ملاحظات في المنهج التربوي والدراسي

 

شبكة النبأ: أخطاء الماضي يمكن تقليصها في الواقع الراهن، من خلال تصحيحها، فالاخفاق في المنهج الدراسي او التربوي في هذا الجانب أو ذاك، ينبغي أن لا يستمر، ولابد من اجراء عملية تصحيح مستمرة و واسعة، تقوم على علمية المنهج التربوي، وقدرته على تحقيق الفائدة المطلوبة للدارسين في جميع المراحل، بدءا من الابتدائية والاعدادية والجامعية، وصولا الى الدراسات العليا، وطالما أن العملية التربوية في العراق تعاني من هفوات واضحة، كان لها الاثر الكبير على تدني مستويات التعليم والتربية، في هذا البلد العريق، فإن الامر يستدعي التصحيح العلمي المستمر، علما أن الاخطاء ليست من النوع المستعصي، بل هي سهلة الحل والتصحيح، ولكن الامر يتطلب ارادة في التخطيط الاختصاصي وفي التنفيذ السليم، مع تحييد النظام الاداري البيروقراطي، الذي يعمل على اعاقة التصحيح بقوة، بسبب تمسك منظومة العمل البيروقراطي بنهجهم المنحرف، الذي يجلب لهم المنافع والاموال، بسبب حالات الفساد المالي والاداري، التي غالبا ما تجعل من المشاريع التربوية، اما وهمية واما تبقى على النصف من حيث التشييد، أو أنها تنفذ بطرق رديئة جدا من اجل الاستحواذ على الاموال المخصصة للمشاريع التربوية والتعليمية.

ولعل اخطر ما تتعرض اليه العملية التربوية تلك الاساليب النمطية في التعليم، حيث تعجز عن انتاج الطلبة المبدعين المبتكرين، بسبب آلية التعليم التي تراوح في مكانها منذ عشرات السنين، اذن لا يتعلق الامر فقط بالجانب المادي ونقص البنى الانسائية وسواها، بل هناك نقص في الجانب التعليمي التربوي النمطي نفسه!.

يقول الكاتب ثابت واصل في مقال له حول التعليم في العراق (تعودت الاجيال الحديثة من الطلاب والتلاميذ في العراق كثيراً على ان يفكر لها اخرون في كل ما يتعلق بحياتها ومستقبلها وشؤونها، وما عليها الا السمع والطاعة، وقد شكلت نفسية التلقي عقلية غير قادرة على النقاش والاقناع، ففي التربية والتعليم، وفي جوانب الحياة المختلفة عموماً كثيراً ما يكون هناك مرسل ومتلق، وغياب واضح للتفاعل والشورى، والحوار المتكافئ، وفشلت تلك التربية في تحقيق احد الاهداف الرئيسية في التعليم، وهو ايجاد الملكات النقدية والفكر المستقل، وقد ربطه بعض الباحثين بظاهرة السلطوية، ومنها البعد الاداري في معالجة مشاكل التربية والتعليم في العراق).

ومن المشاكل التي نجدها حاضرة في التربية والتعليم ايضا، ضعف الانسجام بين الكادر التربوي التعليمي نفسه، بمعنى ليس المدارس والبنايات والمنشآت هي سبب سوء التعليم فقط، هي احد الاسباب نعم، ولكن هناك اسباب جوهرية ليست مادية يجب معالجتها، منها على سبيل المثال العلاقة بين المشرف التربوي والمعلم او التدريسي، حيث تسود بينهما علاقة يعتريها الخطأ غالبا لاسيما يتعلق بفرض السلطة على الآخر، يقول الكاتب المذكور نفسه في هذا المجال: (الاشراف التربوي كثيراً ما يمارس كعملية سلطوية مزاجية تفتيشية تهدف الى تخويف المعلم واحراجه، واظهار نقاط ضعفه، ويشعر المشرفون بان المعلم غير متحمس لزيارتهم، ولا يثق بما يقدموه له من ملاحظات، وكان هناك حرباً باردة بين الطرفين. لذلك فأن التقارير التي يعدها المشرفون التربويون بعد زياراتهم انطباعية، وليست ملائمة من حيث دقتها وشموليتها لتكون اساسا لتطوير عملية التعليم، كما انها تفتقر الى الموضوعية، فهي تتصف بالسلبية والنقد اللاعلمي. ان عجز الاشراف التربوي بشكل عام عن تحقيق اهدافه يعود الى اسباب كثيرة يقف على رأسها اعتماده على السلطوية المتمثلة بضعف العلاقة بين المشرف والمعلم، وقيامها على التحكم والخضوع بدلاً من التعاون والتفاعل والثقة المتبادلة).

هكذا تتضح لنا الكثير من اشكاليات العلاقة بين الكوادر التدريسية نفسها، وثمة اخطاء اخرى تتعلق بالمناهج وطرق التدريس ومنح الطلاب الثقة اللازمة، لكي تتم عملية التدريس والاستيعاب على نحو متوازن وناجح في آن.

بالاضافة الى هذا كله عملية السيطرة على سلوك الطلاب، لاسيما انهم مراهقون يحتاجون الى دراية وخبرة في التعامل معهم بسبب المرحلة العمرية الحرجة التي يمرون بها، كذلك بالنسبة لطلبة الابتدائية الصغار ودخولهم عالم المدرسة الجديد، إنهم حتما يرهبون هذا العالم، لذا نحتاج الى المعلم الذي يزرع الامان والقبول بالعالم الجديد من لدن الطالب الطفل.

لهذا تتعلق قضية التعليم ايضا بكيفية ادارة الصف من لدن التدريسي، أو المعلم الذي سينجح في مهمته هذه تبعا لادارته للصف، ونوع العلاقة مع طلابه، إذ يمكن أن نعرف ادارة الصف بانها تلك الاجراءات التي يتخذها المعلم لزيادة التفاعل مع الطلاب، ومشاركتهم وتعاونهم في النشاطات الصفية وايجاد بيئة تعليمية منتجة فعالة.

وهكذا لابد من جعل بداية العام الدراسي محفزا لتصحيح الاخطاء المادية والنظرية بكل جوانبها، ولا يتحقق هذا في يوم وليلة، ولا تكفيه سنة او سنتين، ولكن الشروع بالتصحيح بتخطيط مسبق سيؤدي الى النتيجة المبتغاة، لأننا نؤمن جميعا بأن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آيلول/2014 - 21/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م