الحكومات بين الواقع والشِعار

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: هناك حكومات عديدة، تقول انها حكومات اسلامية، ولكن هل يصحّ الاعتماد على الحكومات نفسها، لكي نثق ونؤمن بأنها اسلامية في القول والعمل؟، وهل يكفي أن تقول الحكومة، أنها اسلامية وملتزمة بأحكام الاسلام فيما يتعلق بإدارة السلطة والحكم، لكي نثق بأنها فعلا اسلامية، أم أننا ينبغي أن نستمد حقيقة الحكومة، أية حكومة، من واقع الحال الذي يعكس قراراتها وأفعالها ازاء المجتمع الذي تحكمه؟، لا شك أن الاجابة الصحيحة، أننا لا نعتمد ما تنسبه الحكومات لأنفسها من تسميات أو قرارات او أفعال.

إننا في حقيقة الامر نقف عند حقائق يعكسها الواقع، ونقف عند قرارات نظرية ينبغي أن تتحول الى عمل ملموس، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه، بالاعمال والقرارات الواقعية للحكومة، وهذه بدورها، هي دليل المراقبين والمعنيين على صحة قول الحكومات من عدمه، فنحن نلاحظ أن جميع الحكومات في جميع دول العالم، غالبا لا تذمّ نفسها، بل الغالب هو مدح نفسها، ولا نجد إلا ما ندر، حاكما او حكومة تقول أنها أخطأت بحق الشعب، أو بحق نفسها، حتى الحكومات التي تقف على رأس المجتمعات المتقدمة.

لذلك لا يمكن أن نعتمد اقوال الحكومات وادّعاءاتها، كمعيار نقيس عليه صلاحية هذه الحكومة او تلك من عدمها، إنما المعيار هو ما يعكسه واقع الحكم، وما يفرزه الواقع من التزام بحقوق المجتمع وحرياته واحتياجاته وما شابه، كذلك لا يمكن ان يكون الشعار، مهما كانت كلماته عميقة ومؤثرة، معيارا لقياس صلاحية الحكومات، فثمة منها تقدم الشعار على التطبيق، علما ان الشعار يكون جميلا منمقا ومؤثرا في مفرداته ومعناه، ولكن لا يمكن أن نركن الى جمال معنى الشعار الحكومي أو الى الجماليات التي تحملها كلمات الشعار، لأن سبب تراجع الاداء الحكومي هو تقديم الشعار على التطبيق.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتاب (من عبق المرجعية) على أن: (السبب فيما نراه في البلاد الإسلامية اليوم من نواقص، ومشاكل، يعود إلى أنها إسلامية بالاسم فقط، والشعار فحسب، وليس أكثر من ذلك).

خصوصية النظام الاسلامي

من الامور المهمة التي لاحظها المعنيون بالشأن السياسي، أن الاسلام يطرح نظاما للحكم ذا خصوصية تميزه عن سواه من الانظمة الاخرى، ولعل هذه الخصوصية تكمن في جوانب تنظيرية وعملية تتعلق بالكيفية التي يُدار فيها الحكم والسلطة، كي تنتظم تحتها طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لذلك يطرح الاسلام نظاما خاص للحكم، وادارة محددة بوضوح لكيفية ادارة المجتمع، ولا يأتي هذا من فراغ، فهناك تجربة اسلامية مع الحكم تمتد على مسافة قرون متعاقبة، وكان الواقع وانعكاسات الحكم العملية هي معيار نجاح او إخفاق الحكومة، ولم يكن الشعار طريقا لتوصيف الحكومات، انما العمل الواقعي الملموس هو المعيار الاول.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الشأن، في الكتاب المذكور نفسه: (لا شكّ أن الإسلام له نظام خاص للحكم، وإدارة شؤون المجتمع، كما لا شكّ في أن هذا النظام الإسلامي الخاص قد طُبّق في البلاد الإسلامية طيلة ثلاثة عشر قرناً حتى سقوط الدولة الإسلامية قبل أكثر من نصف قرن). وهذا يؤكد بطبيعة الحال، أن خصوصية النظام الاسلامي لم تأت من فراغ.

فآلية الحكم التي يدعو إليها الاسلام تعتمد الكثير مما يُسمى اليوم بالأنظمة الديمقراطية، بل كان الاسلام هو البوابة الاولى للديمقراطية، وكانت الحكومة الاسلامية تعتمد ما تراه في الواقع من أدلة تؤكد نجاحها في ادارة شؤون الناس، لذلك كانت الانتخابات وحرية الآراء، ومجالس الامة وما شابه، من آليات الوصول الى حكومة منصفة، لا تقوم على الشعارات الفارغة من الفعل.

من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (أنّ في الإسلام انتخابات، واستفتاء، وإدلاء بالآراء والأصوات، ومجالس أمة وبلدية، وما شابه ذلك). وهذه الاشارات الديمقراطية الواضحة، هي أهم ما يدل على خصوصية الحكومة الاسلامية آنذاك، والتي ينبغي أن تتوافر اليوم في كل حكومة تنسب نفسها الى الاسلام.

أما اذا ثبت العكس، أي عندما يكون الشعار المجرد، وسيلة للحكومة، مع انها تنسب نفسها للاسلام، وتصف نفسها بالحكومة الاسلامية، فهذا امر لا يمكن قبوله، او الموافقة عليه، لأنه يتناقض مع خصوصية النظام الاسلامي، ولا يرتقي قط الى مبادئ الحكم الناجح في المنظور الاسلامي، وهو الحكم الذي يدعو الى الاقتران التام بين الشعار والتطبيق، وعندما يحدث العكس، فلا علاقة لمثل هذه الحكومات والانظمة السياسية بالاسلام ومنظوره لإدارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فمن يُنسِب نفسه من الحكومات والحكام الى الاسلام، عليه قبل كل شيء أن يلتزم بمبادئ الاسلام التي تدعو لإنصاف الناس فعليا، وليس عبر الشعار او الإدّعاء.

أهمية المشاركة في الرأي

من الامور التي تبعد الحكومة عن الشعارات المجردة، دور الرأي المختلف وحرية الإدلاء به، فمن السمات الاساسية للنظام القائم على مبادئ الاسلام، انه يسمح للجميع بالمشركة في آرائهم حول ادارة الدولة، أو سوى ذلك مما يتعلق بحياتهم، وعندما تلغي الحكومات هذا الشرط، وتحول دون مشاركة الرأي المعارض المختلف معها، فإنها تلغي اهم الشروط التي وضعها الاسلام كهوية للنظام الذي ينسب نفسه له، من هنا فإن كل نظام يقوم على الاستبداد والظلم وحصر السلطة بأيدي شخص او حزب او أقلية، لا يمكن أن يكون نظاما اسلاميا، لسبب بسيط، أن حرية الرأي مكفولة للجميع في الاسلام، وعندما تتم مصادرتها تحت اي تبرير كان، فهذا يتناقض مع سمات النظام الاسلامي، ويصادر السمات الشعبية، أو المشاركة الشعبية الواسعة التي يمكن أن تميز هذه الحكومة عن تلك.

يقول سماحة المرجع الشيرازي، بالكتاب نفسه، في هذا المجال: إن (الحكومة في الإسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فماذا يريد الناس غير المشاركة في الرأي، وغير الغنى، والعلم، والحريّة، والأمن، والصحّة، والفضيلة، مما يوفّرها الإسلام خير توفير؟).

هكذا ينبغي للحكومة التي تنسب نفسها للاسلام، أن تكون قادرة على توفير كل ما يحتاجه الفرد والشعب في الوقت نفسه، وهذا قد يصعب تحقيقه، ما لم تكن هناك ارادة فعلية لتحويل الشعار الى واقع، أو الى حقيقة عملية تتجسد على ارض الواقع، لذلك يمقت الشعب تلك الشعارات التي تحتوي على مفردات متميزة وجمل منمقّة اذا كان هدفها تجميل وجه الحكومات فقط.

لأن الشعب يتعامل مع حقائق، ويحتاج الى قرارات لا تبقى حبرا على ورق، الشعب يحتاج الى حكومة أفعال وليس الى حكومات شعارات.

لأننا كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه: ( لا نسير خلف الأسماء والشعارات بل خلف الواقع). فالأخير أي الواقع هو المعيار الأهم للكشف عن هوية الحكومات، وهل انها تنتمي للاسلام أم لا؟.

وسوف يتم الكشف عن هذا الانتماء الاسلامي من عدمه، ليس على أساس ما يتم نشره في الشعارات المعلقة في الشوارع والساحات العامة والدوائر الرسمية وما شابه، وانما على اساس الفعل الذي يقترن بهذا الشعار او ذاك، وعند ذلك سوف نكون ازاء حالتين، اما حكومة اسلامية حقيقية تقرن الشعار بالعمل، او حكومة اسلامية بالاسم فقط، تعتمد الشعارات الفارغة فقط!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تشرين الأول/2014 - 21/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م