حوثيو اليمن والتراكمات الطائفية تطفو على سطح الصراعات الاقليمية

 

شبكة النبأ: يرى محللون ان التراكمات الطائفية التي مارسها النظام السابق "بقيادة الرئيس المتنحي علي عبد الله صالح" في اليمن، والذي انهار اثر ثورة شعبية عارمة تزامنت مع قيام الربيع العربي عام 2011 في عدد من دول العالم العربي، قد اسهمت بشكل كبير في الارهاصات الحالية، وان التركة المذهبية الثقيلة، والتي فشل الساسة الحاليون في ايجاد مخرج وطني شامل لها، هي اخطر العوامل التي تهدد استقرار اليمن، وربما تنذر بحرب اهلية واسعة النطاق، في حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه.

وتكررت في الآونة الاخيرة العديد من الصراعات التي اصطبغت بلون الطائفية والمذهبية، في بلد يعد الافقر من بين دول العالم، اضافة الى انتشار عناصر تنظيم القاعدة في اليمن واتخاذها كمقر رئيسي لهم.

ويطالب الحوثيون الجماعة المتمركزة في صعدة، شمالاً (أنشئ كتنظيم عام 1992 على يد حسين بدر الحوثي، الذي قتلته القوات الحكومية منتصف عام 2004، ليشهد اليمن بعدها 6 حروب، بين عامي 2004 و2010)، بإصلاحات حكومية حقيقية، بعد ان همشوا على يد النظام السابق، بحسب تصريحاتهم.

وتسيطر الارادات الاقليمية بشكل واضح على الاطراف المتصارعة، سيما وان اليمن بموقعها الاستراتيجية المهم تجاور السعودية وثروتها النفطية الكبيرة، فيما تتوالى الاتهامات من جانب الحكومة الحالية، باتهام ايران بالوقوف وراء الحركات الاحتجاجية الحالية من جانب حركة انصار الله (الحوثيين).

وواصلت الحكومة اليمنية والحوثيون المحادثات لإنهاء أزمة شهدت احتجاجات في العاصمة استمرت عدة اسابيع وكانت في بعض الاوقات دامية بعد ان قدم الجانبان روايات متضاربة بشأن التقدم في المفاوضات، ويخوض الحوثيون (وهم من الشيعة الزيدية) صراعا منذ عشر سنوات مع الحكومة المركزية في صنعاء التي يغلب على سكانها السنة ويقاتلون من اجل السيطرة على مزيد من الاراضي في الشمال، وفي الاسابيع الماضية استغلوا قرارا لا يحظى بشعبية اصدرته الحكومة يقضي بإلغاء دعم الوقود في القيام باحتجاجات في العاصمة صنعاء، وتحولت هذه الاحتجاجات الى العنف مع مقتل اربعة من المحتجين الشيعة. بحسب رويترز.

ويغلق المحتجون الحوثيون الطريق الرئيسي إلى مطار صنعاء كما يعتصمون منذ أسابيع عند وزارات في محاولة للإطاحة بالحكومة وإعادة دعم الوقود، وفي وقت سابق قال عضو في فريق التفاوض الحكومي اليمني إن الجانبين وقعا اتفاقا يشمل خفضا آخر في أسعار الوقود وتشكيل حكومة جديدة لانهاء الازمة، وقال موقع وزارة الدفاع على الإنترنت إن هناك انفراجة سياسية وشيكة فيما قال عضو في فريق المفاوضين الحوثيين انه متفائل بشأن تحقيق انفراجة، لكن محمد عبد السلام وهو متحدث باسم الحوثيين قال عبر صفحته على فيسبوك "حتى الآن لم نصل بعد إلى اتفاق نهائي أو التوقيع عليه والتواصلات ما زالت مستمرة".

في سياق متصل  قال عبد الملك الحجري عضو المكتب السياسي للحوثيين دون ان يخوض في تفاصيل انه تم الاتفاق على القضايا الاساسية وتتبقى قضايا صغيرة يتعين تسويتها، وقال مصدر دبلوماسي في صنعاء ان الجانبين بعيدين عن التوصل الى اتفاق، وقال المصدر "لم يوقع شيء حتى الان ولم يتم الاتفاق على شيء، توجد أفكار يتم تداولها، ولاسباب سياسية يحاول كل جانب ان يقول ان المفاوضات مستمرة، انها وسيلة لتهدئة الاعصاب".

واستقرار اليمن له أولوية في الولايات المتحدة ولدى الحلفاء العرب الخليجيين بسبب موقعه الاستراتيجي بجوار السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقربه من الممرات الملاحية التي تمر بخليج عدن، والتمرد الحوثي واحد من عدة تحديات أمنية في بلد يتخذ منه تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مقرا، وفي عمران وهي بلدة قريبة من العاصمة يسيطر عليها الحوثيون قال الحوثيون في موقعهم على الانترنت إن ثلاثة انفجارات أسفرت عن مقتل ثمانية مدنيين وإصابة 12 آخرين، وفي وقت سابق من الشهر الحالي عرض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اتفاقا أعلن فيه خفض اسعار الوقود بنحو 30 في المئة ودعا فيه الحوثيين الى الانضمام الى حكومة وحدة جديدة وهو اتفاق وسط شامل رفضه الحوثيون الذين يريدون اعادة الدعم بالكامل، ويدور قتال متقطع في الشمال منذ شهور بين الحوثيين وقبائل مدعومة من صنعاء.

مواجهة المتظاهرين

فقد قالت مصادر طبية إن جنودا يمنيين فتحوا النار على محتجين شيعة بينما كانوا يحاولون اقتحام مبنى مجلس الوزراء بالعاصمة صنعاء وقتلوا أربعة منهم على الأقل، وقال النشطاء المناهضون للحكومة والموالون للحوثيين إن العشرات جرحوا في اليوم الأكثر دموية من التظاهرات التي اجتاحت صنعاء منذ أسابيع وقد تتحول إلى صراع صريح، وقال مصدر أمني رفض الكشف عن هويته إن المتظاهرين "حاولوا بالقوة اقتحام مقر الحكومة ولكن قوات الأمن التي تحرسه قامت بواجبها لإيقافهم"، وقطع المتظاهرون الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار صنعاء ونظموا اعتصامات لأسابيع في الوزارات في محاولة لاسقاط الحكومة واعادة الدعم للوقود.

ويتهم الحوثيون الحكومة بالفساد في حين يقول منتقدوهم انهم يحاولون الاستيلاء على السلطة واقتطاع دولة مستقلة لهم في شمال اليمن وهي تهمة ينفونها، وفي الوقت الذي كان النشطاء المؤيدون لهم يقودون التظاهرات في العاصمة تعرض الحوثيون المسلحون في الأيام الثلاثة الماضية لغارات جوية نفذتها القوات الحكومية في محافظة الجوف في شمال البلاد، وتوعد طرفا النزاع بالاستمرار في المواجهة وقال مركز أبحاث مجموعة الأزمة الدولية "عملية انتقال السلطة في اليمن تقف عند منعطف أخطر من أي وقت مضى منذ عام 2011" عندما اطاحت تظاهرات كبيرة بالرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وتدهور الوضع الامني إلى حد كبير في انحاء البلاد.

وقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي خلال اجتماع استثنائي للجنة الأمنية العليا إن "الحوثيين لا يجوز ولا يمكن لجماعة الحوثي الاستمرار في التصعيد وإقلاق السكينة العامة وزعزعة الأمن والاستقرار في العاصمة ومحيطها ومختلف المناطق"، في حين قال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي إنهم باقون في أماكنهم ويرفضون التشكيك في نواياهم مضيفا ان الحل للازمة يكمن في الاستجابة بشكل كامل للمطالب الشعبية مشددا على جدية هذه المطالب، وعلى صعيد منفصل قال مصدر أمني محلي إن مقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة فجروا سيارة مفخخة عند حاجز للجيش اليمني في مقاطعة حضرموت في شرق البلاد تلاه اشتباك مسلح قتل فيه ثلاثة جنود وعشرة من المقاتلين المتشددين. بحسب رويترز.

واكد مصدر رسمي اقالة رئيس جهاز قوات الامن الخاصة الذي يعد الاقوى بين اجهزة وزارة الداخلية، وذلك في ظل تصعيد تحرك المتمردين الحوثيين الشيعة في الشارع واستمرارهم في اغلاق طريق المطار، وقال المصدر "تمت اقالة قائد قوات الامن الخاصة اللواء فضل القوسي وكلف اللواء محمد الغدرة بقيادة هذا الجهاز"، وقوات الامن الخاصة هي التي حاولت من دون نجاح فض اعتصام الحوثيين امام وزارة الداخلية واعادة فتح طريق المطار، الا ان الوضع يبدو هادئا نسبيا في منطقة الاعتصام الرئيسية، مع انتشار الشرطة في الجهة الجنوبية من المكان، واكد شهود عيان ان الحوثيين منعوا السيارات الحكومية من دخول صنعاء والخروج منها.

الاحتجاجات مستمرة

من جهتها ذكرت مصادر حكومية أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أقال حكومته واقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة الدعم على الوقود في محاولة لتهدئة احتجاجات الحوثيين المستمرة منذ أسابيع، لكن جماعة الحوثيين التي حشدت عشرات الآلاف من أنصارها في مخيمات نصبت قرب وزارة الداخلية في العاصمة صنعاء رفضت مقترحات هادي، وتثير الأزمة مخاوف من حدوث مزيد من القلاقل في اليمن الذي يواجه أيضا تمردا من جانب مقاتلي تنظيم القاعدة إضافة إلى تمرد انفصالي في الجنوب، ويطالب الحوثيون الشيعة باستقالة الحكومة وإعادة الدعم بالكامل، وهم يقاتلون منذ سنوات لحصول طائفتهم اليزيدية على سلطات أكبر في شمال اليمن. بحسب رويترز.

وكانت مصادر حكومية قد أبلغت أن هادي أقال الحكومة وأنه يقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية ويعتزم خفض أسعار البنزين والديزل بنسبة 30 في المئة متراجعا عن جانب من خفض الدعم على الوقود الذي أثر بقوة على خزانة الدولة، وصرح مصدر بالحكومة بأن تنفيذ المبادرة يتوقف على قبولها لدى الحوثيين، وأعلن محمد عبد السلام المتحدث باسم زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي رفض المقترحات في كلمة وضعها على صفحته بموقع فيسبوك على الانترنت وقال فيها "إن موقفنا ما زال إلى جانب الشعب اليمني الذي خرج في ثورته الشعبية المباركة ليطالب بحقوق مشروعة وعادلة، ونعتبر المحاولات التي تسعى إلى تمييع المطالب الشعبية هدفها الالتفاف على مطالب الشعب اليمني".

وقال عبد الملك الحجري عضو المكتب السياسي للحوثيين إن مطلبهم هو إلغاء الزيادة في سعر الوقود وإن خفض الزيادة لا يساوي شيئا، وخطوة الحكومة التالية غير واضحة بعد رفض الحوثيين للمقترحات لكن هادي لمح في كلمة ألقاها قبل الاجتماع الذي وقع فيه الاقتراح إلى أن صبره بدأ ينفد، وقال في الكلمة التي نقلها موقع وكالة الأنباء اليمنية "لن أسمح لأي عابث بأن يتهدد أمن الوطن واستقراره، كما أؤكد أنني سأتعامل بحزم مع أي محاولات لزعزعة الأمن وبث الفرقة"، وأشارت نسخة من مبادرة الرئيس اليمني إلى اعتزامه رفع الحد الأدنى للأجور وتخصيص مواقع وزارية للحوثيين وغيرهم مع الاحتفاظ بوزارة المالية والشؤون الخارجية والدفاع والداخلية.

ودعا زعيم التمرد الزيدي الشيعي في شمال اليمن عبدالملك الحوثي انصاره الى التصعيد وصولا الى العصيان المدني في اطار التحرك الذي اطلقه للمطالبة باسقاط الحكومة، وذلك بالرغم من الاتصالات السياسية لابعاد البلاد من على حافة الحرب الاهلي، كما انتقد الحوثي بيان مجلس الامن الذي دعا الحوثيين الى سحب المسلحين من صنعاء ومداخلها، معتبرا انه موقف يدعم الفساد في اليمن، وقال ان هذا البيان يتماشى مع السياسية لأميركية "التي تدعم الفساد وتقف إلى جانب الفساد وتدعم سياسة الإفقار والتجويع".

واعلن الحوثي في كلمة البدء في "المرحلة الثالثة" من التحرك الاحتجاجي، ودعا انصاره الى التحرك "في كل خطوة من خطوات المرحلة الثالثة والأخيرة لتصعيدنا الثوري والتي لها خطوات متدرجة كلها تندرج ويمكن أن يندرج معظمها في إطار العصيان المدني"، ودعا انصاره الى "تحرك جاد" يبدأ بالتظاهر في صنعاء متوعدا ب"خطوات حاسمة اذا لم يستجب الفاسدون"، وكان زعيم التمرد الحوثي اطلق في 18 اب/اغسطس تحركات احتجاجية تصاعدية في صنعاء للمطالبة باسقاط الحكومة والتراجع عن قرار رفع اسعار الوقود، وفشلت لجنة وساطة رئاسية حتى الآن في التوصل الى حل للازمة التي وضعت البلاد على شفير الحرب الاهلية، مع انتشار الاف المسلحين من انصار الحوثي عند مداخل صنعاء، فضلا عن اعتصامات داخل العاصمة.

الا ان الاتصالات السياسية مستمرة بحسب مصادر سياسية متطابقة فيما بات لدى لجنة رئاسية مكلفة بالتفاوض مع الحوثي افكارا مطروحة لحل الازمة، وابرزها تشكيل حكومة وحدة وطنية من كفاءات، ومراجعة قرار رفع اسعار الوقود، وتصاعد التوتر الطائفي في اليمن بشكل كبير كون الحوثيين ينتمون الى الطائفة الزيدية الشيعية فيما ينتمي خصومهم السياسيين في المقابل الى الطائفة السنية، وهم بشكل اساسي التجمع اليمني للإصلاح القريب من تيار الاخوان المسلمين، اضافة الى السلفيين والقبائل السنية او المتحالفة مع السنة، ويشكل السنة غالبية سكان البلاد، الا ان الزيديين يشكلون غالبية في مناطق الشمال، خصوصا في اقصى الشمال حيث معاقل الحوثيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/آيلول/2014 - 20/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م