روسيا وأمريكا... صراع مفتوح من الشرق الأوسط الى اوربا

 

شبكة النبأ: اختارت الولايات المتحدة الامريكية تصعيد المواجهة الاقتصادية والدبلوماسية مع روسيا، نتيجة للخلافات السياسية الحادة في عدة ملفات رئيسية في منطقة الشرق الأوسط واوربا، ويرى محللون، ان العلاقات التي ربطت الولايات المتحدة الامريكية وروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، واتسمت بالهدود والتعاون في مجالات اقتصادية وسياسية وصناعية، قد تغيرت بعد ازمة ضم شبه جزيرة القرم، وما تلتها من حركات انفصالية في أوكرانيا، تبادل فيها الطرفان (الروسي والامريكي، إضافة الى الاتحاد الأوربي) الاتهامات بشأن المسبب في اندلاع الازمة، خصوصا وان الولايات المتحدة حاولت منذ البداية، تحجيم الدور الروسي، ومنع أي طموحات توسعية قد يسعى اليها الرئيس الروسي بوتين، بحسب توجهات الإدارة الامريكية.

بالمقابل، فان روسيا التي عادت في زمن بوتين الى الواجهة السياسية والاقتصادية من جديد، لم تخفي تحديها المباشر للولايات المتحدة او الاتحاد الأوربي، فالعقوبات الاوربية والأمريكية قوبلت بعقوبات روسية متبادلة، فيما حاولت، كذلك، روسيا مواجه الولايات المتحدة الامريكية في أكثر من شأن إقليمي ودولي، وتمكنت، بحسب اراء الخبراء، من تحقيق نصر سياسي ودبلوماسي، ربما احرج الولايات المتحدة الامريكية، كما حدث في قضية الأسلحة الكيمياوية السورية، ومنع توجيه ضربة عسكرية أمريكية، كان أوباما قد توعد بها النظام السوري، واستخدامها لحق النقض (الفيتو) امام المشاريع الامريكية المتعلقة بإسقاط النظام السوري، إضافة الى اجراء الاستفتاء حول ضم القرم والموافقة عليه بصورة رسمية من قبل البرلمان الروسي.

ويبدو ان المواجهة بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، اقتصاديا ودبلوماسيا، أدت الى فتح الملفات القديمة، سيما العسكرية منها، بعد ان حاول الطرفين التشكيك في مدى احترام معاهدة 1987 للحد من التسلح، والتي انسحبت، أيضا، على امتناع فرنسا تسليم حاملتي طائرات لروسيا بموجب عقد بين البلدين كنوع من الضغط الجماعي الممارس ضدها.

لكن، وكما يرى محللين سياسيين، ان المواجهة الأكبر بين الطرفين، ربما ستكون في الشرق الأوسط، وفي سوريا تحديدا، بعد ان أجاز أوباما توجيه ضربات جوية، لاستهداف تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش) داخل الأراضي السورية، من دون الرجوع الى النظام السوري، الامر الذي تعتبره روسيا خط احمر، والذي عبرت عنه بانه انتهاك جسيما للقانون الدولي، وبمثابه عدوان على سيادة دولة أخرى.

حرب كلامية

فقد اندلعت حرب كلامية بين اوكرانيا وروسيا اكدت فيها كييف ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد "ازالة" البلاد، في حين اتهمت موسكو واشنطن بتاجيج النزاع في الشرق الانفصالي الموالي لروسيا حيث تجددت المعارك، وشن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هجوما شديد اللهجة على الولايات المتحدة متهما اياها بالسعي الى "اضعاف روسيا وعزلها" وقطع العلاقات الاقتصادية بين موسكو والاتحاد الاوروبي بذريعة الازمة الأوكرانية، وتاتي اتهامات لافروف غداة بدء تطبيق العقوبات الاميركية الجديدة التي تطاول اكبر بنك روسي عام سبيربنك اضافة الى مجموعتي غازبروم ولوك اويل، في موازاة مزيد من الاجراءات الاوروبية بحق الاقتصاد الروسي.

واعتبر لافروف ان "واشنطن اثبتت مرارا ان غايتها هي تصعيد هذه الازمة اقصى ما يمكن بهدف استخدام اوكرانيا كاداة في محاولتها الجديدة لعزل روسيا واضعافها"، مؤكدا ان "المتطرفين" في السلطة الاوكرانية الذين يرفضون الحوار مع الانفصاليين يحظون ب"ضوء اخضر" من الولايات المتحدة، ميدانيا، اعلنت اوكرانيا انها صدت هجوما للمتمردين على مطار دونيتسك وتحدث مراسل عن تبادل الجانبين لقصف عنيف في مدينة ماكييفكا القريبة من دونيتسك، معقل المتمردين، وهذا الهجوم الذي استهدف موقعا استراتيجيا يعتبر اكبر انتهاك لوقف اطلاق النار الذي وقع قبل ثمانية ايام بين كييف والمتمردين الموالين لروسيا. بحسب فرانس برس.

وقتل جندي مؤخرا ما يرفع الى ستة عدد القتلى في صفوف الاوكرانيين منذ التهدئة، بحسب ما اعلن المتحدث العسكري الاوكراني اندريه ليسينكو، وفي هذا الوقت، وصلت قافلة انسانية روسية الى معقل المتمردين الاخر في لوغانسك، بحسب الوكالات الروسية، ولكن اذا كان ارسال المساعدة الانسانية الى مناطق شرق اوكرانيا قد لحظه اتفاق وقف اطلاق النار الذي شاركت روسيا ومنظمة الامن والتعاون في اوروبا في توقيعه، فان دخول هذه القوافل الروسية لمناطق الانفصاليين يشكل ورقة ضغط على اوكرانيا.

وفي نهاية اب/اغسطس، وصفت كييف دخول اول قافلة مساعدات روسية لتلك المناطق بانه "تدخل مباشر" وخصوصا انه لم ينل موافقتها ولا موافقة الصليب الأحمر، واعلنت هيئة اركان العمليات في شرق اوكرانيا ان "العديد من المتمردين مدعومين بست دبابات شنوا هجوما على مطار دونيتسك قام الجنود بصده"، ولاحقا، اطلق المتمردون نيرانهم على مواقع القوات الاوكرانية التي تسيطر على المطار وفق المصدر نفسه، وفي كييف، واعتبر رئيس الوزراء الاوكراني ارسيني ياتسينيوك ان زعزعة استقرار المنطقة الشرقية ليست سوى مرحلة في خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يسعى في رأيه الى "ازالة اوكرانيا كدولة مستقلة".

وقال خلال مؤتمر دولي سنوي يناقش الاستراتيجية الموالية لاوروبا في اوكرانيا ان "الهدف النهائي لفلاديمير بوتين هو الاستيلاء على اوكرانيا برمتها"، واضاف ياتسينيوك ان الرئيس الروسي "لا يمكنه ان يقبل بفكرة ان تكون اوكرانيا جزءا من الاسرة الاوروبية، انه يريد احياء الاتحاد السوفياتي"، وتصادق كييف على اتفاق الشراكة التاريخي مع الاتحاد الاوروبي، ما يكرس خروجها من الحظيرة الروسية، ورغم فرضه عقوبات على موسكو لدورها في النزاع الاوكراني، قدم الاتحاد الاوروبي تنازلا كبيرا عبر موافقته على ارجاء تنفيذ اتفاق التبادل الحر مع اوكرانيا حتى نهاية 2015.

وقال المفوض الاوروبي للتجارة كاريل دي غوشت ان المشاورات ستتواصل خلال الاشهر ال15 المقبلة في شكل ثلاثي يشمل روسيا، لكن الاتحاد الاوروبي وافق على ان يمدد للفترة نفسها خفض الرسوم الجمركية على بعض السلع الاوكرانية التي تدخل السوق الأوروبية، وسعيا الى التخفيف من وطأة الخطوة الاوروبية المتصلة باتفاق الشراكة، اعتبر ياتسينيوك ان "الاتفاق ليس سيئا بالنسبة الى اوكرانيا".

تشديد العقوبات

فيما فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على بنوك رئيسية وعلى شركات دفاع وشركات طاقة في روسيا، وتأتي العقوبات الأمريكية تكملة للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا لمعاقبتها على "تدخلها العسكري" في أوكرانيا كما تقول هذه الدول، وبالرغم من توصل الطرفين، الحكومة الأوكرانية والانفصاليين في شرقي أوكرانيا، إلى هدنة هشة، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يواصلان فرض عقوبات على روسيا، ودانت وزارة الخارجية الروسية العقوبات الجديدة، واصفة إياها بأنها "خطوة عدائية أخرى في إطار المواجهة" التي اختارتها الولايات المتحدة، وأضافت الوزارة قائلة "بالتأكيد ردنا على هذه الإجراءات لن يتأخر كثيرا".

وقال حلف شمال الأطلسي (الناتو) إن روسيا لها نحو 1000 جندي مدجج بالسلاح في شرقي أوكرانيا ونحو 20 ألف جندي في منطقة الحدود مع أوكرانيا، لكن روسيا تنفي أن تكون أرسلت مساعدات عسكرية مباشرة لدعم الانفصاليين، مضيفة أن الجنود الموجودين هناك هم "متطوعون"، واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة بالسعي الى "قطع العلاقات الاقتصادية" بين موسكو والاتحاد الاوروبي، وذلك غداة دخول عقوبات اوروبية جديدة بحق روسيا حيز التنفيذ على خلفية الازمة في اوكرانيا. بحسب بي بي سي.

وقال لافروف كما نقل عنه بيان للخارجية الروسية ان "الولايات المتحدة تريد استغلال الوضع الراهن لقطع العلاقات الاقتصادية بين اوروبا وروسيا"، وخصوصا لتفرض على الاتحاد الاوروبي شحناتها من الغاز علما بان سعره اعلى بكثير من سعر الغاز الروسي، واعتبر ان واشنطن تامل "بتامين الظروف الاكثر ملاءمة في اطار المفاوضات حول اقامة شراكة تجارية واستثمارية على ضفتي الاطلسي".

واوضح لافروف ان الولايات المتحدة تحاول عبر ذلك "ان تفرض على اوروبا شحنات الغاز المسيل الاميركية باسعار لا يمكن ان تكون تنافسية مقارنة باسعار الغاز الروسي"، من جهة اخرى، اتهم الاتحاد الاوروبي بانه "مستعد للتضحية باقتصاده من اجل السياسة"، مشددا على ان بروكسل كانت قررت اعداد سلسلة جديدة من العقوبات بحق روسيا في الخامس من ايلول/سبتمبر، في اليوم نفسه لتوقيع اتفاق لوقف اطلاق النار في اوكرانيا "بفضل مبادرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل كل شيء".

روسيا تحذر واشنطن

من جهتها حذرت روسيا الولايات المتحدة من أن الهجمات الجوية الامريكية ضد المسلحين في سوريا ستكون "انتهاكا جسيما" للقانون الدولي، وجاء ذلك في وقت يحشد فيه وزير الخارجية الامريكي جون كيري الدعم لخطة الرئيس الأمريكي الجديدة ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وقالت الخارجية الروسية إن مثل هذ الاجراء من دون الحصول على دعم الأمم المتحدة، سيمثل "عدوانا"، ويأتي ذلك بينما يجتمع كيري، مع نظرائه من أكثر من عشر دول عربية سنية، من بينها السعودية والأردن، للسعي إلى حشد دعمهم لاستراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجديدة ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقول الرئيس أوباما إن أمريكا ستقود تحالفا واسعا ضد التنظيم، الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، ووافق أوباما على شن ضربات جوية أمريكية على أهداف للتنظيم في سوريا لأول مرة، واحدثت تصريحات اوباما رد فعل قوي في روسيا حليفة الرئيس السوري بشار الأسد، ويجتمع كيري مع نظرائه من أكثر من عشر دول عربية سنية للسعي إلى حشد دعمهم لاستراتيجية أوباما

ونقل عن المتحدث باسم الخارجية الروسية اليكساندر لوكاشيفيتش قوله "الرئيس الامريكي تحدث صراحة عن امكانية ضربات تشنها القوات الامريكية على مواقع تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا دون موافقة الحكومة الشرعية"، وأضاف "هذه الخطوة، دون وجود قرار لمجلس الامن، ستكون عدوانا وانتهاكا جسيما للقانون الدولي"، وقال مسؤول أمريكي إن محادثات كيري في مدينة جدة السعودية ستشمل التعاون العسكري لتسهيل الضربات الجوية الأمريكية، وقال المسؤول الأمريكي إن الأهداف التوسعية لتنظيم الدولة الإسلامية كانت إنذارا لهم، وكان كيري قال في مؤتمر صحفي في العاصمة العراقية بغداد إن العالم لن يتفرج مكتوف الأيدي على "الشر" القادم من مسلحي جماعة الدولة الإسلامية. بحسب بي بي سي.

ووصف كيري، الذي يواصل جولته في الشرق الأوسط، تنظيم الدولة الإسلامية بأنه "أعظم خطر منفرد" يواجه الشعب العراقي الآن، وأوضح أن ثمة خطة عالمية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، بيد أن الحكومة العراقية يجب أن تكون "القاطرة" التي تقود هذا القتال، وكانت الولايات المتحدة شنت عشرات الضربات الجوية على أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية خلال الشهر الماضي، في إطار حماية الأقليات العراقية والدينية التي يهددها التنظيم، ووصف مسلحو تنظيم الدولة ذبح صحفيين أمريكيين بأنه جاء انتقاما من الضربات الجوية الأمريكية.

احترام المعاهدات

على صعيد ذي صله اجتمع مسؤولون من روسيا والولايات المتحدة في موسكو لبحث معاهدة عام 1987 للحد من التسلح التي أحاطت الشكوك بمستقبلها، وشككت كل من واشنطن وموسكو في التزام الطرف الاخر بمعاهدة القوات النووية متوسطة المدى وتدهورت علاقاتهما بسبب الازمة الاوكرانية كما تصاعد التوتر عقب قمة لحلف شمال الأطلسي، ونقلت وكالة انترفاكس الروسية للانباء عن ميخائيل اوليانوف رئيس قسم الحد من انتشار الاسلحة والسيطرة عليها في وزارة الخارجية الروسية قوله "نعتقد ان هذا اتفاقا مهما ويجب ان ينفذ بالطريقة المناسبة".

وقال ان المحادثات بشأن الالتزام بالمعاهدة ستجري بمشاركة روز جوتمولر وكيلة وزارة الخارجية الامريكية لشؤون الحد من التسلح والامن الدولي، ونصت المعاهدة على ازالة صواريخ كروز وصواريخ باليستية نووية وتقليدية تطلق من الارض يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر قرب نهاية الحرب الباردة، وتقول الولايات المتحدة ان روسيا انتهكت المعاهدة باجرائها تجربة لاطلاق صاروخ كروز من الارض وهو ما تحظره المعاهدة، وقال نائب وزير الدفاع الروسي اناتولي انتونوف الشهر الماضي ان موسكو ملتزمة بالمعاهدة لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شكك فيما اذا كانت تخدم مصالح روسيا. بحسب رويترز.

كما شككت وزارة الخارجية الروسية في التزام الولايات المتحدة بالمعاهدة قائلة ان استخدامها للطائرات المسلحة بدون طيار تمثل انتهاكا للمعاهدة، ووافق حلف شمال الاطلسي في القمة التي عقدها في ويلز على حماية دول شرق اوروبا من روسيا وانتقد بشدة دور موسكو في الازمة الأوكرانية، وردت موسكو بدورها (التي تنفي تورطها في الصراع) على الحلف قائلة ان اللهجة التي يستخدمها الغرب تذكي التوتر في أوكرانيا، ووافق بوتين على اعادة هيكلة للحكومة أعطى بموجبها وزارة الدفاع مزيدا من السلطات على صناعة الدفاع الحربية بعد ان حل وكالتين مختصتين بعقود الدفاع الخاصة بالقوات المسلحة الروسية وتسليم الاسلحة.

وأعلنت فرنسا انها لن تسلم لموسكو الان حاملة طائرات الهليكوبتر الاولى (ميسترال) من حاملتي طائرات بموجب عقد قيمته 1.2 مليار يورو (1.58 مليار دولار) بسبب تصرفات روسيا في أوكرانيا، ونقلت وكالة الاعلام الروسية عن وزير الصناعة والتجارة دنيس مانتوروف قوله إن روسيا قد تبني سفنا حربية مشابهة لحاملات الهليكوبتر الفرنسية ميسترال لكنه لم يعط تفصيلات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آيلول/2014 - 19/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م