إدارة الأزمات والتفكير في الحلول

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: لمجرد أن تحتوشنا الازمات والمشاكل، في محيطنا الصغير (العائلة)، أو الكبير (المجتمع)، او على صعيد العمل والعلاقات العامة وغيرها، بل حتى على صعيد النظام السياسي الحاكم، حتى نلجأ فوراً الى الحل او قارب النجاة الذي يوصلنا الى بر الأمان ويخرجنا مما فيه، وهي مسألة تبدو طبيعية وفطرية لا غبار عليها، بيد أن المشكلة الجديدة في مدى نجاح هذا الحل او الحلول المطروحة، وهل تكون بالفعل طريقاً الى النجاة والاستقرار؟ أم تكون لها نتائج عكسية عندما تكون غير مدروسة ولا  حكيمة ولا واقعية، إنما المهم لدى البعض المحاولة لتحقيق الأدنى من الحلول وإن كانت ترقيعية..! بينما الرؤية الحضارية تشير الى نور ساطع على درب مستقيم طويل يؤدي الى النجاة والاستقرار وما يطمح اليه الانسان في البناء والإصلاح والتقدم، لكنه بحاجة الى غير قليل من التروي وطول أناة وصبر جميل وصدر رحب، كل ذلك يصبّ في فنّ الإدارة، وتحديداً إدارة الازمات والمشاكل.

ومن اجل الاستضاءة في هذا الطريق – وما أحوجنا في هذه البرهة  الزمنية- من الجدير مطالعة كتاب "نحو ادارة ناجحة" لسماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- وهو يقدم لنا اضاءة للكيفية التي تتم من خلالها التخلّص من المشاكل والازمات بمختلف اشكالها، استناداً الى تجارب ثرية وعملية في الوقت ذاته. فيؤكد أن الخطوة الاولى امام المشاكل والازمات، في ادارتها و "مداراة الناس" قبل التفكير في المواجهة والحل بالقوة او الترقيع.

قبسٌ من نهج الرسول (ص)

ولنا في رسول الله أسوة حسنة.. أليس كذلك..؟

جميعنا يعرف طبيعة المجتمع الذي عاش فيه الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، وهو يصدح بالرسالة السماوية السمحاء التي تعطي اكثر مما تأخذ للانسانية، بالمقابل كان هنالك  الجهل والكفر والنفاق والظلم وحزمة من العادات والتقاليد السيئة. فما كان رد فعل النبي إزاء أزمة انسانية واخلاقية وعقائدية في المجتمع العربي آنذاك..؟

تقول المصادر التاريخية وكتب السير أن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، كان يستثمر موسم اجتماع الناس عند بيت الله الحرام لعرض رسالته عليهم، فكان يطلب من الناس الحديث اليهم وعرض رسالته بما تحمل من قيم ومبادئ تصب كلها في مصلحة الانسان، وجاء في كتاب سماحة الامام الشيرازي، أنه بهذه الطريقة تعرف عليه "الخزرج" قبل الهجرة الى المدينة، وربما كانت النبتة الصالحة والمباركة لأن يهتدوا الى الطريق وينهوا صراعاً دموياً مع قبيلة "الأوس" دامت سنين طوال.

هذا فضلاً عما لاقاه النبي من سوء التعامل من المجتمع المكّي، وبدرجة أقل المجتمع المدني، فانه في كل الاحوال والظروف كان ملتزماً مبدأ المداراة والمسايرة لتحقيق الهدف والغاية الأسمى. يقول سماحته في كتابه: "..وقد قام رسول الله، صلى الله عليه وآله في السنة الأولى من الهجرة بوضع "صحيفة" لتنظيم حياة المسلمين في كافة جوانبها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وهذا العمل هو من الأعمال الإدارية المهمة التي قام به الرسول الأكرم، وتعتبر اللبنة الأولى لدستور الدولة الإسلامية، فبعدما آخى بين المهاجرين والأنصار، وضع هذه الصحيفة، التي توضحت فيها العلاقات فيما بين المسلمين أنفسهم، و وضّح شكل العلاقة ومكانة اليهود وغير المسلمين في المدينة وما جاورها، فوادع اليهود في هذا الكتاب وأقرهم على دينهم وأموالهم، وفق الشروط والضوابط المبينة في الصحيفة والمتفق عليها بين الطرفين".

وعندما نتحدث عن سر عظمة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في تمكنه من تغيير ذلك المجتمع الجاهلي الفضّ، يجب ان نتذكر دائماً نهج المداراة في التعامل مع الظواهر السلبية التي تصدر من هذا وذاك، وعدّها امور طبيعية ونزعات انسانية، إلا بعض التصرفات الشاذة الناشئة عن حالات نفسية خاصة تخلق صفات مثل النفاق والازدواجية وغيرها. وإلا فان الغالبية العظمى من الناس، وبغض النظر عن سلوكهم ومتبنياتهم وطريقة حياتهم، فانهم محبون للفضيلة والخير، ويبغضون الخيانة والكذب والغدر وكل الصفاة الذميمة التي تنبذها الفطرة الانسانية السليمة. وهذا تحديداً ما سلّط عليه الضوء النبي الأكرم خلال ادارته مشاكل وازمات المجتمع آنذاك، وايضاً يشير اليها سماحة الامام الشيرازي – قدس سره- في هذا الكتاب بل في مجمل مؤلفاته واحاديثه حول الوضع الاجتماعي وسبل معالجة مشاكله وازماته.

الطريق الى النجاح

هنالك عوامل وشروط عديدة لأن تكون عندنا إدارة ناجحة في المجالات كافة يذكرها سماحة الامام الشيرازي في كتابه، ويذكر منها عاملان، ربما نستفيد نحن منهما لتحقيق النجاح في ادارة الازمات والمشاكل التي تحيط بنا:

أولاً: العلم

يقول سماحته: "إن الشخص المدير للمؤسسة يلزم أن يتمتع بخلفية علمية واسعة فيما يتعلق بشؤون مؤسسته وكيفية إدارتها، فمثلاً: المدرّس الذي لم يصل للمستوى العلمي المطلوب، لا يمكنه أن يدير حلقة الدرس، فتلاحظ أن تدريسه يفشل، ويدخل في إحراجات مختلفة، وكذلك السائق الذي يقود السيارة يجب أن يملك مهارة كافية في فن السياقة وعوامل الصيانة والإدامة فيها، وإلا فإدارته للسيارة فاشلة، وهكذا في سائر الأمور. قال أمير المؤمنين، عليه السلام، "العلم رشد لمن عمل به".

واذا نلاحظ عدم وجود الحلول الناجعة لكثير  المشاكل والازمات، فمردّها الى الارتجالية والسطحية، بسبب عدم وجود الحالة العلمية والتخصصية التي تحدد المشكلة وتعالجها بشكل دقيق. هل لاحظنا العمليات الجراحية..؟! ان أي خطأ بسيط من الطبيب المختص اثناء العملية ربما يودي بحياة المريض المسجّى امامه. فحتى الاختصاص الدقيق والعلم الذي يحمله بعض الاطباء، تحصل الاخطاء القاتلة – احياناً- فما بالنا وأن معظم اصحاب الحلول والمنظرين لها من غير الاختصاص، إنما ينبرون الى الواجهة طمعاً بمكسب او حب للظهور وتحقيق لمصالح شخصية.

ثانياً: الإخلاص

إنه خصلة وصفة تنمو في النفس وبحاجة الى رعاية مستمرة ودقيقة، قال أمير المؤمنين: "خير العمل ما صحبه الاخلاص". وقال ايضاً: "آفة العمل ترك الاخلاص".

فما اكثر الحلول لازماتنا..! وما أقل النتائج والثمار، إن لم نقل النتائج السيئة والعكسية، مثل تكريس الواقع المرير وزيادة حالات الفساد والفوضى وعدم احترام القانون وانتهاك القيم! لذا ياتي الاخلاص في العمل ليزيد من مصداقية الادارة في تطويق المشاكل والازمات وحلها، وهذا يحفّز الناس على المشاركة والتضامن لانجاح هذه الادارة، سواء تمثلت في موظف بسيط او ضباط شرطة او مدير عام او في رئيس وزراء ايضاً.

ان دول مثل العراق ومصر وسوريا وغيرها من البلاد الاسلامية تعجّ بالازمات الخانقة مما يجعل الجميع في حالة استغاثة مريرة لايجاد الحل السريع على شكل حبل انقاذ من الهلاك والضياع. بيد ان في الوقت ذاته تقع المسؤولية على النخبة المثقفة والمسؤولين الحكوميين في الدولة لأن يتدبروا الامر ويفكروا في ادارة الازمة ومداراتها الى جانب وضع الحلول والمخارج السريعة لتكون النتيجة أضمن للنجاح على المدى  البعيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/تشرين الأول/2014 - 14/ذو الحجة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م