استقلال اسكتلندا... فاصل تاريخي مليء بالتناقضات؟

 

شبكة النبأ: الحزب الوطني الاسكتلندي بزعامة اليكس سالموند، رئيس الوزراء الاسكتلندي وزعيم الحملة الداعية للاستقلال، وبعد صراع طويل مع لندن، استطاع تحديد موعد الاستفتاء الاولي للاستقلال عن بريطانيا العظمى، وصولا الى الاستقلال الفعلي للإقليم الشمالي للمملكة المتحدة الذي حدد موعده في 24 آذار 2016، والذي بدئت بريطانيا تتخوف منه بصورة فعلية، بعد ان تحول سباق القادة نحو ثني الشعب الاسكتلندي عن كلمة (نعم) والبقاء ضمن الامة البريطانية، الى مارثون رئاسي، بعد ذهاب العديد من القادة الى هناك، والقيام بحملة عاطفية للتأثير على الراي العام. 

وتوسل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للاسكتلنديين الا يختاروا الاستقلال ويقطعوا أوصال "أسرة" المملكة المتحدة في مسعى لوقف تنامي المعسكر المؤيد لاستقلال اسكتلندا عن بريطانيا قبل الاستفتاء الذي يجري في 18 سبتمبر ايلول، وفي مؤشر على حالة الذعر التي انتابت النخبة الحاكمة في بريطانيا ألغى كاميرون وزعيم المعارضة إد ميليباند جلستيهما الاسبوعية للإجابة على اسئلة المواطنين لزيارة اسكتلندا ليطلبا من الاسكتلنديين عدم انهاء الوحدة المستمرة مع انجلترا منذ 307 أعوام، وقال كاميرون في مقال رأي نشر في صحيفة ديلي ميل "لا نريد ان تتقطع أوصال أسرة هذه الأمم، المملكة المتحدة دولة غالية وخاصة"، وضمن كاميرون عباراته العاطفية بتحذير مستتر قائلا "اذا انقسمت المملكة المتحدة فستظل منقسمة الى الابد".

ويبدو ان التأثيرات اللاحقة للاستقلال، تشكل خطورة كبيرة بالنسبة لبريطانيا، خصوصا على المستوى الاقتصادي والسياسي والدفاعي...الخ، كما ان الاستقلال، لو تم، سوف يؤدي الى رفع سقف المطالب للاسكتلنديين، سيما وان الانظام الى الاتحاد الاوربي (الذي ترغب به اسكتلندا بشده) او حلف شمال الاطلسي سيصبح اكثر سهولة بالنسبة لهم في حال الانفصال وحصولهم على السيادة الكاملة.

وتبقى هذه الايام الاخيرة مليئة بالصراع السياسي والتاريخي والعاطفي حول حق تقرير المصير بين المؤيدين والمعارضين، ويبدو ان ارتفاع نسبة المؤيدين للاستقلال، والتي ارتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة، سوف تعرض بريطانيا الى مازق ديمقراطي حقيقي، قد يكسب فيه الحزب الوطني الاسكتلندي الجولة الاولى لطريق الاستقلال الطويل.

استقلال اسكتلندا

في سياق متصل يتوجه زعماء الأحزاب البريطانية إلى اسكتلندا في مسعى لإقناع الاسكتلنديين بالتصويت بلا في الاستفتاء على الاستقلال عن بريطانيا، ولن يشارك رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وزعيم حزب العمال إيد ميليباند الجلسة الاسبوعية لمساءلة الحكومة التي تجري في مجلس العموم كل اربعاء للسفر إلى اسكتلندا، وسيتوجه أيضا نائب رئيس الوزراء نيك كليغ إلى اسكتلندا للمشاركة في هذه الحملة للتصويت بلا، وقال الوزير الأول في اسكتلندا اليكس سالموند إن الزعماء الثلاثة هم "قادة ويستمنستر (الأحزاب البريطانية) الذين يحظون بأقل قدر من الثقة على الإطلاق"، واعتبر أن هذه الزيارة ستعزز من التصويت بنعم.

ودعا سالموند رئيس الوزراء إلى الدخول في مناظرة مباشرة معه قبيل التصويت على استفتاء استقلال اسكتلندا المقرر في 18 من سبتمبر/أيلول الجاري، من جهة أخرى، ناشد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في مقال له بصحيفة الدايلي ميل الاسكتلنديين بالبقاء ضمن المملكة المتحدة، وقال إن وجود "مستقبل أكثر إشراقا للاسكتلنديين لا يتوقف فقط على البقاء في المملكة المتحدة، بل أيضا في وجود سلطات جديدة وكبيرة"، مضيفا أن الجدول الزمني الجديد سيمنح الاسكتلنديين "الوضوح" الذي يحتاجونه وهم يدرسون خياراتهم بشأن التصويت في الاستفتاء، وأضاف "المملكة المتحدة هي دولة ذات قيمة كبيرة ومميزة، وهذا هو الأمر الذي يواجه مخاطر، ولذا على الجميع في اسكتلندا ألا يساوره الشك بأننا نريدكم بشدة أن تبقوا (ضمن المملكة المتحدة)، ولا نريد لهذه المجموعة من الدول أن تتمزق".

ولن يسافر زعماء الأحزاب الثلاثة، حزب المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار، إلى اسكتلندا معا أو الظهور معا خلال الزيارة، وقال الثلاثة في بيان مشترك "هناك الكثير الذي يفرقنا، لكن هناك شيء واحد نتفق عليه بقوة، (وهو أن) المملكة المتحدة أفضل معا"، وأكد الزعماء في بيانهم أن الإبقاء على وحدة المملكة المتحدة يمثل أولوية لهم الآن، مضيفين أنه "لهذا السبب فإننا جميعا متفقون أن المكان المناسب لنا غدا هو في اسكتلندا، وليس في الأسئلة التي توجه لرئيس الوزراء في ويستمنستر"، وقالوا "نريد الاستماع والتحدث للناخبين بشأن الخيارات الكبيرة التي تواجههم، رسالتنا للشعب الاسكتلندي ستكون بسيطة: نريدكم أن تبقوا (معنا ضمن المملكة المتحدة)".

وأعلن الزعماء عن جولتهم في اسكتلندا للدفع من أجل التصويت بلا بعد أن ظهر زعماء أحزاب العمال الاسكتلندي والمحافظين الاسكتلنديين والديمقراطيين الأحرار الاسكتلنديين معا من أجل التصديق على جدول زمني لتنفيذ المزيد من الصلاحيات المالية وغيرها لاسكتلندا في حال جاء التصويت "بلا" في الاستفتاء، وقبيل زيارة الزعماء البريطانيين، قال سالموند "لا أحد يصدق وعودهم المزعورة، إنه جدول زمني زائف لصلاحيات تافهة، والتصويت بنعم (بالانفصال) سيقدم جدولا زمنيا حقيقيا من أجل صلاحيات كاملة تحتاجها اسكتلندا".

وأظهر استطلاع للرأي ان التأييد لاستقلال اسكتلندا زاد بشكل حاد في اغسطس اب مع تراجع الفارق بين حملة "نعم" لمؤيدي الاستقلال وبين حملة "لا" للمدافعين عن البقاء ضمن المملكة المتحدة الي ست نقاط مئوية فقط قبل 17 يوما من استفتاء مصيري، والاستطلاع هو الاول الذي يظهر تحولا كبيرا في الرأي بعد مناظرتين تلفزيونيتين، وهيمن اليكس سالموند الزعيم المؤيد للاستقلال على المناظرة الثانية بعد ان فشل في الفوز بالمناظرة الاولى.

واظهر الاستطلاع الذي اجرى لحساب صحيفتي صن وتايمز أن التأييد لحملة "نعم" المؤيدة لاستقلال اسكتلندا قفز اربع نقاط مئوية منذ منتصف اغسطس اب وثماني نقاط منذ بداية الشهر، وتراجع تقدم حملة "لا" الرافضة للاستقلال إلي 6 نقاط من 22 نقطة في بداية اغسطس اب، ويشير الاستطلاع الذي اجرته مؤسسة يوجوف لأبحاث الرأي العام الي اشتداد المنافسة بين الطرفين مقارنة مع احدث "استطلاع للاستطلاعات" الذي نشر في 15 اغسطس اب واستند الى متوسط آخر ستة استطلاعات وبلغت فيه نسبة المؤيدين للاستقلال 43 بالمئة في حين بلغت نسبة الراغبين في البقاء جزءا من المملكة المتحدة 57 بالمئة. بحسب رويترز.

والاستطلاع شمل 1063 ناخبا واظهر نسبة تأييد قدرها 42 بالمئة لمعسكر المؤيدين للاستقلال مقابل 48 بالمئة للمؤيدين لبقاء اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة، وبلغت نسبة اولئك الذين لم يحسموا موقفهم 10 بالمئة قبل الاستفتاء الذي سيجري في الثامن عشر من سبتمبر ايلول.

عضوية الاتحاد الاوروبي

من جهته قال مسؤولون إن اسكتلندا سيكون عليها التقدم بطلب جديد لعضوية كل من الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي إذا وافق الاسكتلنديون على الانفصال عن المملكة المتحدة في استفتاء هذا الشهر، وقبل أيام على استفتاء بشأن استقلال اسكتلندا أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه للمرة الأولى هذا العام أن مؤيدي الاستقلال أصبحت لهم الصدارة على مواطني اسكتلندا الذي يفضلون البقاء ضمن الاتحاد مع انجلترا الذي مضى عليه 307 أعوام، ويريد الداعون للاستقلال أن تبقى اسكتلندا جزءا من الاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي.

ورفضت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية بيا ارنكيلده-هانسن الادلاء بأي تعليق جديد على الاستفتاء الاسكتلندي في اللقاء اليومي مع الصحفيين في المفوضية قائلة "الأمر يرجع للشعب الاسكتلندي وللمواطنين البريطانيين في أن يقرروا مستقبل اسكتلندا"، وأضافت أن موقف المفوضية الأوروبية بشأن استقلال اسكتلندا لم يتغير، ورفضت الادلاء بمزيد من التفاصيل لكن ردا على سؤال ارسلت المفوضية الأوروبية رسالة من رئيس المفوضية جوزيه مانويل باروزو الى عضو في المجلس الأعلى بالبرلمان البريطاني في 2012، وأوضح باروزو موقف المفوضية بشأن ما إن كانت اسكتلندا بعد الاستقلال ستبقى جزءا من الاتحاد الاوروبي الذي يضم 28 دولة. بحسب رويترز.

وقال باروزو "إذا انقطع جزء من ارض دولة عضو عن أن يكون جزءا من تلك الدولة لأنه سيصبح دولة مستقلة جديدة فلن تظل اتفاقيات (الاتحاد الاوروبي) منطبقة على تلك الاراضي" مما يعني ان اسكتلندا بعد الاستقلال لن تبقى عضوا في الاتحاد الاوروبي، لكنه اشار الى أن اي دولة اوروبية تفي بمعايير عضوية الاتحاد الاوروبي يمكنها التقدم بطلب للانضمام للاتحاد، وردا على سؤال عما إن كانت اسكتلندا ستحتاج إذا استقلت الى التقدم بطلب للانضمام لحلف الاطلسي قال مسؤول في الحلف إنه لم تعقد مناقشات بشأن هذا الموضوع ولم تتخذ قرارات.

وقال المسؤول طالبا عدم نشر اسمه "لكن يبدو أنه يوجد اتفاق واسع على أنه، كمسألة قانونية، سينظر الى اسكتلندا اذا اعلنت استقلالها وبالتالي أقامت دولتها المستقلة على أنها دولة جديدة، لن تكون الدولة الجديدة طرفا في اتفاقية شمال الاطلسي وبالتالي ليست عضوا في حلف الاطلسي"، واضاف "اذا اختارت التقدم بطلب لعضوية حلف شمال الاطلسي فسوف يخضع طلبها للإجراءات الطبيعية"، ورفض رئيس وزراء اسكتلندا اليكس سالموند الذي يقود الحملة المؤيدة للاستقلال الاشارات الى أن استقلال اسكتلندا سيجعل طلبها لعضوية الاتحاد الاوروبي يلقى رفضا او سيجعلها تجد صعوبة في الانضمام الى حلف الاطلسي اذا ازالت عناصر برنامج ترايدنت البريطاني للردع النووي من اسكتلندا حسب المقرر بحلول 2021 .

ويمكن لمفاوضات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي ان تستغرق سنوات، وكان باروزو قال في فبراير شباط إن الدول التي تنفصل عن دول حالية في الاتحاد الاوروبي ستجد صعوبة في الحصول على عضوية الاتحاد، واضاف أن كل دول الاتحاد الاوروبي ينبغي أن تساند انضمام أي دولة جديدة انفصلت عن دولة عضو، وقال باروزو "سيكون من الصعب جدا الحصول على موافقة كل الدول الاعضاء، اعتقد أنه سيكون امرا بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلا".

والانفصال موضوع حساس بالنسبة للعديد من الدول الأخرى التي توجد لديها مناطق تسعى لتكوين دول خاصة بها، وتشعر اسبانيا بالقلق من أن يشجع تصويت على استقلال اسكتلندا الانفصاليين في منطقة قطالونيا الاسبانية، وفي ابريل نيسان قال سالموند انه اذا اختار الاسكتلنديون الانفصال عن المملكة المتحدة فانه يتوقع ان يكون ممكنا التفاوض على الانضمام للاتحاد الاوروبي قبل اعلان الاستقلال رسميا في مارس آذار 2016 .

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/آيلول/2014 - 15/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م