجنبت القوات المسلحة اليمنية بشكل كبير مواجهة الحوثيين منذ تقدمهم إلى صنعاء الشهر الماضي مما أثار تكهنات بأن الرئيس هادي يسمح ضمنيا للجماعة بالتحرك بحرية في الوقت الذي يتم فيه تشكيل حكومة جديدة، وفي دلالة اخرى على الفوضى المتزايدة قالت مصادر عسكرية وأمنية إن متشددين من القاعدة هاجموا مطار أم المغارب العسكري في محافظة حضرموت بشرق البلاد على مقربة من الحدود السعودية ونهبوا المعدات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/تشرين الأول/2014 - 30/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م