أمريكا في العراق والخوف من سرطان داعش

 

شبكة النبأ: الولايات المتحدة الامريكية قررت أخيرا مواجهة ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش، ولم تتبقِ سوى اللمسات الأخيرة لصياغة الطريقة المناسبة للرد الأمريكي المتوقع، سيما وان "السرطان" الداعشي (على حد وصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما) اخذ يهدد المصالح الامريكية في المنطقة، وهو امر يتجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها الولايات المتحدة، دائما، حول مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، كما يرى بعض الخبراء، ويبدو ان الرئيس الأمريكي الذي كان مترددا بصورة او أخرى للدخول في الازمة السورية، اصبح اكثر جرأة وهو يراقب تنظيم داعش الذي تمدد بين سوريا والعراق، واصبح يمتلك من الأراضي ما تفوق عدة دول مجتمعة في الشرق الأوسط، إضافة الى القوة الاقتصادية والخبرة العسكرية التي يحاول تنميتها بصورة مستمرة، مستعينا بخبرات العناصر التي انظمت اليه من مختلف دول العالم، ومن بينهم العديد من حملة الشهادات والكفاءات في مختلف الاختصاصات.

ومع ان أوباما قرر منذ البداية في الامتناع عن دخول مستنقع الحروب من جديد (كما فعل أسلافه)، وربما الاقتصار على تحركات محدودة لا تتعدى الطلعات الجوية والدعم اللوجستي والتسليح، الا ان الجميع متفق على ان الحرب مع تنظيم داعش ستكون حرب أوسع وأكثر شمولا، وقد تستمر طويلا، الامر الذي قد يغير الكثير من القناعات التي يتبناها أوباما او مؤسسات القرار الأمريكي الأخرى، وقد باشرت الولايات المتحدة الامريكية بصورة فعلية في تنفيذ الطلعات الجوية وتدمير عشرات المواقع للتنظيم في العراق، خصوصا مع قوات البشمركة الكردية التابعة لإقليم كردستان العراق، كما عززت من وجودها العسكري بأرسال المئات من جنودها الى العراق، بصفة استشارية او لتعزيز الحماية حول المنشئات والمواقع التي يتواجد بها المواطنين الأمريكيين.

وتعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باستشارة الكونجرس قبل اي عمل عسكري موسع ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا ولكن من المستبعد أن ينال دعما سريعا من الكونجرس المنقسم إذا قدر ذلك، ويحجم الجمهوريون بصفة عامة عن التصديق على مبادرات أوباما السياسية في حين يخشى عدد كبير من الديمقراطيين أن تتورط الولايات المتحدة في اي عمل عسكري خارجي بعد الحرب في العراق وافغانستان اللتين استمرتا أكثر من عقد، وإذا كان أوباما ليطلب من الكونجرس الموافقة على عمل او تمويل عسكري طويل الأمد فمن المرجح ان يأتي ذلك في وقت حساس من الناحية السياسية اي قبل أسابيع قليلة من انتخابات الكونجرس في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني.

في سياق متصل يأمل الجمهوريون الفوز بعدد أكبر من مقاعد الكونجرس في الانتخابات المقبلة، واذا رأت الإدارة حاجة لتمويل أكبر لشن عمليات موسعة ضد الدولة الإسلامية فسيتطلب ذلك تحركا سريعا من الكونجرس او ستضطر للانتظار لما بعد الانتخابات، وظهور أوباما والكونجرس كجبهة موحدة سيسهل على الرئيس نيل دعم دول اخرى والشعب الأمريكي، وقال مايكل اوهانلون من معهد بروكينجز إن مساندة الكونجرس ستساعد على منح اوباما "غطاء لمعسكره السياسي" من خلال "تحرك لم يقره هو ورفاقه الديمقراطيين فحسب، ويتحملان مسؤوليته اذا من حدث خطب ما"، وقال السناتور الامريكي بوب كوركر من تنيسي وهو من أبرز الاعضاء الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إن لجنته طلبت من مسؤولي الإدارة المثول أمامها في سبتمبر ايلول لطرح خططهم لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.

وذكر أحد معاوني عضو ديمقراطي في الكونجرس "إذ كان ثمة عمل عسكري فمن غير الواضح ما هو دور الكونجرس، ستلعب الاعتبارات السياسية لعام الانتخابات دورا كبير"، واظهر استطلاع أن ما لا يزيد عن 12 بالمئة من الامريكيين يؤيدون تدخلا متعدد الاطراف في العراق، وقال تيم كين وكريس مورفي عضوا مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي إن الدستور الامريكي يلزم اوباما بالحصول على اذن الكونجرس قبل اي عمل عسكري موسع في العراق أو سوريا، وكتب عضوا مجلس النواب الديمقراطيين جيمس مكجفرن وباربرا لي والعضو الجمهوري والتر جونز رسالة لرئيس المجلس جون بينر وطلبوا مناقشة التحرك ضد الدولة الاسلامية والاقتراع على مثل هذا العمل. بحسب رويترز.

واستبعد ستيفن فلاديك استاذ القانون بالجامعة الأمريكية ان يواجه أوباما عقوبات قانونية اذا تحرك من تلقاء نفسه ولكنه سيتعرض لضغوط سياسية متزايدة اذا احتدم الصراع، وأضاف "إذا انغمسنا أكثر في عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ستشتد الضغوط السياسية على الكونجرس والبيت الابيض للتوصل لاتفاق ما"، وقالت وزارة الدفاع (البنتاجون) إن العمليات الحالية في العراق تتكلف 7.5 مليون دولار يوميا (اكثر من نصف مليار دولار إلى الآن) ولكن هذه التكلفة ستترفع في حالة التوسع في العمليات العسكرية.

فيما قال نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقال نشر في صحيفة "واشنطن بوست" إن الولايات المتحدة تدعم نظاما فيدراليا في العراق، داعيا إلى وحدة البلاد التي تعاني من انقسام كبير، وأكد بايدن أن الإدارة الأمريكية مستعدة "لمزيد من تعزيز" دعمها للعراق في معركته ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنها ستدعو شركاءها الدوليين إلى القيام بذلك أيضا، ويقترح بايدن "نظاما فيدراليا فعالا" كوسيلة لتجاوز الانقسامات في العراق، ويؤيد بايدن منذ فترة طويلة خطة تقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع بحكم ذاتي للشيعة والسنة والأكراد.

وكتب نائب الرئيس الأمريكي أن خطة من هذا النوع "ستؤمن تقاسما عادلا للعائدات بين كل الأقاليم وتسمح بإقامة بنى أمنية متمركزة محليا مثل حرس وطني لحماية السكان في المدن ومنع تمدد الدولة الإسلامية، وفي الوقت نفسه (تضمن) حماية وحدة وسلامة أراضي العراق"، وأضاف أن "الولايات المتحدة ستكون مستعدة لتقديم التأهيل وغيره من أشكال المساعدة بموجب الاتفاق الإطار الاستراتيجي للمساعدة على نجاح هذا النموذج"، وفي الوقت ذاته، حذر بايدن من أن الانقسامات الطائفية العميقة وغياب الثقة السياسية "قوضت قدرات" قوات الأمن العراقية وعززت ناشطين مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سيطر على أجزاء واسعة من العراق وسوريا المجاورة.

عمليات عسكرية امريكية

فيما تظهر في اللقطات غير الواضحة بالأبيض والأسود عربة عسكرية عبارة عن كتلة صغيرة داكنة في منتصف العدسة عند علامة تحديد الهدف بالطائرة الحربية الامريكية، وبعدها بثوان تنفجر الكتلة وسط كرة من اللهب، وكانت نتيجة هذه الضربة التي نفذتها طائرة أمريكية يوم 16 أغسطس اب في شمال العراق وظهرت في لقطات فيديو نشرها الجيش الامريكي القضاء على عدد غير معروف من مقاتلي الدولة الاسلامية وتدمير عربة مدرعة أمريكية الصنع يصل ثمنها إلى 300 ألف دولار، ومنذ بدأت إدارة الرئيس باراك أوباما توجيه الضربات لتنظيم الدولة الاسلامية في الثامن من أغسطس اب دمرت الطائرات المقاتلة والطائرات دون طيار من العربات العسكرية العراقية ما تتراوح قيمته بين ثلاثة ملايين وأربعة ملايين دولار.

وكانت الولايات المتحدة زودت العراق بهذه العربات ثم استولى عليها المقاتلون الاسلاميون الذين يسيطرون الآن على ثلث العراق، وتمثل الحصيلة المتنامية للسلاح الأمريكي الصنع الذي دمرته الولايات المتحدة شهادة على مدى انحراف العراق عن المسار الذي توقعته إدارة أوباما عندما انسحبت القوات الامريكية عام 2011، وكان المسؤولون الأمريكيون يأملون أن تضمن جهودهم لتدريب الجيش العراقي وتسليحه بكلفة تتجاوز 20 مليار دولار تحقيق الاستقرار، وقال ماثيو بيلاك الذي أرسل للعراق عام 2004 عندما كان يعمل في مشاة الجيش الأمريكي برتبة سارجنت "عندما ترى معداتك تنسفها طائرة أمريكية ينتابك شعور داخلي بالهزيمة حتى لو لم يعد عليها علم أمريكي"، ويضيف بيلاك الذي انضم لقوات مكافحة الحرائق في نيويورك "هذا مثبط للهمم بدرجة تفوق التصديق".

وعندما هرب جنود عراقيون من قواعدهم بأعداد كبيرة أمام تقدم قوات الدولة الاسلامية في شمال العراق خلال يونيو حزيران تركوا خلفهم أسلحة وعتادا حربيا متطورا، وتدرس الإدارة توسيع نطاق حملتها على مقاتلي الدولة الاسلامية بما قد يؤدي إلى تنفيذ أول عمل عسكري في سوريا التي ساهمت حربها الاهلية في صعود نجم التنظيم، وقال النائب الامريكي دنكان هنتر الذي خدم في العراق "ثمة قدر كبير من الإحباط بل من الاشمئزاز في الواقع من رؤية السلاح الأمريكي في أيد معادية، فهذه الموارد تمثل أرواحا أمريكية وتضحيات الأمريكيين"، وسقط أكثر من 4000 جندي أمريكي قتلى في العراق، وقدر مسؤولون عسكريون أنه تم تدمير عتاد أمريكي قيمته نحو ثلاثة ملايين دولار في أكثر من 90 غارة جوية خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.

ومن بين هذا العتاد ما لا يقل عن 20 عربة همفي أمريكية الصنع وعربة واحدة على الأقل من العربات المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن (إم راب)، ويتراوح ثمن السيارة الهمفي التي اشتهرت في بداية الحرب العراقية عندما فشلت في حماية الجنود من القنابل المزروعة على جانبي الطريق ما بين 200 ألف و300 ألف للجديد منها إذا كانت دروعها للاستخدامات العسكرية، أما العربة إم راب التي صممت لمواجهة قنابل الطريق في العراق وأفغانستان فيتراوح ثمنها بين نصف مليون ومليون دولار وفقا لسجلات المبيعات العسكرية، كما دمرت الضربات الأمريكية عشرات العربات وغيرها من العربات المدرعة التي لم يتم التعرف عليها وربما يكون بعضها أنتج في الولايات المتحدة، وقد قدمت الولايات المتحدة بعض العتاد للعراق في إطار مساعي إعادة بناء الجيش العراقي بعد حله عقب الغزو الامريكي عام 2003 وبعض العتاد اشتراه العراق كما تركت القوات الأمريكية بعض العتاد عندما انسحبت من العراق.

من جهتها قالت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) ان العمليات الأمريكية ضد الدولة الاسلامية في العراق تتكلف نحو 7.5 مليون دولار يوميا في المتوسط منذ منتصف يونيو حزيران وهو رقم يعني ان الوزارة ربما أنفقت نحو 500 مليون دولار منذ بدأت المشاركة فيها، وقال الاميرال جون كيربي السكرتير الصحفي للبنتاجون إن التكاليف "تفاوتت منذ البداية في منتصف يونيو حزيران لكنها تبلغ في المتوسط نحو 7.5 مليون دولار يوميا"، وقال "مع زيادة إيقاع عملياتنا وكذلك أنشطتنا زادت التكلفة" مشيرا إلى أن هذه الأرقام اعتمدت على صورة من النفقات فيما بين 16 يونيو حزيران و 26 أغسطس آب، ولم يقدم كيربي تقديرا لإجمالي تكاليف البنتاجون حتى الآن ولكن إنفاق 7.5 مليون دولار يوميا لمدة 71 يوما يعني أن الوزارة أنفقت نحو 532 مليون دولار. بحسب رويترز.

وقال محللون إنه بالمقارنة ينفق البنتاجون نحو 1.3 مليار دولار أسبوعيا في أفغانستان، وقال مسؤولون دفاعيون إن هذا التقدير يشمل أمورا مثل الوقود المستخدم في طلعات الاستطلاع والضربات الجوية وتكاليف الصواريخ والأسلحة الأخرى التي أطلقت بالإضافة إلى بعض رواتب الأفراد، وأضاف المسؤولون إن الجيش نفذ حتى الآن 110 غارة جوية بالإضافة إلى قيامه بنحو 60 طلعة استطلاعية بالإضافة إلى إرساله أكثر من 800 جندي لتقييم الوضع، ويجري تمويل هذه العملية من ميزانية البنتاجون للانفاق على الحرب التي تضمنت نحو 80 مليار دولار في 2014 وبشكل أساسي للصراع في أفغانستان، وقال كيربي"نحن في نطاق الحدود التي نحتاجها لعام 2014" مشيرا إلى أن وزير الدفاع تشاك هاجل قال سابقا إن البنتاجون لن يحتاج لاموال إضافية لتغطية تكاليف العراق هذا العام.

وقد يجبر أي تصعيد كبير في العمليات العسكرية الامريكية ضد تنظيم الدولة الاسلامية وزارة الدفاع (البنتاجون) على طلب مزيد من الاموال من الكونجرس بينما يضع المشرعون مسودة ميزانية العام القادم لكن الوتيرة الحالية للعمليات يمكن تغطيتها من أموال الوزارة، اما اذا طلب البنتاجون المزيد من الاموال قبل أشهر معدودة من انتخابات الكونجرس فقد يزيد ذلك من تدقيق المجلس التشريعي في كابيتول هيل في أي قرار تتخذه ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما بتصعيد العمليات الامريكية ضد الجهاديين في العراق وسوريا، ولم تعلن وزارة الدفاع بعد كم انفقت من أموال في حربها مع الدولة الاسلامية وهو التنظيم الذي مد معاركه من سوريا الى العراق هذا العام وفرت من امامه قوات الجيش العراقي قبل ان توقف الضربات الجوية الامريكية تقدمه في الاسابيع القليلة الماضية.

وقال مسؤول عسكري ان العمليات الامريكية في العراق شملت حتى الان اسقاط 636 شحنة جوا من امدادات الطعام والمياه والدواء والقيام بنحو 102 ضربة جوية على الاقل ونحو 60 طلعة جوية استكشافية في اليوم، بالاضافة إلى ارسال أكثر من 800 جندي الى العراق لتقييم الموقف، وقال تود هاريسون المحلل العسكري في مركز تقديرات الميزانية والاستراتيجية وهو مركز ابحاث ان تكلفة العملية حتى الان تدور على الارجح حول مئة مليون دولار، وقال "حتى نضع ذلك في سياقه تنوي وزارة الدفاع بالفعل انفاق أكثر من 800 مليون دولار في العراق عام 2014 في التعاون الامني وأنشطة أخرى لا علاقة لها بالموقف الراهن"، وأضاف "وزارة الدفاع تنفق تقريبا 1.3 مليار دولار في الاسبوع على أفغانستان لذلك فان فاتورة العراق صغيرة نسبيا".

وأشارت مكنزي ايجلن المحللة بمعهد امريكان انتربرايز الى ان التدخل العسكري الامريكي في ليبيا عام 2011 كان أشد وشمل الاشراف على منطقة حظر جوي والقيام بضربات جوية أكثر ولفترة أطول، وقالت إن البنتاجون قدر تكلفة عملياته في ليبيا التي استغرفت سبعة أشهر بنحو مليار دولار، وقال جوردون آدمز الاستاذ بالجامعة الامريكية الذي عمل في مكتب الميزانية خلال ادارة الرئيس الاسبق بيل كلينتون انه مع تكثيف الطلعات الاستكشافية والضربات الجوية يمكن ان تقفز النفقات في العراق الى خمسة مليارات دولار أو أكثر كمعدل سنوي، واتفق المحللون الثلاثة على ان البنتاجون سيكون بوسعه تغطية تكاليف العراق بميزانيته للسنة المالية الحالية دون ان يطلب المزيد من الاموال من الكونجرس.

وقال هاريسون ان ميزانية وزارة الدفاع لعام 2015 التي يدرسها الكونجرس تتضمن خمسة مليارات دولار في اطار صندوق شراكة لمحاربة الإرهاب، وأضاف "محاربة الدولة الاسلامية في العراق والشام هي تحديدا الشيء الذي يجب ان تنفق عليه هذه الاموال ولذلك لا أرى داع لاحتياجهم لاموال أكثر من التي طلبوها بالفعل"، وقالت ايجلن انه اذا طلب البنتاجون مزيدا من الاموال فذلك على الارجح سيكون نتيجة توسيع نطاق التدخل العسكري الامريكي في الصراع.

توسيع الدور العسكري الأمريكي

من جانب اخر يقول مسؤولون أمريكيون إن من المستبعد أن يعمد الرئيس باراك أوباما لتوسيع الدور العسكري الأمريكي في العراق أو سوريا وإنه قد يستمر في توجيه الضربات الجوية الأمريكية وذلك رغم الضجة التي أثارها ذبح صحفي أمريكي في الداخل والخارج، وبدا أن الفيديو الذي نشر على الإنترنت سبب إزعاجا شديدا للمسؤولين الأمريكيين إذ ظهر فيه رجل مقنع يرتدي السواد وهو يذبح جيمس فولي (40 عاما) ويعلن الحرب على الولايات المتحدة ردا على الغارات الجوية الأمريكية المستمرة على أهداف للجهاديين في العراق، لكن عدة مسؤولين بالإدارة الأمريكية قالوا إنه لا توجد خطط لتغيير كبير في الحملة الأمريكية على مقاتلي الدولة الإسلامية الذين استولوا على ثلث العراق منذ يونيو حزيران الماضي أو توسيع نطاق العمليات العسكرية لتشمل سوريا التي قويت فيها شوكة التنظيم خلال الحرب الأهلية.

وقال مسؤول أمريكي اشترط عدم نشر اسمه "من منظور عسكري لا أعتقد أن ذلك سيغير من الأمر شيئا، فلم يكن الهدف العسكري قط إضعاف الدولة الإسلامية في العراق والشام" مستخدما الاسم السابق للتنظيم، وأضاف "كان الهدف حماية أفراد أمريكيين ومنشآت أمريكية"، وكان أوباما وصف تنظيم الدولة الإسلامية بأنه "سرطان" بفكر مفلس في مؤتمر صحفي، وبعد فترة وجيزة من حديث أوباما قالت وزارة الدفاع إن طائرات أمريكية وجهت 14 ضربة جوية لأهداف في محيط سد الموصل ودمرت أو أتلفت سيارات همفي وشاحنات ومتفجرات تخص المتشددين، ويؤكد قرار أوباما التغاضي عن توجيه رد عسكري مباشر على قتل فولي عزوف البيت الأبيض عن التورط أكثر من ذلك في العراق وسوريا.

ومنذ بدأت الانتفاضة على حكم الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2011 شدد البيت الأبيض على محدودية قدرات الولايات المتحدة في توجيه الأحداث في الشرق الأوسط رغم انتقادات وجهت لرده الضعيف على إزهاق الأرواح، وفي سوريا التي سقط فيها ما يقدر بنحو 170 ألف قتيل خلال ثلاث سنوات تجنب الرئيس الأمريكي استخدام القوة العسكرية حتى بعد اتهام الأسد باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين، بل إن المسؤولين الأمريكيين حاولوا التوسط في صفقة دبلوماسية بهدف التخلص من مخزونات سوريا من الأسلحة الكيماوية وحققوا نجاحا في هذا الصدد، وفي العراق حيث أنهى أوباما حربا قتل فيها ألوف الجنود الأمريكيين وكانت محور السياسة الخارجية الأمريكية على مدى ما يقرب من عقد لم يأمر البيت الأبيض بتوجيه ضربات جوية إلا بعد أن هدد الجهاديون بغداد نفسها.

ومنذ الثامن من أغسطس آب بدأت الطائرات دون طيار والمقاتلات الأمريكية مهاجمة العربات المدرعة وقطع المدفعية وغيرها من الأهداف لدى المقاتلين الجهاديين، ويقول مسؤولون أمريكيون إن الهدف هو حماية منشآت أمريكية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراقي والمدنيين في المنطقة وليس تدمير الدولة الإسلامية نفسها، وقال مسؤول أمريكي ثان "استراتيجيتنا هي (مساعدة العراقيين على) دفعهم للانسحاب من الاراضي التي كسبوها"، ومع تزايد الضربات الأمريكية تزايدت تهديدات الدولة الإسلامية للولايات المتحدة، وتوعد التنظيم بإغراق الأمريكيين في الدماء، وفي اليوم التالي وقبل نشر فيديو مقتل فولي حذرت رسالة أخرى من الجهاد ضد أمريكا "الصليبية".

ورغم وجود مخاوف منذ سنوات عديدة من أن يشن جهاديون يحملون جوازات سفر أوروبية أو أمريكية هجمات في الغرب فقد تحاشت الولايات المتحدة التدخل بشكل واضح في العراق وتركت للقوات العراقية التصدي للمتشددين وهو موقف أيدته استطلاعات الرأي العام عموما، فعلى سبيل المثال أظهر استطلاع في يونيو حزيران أن 55 في المئة ممن شملهم الاستطلاع سيعترضون إذا تدخلت حكومة أوباما عسكريا في العراق، وأوضح الاستطلاع أن 20 في المئة فقط من الأمريكيين يؤيدون التدخل العسكري، ولم يتضح ما إذا كان مقتل فولي سيؤدي إلى تحول الرأي العام لكن يبدو أن تأييد العمل العسكري يتزايد، فقد أظهر استطلاع نشرت نتائجه مؤخرا قبل نشر فيديو مقتل فولي أن أغلب الأمريكيين يقرون الضربات الجوية التي تشنها الطائرات الأمريكية في العراق وأن عددا متزايدا يرى أن الولايات المتحدة تقع على عاتقها مسؤولية التصرف في هذا الصدد. بحسب رويترز.

وقال مسؤولون أمريكيون إن قوات أمريكية حاولت إنقاذ فولي ورهائن أمريكيين غيره محتجزين في سوريا هذا الصيف لكنها لم تنجح في مهمتها، وفي حين أن فرص توسيع الدور الأمريكي تبدو ضئيلة في الوقت الحالي فإن احتمالات انزلاق الولايات المتحدة في الصراع في سوريا والعراق تتزايد مع تزايد خطر الدولة الإسلامية، فربما يجبر ذلك المسؤولين الأمريكيين على إحياء الخيارات التي قدمها القادة العسكريون في السابق مثل توجيه ضربات جوية في سوريا، وربما تشمل الخيارات الأخرى استخدام الطائرات دون طيار في مهاجمة مناطق في شرق سوريا لا يسيطر عليها الاسد مثلما يحدث في بعض مناطق باكستان واليمن، وقال جيمس جيفري الدبلوماسي المخضرم الذي كان سفيرا لأمريكا في العراق من 2010 إلى 2012 "أوباما ينجر إلى ذلك، فرفضه ببساطه لا يمكن الدفاع عنه"، كما أرسلت واشنطن أكثر من 800 جندي إلى العراق منذ يونيو حزيران، وقال مسؤولون أمريكيون إنه قد يتم ارسال ما يصل إلى 300 من العسكريين إلى العراق لتوفير الأمن للدبلوماسيين الأمريكيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/آيلول/2014 - 5/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م