كوباني... بؤرة صراع بين الاستراتيجية الامريكية والاجندة الداعشية

 

شبكة النبأ: ما زال القتال في مدينة (كوباني) السورية، بين تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش) والمقاتلين الاكراد (وحدات حماية الشعب)، يحظى باهتمام المجتمع الدولي، ووسائل الاعلام العالمية، التي اعتبرتها معركة جس النبض التي ستوضح مدى فاعلية الاستراتيجية الامريكية في مكافحة التنظيم المتطرف ومنع من تحقيق أهدافه، خصوصا وان تقارير وشهود عيان تحدثت عن مضاعفة الضربات الجوية الامريكية في هذه المنطقة من اجل منع سقوطها بيد التنظيم (والتي ربما سيكون لها نتائج إيجابية بالنسبة للتحالف، فيما ستؤثر سلبا على حماسة التنظيم في كسب المزيد من الأراضي في العراق وسوريا)، وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن طائرات أمريكية مقاتلة وقاذفة قنابل نفذت 14 غارة على أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية قرب مدينة كوباني الحدودية، وأضافت في بيان إن الغارات الجوية أبطأت فيما يبدو من تقدم التنظيم المتشدد لكن "الوضع الأمني على الأرض في كوباني لا يزال هشا".

من جانب اخر، فان تركيا التي ما زالت مصره على عدم التدخل بصورة مباشرة (رغم النداءات الدولية المتكررة، إضافة الى الضغوط التي مارسها حلفائها والاكراد المتظاهرين في شوارع تركيا)، من دون إعطاء ضمانات حقيقية لها، والاستجابة الى مطالبها التي نادت بها مع توسع الازمة، إضافة الى خوفها من الانعكاسات المستقبلية في حال دخولها الى قلب الاحداث، ويرى محللون ان هناك جملة أمور قد تدخل في حسابات الحكومة التركية قبل ان تفكر في الاقدام على أي عمل عسكري او لوجستي مهم يقدم لدعم التحالف الدولي، خصوصا في كوباني والأراضي السورية شمالاً ومنها:

1. قضية اللاجئين (والذين فاق عددهم المليون ونصف المليون) ووضعهم في تركيا وبحث إمكانية عودتهم.

2. قضية الاكراد في داخل تركيا وخارجها، والتي تعتبر من اعقد القضايا في تاريخ تركيا الحديث.

3. اسقاط نظام الأسد، كشرط أساسي ضمن استراتيجية اردوغان، التي يشير بعض المحللين الى رغبته في إحلال نظام قريب من توجهات الحكومة التركية الحالية (الاخوان المسلمين).

4. إعطاء دور أكبر لتركيا في سوريا من خلال مقترحها، الذي لاقى فتورا أمريكيا، بإنشاء منطقة عازلة داخل سوريا (قرب مدينة حلب مناطق أخرى بالقرب من الحدود التركية في محافظة إدلب في الحسكة وجرابلس وكوباني).   

كوباني والسلام مع أكراد

في سياق متصل ومع تحطيم المحتجين للنوافذ في أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا الذي يغلب عليه الأكراد يظهر في ديار بكر الكثير من علامات العنف الذي اجتاحها لكن من الأصعب بكثير العثور على علامات للتفاؤل بشأن عملية سلام هشة مع المقاتلين الأكراد، وتوجد مخاوف من أن يقوض مصير مدينة كوباني الحدودية في سوريا المجاورة جهود الحكومة التركية لإنهاء تمرد مستمر منذ ثلاثة عقود وأن يعيد تركيا مجددا إلى صراع أودى بحياة 40 ألف شخص، واستبد الغضب بكثيرين من أكراد تركيا البالغ عددهم 15 مليون نسمة بسبب مصير كوباني التي يغلب عليها الأكراد ويهاجمها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية تحت سمع وبصر القوات التركية التي تتابع الوضع عبر الحدود.

وقتل 35 شخصا على الأقل حين شاب العنف احتجاجات كردية للتضامن مع كوباني وكانت ديار بكر في بؤرة إراقة الدماء، ويقول الأكراد إن الغضب من عدم تدخل أنقرة قد يخرج عن السيطرة رغم جهود الحكومة أو زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان لمواصلة محادثات السلام بهدف إنهاء التمرد، وقال ابراهيم (29 عاما) وهو يدخن بشراهة بينما يجلس في منزل في حي بجلار الفقير في ديار بكر وهو معقل لحزب العمال الكردستاني إنه "إذا سقطت كوباني فستكون عملية السلام تاريخا، وإذا سقطت كوباني لن ينصت الناس لدعوات الهدوء ايا كان من يطلقها"، وقبل أيام كانت شوارع بجلار مليئة بالغاز المسيل للدموع مع اشتباك الشرطة مع المحتجين، وتحول الحي إلى منطقة محظورة على قوات الأمن لوقت قصير، ونشرت العربات المدرعة لقمع الاضطرابات.

وقال ضابط شرطة إنه لم يشهد مثيلا لغضب المحتجين على مدى 20 عاما من عمله في المنطقة، وأضاف "يهاجمون كأنما ليس لديهم ما يخسرونه، يبدو أن هناك كمية هائلة من الكراهية والغضب"، وتابع "انهم ينهبون، يحرقون ويكسرون ويدمرون، الدولة وكل ما يمثل الدولة يبدو عدوهم"، وتمثل الاضطرابات لطمة خطيرة للرئيس رجب طيب إردوغان الذي استثمر جهدا كبيرا في إصلاح علاقات تركيا مع الأكراد في البلاد، واستهدفت عقود من الاضطهاد من حكومات قومية في أنقرة قمع الثقافة الكردية مما تسبب في رد فعل عنيف من المقاتلين الأكراد وأوجد جروحا عرقية عميقة داخل تركيا تعهد إردوغان بمداواتها، ودفع إردوغان بإصلاحات ثقافية وألغى قوانين تحظر اللغة الكردية في تركيا، وأعطى نحو نصف الأكراد اصواتهم لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده إردوغان وكانت عملية السلام جزءا كبيرا من الرؤية السياسية للحزب، لكن عدم تدخل أنقرة عسكريا او سماحها بارسال أسلحة إلى المدافعين عن كوباني تسبب في انعدام الثقة واشعل الشائعات عن ان تركيا تدعم سرا تنظيم الدولة الإسلامية.

وفشل انكار أنقرة مرارا وتكرارا في اخماد اعتقاد واسع في جنوب شرق تركيا بأن سياسة دعم جماعات المعارضة في سوريا لاسقاط الرئيس بشار الأسد تعني مساعدة الجماعة الإسلامية المتشددة، وقال آرون ستين الزميل المشارك في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن "انه ليس حتى موضع تساؤل، إذا بنيت تفكيرك على ذلك وتصرفت بناء على كل تلك الشكاوى على مدى السنوات القليلة الماضية (بما في ذلك كوباني) فسيكون لديك ما يؤهل لصراع جديد"، ويعتقد ستين أن تركيا ترى أن من الأفضل إثارة نفور الأكراد الآن وإصلاح الأمور لاحقا بدلا من الخوض في الصراع السوري بسبب كوباني وأن الأكراد الآن أضعف من أن يستأنفوا العمليات القتالية مع تركيا، لكن القائد الكبير في حزب العمال الكردستاني جميل بيك أكد في مطلع الأسبوع خطر تجدد الصراع وحذر من أن الجماعة ستستأنف حربها مع تركيا إذا لم تتدخل في كوباني. بحسب رويترز.

وقال ستين إن المسؤولين الأتراك "يأملون في اجتياز العاصفة لكن أعتقد أن هذه نظرة قاصرة، إنها مقامرة خطيرة يمكن أن تعرض للخطر عملية السلام برمتها"، ويعمل أوجلان الذي أمضى الاعوام الخمسة عشر الماضية في السجن بجد لابقاء عملية السلام على مسارها وسط اندلاع عنف من وقت لآخر في الجنوب الشرقي هذا العام، لكن كثيرا من الأكراد في ديار بكر يقولون إن الاحباط من التقدم البطيء في المفاوضات يعني ان نجم أوجلان يخبو ومن المرجح بدرجة أكبر أن ينصت الناس لزعماء حزب العمال الكردستاني في منطقة قنديل العراقية الذين اصبحوا يشعرون بخيبة أمل من العملية، وقال علي (39 عاما) وهو أب لأربعة "إذا قالت قنديل، استعدوا سنعود للقتال خلال ستة أسابيع، فلن يتردد الناس للحظة".

وفي علامة على أنه ايضا يشعر بتزايد الضغط حذر أوجلان في احدث تعليقاته من ان الحكومة لديها حتى الخامس عشر من أكتوبر تشرين الاول لاتخاذ خطوات لدفع المحادثات، لكن علي يقول ان ذلك قد لا يكون كافيا، ويضيف وهو يحتسي الشاي في واحد من المقاهي الكثيرة في ديار بكر "عملية السلام لم تعد لها مصداقية"، وتابع "إذا استمرت العملية بهذه الطريقة، فيمكن ان تؤدي تلك التوترات إلى حرب أهلية، هؤلاء الناس مستعدون لحمل السلاح ضد الدولة"، وقد يمثل مصير كوباني ضغطا جديدا على محادثات السلام لكن المحادثات لم تكن في أفضل حالاتها على اية حال قبل الزحف الوحشي للدولة الإسلامية على المواقع الكردية حسبما يقول فادي حقورة الخبير التركي في معهد تشاتام هاوس للابحاث في لندن.

وقال "حتى قبل كوباني لم تسفر عملية السلام عن كثير من التنازلات ذات المغزى، الأمر يتركز حتى الآن على العملية أكثر مما يتركز على السلام"، وأضاف "كوباني ستعقد بدرجة كبيرة عملية دقيقة جدا وسيكون لها اثر كبير على استمراريتها وخاصة أن القتال من أجل كوباني يشمل مقاتلين على صلة وثيقة بحزب العمال الكردستاني"، واوضح إردوغان أن وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني ضمن المدافعين عن كوباني يمثل حجر عثرة امام مساعدة المدينة، وقال إنه لا يرى اختلافا بين حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية وقال إن تركيا لن تساعد "إرهابيين"، وتركيا مصممة أيضا على عدم التورط في الحرب الاهلية السورية بدون ضمانات على ان الشركاء الغربيين سيساعدون في الاطاحة بالأسد خصمها العنيد، وأقام أكراد سوريا علاقة متأرجحة مع دمشق ونأوا بأنفسهم عن تحالف المعارضة مقابل ان تتركهم دمشق لحالهم إلى حد كبير.

وتعمقت شكوك أنقرة بعد انشاء ثلاثة "كانتونات" كردية من جانب واحد تتمتع بالحكم الذاتي في سوريا واحدها كوباني، ورغم كل المشاكل دافع إردوغان بقوة عن عملية السلام، وقال "وضعت، جسدي وكياني فيها، بصرف النظر عن العواقب، سوف اواصل الكفاح حتى النفس الأخير من أجل بناء السلام والاستقرار"، وظهرت علامات على أن تركيا تدرك الوضع الملح حين قال عضو برلماني مؤيد للأكراد إن حزبه تلقى خارطة طريق من صفحة واحدة بشأن عملية السلام من الحكومة، ولم تعط تفاصيل أخرى، لكن مع انضمام اعداد قياسية لحزب العمال الكردستاني حسبما يقوله مسؤولون أكراد ومع اختبار كوباني للعلاقات المتوترة بالفعل فإن تركيا تخاطر بتجدد العنف العرقي حسبما يرى إبراهيم، ويقول "إذا خرج الناس إلى الشوارع مجددا فسيكون الوضع أسوأ كثيرا من التسعينات، هؤلاء الناس لا يخشون الموت فعلا".

مساعدة كوباني

بدوره قال وزير الخارجية التركي إن انشاء ممر للأسلحة والمقاتلين المتطوعين من تركيا الى بلدة كوباني السورية الحدودية التي يهاجمها مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية أمر غير واقعي، وقال مولود جاويش أوغلو إنه ينبغي التوصل الى نهج أشمل لهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر الآن على اجزاء واسعة من سوريا والعراق وتستهدفه ضربات جوية من تحالف تقوده الولايات المتحدة، ويدعو زعماء أكراد تركيا الى انشاء ممر للسماح بوصول المساعدات والامدادات العسكرية الى بلدة كوباني الكردية الواقعة على مرمى البصر من اراضي تركيا، لكن تركيا ترفض حتى الآن المشاركة في التحالف العسكري ضد الدولة الاسلامية.

وميليشيا وحدات حماية الشعب التي تقاتل في كوباني متحالفة مع حزب العمال الكردستاني الذي يحارب في تركيا منذ أكثر من 30 عاما من اجل حكم ذاتي للأكراد وتعتبره تركيا وحلفاؤها الغربيون منظمة إرهابية، وقال جاويش أوغلو إن "تركيا لا يمكنها فعلا منح أسلحة لمدنيين ومطالبتهم بالعودة لقتال جماعات ارهابية"، واضاف أن "هذا (الممر) غير واقعي، من سيقدم امدادات الأسلحة اليوم؟، قبل أي شيء فإرسال مدنيين الى الحرب جريمة"، وقال جاويش أوغلو إن الضربات الجوية فشلت في وقف الدولة الاسلامية وإنه ينبغي وضع استراتيجية أوسع عبر المنطقة بما في ذلك انهاء الحرب الاهلية في سوريا، وتابع "قتل البعوض واحدة تلو الأخرى ليس الاستراتيجية الصحيحة، يجب ان نجتث الاسباب الجذرية لهذا الوضع، من الواضح انه نظام الاسد في سوريا".

وفي وقت سابق وافق برلمان تركيا على تفويض يسمح بارسال قوات برية الى سوريا والعراق وعلى السماح لجنود أجانب باستخدام تركيا كقاعدة لنفس الغرض، وقال جاويش أوغلو حين سئل إن كانت تركيا سترسل قوات "إذا كانت توجد أي استراتيجية مشتركة متفق عليها فستنظر تركيا جديا في تنفيذ هذه الاستراتيجية مع الحلفاء والدول الصديقة"، وعرض موقف تركيا بشأن كوباني للخطر عملية السلام الهشة مع حزب العمال الكردستاني التي بدأت في مارس آذار 2012، وهدد عضو كبير في الميليشيا الكردية تركيا بانتفاضة كردية جديدة إذا تمسكت بسياسة عدم التدخل التي تتبعها حاليا، وقال جاويش أوغلو إن حزب العمال الكردستاني لم يلق سلاحه بعد ورغم ذلك فما زالت الحكومة ملتزمة بعملية السلام، واضاف "لا يمكن أن نتخلى عن هذه العملية، نريد تحقيق انجازات في هذا الشأن ونبذل كثيرا من الجهد بإخلاص".

فيما قال مسؤول كردي عراقي كبير إن إدارة إقليم كردستان العراق قدمت مساعدات عسكرية للمقاتلين الأكراد السوريين الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة كوباني، غير ان الأكراد السوريين في المدينة قالوا إنهم لم يتسلموا شيئا حتى الآن وقال مسؤول كردي سوري في المنطقة إن شحنة الأسلحة "رمزية" وانها عالقة في مكان ما بشمال شرق سوريا، وقال حميد دربندي مسؤول الملف السوري في رئاسة إقليم كردستان العراق "ساعدناهم على جميع الساحات تقريبا، أرسلنا إليهم مساعدات تتضمن مساعدات عسكرية"، ولم يذكر تفاصيل أخرى كما لم يوضح كيف تم نقل الأسلحة للمدينة السورية المتاخمة لحدود تركيا من الشمال والتي يحاصرها مقاتلو الدولة الإسلامية من الشرق والجنوب والغرب. بحسب رويترز.

وقال مسؤول كردي سوري إن إقليم كردستان العراق أرسل شحنة أسلحة "رمزية" لكنها لم تصل كوباني لأن تركيا لم تفتح ممر العبور الذي طالب به أكراد سوريا ليتمكنوا من دعم المدينة، وقال آلان عثمان المتحدث باسم المجلس العسكري لأكراد سوريا في المنطقة عبر موقع سكايب إن المساعدات (التي تشمل ذخيرة للأسلحة الخفيفة وقذائف مورتر) عالقة في منطقة يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، وقالت القوات الكردية السورية التي تحارب مقاتلي الدولة الإسلامية الأفضل تسليحا في كوباني إنها لم تتلق إمدادات، وقال عصمت الشيخ رئيس مجلس الدفاع في كوباني إنهم لم يتسلموا رصاصة واحدة، لكن عثمان قال إن الشحنة القادمة من إقليم كردستان العراق "ليست سوى شحنة رمزية، إنها لا تزال في كانتون الجزيرة" مستخدما الاسم الكردي للمنطقة الكردية الواقعة في شمال شرق سوريا المتاخمة للعراق، إلا أن مسؤولا كرديا عراقيا آخر تحدث شريطة عدم نشر اسمه قال إن إقليم كردستان العراق تمكن من ارسال ذخيرة لكوباني، وقال المسؤول "يمكنني أن اؤكد لكم ان هناك شحنات كما انه سيرسل المزيد منها أيضا، وحسب معلوماتنا فأنها احدثت فرقا ما".

قلق دولي

من جانبه قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الولايات المتحدة قلقة للغاية مما وصفه "بالمأساة" في مدينة كوباني السورية التي يحكم مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية قبضتهم عليها، وأضاف كيري خلال مؤتمر بالقاهرة لإعادة إعمار غزة أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لتجميع صفوف تحالف بشكل كامل لمواجهة المتشددين وقال إن التركيز يجب أن يكون أولا على العراق بينما يتم إضعاف الدولة الاسلامية في سوريا، وقال كيري "من المؤكد ان القلق ينتابنا جميعا من الانباء التي تتحدث عن مكاسب في كوباني ونحن نراقب الوضع عن كثب، لا نراقبه فحسب في واقع الامر لكننا شاركنا بقوة بضربات في الايام الاخيرة وكانت هناك المزيد من الضربات"، وأضاف "وردت انباء عن انهم يواصلون تشديد الخناق عليها (كوباني)، لم يتم الاستيلاء عليها بالكامل بل على اجزاء منها."

وحثت القوات الكردية المدافعة عن كوباني الواقعة على الحدود مع تركيا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على تكثيف الضربات الجوية لمقاتلي الدولة الإسلامية، وقال المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يراقب الحرب في سوريا إن القوات الكردية ستواجه هزيمة محتومة في كوباني ما لم تفتح تركيا حدودها لاتاحة وصول الأسلحة وهو أمر تحجم أنقره عن تنفيذه على ما يبدو حتى الان، وقال كيري إن أكثر من 60 شريكا تعهدوا بالانضمام إلى الجهود الأمريكية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن خلافة في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، وأضاف وزير الخارجية الأمريكي "كوباني منطقة واحدة وما يحدث هناك مأساة ونحن لا نقلل من ذلك لكننا قلنا من اليوم الاول إن الامر سيستغرق وقتا لتجميع التحالف بشكل كامل".

من جانب اخر دعا مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستيفان دي ميستورا تركيا للمساعدة في الحيلولة دون وقوع مذبحة في مدينة كوباني السورية الحدودية على يد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعبر عن خشيته من تكرار مذبحة سربرنيتشا التي قتل فيها الآلاف في البوسنة عام 1995، وحث دي ميستورا أنقرة على السماح "للمتطوعين" بعبور الحدود لتعزيز الميليشيات الكردية التي تدافع عن البلدة التي تقع على مرمى البصر من الدبات التركية، ونشرت تركيا دبابات على التلال المطلة على كوباني (أو عين العرب ) لكنها حتى الآن ترفض التدخل دون التوصل إلى اتفاق شامل مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين بشأن الحرب الأهلية السورية، ومنعت أيضا الأكراد الأتراك من عبور الحدود لتعزيز القوات الكردية المدافعة عن كوباني.

وقال دي ميستورا "اذا سقطت (هذه البلدة) فان السبعمائة اضافة الى 12000 شخص بخلاف المقاتلين سيذبحون على الأرجح" في اشارة الى تقديرات لعدد المقاتلين الأكراد الذين يدافعون عن البلدة والعدد الإجمالي للأشخاص الذين يعتقد انهم محاصرون بداخلها، وتساءل دي ميستورا في مؤتمر صحفي "هل تتذكرون سربرنيتشا؟ نعم نتذكرها، لم ننس مطلقا وربما لن نغفر لأنفسنا أبدا،" واضاف قوله "عندما يكون هناك تهديد وشيك لمدنيين لا ينبغي أن نلوذ بالصمت"، وأدت محنة كوباني التي يغلب الأكراد على سكانها إلى تفجر أسوأ حوادث عنف في الشوارع في تركيا منذ سنوات، وفي تركيا أقلية كردية تعدادها 15 مليون نسمة، وثار الأكراد الأتراك معبرين عن غضبهم من حكومة الرئيس طيب إردوغان التي يقولون إنها تسمح بأن يتعرض أبناء جلدتهم لمذبحة.

معاناة انسانية

على صعيد اخر، ماتوا دفاعا عن كوباني، لكن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية يحكمون سيطرتهم حول هذه المدينة الكردية الحدودية السورية حتى أن أسرهم لا تعرف متى يمكنها العودة لإقامة مراسم الدفن اللائقة لهم، وبدلا من ذلك يوارى المقاتلون الأكراد الثرى في قبور حفرت على عجل في تركيا على بعد نحو عشرة كيلومترات على الجانب الآخر من الحدود من المدينة التي قاتلوا لإنقاذها من المتشددين الذين يطبقون عليها، ودفن مؤخرا تسعة مقاتلين أكراد من وحدات حماية الشعب الكردية بالقرب من سروج التي نقلوا إليها مصابين بجراح في المعارك الدائرة رحاها منذ ثلاثة أسابيع، وفي الانتظار أربعة قبور أخرى، وتذهب تقديرات المراقبين إلى أن بضع مئات ماتوا في كل من الجانبين حيث أظهر مقاتلو الدولة الإسلامية المدججين بالسلاح تفوقهم على المدافعين الأكراد الأقل تسليحا لكنهم يتحلون بالعزيمة والإصرار، وقال بكير شاه أحمد (71 عاما) الذي كان يقف إلى جانب كومة من التراب "هذه أوقات عصيبة، أنا مسلم أيضا فلماذا يفعلون هذا؟".

وتجمع نحو 300 من المعزين معظمهم رجال بالقرب من القبور التي تم تحديد مكانها بالحجارة ونثرت عليها بعض الزهور، وألقى رجل كردي سوري عظة عبر مكبر للصوت أثنى فيها على القتلى بوصفهم شهداء ودعا الآخرين إلى التضحية بأرواحهم، ودكت المدفعية الثقيلة لتنظيم الدولة الإسلامية كوباني طيلة عدة أيام ولجأ الجانبان كلاهما إلى الهجمات الانتحارية في المدينة التي تقع على طريق بري سريع يمتد من الشرق إلى الغرب موازيا للحدود التركية، وتريد الدولة الإسلامية السيطرة على كوباني لتعزيز اجتياحها في شمال العراق وسوريا الذي أثار موجات صدمة في أنحاء الشرق الأوسط، ويبدو أن الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أبطأت تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية لكنها لم توقفه، وهم يسيطرون على أجزاء من شرق كوباني ويرفرف علم التنظيم الأسود على تل يطل على الشوارع الترابية للمدينة.

وتذهب التقديرات إلى أن 200 ألف شخص فروا من المعارك الدامية في كوباني إلى تركيا ويقول مسؤولون أكراد ان بعض المدنيين ما زالوا محاصرين، وقد اصبح من المستحيل الذهاب في الاتجاه المقابل لأي سبب غير الانضمام للقتال، وكان أحمد البالغ من العمر 35 عاما الذي يتشح بالسواد اعتاد أن يتسلل عبر الأسلاك الشائكة على الحدود من تركيا إلى كوباني ليطمئن على قريبه سيدو محمد جومو وهو أب لأربعة أطفال عمره 40 عاما، ولكنه الآن يدفنه في قبر حفر على عجل في تركيا، وقال أحمد الذي لم يذكر اسم أسرته "قلوبنا تنفطر لرؤية هذا، أبلغنا مسؤولو المستشفى أنه مات أمس"، ويقول قادة عسكريون أكراد إنهم سيقاتلون حتى النهاية الأمر الذي يثير مخاوف أن تقع مذبحة في كوباني إذا سقطت في نهاية الأمر.

وقال أحمد "ذهبت إلى كوباني وقضيت ليلة هناك وساعدتهم في حفر خنادق حول المدينة، كل ما يحتاجون إليه هو السلاح"، ولا تظهر كلماته الحزن والأسى فحسب بل تنطوي أيضا على تلميح إلى مشاعر خيبة الأمل لما يراه البعض بعدا سياسيا يزداد وضوحا لحصار مدينة أظهر التحالفات الهشة والمنافسات في مشهد بالغ التعقيد، وعلى مسافة قصيرة من قبور المقاتلين الأكراد كان ثلاثة شبان ملثمين يرفعون عاليا أعلام حزب العمال الكردستاني المحظور، وخاضت انقرة معركة استمرت 30 عاما لمكافحة تمرد حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بمزيد من الحكم الذاتي وتربطه بالجماعات المسلحة التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية روابط وثيقة، وعرضت أنقرة مساعدات إنسانية لكن المسؤولين الأتراك أوضحوا أنهم غير مستعدين لمساعدة جماعات يعتبرونها إرهابية ولا يريدون جرهم إلى حرب برية في سوريا حيث أدت المعارك منذ مارس آذار عام 2011 إلى نزوح زهاء 1.2 مليون شخص عبر الحدود. بحسب رويترز.

وقتل مؤخرا 21 شخصا حينما اجتاح جنوب شرق تركيا الذي يغلب الأكراد على سكانه بعض من أشد المظاهرات عنفا منذ سنوات، وثارت مخاوف أن تنهار عملية السلام الهشة التي تهدف إلى نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، وقال عبد القادر داشديمير (57 عاما) الذي سافر من اسطنبول إلى سروج للتعبير عن تضامنه مع كوباني "هؤلاء أبناؤنا، لا نريد أن يموتوا، إنهم يتعرضون للقتل بشراسة"، وأضاف قوله "تركيا وأمريكا يمكنهما وقف هذا (الهجوم) في 24 ساعة إن أرادا، (لكن) الجمهورية التركية تسمح بحدوث ذلك".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تشرين الأول/2014 - 23/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م