انتعاش الفئوية في الاسلام السياسي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الفئوية تعني في أبسط تعريف لها، التفتيت، أو التجزئة، وهي ضد الاتحاد، بكل أشكاله، لهذا هناك تناقض واضح بين هذا المفهوم، وبين توحيد المجتمع تحت رؤية متجانسة، وهذا التجانس والتقارب والاتحاد، لا يعني إلغاء الخصوصية، أو تذويب هوية الاقليات وثقافاتهم في ثقافة أكبر، بمعنى أوضح لا يمكن أن يتحقق بناء مجتمع قوي البنية، مع السعي لنشر الفئوية بين صفوفه، لذلك رفض الاسلام في تعاليمه الواضحة، تجزئة الانتماء، بمعنى اوضح أن الجميع ينضوي تحت فكر الاسلام ومبادئه، مع الاحتفاظ بالخصوصية التي تتعلق بثقافة الاقليات وتاريخهم وتقاليدهم وما شابه.

ولكن من الملاحظ للجميع، أن الاسلام السياسي بحضوره في الساحة السياسية، وادارته لعدد من الحكومات في عدد من الدول، حضرت معه الفئوية بكل أشكالها، وهناك دلائل واضحة على هذا التوجّه، فبدلا من أن يتحد الجميع في حزمة واحدة، ليصبح المجتمع متماسكا وقويا وموَحَّدا، يحدث العكس تماما، فيبدو المجتمع عبارة عن مجموعات صغيرة، كل من هذه الفئات والمجموعات تجد في نفسها اكتفاءً ذاتيا، يغنيها عن الانتماء الأكبر والأهم.

بطبيعة الحال هذا السلوك الذي ينطلق من آفاق قصيرة الآماد، ونظرة ضيقة، وانتفاء بعد النظر، يؤدي بالنتيجة الى نشر الفئوية وتشجيعها، وهي ظاهرة باتت جلية وواضحة للعيان في ظل حكومات الاسلام السياسي المعاصر، وهذا امر يثير الاستغراب حقا، لأن الاسلام في صدر الرسالة النبوية استطاع ان يوحّد مجتمعا قبلياً كان يعيش في عصر الظلمات والتناحر والفردية والتعصب الأعمى، لكن بمجيء الاسلام، ذابت هذه الفردانية والتقوقع والانحسار، وانتهت سطوة القبيلة، ومع ان ارثها لم ينته، وتقاليدها او ثقافتها باقية/ لكنها اندمجت مع المكونات الاخرى تحت فكر واحد ومبادئ واحدة هي مبادئ الاسلام.

ونتيجة لهذه الوحدة الكبرى، التي لم تكن وحدة تذويب، بل وحدة تجانس وتناغم وقوة، استطاعت الحكومة الاسلامية آنذاك أن تبني دولة عظمى، وأن ترسّخ مجتمعا اسلاميا موحدا قويا، وتمكنت هذه الدولة أيضا، ان تصل بأفكارها ومبادئها الى بقاع واسعة من المعمورة، شرقا وغربا وفي جميع الابعاد والاتجاهات، والاسباب كما هو واضح تكمن في تحييد الفئوية والتضييق عليها، وفتح الافاق واسعة أمام تقارب وانسجام مكونات المجتمع الاسلامي كافة، وهو الامر الذي ساعد على بناء دولة تعد من أقوى الدول التي ظهرت في تأريخ البشرية، وكل هذا ما كان له أن يتحقق لو أن الفئوية والقبلية والتعصب بقيت كما هي قبل الاسلام.

ولكن الملاحظ في تجارب الاسلام السياسي المعاصرة، قبل ما يسمى بالربيع العربي وبعده، مرافقة الفئوية بكل اشكالها لهذه التجارب، فالحكومات التي تشكلت من الحركات والجماعات والاحزاب السياسية في عدد من البلدان العربية وغيرها، تبدو وكأنها حواضن مناسبة لانتعاش الفئوية، فظهرت الكثير من الفئات ذات النزعات المتقوقعة، موزعة على الاعراق والطوائف والاديان والثقافات الاخرى، تحت حجج كثيرة، الامر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن الاسباب التي تقف وراء مثل هذه الدعوات؟!، علما أن التوجّه الصحيح ينبغي أن يمضي نحو زيادة تعاضد مكونات المجتمع وليس العكس.

إستنادا الى الفكر الاسلامي الذي تقوم عليه وتستند إليه الحركات والجماعات الاسلامية، ينبغي أن تنتفي الفئوية، فلماذا حدث العكس في هذا المجال؟، ولماذا ظهرت في المجتمع الواحد عشرات الفئات التي صارت تطالب بحقوق وهمية لا أساس لها في الواقع، أليس الامر مثيرا للشكوك والتساؤلات، ثم أليس الصحيح في هذا الجانب أن تتقلص الضغوط الفئوية الى ادنى حد ممكن، خاصة أن الفكر الاسلامية والمبادئ الاسلامية تدعو بصورة واضحة الى نبذ التفرقة، وحتمية التضافر والتقارب بين الجميع، تحقيقا للاهداف الكبرى، ممثلة في الوحدة المجتمعية، وبناء الدولة القوية بعيدا عن كل مظاهر الفئوية؟.

لا شك أن هناك خللا في الرؤية والسلوك ايضا رافق الاسلام السياسي، بخصوص انتعاش النزعة الفئوية في الدول والمجتمعات المحكومة من لدن الجماعات والحركات والاحزاب الاسلامية، وربما يقول او يرى بعضهم ان الفئوية، تعد احدى النتائج التي أفرزتها اجواء التحرر!! بعد الاطاحة بالانظمة المستبدة، لكن الامر الأصح في هذا المجال، أن هناك خللا في تطبيق المنهج الاسلامي من لدن الحركات التي وصلت الى السلطة عن طريق القارب الاسلامي اذا جاز التعبر، ثم فشلت في تطبيق هذا الفكر لاسباب سنأتي على بيانها في مجال آخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/آيلول/2014 - 17/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م