العالم يتصارع في العراق كي لا ينمو

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: ليس أمرا عسيرا على المتابع والمتخصص، أن يعرف طبيعة الصراع العالمي الدائر منذ عشر سنوات ولا يزال، فوق أرض العراق، فكثير من الدول الكبرى وسواها سال لعابها على خيرات العراق وثرواته، فضلا عن الدول الاقليمية وحساباتها الواضحة، من الناحيتين السياسية والاقتصادية، وقد أظهرت الأدلة أن مخابرات دول عديدة تواجدت على ارض العراق، كي تضمن حصتها من الكعكة العراقية بحسب تعبير الاعلاميين والمتابعين.

وهكذا يدور الصراع متواصلا من دون توقف بين دول العالم، مستثمرة ضعف الحكومات العراقية التي تتابعت في ادارة شؤونه بعد ازاحة النظام الدكتاتوري، وبذلت معظم هذه الدول –وهي معروفة للمتابع- جهودا كبيرة ورسمت مخططات كثيرة، وعقدت فيما بينها – رغم الصراع بينها- صفقات مشبوهة، وغذّت دوّامة العنف على نحو مستمر ولا يمت للانسانية بصلة، حتى لا يستطيع شعب العراق من النهوض والنمو ومواصلة البناء والتقدم، في مسار العمل السياسي الجديد والبناء الاقتصادي الرصين.

لذلك اكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته القيمة الموجّهة للعراقيين، قائلا سماحته في هذا المجال: إن (العراق لا صراع في داخله، ولكن العالم يتصارع على أرض العراق وذلك حتى لا ينمو شعبه). إذن ثمة اهداف واضحة تقف وراء إلهاء شعب العراق، وزجّه في دوامة من العنف والاحتراب والانشغال بالتضاربات العرقية والدينية والطائفة، حتى لا يتمكن هذا الشعب من النمو وبناء تجربة سياسية اقتصادية سليمة، تنقله الى قائمة الدول المتقدمة.

لهذا نبّهَ سماحة المرجع الشيرازي، الى اهمية استثمار الانشطة الفكرية والعملية للعراقيين، من اجل النهوض بهذا البلد الجريح، المستهدف في ارضه وخيراته وطاقاته كافة، فالعالم يتصارع هنا فوق هذه الارض، والكل يبحث عن حصته من هذا البلد الجريح، متجاوزين بذلك كل القيم الانسانية والاعراف الدولية، لذا لا يمكن ان ينهض العراق من دون استثمار طاقاته وقدراته، بأقصى ما يستطيع الشعب، بجميع مكوناته وشرائحه.

لذلك يدعو سماحة المرجع الشيرازي كل العراقيين بوضوح تام قائلا لهم في هذا المجال: (استفيدوا من فهمكم ونشاطكم أكثر وأكثر، خصوصاً وأنتم بالعراق الجريح المظلوم الصابر الصامد، عراق أهل البيت صلوات الله عليهم، عراق أمير المؤمنين صلوات الله عليه). ويربط سماحته هذه الدعوة الصريحة، بأهمية العودة الى الارث العراقي العظيم متمثلا بأئمة اهل البيت عليهم السلام.

اذا صلحَ العراق يصلح العالم

نظرا لاهمية العراق عالميا، فيمكن ان يكون نقطة انطلاق لاصلاح المنطقة والعالم اجمع، فهناك ظروف وعوامل تساعد على تحقيق هذا الهدف الكبير، وثمة دور كبير لشباب العراق واهله عموما، فاذا تمكن هؤلاء من تحصيل الاصلاح كما ينبغي، فغنهم سوف يكونوا سببا ليس في إصلاح العراق فحسب، وانما العالم أجمع.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها قائلا: (إنْ صلحَ العراق اليوم وصلحَ شباب العراق، فستصلح المنطقة والعالم بسبب العراق. فالعراق الآن نقطة عطف للعالم كلّه، وليس للعراق نفسه وللمنطقة فحسب). ولكن مثل هذه الاهداف العظيمة لا يتمكن من تحقيقها غير العظماء، لذلك حث سماحته رجال العراق وشبابه ونسائه، على وجوب الاستفادة من ادق الامور واصغرها، ومن ثم استثمارها بطريقة محكمة من اجل البناء الامثل، ولعل العظماء تخلقهم التجارب والمصاعب.

كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (العظماء لم يولدوا عظماءً، بل استفادوا حتى من الذرّات الصغيرات من فهمهم وطاقاتهم، فصاروا عظماء). واكد سماحته على اهمية الاستفادة من ارث العراقيين العظيم، كما نقرأ في قول سماحته موجّها للجميع: (استفادوا من سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ومن سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم، في إصلاح العراق، وكل واحد منكم ـ كما بإمكان كل واحدة من النساء أيضاً ـ يمكنه أن يصلح عراق المستقبل).

اذن هناك فرص متاحة لجميع العراقيين كي يكونوا قادرين وعازمين على التصدي لهذه المسؤولية الكبرى، وهي تتعلق بالارادة والاصرار المتواصل على النهوض بهذا البلد، علما أن جميع مستلزمات النهوض والتقدم والبناء متوافرة، على الصعيدين المادي والمعنوي، ولم يبق سوى التصميم والعمل والمثابرة واعتماد الارادة الفولاذية التي يمكنها وحدها أن تجعل من العراق ارضا وشعبا وثروات، يمضي في الطريق الصحيح، نحو بلوغ الاهداف المادية والفكرية التي تحمي كرامته وتصون وجوده وانسانيته، ولو كان الامر مستحيلا، لما تقدم سماحة المرجع الشيرازي لعموم العراقيين بهذا التوجيه الكبير الذي يدعو العراقيين جميعا الى توحيد الكلمة والعقول والجهد المتواصل لتحقيق عملية النهوض بهذا البلد الجريح الذي تكالبت عليه ذئاب العالم من كل حدب وصوب.

لا تلقوا المسؤولية على غيركم

لن تقوم قائمة لشعب، اذا كان بعضه يتهم بعضه الاخر بالتقصير، او التكاسل، او عدم القيام بما ينبغي من جهود، ولا ينهض بلد شعبه منقسم على نفسه، بعضهم يلقي المسؤولية على الاخرين، فيما يقف متفرجا عاطلا ومعطلا في الوقت نفسه، لذلك لا يصح ان نلقي المسؤولية على غيرنا، ونتهم الاخرين بالتقاعس، ونحن لا نؤدي واجباتنا اصلا، لذلك ينبغي ان يتحرك الشعب كله في اتجاه واحد، هو اتجاه البناء وتحمل المسؤولية كاملة، بغض النظر عن حجمها او مقدار ثقلها، فلا يجوز التفريط بأصغر فرصة تصب في مجال البناء والتطوير في بلد مثل العراق يحتاج الى اصغر الجهود واكبرها.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي للعراقيين في هذا المجال: (حاولوا أن تكونوا عند مسؤوليتكم، بأن تستفيدوا من الطاقات العظيمة لكل واحد منكم، ولكل واحدة منكنّ. فكل صغيرة وكبيرة من خير أو شرّ والعياذ بالله، لها تأثير يوم القيامة، ولها تأثير في نسبة ندم الإنسان على ما فرّط في الدنيا، فلا تفرّطوا، ولا تلقوا المسؤولية على الآخرين)

ولعل ظاهرة إلقاء المسؤولية على الاخرين، تعد من اكثر الظواهر إساءة للفرد والمجتمع، لأنها تؤكد عدم القيام بما ينبغي من مسؤوليات لابد أن ينهض بها الجميع، بغض النظر عن الاختلاف في الجنس او الانتماء او الدين وما شابه، فالعراقيون اليوم يمرون في اخطر المراحل، ولذلك هم بحاجة الى الالتزام والعمل الجاد، والابتعاد بصورة كلية وجماعة عن التهرب من الواجبات والمسؤوليات، ازاء الدولة والمجتمع.

لهذا يحذر سماحة المرجع الشيرازي من خطورة إلقاء المسؤولية على الاخرين، فعلى الجميع ان يقوموا بعملهم ومسؤوليتهم ودورهم كما يجب، اما التقاعس والاتكال او التعامل باسلوب اللامبالاة، وإلقاء اللوم على الاخر، والوقوف بعيدا عن تحمل المسؤولية، فإن هذا كله يجعل من مهمة بناء العراق في غاية الصعوبة، إن لم تكن مستحيلة!.

لذلك يخاطب سماحة المرجع الشيرازي جميع العراقيين قائلا لهم: (لا يلقِ المثقّفون المسؤولية على الحوزة، ولا تلقِ الحوزة المسؤولية على المثقفين، ولا يلق الرجال المسؤولية على النساء، ولا تلقي النساء المسؤولية على الرجال، ولا يلق التجّار المسؤولية على المثقفين أو بالعكس، ولا يلق العشائر المسؤولية على غيرهم أو بالعكس، وهكذا بالنسبة للكل).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2014 - 28/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م