الحريات الإعلامية في المنظور الإسلامي

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يتفق المعنيون بالحريات بأصنافها المتعددة، على أن حرية الاعلام تعد من المؤشرات المهمة التي تؤكد ديمقراطية النظام السياسي، لذلك ثمة معالة في هذا الصدد، مفادها كلما كان الخط البياني لحرية الاعلام مرتفعا، كلما تأكدت ديمقراطية النظام الحاكم، ويصح العكس تماما، من هنا تعد حرية الاعلام مقياسا للانظمة السياسية الناجحة او الفاشلة، فعندما يتدخل الحاكم ونظامه السياسي في مسارات الاعلام ويوظفها لصالح حماية النظام وتلميعه، هذا يؤكد بلا شك قمعية هذا النظام.

فالحكام المستبدون لا يعترفون بحرية الاعلام ولا حيرة الشعب، إنهم يؤمنون بحرية النظام السياسي الذي يقودونه بأنفسهم، وبالرؤية والنظرية التي يضعونها بأنفسهم خدمة لمصالحهم الخاصة وحماية عروشهم من السقوط، وهؤلاء الحكام الفرديون لا يكتفون بالصلاحيات المحددة لهم، لذلك يخشون الاعلام الحر ويحاصرونه، ويمسخونه تماما حتى يصبح لسانا لهم في جميع الاوقات والحالات.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه الاجتماع ج1)، في هذا المجال: إن (الحكام المستبدون يفرضون أنفسهم على وسائل الإعلام، وعلى المنظمات والملتقيات العامة بواسطة الشرطة السرية، وعلى قطاعات كبيرة عبر الترغيب والترهيب). ويضيف الامام الشيرازي في المسار نفسه: (يقوم الحاكم الدكتاتوري بتجييش الإعلام وموارد الأمة للفتنة والفساد والإفساد والإتهام والقول بالإفك والإثم حُبَّاً للشهرة، وللإنفراد بالسلطة، ولا سبيل لمواجهة ذلك إلاّ بحرية الأحزاب والإعلام واستقلاليته، بعيداً عن الإحتكار والأحادية والتمركز ومركزية السلطة).

ولا يتوقف هذا النهج المنافي لحرية الاعلام على المستوى الداخلي، بل يمكن أن يتعدى الحاكم ذلك الى خارج بلاده او الدولة التي يحكمها، فيعمل على تحشيد الاعلام وتوجيهه خارجيا لصالح نظامه، لذلك ينبغي على الصحفيين والاعلاميين أن يحذروا من هذه الاساليب، كونها تحد من حرياتهم الاعلامية، لتصب في صالح النظام، من اجل تلميع صورته على الصعيد الخارجي، أي أن الصحافة والاعلام هنا يعملان لصالح الحاكم حتى خارج الصعيد المحلي.

لذا يحذر الامام الشيرازي الاعلام في هذا المجال قائلا: (ما يجب الحذر مِنه في هذه المناخات ضمن الحدود القطرية يصدق أيضاً خارجها، فقد يذهب الديكتاتور إلى أبعد مِن ذلك فيُسخِّر وسائلَ الإعلام والضمائر ويجيّشها في المنحى نفسه).

مهمة الصحافة والاعلام

لا شك أن مهمة الاعلامي والصحفي على قدر كبير من المسؤولية، ربما تفوق أو تضاهي حالات الخطورة التي تنطوي عليها، ولم يخطئ من وصف الصحافة بأنها (مهنة المتاعب)، فعلى الرغم من مصاعبها، تتطلب نوعا من الحذر وكثيرا من الدقة والنزاهة في نقل الخبر ووصف الحادثة او تصويرها، لذلك غالبا ما تكون مهمة الصحفي او الاعلامي صعبة في ظل النظام السياسي الفردي، او النظام القائم على قيادة الحزب الواحد للبلاد.

لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: إن (مهمة الإعلامي والصحفي والباحث الإجتماعي تكون أكثر صعوبة وتعقيداً، وتستدعي المزيد مِن الإنتباه والحذر والتدقيق عند ما يكون التحقيق في بيئة تحكمها الأحادية الحزبية، تقديس الفرد، عدم التداول السلّمي للسلطة، إنعدام حرية الصحافة والإذاعة والتلفزيون وما في هذا الإتجاه، والتي في ظلها تمسي الإحصاءات الرسمية، والأجوبة على نماذج الأسئلة وأوراقها المسْحيّة لا تعطي إلا رائحة الحاكم).

ولذلك ينبغي أن يتحلى الصحفي بصفات مهمة مع توافر حرية الرأي والموقف لديه، وأن لا يجعل من نفسه اداة تتلاعب بها ارادة الحاكم او نظامه، كذلك لابد ان يبتعد الصحفي او الباحث عن سحب معلوماته من الشائعات، ولابد له أن يستند الى الحقائق والوقائع كما هي فعلا، وليس كما يسمع بها دون أن يراها ويقف عليها بنفسه.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الجانب: (على الباحث أو الـمُحقق في اللقاءات ونشاطات إستقراء ومسح الرأي العام تحاشي الإعتماد على الشائعات والدعايات والمناخات والأجواء الـمُصطنعة، بل يكون له مِن الذكاء ما لا يخلط الحقيقة بالمصطنع).

وحتما يحصل الصحفي والاعلامي على تجربة عملية نتيجة لتراكم الخبرة لديه، فهو يستطيع أن يميز في عمله بين الاخبار الملفقة والكلمات الكاذبة، ويمكنه أن يعرف ويتلمس الاجواء الحرة ويفرق بينها وبين اجواء التضليل والقمع، فإذا كانت الاجواء حرة فإن العمل او التحقيق الصحفي سوف يسير سلسا شفافا، يستند الى الحقائق بصورة تامة، ويلمس اللاعلامي تعاونا واضحا معه في هذا الصدد، على العكس من ذلك اذا كانت الاجواء والمناخات مخاتلة وكاذبة، هنا لابد أن يفهم الاعلامي انه ازاء فخ السلطة وأهدافها التي تحاول ان تفرض عليه ما يحدد حريته ورأيه، فيفرض عليه هذا النظام الفردي حالات التزوير ونشر الشائعات، وهو امر ينبغي التصدي له ورفضه.

لذا يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (في التحقيق ينبغي التمييز بين المناخات الكاذبة وبين الأجواء الحرة، وحين تكون الأجواء مِن النوع الأول لا مناص مِن إجتناب إفرازات وإنعكاسات الحاكم المستبد الـمُرّوِج لسياسة التجهيل والمسيطر على الإعلام، في الحوارات والمقابلات والإحصاءات في عملية البحث عن الحقيقة).

ضبط السلطات الثلاث

السلطات الثلاث.. التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، لابد أن تكون تحت مجهر السلطة الرابعة، وهي سلطة الصحافة والاعلام بكل فروعه السمعية والبصرية والورقية، هذه السلطة الرابعة عندما تعمل في اجواء الحرية، سو تعطي نتائج باهرة في جميع المجال، وسوف تؤكد ان النظام السياسي ومؤسسات الدولة تعمل وفق اطار دستوري قانوني يحفظ حقوق الجميع، بمن فيهم حقوق الحاكم والمحكوم.

من هنا لابد أن يتم ضبط السلطات الثلاث بقوة السلطة الرابعة، من خلال توفير الاجواء المتحررة لها، واتاحة العمل امامها بحرية تامة، مع نفاذ جميع القوانين على سلطة الاعلام وسواها، بمعنى عندما يخطئ الاعلامي والصحفي، سيكون خاضعا لسلطة القانون، فكونه ينتمي الى السلطة الرابعة، هذا لا يعفيه من العقاب العادل اذا كان يستحقه، ولكن في جميع الاحول لابد من رصد ومراقبة عمل السلطات الثلاث بحرية.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الجانب: (يجب ضبط السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، عبر وسائل عديدة منها الصحافة الحرة والصحفيين الأحرار، إذ يُحاسب الحكام والممثلين والقضاة عن كلِّ صغيرة وكبيرة). لذلك تعد مسؤولي الصحفي والاعلامي على وجه العموم، مسؤولية كبيرة وخطيرة في الوقت نفسه.

فالصحفي الكاتب الباحث المتقصي للحقيقة، عليه شروط ينبغي أن يلتزم بها، مثلما له حقوق ينبغي توفيرها له من اجل أن ينجح في اداء مهامه، تتقدم هذه الامور والحقوق، حرية العمل الصحفي والاعلامي، وعدم وضع المعوقات امامه، او منعه من اداء مهمته مهما كانت الاسباب، إلا ما يتعارض منها مع القانون، او الحريات والاساءة إليها.

علما أن الصحفي الاعلامي، لابد أن يعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، كذلك عليه ان يفهم دوره الكبير في النهوض بالدولة ومؤسساتها من جهة، وبالمجتمع ومكوناته كافة من جهة خرى، وعندما يكون على هذه الدرجة من تحمل المسؤولية وفهم ما يقوم به من دور كبير، عند ذاك سينجح في عمله وفق جميع المقاييس.

لهذه الاسباب يؤكد الامام الشيرازي، على أن: (المسؤولية كبيرة وخطيرة وحساسة للكاتب والمحقق والباحث والإعلامي لمساعدة المواطن أو الدولة في الوصول إلى فكر وإعلام دقيق ومحقق، ينهض فيه المفكر والباحث والإعلامي إلى التعاطي الإيجابي الحرّ المتحرر).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/آيلول/2014 - 5/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م