هل ينبغي لاسكتلندا أن تترك منطقة الجنيه الإنجليزي؟

هارولد جيمس

 

برينستون ــ بينما تستعد اسكتلندا للاستفتاء على الاستقلال هذا الشهر، يتعين على المملكة المتحدة ــ بل وأوروبا بالكامل ــ أن تستعد لاستقبال التأثيرات المترتبة على تجربة ناجحة. إن الاستقلال الاسكتلندي من شأنه أن يحدث ثورة في الأطر الدستورية البريطانية والأوروبية، ويعطي دَفعة هائلة لحركات انفصالية أوروبية أخرى، من كاتالونيا إلى شمال إيطاليا. ولكن الأثر الاقتصادي المترتب على الاستقلال ليس مؤكداً بنفس القدر على الإطلاق.

يصر دعاة الاستقلال منذ فترة طويلة على أن دوافعهم تكمن في المقام الأول في تميز الهوية الاسكتلندية. ولكن تاريخ اسكتلندا وتقاليدها، برغم أصالتها المؤكدة بما لا يدع مجالاً للشك، تَشَكَّلت بفعل قرون من التفاعل مع إنجلترا وأجزاء أخرى من الجزر البريطانية.

القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة لاسكتلندا هي المال. وقد هيمن السؤال حول ما إذا كان بوسع ــ أو من الواجب على ــ اسكتلندا المستقلة أن تستمر في استخدام الجنية الإنجليزي على الأشهر الأخيرة القليلة من حملة الاستفتاء. والواقع أن النتيجة ــ بالنسبة لاسكتلندا وأوروبا ــ قد تتباين على نطاق واسع، اعتماداً على المسار الذي تختاره اسكتلندا.

حتى الآن، أصر القوميون الاسكتلنديون على أن اسكتلندا المستقلة سوف تستمر في التعامل بالجنيه الإنجليزي. ولكن نظراً لمدى سهولة تعديد الحجج لصالح العملة المنفصلة ــ ناهيك عن حقيقة مفادها أن وزير الخزانة جورج أوزبورن رفض صراحة اتحاد العملة الذي اقترحه الوزير الأول الاسكتلندي أليكس سالموند ــ فإن مثل هذه التصريحات ضارة حتى بالغرض المقصود منها.

على سبيل المثال، خلال طفرة البناء في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان ينبغي لأيرلندا وأسبانيا فرض شروط نقدية أكثر صرامة، وأسعار فائدة أعلى، وقروض أقل نسبة إلى الأصول. ولكن عضوية البلدين في منطقة اليورو كانت تعني أن المقترضين (سواء الحكومة أو القطاع الخاص) يستفيدون من أسعار الفائدة البالغة الانخفاض. وبعد اندلاع الأزمة المالية، وشروع صناع السياسات في البحث عن سبل لإلزام البنوك بإحياء الإقراض في هذين البلدين وغيرهما من البلدان المكافحة، بات من الواضح عدم وجود أي أدوات متاحة يمكن توظيفها.

واليوم، تواجه المملكة المتحدة معضلة مماثلة. ذلك أن الطفرة العقارية في منطقة لندن تتطلب شروطاً نقدية أكثر إحكاماً وصرامة. ولكن رفع أسعار الفائدة من شأنه أن يعيث فساداً اقتصادياً ببقية البلاد، حيث يظل التعافي هزيلا.

وعلاوة على ذلك، تحتفظ لندن، مثلها في ذلك كمثل ألمانيا، بفائض ضخم في الحساب الجاري (8% من الناتج المحلي الإجمالي) ــ وهي مشكلة خطيرة محتملة، نظراً للتأثير الانكماشي الذي فرضه الفائض الألماني على بقية منطقة اليورو. وبالفعل، تدير المملكة المتحدة عجزاً خارجياً أعلى من نظيره لدى أي بلد صناعي.

والواقع أن سلوك العملة قد يكون مدفوعاً بقطاع واحد قوي وبارز في الاقتصاد؛ وفي حالة الجنية الإنجليزي يلعب القطاع المالي هذا الدور. وقد اعتبر البعض الانحدار السريع الذي سجله الجنيه في الفترة 2007-2008 ــ بنسبة 30% قياساً على معدلات التبادل التجاري ــ حافزاً اقتصادياً مطلوباً للغاية، نظراً للدفعة التي أعطاها للقدرة التنافسية في مجال الصادرات. وبفضل استقلال سياستها النقدية حظيت المملكة المتحدة بمستوى من المرونة تفتقر إليه اقتصادات منطقة اليورو.

ولكن إحياء الثقة في القطاع المالي كان سبباً في انتعاش الجنيه بشكل حاد (بنسبة 18% منذ نهاية عام 2008)، الأمر الذي أدى إلى تآكل قدرة المملكة المتحدة التنافسية. وما قد يكون مفيداً بالنسبة لمدينة لندن ليس مفيداً بالضرورة لبقية الاقتصاد.

وهناك بالتالي جاذبية لا لبس فيها في التهرب من الترتيبات الاقتصادية التي تقيد اسكتلندا بلندن ــ وهي الجاذبية التي كان ليدركها رجل الاقتصاد الاسكتلندي العظيم آدم سميث. الواقع أن الدافع وراء أكثر أعماله تأثيرا، "ثورة الأمم"، كان الاعتقاد بأن مصالح المجتمع التجاري في لندن تشوه السياسة التجارية البريطانية.

ولكن البديل للاحتفاظ بالجنيه، يفرض تحدياً خاصا. فوفقاً لرجل الاقتصاد الاسكتلندي رونالد ماكدونالد، لابد أن يكون لاسكتلندا المستقلة عملتها الخاصة، والتي سوف تتصرف كعملة نفطية، نظراً لاعتماد الاقتصاد على النفط والغاز في بحر الشمال.

ولكن استبدال قطاع مهيمن بآخر مهيمن مثله ليس مفيداً لبقية قطاعات الاقتصاد الاسكتلندي، والذي قد يخسر قدرته التنافسية كلما تسببت أسعار النفط المرتفعة في دفع قيمة الصرف إلى الارتفاع. ومع الدفع بالصناعات الأقل تنافسية إلى الخسارة والإعسار، فقد يصبح النشاط الاقتصادي أكثر تركيزاً وتخصصا.

إن إلقاء عبء التعديل والتكيف على سعر الصرف ليس هو الحل. لقد ناضلت اقتصادات صغيرة ومفتوحة مثل سويسرا والنرويج ــ وهما من النماذج المهمة لاسكتلندا ــ ضد الارتفاع الحاد في قيمة العملة خلال الأزمة المالية العالمية. وبالنسبة لسويسرا، كان الحل يكمن في تحديد سقف لسعر صرف الفرنك في مقابل اليورو.

ولابد أن يلهم هذا اسكتلندا للسعي إلى ربط نفسها بمنطقة عملة أكبر واقتصاد أكثر تنوعا. وماذا عن تبني اليورو؟

* زميل بارز في مركز الحكم الدولي للابتكار وأستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، وأستاذ التاريخ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، مؤلف كتاب "خلق وتدمير القيمة: دورة العولمة

https://www.project-syndicate.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/آيلول/2014 - 15/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م