هل أساءت حركات الاسلام السياسي للاسلام؟

 

شبكة النبأ: أكدت التجارب بما لا يقبل الشك، أن الإساءة للنظريات والمبادئ الفكرية على نحو عام، غالبا ما يكون مصدرها الجانب التطبيقي، بمعنى أوضح، عندما نقرأ النصوص النظرية التي تتعلق برؤية الاسلام لادارة شؤون التجمعات البشرية في جميع المجالات، والتأكيد على الجانب الانساني لها، فإننا لا نجد في جانب التنظير ما يشكل إساءة للدين، ولكن عندما نتفحص الافعال والاجراءات العملية التي تقوم بها بعض الانظمة السياسية الاسلامية، او بعض الحركات التي تنضوي تحت مسمّى أو مصطلح الاسلام السياسي، فإننا سنلاحظ فوارق كبيرة تفصل بين المبادئ النظرية وبين تطبيقها!.

وهذا ما يشكل إساءة للدين أو الفكر الانساني على وجه العموم، ولدينا ما يدعم هذا الرأي، خاصة اذا تحرينا بصورة دقيقة عمّا قامت به بعض الحركات الاسلامية من تجاوزات فعلية، لا علاقة لها بمبادئ الاسلام من بعيد او قريب، ولا تستقي مشروعيتها مما جاءت به مبادئ الاسلام حول تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولعل جلّ هذه الاساءات تتمثل بحالات الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها من لدن أقلية (تُنسب نفسها للاسلام)، وتردد في القرارات النظرية الصادرة عنها، أنها تنفّذ ما يوصي به الاسلام، ولكن عند التمحيص والتدقيق، سنلاحظ ابتعادا كبيرا لهذه الافعال عن روح الاسلام وتعاليمه.

الأمر الذي يدل بصورة قاطعة، على أن هؤلاء الذين يتشبثون بالاسلام، ولا يعملون بمبادئه، إنما يقصدون الاساءة للاسلام مع سبق الاصرار، خدمة لمصالحهم الفردية الضيقة، وهي غالبا ما تكون مصالح مادية آنية معرّضة للزوال السريع او المؤجّل، فالتمسّك بالسلطة كما يحدث في بعض الانظمة الاسلامية، وتركيزها بقبضة القائد الأعلى (ولي الأمر)، ومعه أقلية من الافراد المؤيدين والتابعين، وحصر موارد الدولة وقراراتها بأيدي هؤلاء، ومنع الرأي المعارض، وما شابه من اجراءات يرفضها الاسلام جملة وتفصيلا، إنما تؤكد بصورة جلية تلك المجافاة والابتعاد الواضح بين الفكر والتطبيق. وهذا ما يذهب إليه أحد الباحثين في الاسلام السياسي عندما يقول: إن التفرد بالقرار يؤدي إلى إلصاق الأخطاء التي ترتكبها المجموعات والحكومات بالمفاهيم الإسلامية، وهذا الأمر سيؤدي حتما إلى اتهام الإسلام بما هو ليس فيه، وبمزيد الأسف إلى التنفير من المبادئ الصحيحة التي كان يجب أن يكون لها قصب السبق في التعريف بالإسلام وليس بالإسلاموية.

إن قضية الإساءة للفكر الاسلامي، غالبا ما ترتبط بأولئك الذين يحكمون الناس باسم الاسلام، ولكنهم لا يلتزمون بمبادئ الاسلام، فالسلطة وامتيازاتها، لا تسمح لضعفاء النفوس ممن ينتسبون للاسلام شكلا، بترك تلك الامتيازات جانبا، والعمل بما يخدم المجتمع، لذلك ستدفعهم نفوسهم الضعيفة الى استغلال الدين ابشع استغلال، وجعله غطاءً لأفعالهم التي تهدف الى الاستحواذ على كل شيء، والتنكّر لواجباتهم ازاء الناس، من هنا يتساءل أحد المعنيين بهذا الامر بقوله الصريح، لو يعلم الذين ينتسبون لتيارات الإسلام السياسي حجم الإساءة التي يسيئونها للدين بتطويعه لقواعد اللعبة السياسية بما تتضمن المناورة والتنازلات المبدئية أحيانا والمزايدة أحيانا أخرى، لتريثوا وما استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير. فكثير من المواطنين العاديين جدا الذين لا تعجبهم الممارسات السياسية للتيارات الدينية، يبتعدون تدريجيا عن دينهم وهم يظنون خطأ بكل أسف أنهم بذلك يتمردون على سلطة المنتسبين لتلك التيارات الدينية، وهذا خطير لأنه يخلط بين عقائد الدين وعباداته من جهة وبين ممارسات بشرية تتلفع في الدين من جهة أخرى.

لذلك عندما نريد الاجابة بصورة صريحة عن التساؤل الوارد في العنوان اعلاه، فإننا لا نتردد من القول بأن هناك حركات وانظمة اسلامية، تندرج تحت مسمّى الاسلام السياسي، قامت من خلال (الجانب التطبيقي) لادارة الحكم، بالاساءة للفكر الاسلامي، كونها لم تكن موفقة في قراراتها السياسية والتشريعية والادارية، التي تتعلق بادارة شؤون الدولة والمجتمع، وسبب الاخفاق يتعلق بتقديم الأدلة العملية على الارض، عن عدم إلتزام هذه الحركات والانظمة، بما يريده الاسلام ويحدده بشأن ادارة الدولة، ومراعاة احتياجات الناس، وحفظ كرامتهم، وفتح الآفاق واسعة امامهم في التشارك بتسيير الامور السياسية من خلال حماية حقوقهم وحرياتهم، وتوفير فرص العمل اللائقة بهم.

وهذه الامور لا يمكن تحقيقها للمجتمع في ظل حركة سياسية او نظام سياسي، ينحصر همه في الاستيلاء على السلطة والاستفادة القصوى من امتيازاتها، بغض النظر عما يمكن أن تسببه هذه السياسات من حرمان وإفقار لشرائح واسعة من المجتمع، كما أثبتت الوقائع الراهنة في بعض الدول التي تقودها انظمة اسلامية، لذلك ليس امام حركات وانظمة الاسلام السياسي سوى إعادة النظر بالإساءات التي ألحقتها بالفكر الاسلامي عن قصد او من دونه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/تشرين الأول/2014 - 23/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م