الطريق الى الاستقرار في العراق

علي الأسدي

 

يواجه العراق أكثر من أزمة في آن واحد، ولعل الأمن والاستقرار أهمها جميعا. لكن من الناحية المنطقية ينبغي النظر الى جميعها ككل مترابطة الواحدة منها بالآخرى. فما ان نباشر بايجاد الحلول لمعضلة إلا ونجدها متشابكة بالوضع الأمني، وهذا مرتبط بالسياسة الداخلية، ولا يمكن النظر لهذه بمعزل عن السياسة الخارجية والحالة نفسها مع النمو الاقتصادي والبطالة والنظام الخدمي بما فيه الصحي والتعليمي والنقل والمواصلات. وأية حكومة عراقية ستخفق كما أخفقت حكومة نوري المالكي بعد ثماني سنوات من وجودها في السلطة لأنها ببساطة لم تكن لها رؤية شاملة عما ينبغي فعله للتعامل مع المشاكل التي يعاني منها العراق. واذا لم تكن لحيدر العبادي رؤيته حول الكيفية للتعامل ومن ثم محاولة معالجة أسس تلك المشاكل فلا يكفي أن يكون رجلا حسن النوايا واذا وعد أوفى أو انه أقل طائفية من سلفه، كل هذه مزايا حسنة لكنها لا تعالج معضلة الاستقرار في العراق.

وحتى لا نظلم الشخصيتين المالكي والعبادي فمن الصراحة القول ان ما يعانيه العراق من مشاكل لا تحلها حكومة بحجم حكومة الصين الشعبية وبثروة كثروة الولايات المتحدة وقدراتها العسكرية والتقنية في يوم وليلة. فما العمل وكيف ومن أين نبدأه، بعبارة أخرى ينبغي المسك برأس الشليلة أولا كما يقول المثل الشعبي العراقي.

ورأس الشليلة في رأينا موجود في خارج العراق لا في داخله ورأس الشليلة هذا موجود في يد كل من ايران والعربية السعودية فهما وحدهما قادران على شفاء العراق من جروحه النازفة. لإيران نفوذ على الأحزاب الشيعية العراقية وهو لعمري واقع لا يمكن نكرانه أو تجاهله، وحتى لو حاول أحد من القادة الشيعة تجاهل ذلك فانه سيواجه المصاعب لسوء الحظ. أما السعودية فهي الأخرى العامل الحاسم في موقف أكثرية القادة السياسيين السنة لسوء حظ العراق أيضا دون أن ننسى التأثير الأمريكي الحاسم على القوتين بما فيها القوى الكردية.

لهذا لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي المهم في السياسة العراقية منذ حربه الاحتلالية عام 2003، فعلاقاته مباشرة وجيدة مع جميع القوى الشيعية والسنية والكردية والقوى الدينية ذات النفوذ أيضا. وهي وحدها القادرة على التأثير على كل من السعودية وايران للمساعدة في وقف الارهاب واعادة الاستقرار الأمني الى ربوعه. وما دامت الولايات المتحدة لم تتخذ مثل هذا الموقف فيجدر بالحكومة الجديدة أن تقوم هي بما يخدم مصالح العراق وتتخذ ما ينبغي من الخطوات في المجالين الداخلي والخارجي لتحقيق الاستقرار في بلادنا ولايجب التعويل على أحد. وفي موضوع الاستقرار في بلادنا لنا مقترحاتنا المحددة وهي كالتالي:

أولا - أن تبادر الحكومة العراقية من جانبها بتشكيل وفد على مستوى عال لزيارة السعودية كبادرة عن حسن النية لرأب الصدع في علاقات الدولتين الجارين والتباحث معها حول المساعدة التي بإمكانها تقديمها لوقف النزيف العراقي. وسيكون من أهداف الزيارة أيضا تطوير العلاقات السياسية بين البلدين. فكما نعلم ان سياسيين عراقيين قد اتهموا السعودية في وقت سابق بكونها وراء الأعمال الارهابية في العراق ومن الدبلوماسية الجيدة ابداء الاعتذار عن تصرف أولئك السياسيين لأجل تحسين الأجواء قبل أي خطوة أخرى بصرف النظر عن صحة الاتهام أو عدم صحته.

فليس للعراق أي مصلحة في توتر العلاقات مع أي دولة في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها، بل على العكس فمن مصلحة شعب العراق قيام علاقات جيدة ومتينة وتبادل الخبر والتجارب الاقتصادية مع دول الخليج. فهذه الدول في وضع اقتصادي ومالي ممتاز يستطيعون المساعدة في اعادة بناء البنية التحتية المدمرة خلال سنين الاضطرابات الأمنية والقيام بالمشاريع الاقتصادية لمنفعة شعبنا. فالعراق أحوج اليهم من حاجتهم الينا وانهم اقرب الينا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فدول العالم وخاصة الغربية تتسابق لتمتين روابطها الاقتصادية معها. وسيكون من مشاريع المستقبل الناجحة لو اشتركت دول المنطقة في اتحادات اقتصادية أو تجارية لدعم التنمية الاقتصادية في بلدان المنطقة.

ثانيا - ينبغي التحدث للإيرانيين عن الرغبة في بناء علاقات جديدة معهم بنفس الوقت الذي نرغب بتحسين علاقات العراق بدول السعودية والخليج وطمأنتهم بان علاقات طبيعية وجيدة مع السعودية لن يكون على حسابهم بأي شكل من الأشكال، بل سيصب في تحقيق الاستقرار في المنطقة الذي ستنتفع به ايران والعراق والخليج على حد سواء.

ثالثا - وحول الوحدة السياسية الداخلية العراقية التي تعرضت لضرر كبير خلال فترة الحكومات السابقة فيطلب من حكومة العبادي بذل الجهود الى أبعد من خطوات استيعاب ممثلين حقيقيين للسنة والكرد في الحكومة الاتحادية. وما نقصده هنا الدخول الى قلوب العراقيين السنة والكرد وهذا يتطلب التحدث والحوار المباشر مع القادة الشعبيين والدينيين ورؤساء القبائل ورجال الجيش السابقين من الذين تم تجاهلهم من قبل الحكومات العراقية السابقة. يجب احياء تقاليدنا الشعبية القديمة المعتمدة على الزيارات المتبادلة بين مكونات شعبنا في المناسبات الشعبية كالأعياد الدينية والوطنية المشتركة. وهذا يقودنا الى القضية الهامة التالية وهي الدخول الى ما اعتبر من المحرمات في معايير ما بعد سقوط النظام السابق. وهي :

رابعا - ينبغي تفقد السياسيين القدامى من جيل العهد السابق الاستفادة من خبراتهم داخل العراق وخارجه. ويجب الاعتراف أن الوحدة بين المكونين الشيعي والسني قد تضررت بعد الاحتلال حيث بولغ في ادانة الفترة السياسية ابان النظام السابق والتي من تبعاتها التعامل بريبة مع القادة العسكريين ورجال الدولة السابقين لمجرد خدمتهم الوظيفية في الدولة العراقية إبان النظام السابق. فالدولة كانت تستوعب كل الطبقة المتوسطة في دوائرها في الداخل وفي سفاراتها وقنصلياتها في الخارج فهم كغيرهم مواطنون خدموا دولتهم باخلاص ونزاهة وليس من الانصاف أبدا تجاهل خدماتهم بصرف النظر كونهم بعثيون أو غير بعثيين عدا أولئك الذين أدينوا بارتكابهم جرائم بحق الشعب. فما داموا لم يدانوا بجرائم مخلة بالشرف فهم أبرياء ويجب احترامهم واشراكهم في المناسبات الشعبية والرسمية واذا كانوا مايزالون دون سن التعاقد فيجب اعادتهم الى وظائفهم السابقة. مثل هذه التقاليد يجري احترامها وممارستها في دول العالم كافة ولا يجب أن نكون استثناء شاذا غير مقبول عالميا ولا عادلا ولاعقلانيا محليا.

خامسا - ومن وجهة نظر هذا المقال وتحسينا لأجواء الاخاء بين العراقيين التي أصابها الضرر في الفترة الماضية فينبغي اصدار العفو العام عن المحكومين السياسيين وقادة الجيش وقادة حزب البعث الحاكم سابقا وخاصة الذين ما يزالون قيد الاعتقال بانتظار تنفيذ أحكام الاعدام الصادرة بحقهم.( كاتب هذا المقال من الساعين لإلغاء عقوبة الاعدام نهائيا لأي تهمة ) فهم قضوا في السجن فترة من الطول كافية كعقاب مقابل التهم التي وجهت اليهم أثناء المحاكمات. ومن سمات الدولة العادلة أن يغلب جانب التسامح والعفو والرأفة على جانب العقاب والانتقام، وانطلاقا من هذا نتوجه لدولة رئيس الوزراء اتخاذ قراره الجريء بإصدار العفو العام عنهم والتعجيل بإطلاق سراحهم واعادة الاعتبار لهم كمواطنين كاملي الحقوق. ما يعني اطلاق رواتبهم التقاعدية منذ تاريخ اعتقالهم. ويستتبع ذلك اعادة ممتلكاتهم اليهم التي سبق ووضعت اليد عليها من جانب شخصيات سياسية تابعة للاحزاب الحاكمة كردية وعربية في بغداد أو خارجها وتعويضهم عنها تعويضا مجزيا في حالة جرى التصرف بها.

سادسا - وكجزء من برنامج العفو العام يجب تشكيل لجنة من المحامين والقضاة لمتابعة استعادة الموما اليهم دون استثناء كافة حقوقهم ورفع الحجز عن ممتلكاتهم وتقديم الرعاية لهم ولعائلاتهم وضمان سلامتهم بتخصيص حرس لهم يختارونهم هم. وينبغي ايضا توفير الخدمة الطبية لمن يحتاجها وخاصة أن بعضهم من كبار السن. قيام الحكومة بذلك سيحسن بلا شك الأجواء داخل المجتمع العراقي وسيبث الفرحة ليس في نفوس ذويهم بل في نفوس الكثير من العراقيين أيضا. النظام السابق كان دمويا ويتحمل المسئولية عن كل ماحصل من خراب نفسي وأخلاقي ولا أحد ينكر ذلك، لكنه ليس المذنب الأول فللاحتلال دوره الكبير في ذلك. الولايات المتحدة تتحمل المسئولية عن تعميق الصراعات الطائفية، ولم تفعل ما يكفي لاحترام القانون الدولي ذي العلاقة بذلك. وما دامت لم تفعل فهي ملزمة بالتعويض عما لحق الدولة العراقية من اضرار بنتيجة اهمالها الصارخ لمهمة الحفاظ على هيكلية الدولة وممتلكاتها وأصولها المالية في الخارج.

ان اعادة الاستقرار لعراقنا ليس فقط أمنية لجميعنا انه واجبنا الوطني يحتم علينا فعل كل ما نستطيع لتحقيقه، فبعضنا يضحي بدمه من أجله، وبعضنا الآخر بالعمل الجيد والاخلاص في حفظ الأمن الداخلي وحماية شعبنا من الارهاب، وبعضنا من يعمل لإبقاء شعبنا موحدا ومتآخيا بجميع مكوناته بأكثريته وأقلياته من مختلف معتقداتهم الدينية والسياسية.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/تشرين الأول/2014 - 28/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م