كوباني وداعش... بين تخاذل تركيا واختبار الاستراتجية الامريكية

 

شبكة النبأ: كوباني التي بدء تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش) حملة الشرسة ضدها منذ عدة اسابيع، وسيطر من خلالها على المربع الامني الواقع في شمال المدينة (اذ يؤكد شهود عيان ان التنظيم بات يسيطر فعليا على نحو 40 بالمئة من المدينة التي تبلغ مساحتها ستة الى سبعة كيلومترات مربعة وتحيط بها 356 قرية)، فيما تدور اشتباكات متقطعة في شرق وجنوب غرب كوباني بحسب مراقبون، تحولت الى اختبار مهم، كما يصفه محللون للاستراتيجية الامريكية التي تستهدف من خلالها التنظيم عبر غارات جوية، اذ لم تفلح تلك الغارات في ثني عناصر التنظيم عن التقدم نحو هذه المدينة الكردية، ربما لإثبات وجه نظرهم بان الولايات المتحدة الامريكية والتحالف الدولي الذي شكلته لمقاتلة التنظيم لن يحقق اهدافه المرجوة ولن يقضي على دولتهم المفترضة في سوريا والعراق.

فيما دعا مبعوث الأمم المتحدة لسوريا (ستيفان دي ميستورا) تركيا للمساعدة في الحيلولة دون وقوع مذبحة في مدينة كوباني السورية الحدودية على يد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعبر عن خشيته من تكرار مذبحة (سربرنيتشا) التي قتل فيها الآلاف في البوسنة عام 1995، وحث أنقرة على السماح "للمتطوعين" بعبور الحدود لتعزيز الميليشيات الكردية التي تدافع عن البلدة، وسط قتال غير متكافئ بين الطرفين (اذ يقاتل الالاف من مسلحي التنظيم المدعومون بالأسلحة الثقيلة والدبابات، المئات من الاكراد اللذين يحملون الاسلحة الخفيفة)، وقال دي ميستورا "اذا سقطت (هذه البلدة) فان السبعمائة اضافة الى 12000 شخص بخلاف المقاتلين سيذبحون على الأرجح"، ورفض وزير خارجية تركيا هذه الدعوات الاممية، كونها تخالف الانسانية بالقول "إنها دعوة غير مسؤولة وغير إنسانية، فهؤلاء فروا من الحرب ولا يمكن إعادتهم إليها ولا يمكن لتركيا أن تعطيهم السلاح.

فيما تحاول الولايات المتحدة الامريكية التنسيق مع حليفتها تركيا (والتي اتهمها قبل ايام نائب الرئيس الامريكي بتقديم المساعدة للعناصر المتطرفة من اجل اسقاط نظام الاسد، مما ادى الى تنامي قدرات هذه الجماعات) لمواجهة خطر تنظيم الدولة الاسلامية، وربما منع سقوط كوباني او عين العرب، (التي لا تؤثر على استراتيجية الولايات المتحدة الا من الحالة المعنوية)، اذ ان تركيا ما زالت مترددة في الضلوع بدور عسكري او بري محتمل، مالم تنفذ شروطها، والتي تأتي في مقدمتها الاسراع بسقوط نظام الاسد، كما يرى محللون.

الاستراتيجية الأمريكية

فقد يمثل تهديد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية لمدينة كوباني الكردية السورية اختبارا مبكرا لمدى صمود الاستراتيجية العسكرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والتي لا تستطيع في الوقت الراهن تغيير الوضع على الأرض في سوريا، وفي حين اجتمع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع كبار القادة العسكريين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) سعت إدارته إلى خفض سقف التوقعات لما يمكن أن تحققه الضربات الجوية التي تقودها واشنطن في الحرب السورية، وأقرت الادارة بأن مدينة كوباني قد تسقط في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية خلال الأيام القادمة، وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن سقوط المدينة لن يمثل هزيمة استراتيجية.

وأكد مسؤولون آخرون أن تركيز الحملة ما زال على العراق وأن الهدف من الضربات الجوية في سوريا هو إضعاف الدولة الإسلامية في العراق في بادئ الأمر ثم تدميرها كلية في نهاية المطاف على المدى البعيد في كلا البلدين، وتتطلب تلك الاستراتيجية أن يتحلى الغرب بالصبر لكن هذا الصبر يضعف مع كل خبر يرد عن الاعمال الوحشية لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية والانتصارات العسكرية للجهاديين أو الفيديوهات التي تصور ذبح رهائن أمريكيين أو بريطانيين، وقال باك ماكيون رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي "الأدلة تتزايد على ان نهج (العراق أولا) المتركز على الضربات الجوية لا يضعف تنظيم الدولة الإسلامية، فهم يستخدمون الملاذ السوري من كوباني إلى بغداد لتحقيق مكاسب".

وقال سونر كاجابتاي من برنامج الابحاث التركية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية سيسيطرون في حالة سقوط كوباني على أكثر من نصف حدود سوريا التي تمتد لمسافة 820 كيلومترا مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والتي قد تواجه ايضا المزيد من الاضطرابات المدنية بسبب عدم تدخل انقرة، وأضاف كاجابتاي أن أي انتصار لتنظيم الدولة الإسلامية في كوباني قد يؤدي إلى تعرض الأكراد لأعمال وحشية على نطاق أوسع على الأرض، وتابع "اذا سقطت كوباني فإن الصور التي سترد من هناك ستكون مروعة للغاية، سيكون رد الفعل العالمي أقوى بكل تأكيد".

وقال البنتاجون إن ثمة حدود لما يمكن أن تحققه الضربات الجوية في سوريا قبل أن تتمكن قوات المعارضة السورية المعتدلة المدعومة من الغرب من اكتساب القوة الكافية لصد تنظيم الدولة، واستبعد أوباما إرسال قوات أمريكية في مهام قتالية هناك، وقال الاميرال البحري جون كيربي المتحدث باسم البنتاجون "ليست لدينا الان قوة على الأرض في سوريا نستطيع العمل معها"، وسيتطلب الأمر وقتا قبل نشر قوة برية في سوريا مدربة تدريبا أمريكيا، ونبه كيربي أن الجيش سيحتاج إلى نحو خمسة أشهر لإتمام عملية تجميع وفرز أعضاء المعارضة الذين سيشاركون في برنامج تدريب أمريكي بالمملكة العربية السعودية، وقال كيربي "هذا قبل ان تبدأ حتى القيام بأي تدريب، لذا فإنه سيكون جهدا طويل الأمد".

ويقول خبراء عسكريون أنه يجب على المجتمع الدولي تقبل وقوع انتكاسات من حين لاخر في سوريا على الأقل إلى ان تتمكن تلك القوات المدعومة من الغرب من التحرك على الأرض، وقال اللفتنانت جنرال المتقاعد جيمس دوبيك الذي أشرف على تدريب القوات العراقية خلال إدارة بوش "نحن نقتصر على ما هو قابل للتحقيق من الجو (في سوريا) ويجب علينا القبول بأننا سنتعرض لانتكاسات مثل هذا إلى أن نتمكن من تنفيذ عملية جوية-برية ملائمة"، وحذر كريستوفر هارمر وهو طيار سابق ويعمل الان محللا في معهد دراسات الحرب من أن تنظيم الدولة الإسلامية سيعتمد حتى ذلك الحين على تكتيكات لتفادي استهدافه بسهولة من الجو، وقال هارمر "القوة الجوية جيدة للغاية في ضرب الأهداف الثابتة مثل جسر أو مصفاة"، وأضاف "المشكلة التي واجهتها الاستراتيجية حتى الان هي أن لديك مجموعة من الطائرات التي تحلق في مهام ضد مجموعة من الأفراد المتناثرين وقوات مشاة صغيرة ومن الواضح أنها ليست فعالة للغاية". بحسب رويترز.

ويقول البنتاجون إن هذا يتناسب حتى الان مع استراتيجيته التي تهدف إلى منع تنظيم الدولة الإسلامية من استخدام سوريا "كمقر" أو نوع من الملاذ لإعادة التزود بالإمدادات والأموال وقيادة القوات العاملة في العراق، لكن العملية لا تسير بسلاسة حتى في العراق، وهذا رغم وجود قوات عسكرية أمريكية تقدم النصح للقوات العراقية والكردية وتوسيع نطاق الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة لتشمل استخدام طائرات هليكوبتر من طراز اباتشي وهو ما يعرض القوات الأمريكية لمزيد من الأخطار من المضادات الأرضية، وقال كيربي "نعرف أن تنظيم الدولة سيواصل الاستيلاء على الأراض وانهم سيستمرون في الاستيلاء على قرى وبلدات ومدن"، واستطرد "لذا فعندما نصل إلى هناك ونقول إنه سيكون صراعا طويلا وسيكون صعبا وعندما نستيقظ هنا ونقول إن القوة الجوية، لن تكون كافية لحسم الأمر فنحن نعني هذا حقا".

انقاذ كوباني

الى ذلك أعلنت الولايات المتحدة ان الضربات الجوية لا تكفي لانقاذ مدينة كوباني السورية الكردية الحدودية مع تركيا والتي تشهد معارك ضارية بين تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف الذي يحاول اقتحامها والمقاتلين الاكراد الذين يتصدون له وما زالوا يسيطرون عليها، وقال الكولونيل البحري جون كيربي خلال مؤتمر صحافي ان "الضربات الجوية وحدها لن تتمكن من ذلك، لن تحل المشكلة وتنقذ كوباني"، مضيفا "نعرف ذلك ولم نتوقف عن تكراره"، واوضح انه لالحاق الهزيمة بالتنظيم المتطرف "يجب ان تكون هناك جيوش قادرة، معارضة سورية معتدلة او الجيش العراقي"، ولكن هذا يتطلب وقتا، وتدارك المتحدث "لكن ليس لدينا في الوقت الحالي شريك متطوع قادر وفعال على الارض داخل سوريا، انها الحقيقة".

من جهته قال الرئيس الاميركي باراك اوباما في ختام اجتماع في البنتاغون مع قادة القوات المسلحة استعرض خلاله مجرى الغارات الجوية ضد الجهاديين في العراق ثم في سوريا "سنواصل ضرباتنا مع شركائنا، هذه تبقى مهمة صعبة"، واضاف اوباما "كما قلت منذ البداية، هذه المسألة لن تحل بين ليلة وضحاها"، معتبرا ان "الخبر السار هو وجود توافق واسع في المنطقة وايضا بشكل اوسع في العالم اجمع على ان تنظيم الدولة الاسلامية يمثل تهديدا للسلام العالمي ويجب التصدي له"، من جهته قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة في تصريح "نحن نضرب حين يمكننا ذلك"، مشيرا الى ان الجهاديين "هم عدو يتعلم ويعرفون كيف يناورون وكيف يستخدمون السكان وكيف يتخفون لذلك عندما نرصد هدفا نضربه". بحسب فرانس برس.

واضاف ان الجهاديين "اصبحوا اكثر مهارة في استخدام الاجهزة الالكترونية" وهم "ما عادوا يرفعون اعلامهم ولا عادوا يتنقلون في ارتال طويلة كما كانوا يفعلون في السابق هم لا يقيمون مقرات قيادة يمكن رؤيتها وتحديدها"، وبالنسبة الى كوباني، أكد رئيس الاركان ان غالبية سكان المدينة الكردية فروا منها الى تركيا ولكن "ليس هناك ادنى شك" في ان الجهاديين سيرتكبون "فظائع مروعة اذا سنحت لهم الفرصة"، من جهته اعلن الجيش الاميركي ان المقاتلين الاكراد ما زالوا يسيطرون على كوباني، مشيرا الى انه تم تكثيف الغارات الجوية التي تشنها واشنطن وحلفاؤها على التنظيم المتطرف في المنطقة، وقالت القيادة الاميركية الوسطى التي تغطي منطقتي الشرق الاوسط وآسيا الوسطى في بيان ان "الميليشيات الكردية الموجودة هناك لا تزال تسيطر على القسم الاكبر من المدينة وتقاوم في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية"، واضافت القيادة ان طائرات اميركية واخرى اردنية شنت ثماني غارات جوية جديدة قرب كوباني اسفرت عن تدمير خمس عربات مدرعة ومخزن ذخيرة ومعسكر قيادة ومعسكر لوجستي وثماني تحصينات.

وكانت طائرات اميركية واماراتية شنت في وقت سابق ست غارات، ما يرفع الى 14 عدد الغارات التي شنها التحالف على تنظيم الدولة الاسلامية، تضاف اليها خمس غارات اخرى، بحسب القيادة، واكدت القيادة انها "تتابع مراقبة الوضع في كوباني من كثب"، وشن التحالف غارة اخرى على هدف للدولة الاسلامية جنوب غرب الرقة (شمال سوريا) مما اسفر عن تدمير اربع مدرعات واعطاب اثنتين اخريين، بحسب المصدر نفسه، وفي العراق شنت الولايات المتحدة لوحدها ثلاث غارات جوية احداها شمال غرب الرمادي (غرب) دمرت خلالها نقطة تفتيش للدولة الاسلامية، بينما استهدفت الثانية مقاتلي التنظيم المتطرف في الموصل (شمال) مما اسفر عن تدمير اربع آليات واعطاب اثنتين اخريين، في حين استهدفت الثالثة مواقع قتالية للتنظيم جنوب كركوك (شمال) ودمرتها، بحسب القيادة، بدورها قصفت مقاتلة استرالية من طراز "سوبر هورنيت" موقعا لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق في اول غارة جوية لاستراليا في اطار العملية العسكرية التي يشنها تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم المتطرف، كما اعلنت كانبيرا.

رغم الضربات الجوية

من جانبه قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية استولوا على أكثر من ثلث مدينة كوباني السورية على الحدود مع تركيا على الرغم من الغارات الجوية الأمريكية التي تستهدفهم داخل المدينة وحولها، وفي ظل استبعاد واشنطن القيام بعملية برية وصفت تركيا أي توقع لقيامها بعملية برية منفردة عبر الحدود بالأمر غير الواقعي، وقال قائد المقاتلين الأكراد الأقل تسليحا الذين يدافعون عن المدينة إن مقاتلي الدولة الاسلامية يسيطرون على منطقة أصغر قليلا من ثلث المدينة معترفا أن المقاتلين الإسلاميين حققوا مكاسب كبيرة مع وصول المعارك المستمرة منذ ثلاثة أسابيع إلى ذروتها والتي أدت إلى أسوأ اشتباكات شوارع على الجانب الآخر من الحدود بين الشرطة التركية ومتظاهرين أكراد في جنوب شرق تركيا.

وقال المرصد السوري الذي يتابع الحرب الأهلية السورية إن الاشتباكات استمرت بينما حاولت قوات تنظيم الدولة الاسلامية التقدم، وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد "يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على أكثر من ثلث كوباني، كل المناطق الشرقية وجزء صغير من الشمال الشرقي ومنطقة في الجنوب الشرقي" مستخدما الاسم السابق للدولة الإسلامية، وقال عصمت الشيخ قائد الميليشيا الكردية المسلحة إن مقاتلي الدولة الاسلامية استولوا على ربع المدينة تقريبا لجهة الشرق، وقال من المدينة "الاشتباكات مستمرة، إنها حرب شوارع"، وتردد دوي انفجار على الجانب الغربي من المدينة ذات الأغلبية الكردية وأمكن رؤية سحابة دخان سوداء قاتمة بوضوح من الحدود التركية التي تبعد كيلومترات قليلة. بحسب رويترز.

ورفعت الدولة الاسلامية رايتها السوداء داخل المدينة في حين سقط مقذوف بالخطأ على الجانب التركي من الحدود بينما كان يسمع بوضوح صوت الطائرات المقاتلة وهي تحلق فوق المنطقة وأزيز الرصاص العشوائي الذي يطلق من المدينة المحاصرة، وقالت الأمم المتحدة إن بضع مئات من السكان لا يزالون في كوباني غير أن المقاتلين الأكراد يؤكدون إن المعارك ستنتهي بمجزرة في حال انتصار الدولة الإسلامية وتمنح المقاتلين المتشددين موقعا عسكريا على الحدود مع تركيا، وقال الأكراد إن واشنطن تمنحهم دعما رمزيا فقط عبر غاراتها الجوية التي تتركز أكثر في العراق حيث تتعاون الولايات المتحدة هناك مع الجيش العراقي، وفي الوقت نفسه تقف الدبابات التركية التي أرسلت للجبهة ساكنة دون حراك، وهون وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من إمكانية تدخل هذه القوات لمساعدة كوباني.

وقال جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس شتولتنبرج "من غير الواقعي انتظار أن تقوم تركيا بعملية برية منفردة، نجري محادثات، وبمجرد التوصل لقرار مشترك لن تتردد تركيا في القيام بدورها"، وطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا لمنع طائرات النظام المقاتلة من الطيران فوق المناطق السورية بالقرب من الحدود التركية وانشاء منطقة آمنة تسمح لنحو 1.5 مليون لاجئ سوري بالعودة من تركيا إلى بلادهم، لكن شتولتنبرج قال إن الحلف لم يناقش إقامة منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة داخل سوريا وهو اقتراح طرحته تركيا.

وقتل 21 شخصا في اسطنبول وأنقرة وفي جنوب شرق تركيا حيث يتركز الأكراد في اشتباكات بين قوات الأمن والأكراد المطالبين بأن تقوم الحكومة التركية بالمزيد من الخطوات من أجل حماية كوباني، وفي واشنطن قال البنتاجون إن ثمة حدودا لما يمكن أن تفعله غارات التحالف في سوريا قبل أن تصبح قوات المعارضة السورية المعتدلة قوية بما يكفي لصد الدولة الاسلامية، واستولت الدولة الإسلامية على أراض واسعة في العراق المجاور حيث تركز الولايات المتحدة غاراتها على المسلحين، واستبعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما احتمال إرسال قوات برية في مهمة قتالية هناك، وفي تركيا هددت تداعيات الحرب في سوريا والعراق بتقويض عملية السلام بين الأكراد والدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، وفي أعقاب أعمال العنف التي اندلعت ساد الهدوء الشوارع مع فرض السلطات التركية حظر تجول في خمسة اقاليم في جنوب شرق البلاد وهي قيود لم تفرض منذ التسعينيات عندما كانت لا تزال قوات حزب العمال الكردستاني تقاتل الجيش التركي في المنطقة.

وتسيطر شكوك قديمة العهد في أنقرة حيال جدية الأكراد في المضي في عملية السلام الأمر الذي يضعها في موقف صعب بينما تحاول إنهاء 30 عاما من الصراع مع حزب العمال الكردستاني، وطلب القادة الأكراد السوريون من أنقرة المساعدة في إنشاء ممر يسمح بدخول المساعدات وربما الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود إلى كوباني غير أن أنقرة تتردد حتى الساعة في الرد بإيجابية، وقالت مصادر كردية إن صالح مسلم وهو أحد قادة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا التقى مسؤولين أتراكا لكن اللقاء لم يكن مثمرا، وأغضب حزب الاتحاد الديمقراطي تركيا في العام الماضي عندما أنشأ إدارة انتقالية في شمال شرق سوريا بعد أن خسر الرئيس السوري بشار الأسد السيطرة على المنطقة في الوقت الذي تريد فيه أنقرة من القادة الأكراد أن يتراجعوا عن الحكم الذاتي الذي أعلنوه من طرف واحد.

كما شعرت تركيا بالانزعاج من تردد الأكراد في الانضمام إلى معارضة الأسد، وقالت آسيا عبد الله إحدى قادة الحزب الكردي إن "هذا المطلب ليس مقبولا بالنسبة إلى الأكراد"، وأضافت "قلنا لتركيا إنه من غير الممكن أن نتراجع خطوة إلى الوراء"، وعلى الجانب الآخر من الجبهة بالقرب من كوباني قال فردي (21 عاما) وهو طالب من مقاطعة تونجلي التركية الشرقية إنه في حال سقطت كوباني سيمتد الصراع إلى تركيا، وقال وهو يقف بين مجموعة من الأشخاص في الحقول يراقبون الدخان وهو يتصاعد من غرب كوباني "في الواقع سبق أن امتد إلى هنا"، واستخدمت الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في بلدة سروج الحدودية في حين أشعلت قنبلة مولوتوف حريقا في أحد المنازل وأغلقت المتاجر أبوابها في مظهر تقليدي من مظاهر الاعتراض على السلطات الرسمية.

القتال حتى الموت

فيما تعهد مقاتلون أكراد بالمضي في جهودهم للدفاع عن بلدة كوباني الحدودية السورية في مواجهة مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية الذين يتقدمون من ثلاثة جوانب ويقصفونهم بالمدفعية الثقيلة، ويحارب التنظيم المتشدد للسيطرة على البلدة ذات الأغلبية الكردية مما أدى إلى لجوء 180 ألف شخص إلى تركيا، وفشلت غارات جوية لطائرات حربية أمريكية وخليجية في وقف تقدم الاسلاميين الذين تقدموا صوب مشارف البلدة ويقاتلون للسيطرة على تلة استراتيجية في مواجهة مقاومة شرسة، ورغم القتال العنيف مع تساقط قذائف المورتر بغزارة على مناطق سكنية في كوباني ورغم النيران الطائشة على الأراضي التركية شاهد صحفي  نحو 30 شخصا يعبرون من تركيا للمساعدة فيما يبدو في الدفاع عن البلدة.

وقال عصمت الشيخ رئيس هيئة الدفاع في كوباني عبر الهاتف إن القتال ما زال مستمرا وإن مسلحي الدولة الاسلامية يطلقون أيضا قذائف المورتر على وسط البلدة لكن المقاتلين الأكراد مسلحين بالأسلحة الخفيفة، وأضاف وسط دوي أصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة من الجانب الشرقي للبلدة "إذا دخلوا كوباني ستكون مقبرة، مقبرة لنا ولهم ولن نسمح لهم بالدخول ونحن أحياء، مستحيل أن ننسحب، مستحيل هذا خط أحمر بالنسبة لنا، لن نطلع إما نموت أو نربح"، وقال اسماعيل اسكين وهو صحفي في البلدة إن معنويات المقاتلين ما زالت مرتفعة "لأن الناس يدافعون عن ترابهم"، وأضاف "لن يدعوا (الدولة الاسلامية) تحتل كوباني".

ترغب الدولة الاسلامية في السيطرة على كوباني لتعزيز اجتياحها المباغت لشمال العراق وسوريا وتطبيق تفسيرها المتشدد للاسلام والذي أحدث صدمة في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأثار ضرب الأعناق والقتل الجماعي والتعذيب الذعر من التنظيم في المنطقة حيث تخلو القرى من سكانها مع اقتراب شاحنات ترفع العلم الأسود للدولة الاسلامية، وقالت جماعة مراقبة ومصادر محلية إن مقاتلة كردية قرب كوباني فجرت نفسها بعدما نفدت الذخيرة منها حتى لا تأسرها الدولة الاسلامية، وقال باور محمد علي وهو مترجم لدى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي داخل كوباني "يملكون الذخيرة لكنها قليلة جدا، يناشد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي القوى الأجنبية توفير الذخيرة لأن (الدولة الاسلامية) تستخدم الأسلحة الثقيلة".

ونشر التنظيم المتشدد لقطات فيديو أمس تظهر مقاتليه يسيطرون فيما يبدو على أبراج بث على تل ميستانور المطل على كل البلدة ما سيمنحهم أفضلية في القتال، وقال علي إن القتال للسيطرة على ميستانور ما زال مستمرا ونفى تقارير بأن مقاتلي الدولة الاسلامية يجوبون شوارع كوباني، وأضاف أن المقاتلين الأكراد يصدونهم لكن الوضع في البلدة التي انقطعت امدادات المياه والكهرباء عنها يزداد سوءا، وتستقبل مستشفيات تركية أعدادا مطردة من المقاتلين الأكراد الجرحى، وقال شهود فروا من كوباني إنه تم توزيع قنابل يدوية على السيدات كبار السن لرميها كما أعطيت الشابات اللاتي لا يملكن خبرة قتالية أسلحة وأرسلن إلى جبهات القتال. بحسب رويترز.

وحصل الأكراد في كوباني على القليل من المساعدة من الخارج، ووفرت تركيا المأوى لمعظم لاجئي المنطقة ويعالج الأطباء الأتراك المصابين لكن أنقرة لم تلمح إلى أنها قد تنضم إلى قتال الدولة الاسلامية، وتعهد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالرد إذا هاجمت الدولة الاسلامية القوات التركية وانتشرت دبابات تركية على طول الحدود للمرة الثانية خلال أسبوع ووجهت مدافعها صوب سوريا ردا فيما يبدو على نيران طائشة عبرت الحدود، لكن الافراج عن 46 رهينة تركية بعدما احتجزتهم الدولة الاسلامية وتجديد البرلمان التركي لتفويض يسمح للقوات التركية بعبور الحدود إلى سوريا والعراق أثارا تكهنات بأن أنقرة ربما تخطط للقيام بدور أكبر، وحسابات تركية معقدة.

حاربت أنقرة لمدة ثلاثة عقود تمردا مسلحا لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يطالبون بحكم ذاتي أكبر في جنوب شرق تركيا، ويقول المحللون إن تركيا تخشى مساعدة المقاتلين الأكراد السوريين قرب كوباني لأن لهم صلات قوية بحزب العمال الكردستاني كما تربطهم علاقة غامضة بالرئيس السوري بشار الأسد الذي تدعو تركيا إلى الاطاحة به، وعلى الطرف الآخر يحذر زعماء الأكراد في تركيا من أن السماح بطرد الأكراد السوريين من كوباني سيضع نهاية لمسعى اردوغان للتفاوض بهدف انهاء تمرد الأكراد ونزع سلاح حزب العمال الكردستاني نهائيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/تشرين الأول/2014 - 17/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م