داعش في سوريا... حرب الحروب لإعادة تشكيل الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: دخل تنظيم ما يسمى (الدولة الإسلامية/ داعش) كشريك أساسي في معادلة الازمة السورية، بعد ان استطاع السيطرة على مساحات واسعة من سوريا (قد تصل نسبتها الى أكثر من 35% من مجمل الأراضي فيها)، وفرض فيها تعاليمه وافكاره المتطرفة بالقوة والترهيب، في ممارسات فاقت عنف جميع التنظيمات المتشددة ذات الأيدلوجيا المتطرفة، وقد تمكنت من اخضاع اغلب العشائر (من المسلمين السنة وهم الأغلبية في سوريا) الكبيرة (بالترهيب والترغيب) ومبايعتها للتنظيم كشرط لكي تأمن القبيلة على افرادها واعراضها وممتلكاتها، فيما كان مصير الأقليات الاخرى الذبح والتهجير والسبي والتعذيب (كما فعلت بالعلويين الشيعة والمسيحيين والكرد وغيرهم).

وعندما سيطر التنظيم الأكثر عنفاً بين الفصائل الأخرى المسلحة، التي تقاتل النظام، والتي تأخذ اغلبها نهجا إسلاميا متطرف (كجبهة النصرة التي أعلنت ولائها لتنظيم القاعدة)، اتخذت من الرقة معقلا رئيسيا لدولتها المزعومة، بعد ان اسقطت اخر معاقل النظام السوري فيها (قاعدة الطبقة الجوية)، كما بسطت نفوذها في محافظة دير الزور، ومنها انتقلت الى الحدود العراقية (بعد ان سيطرت على المعابر الرئيسية بين البلدين)، لتسيطر على ثاني كبرى مدن العراق (الموصل)، إضافة الى مناطق من صلاح الدين وديالى، والتي مارست فيها نفس الأسلوب الدموي الذي مارسته في المناطق الخاضعة لها في سوريا.

وقد شكل هذا التوسع الجغرافي (الذي تبعه توسع اقتصادي كبير) ضغطا حقيقيا على المجتمع الدولي، سيما وان التهديد الذي قد يحدثه هذا التنظيم مستقبلا لن يستثني أحدا من ابعاده الكارثية، وانما سيشمل الجميع، كما أشارت اغلب تصريحات زعماء الدول الكبرى.

فيما أشار محللون سياسيون وخبراء امنيون، ان هناك تعاونا وثيقا قد يجري حتى بين الدول ذات المواقف المتباعدة سياسيا، فبعد ان رشحت إيران كورقة أساسية يمكن ان تساعد في وضع خطة استراتيجية للقضاء على داعش، والتي لم يعترض عليها الكثير، بل صدرت تصريحات مشجعة للتعاون معها، خصوصا من بعض قادة دول الاتحاد الأوربي، بات النظام في سوريا يحاول أيضا كسر العزلة الدولية عنه، من خلال ابداء الرغبة في التعاون الوثيق مع المجتمع الدول لقضاء على خطر داعش وانتشارها في الشرق الأوسط وصولا نحو الغرب، وأضاف الخبراء، انه مع الرفض المعلن لهذه الدعوة السورية الا ان التعاون معها ممكن، اذا زاد خطر احتواء هذا التنظيم، الامر الذي يعني فتح صفحة جديدة في الملف السوري الشائك.

التشدد ضد مسلمي سوريا

في سياق متصل ومع تقدم متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور السورية مؤخرا لم يكن أمام من قاوموهم سوى خيارين بسيطين: التوسل من أجل الرحمة أو مواجهة الموت المحتم، وصيغ هذان الخياران بعبارات دينية لا لبس فيها من جانب المتشددين الإسلاميين، وطلب من المقاتلين المهزومين إما التوبة أو الموت، وهو خيار مبني على قواعد إسلامية تنطوي على أن مقاومة حكم الدولة الإسلامية كفر بالله، وقال مقاتل معارض استسلم لتنظيم الدولة الإسلامية في الثاني من يوليو تموز ويعيش في حالة من الخوف على حياته منذ ذلك الحين "سلمت أسلحتي"، وما زال يعتقد أن الدولة الإسلامية قد تعدمه في أي لحظة، وقال عبر وصلة على الإنترنت "الكل معرض لهذا، الكل خائف".

وسعيا لترسيخ أقدامه في محافظة دير الزور المنتجة للنفط بدأ تنظيم الدولة الإسلامية واحدة من أكثر موجات القمع دموية حتى الآن تضمنت إعدامات جماعية وتهديدات وإزالة منازل بينما تركز اهتمام الدول الغربية على دحر تقدم الجماعة في العراق المجاور، وحصل البعض على عفو وفقا لشروط تنظيم الدولة الإسلامية التي تتضمن الولاء التام بينما لم تكن هناك أي رأفة بالبعض الآخر، وخص التنظيم إحدى العشائر تحديدا بالاضطهاد، ونفذ حكم الإعدام بالمئات من أفراد عشيرة الشعيطات بعد أن رفضت قبيلتهم أن تدين بالولاء للدولة الإسلامية، واعتبر التنظيم العشيرة بأسرها "مرتدة ومعادية"، وتنظيم الدولة الإسلامية منبثق عن تنظيم القاعدة وقد أعلن قيام خلافة إسلامية في الأراضي التي يسيطر عليها.

ويقول الأهالي إن قتل أفراد العشيرة مثال على أن كثيرا من ضحايا الدولة الإسلامية ليسوا من الأقلية الشيعية أو اليزيديين أو المسيحيين، بل من السنة، ومع تقدم مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق لاذت أقليات بالفرار مخافة الإعدام أو الإجبار على اعتناق الإسلام وفقا لتفسير الجماعة له، وهو تفسير وضع في حالة عشيرة الشعيطات أساسا شرعيا لأعمال قتل جماعية بحق السنة، ويفيد تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يرصد أعمال العنف في الحرب السورية إن الدولة الإسلامية أعلنت أن عشيرة الشعيطات طائفة غير مؤمنة ينبغي مقاتلتها كما لو كانت كافرة، وأفاد المرصد في 16 أغسطس آب أن ما لا يقل عن 700 من أفراد العشيرة جرى إعدامهم بالفعل.

ومازال 1800 غيرهم مفقودين بعد أن احتجزهم مقاتلو الدولة الاسلامية حسبما قال المرصد، وقوبلت مساعي العشيرة لمبايعة الدولة الاسلامية بالرفض، وقال رامي عبد الرحمن مؤسس المرصد إن صور جثث الرجال الذين قتلهم مقاتلو الدولة الإسلامية فيما يبدو في مناطق الشعيطات تظهر في كل يوم، وأضاف "عبرنا مرارا عن مخاوفنا بشأن الإبادة"، وأضاف "هذه أول مرة تستخدم فيها الدولة الإسلامية هذه المفاهيم (الدينية) ضد عشيرة بأسرها"، وساق التنظيم بهذا أداة دينية تكفيه لسحق العشيرة التي كانت حتى وقت قريب تسيطر على عدة حقول نفط في دير الزور بحسب مصدر مطلع على الصراع، والآن صارت العوائد تصب في يد الدولة الإسلامية بالكامل، وكانت معاملة أبناء الشعيطات رادعا قويا عن حدوث مقاومة أخرى في دير الزور وهي محافظة تحد العراق في الشرق وتقطنها أغلبية عربية سنية تنتمي بالأساس إلى عشائر تمتد عبر الحدود في العراق. بحسب رويترز.

وبعيدا عن عشيرة الشعيطات التي يعتقد أن عدد أفرادها نحو 150 ألفا فقد قبل مقاتلو الدولة الإسلامية باستسلام عشائر أخرى مؤثرة في المنطقة أعلنت استسلامها للجماعة، وشنت الجماعة في مطلع يوليو تموز تقدما سريعا في المحافظة مؤمنة بذلك ممرا في الأراضي السورية بطول نهر الفرات وحتى الحدود العراقية، ويأتي ذلك بعدما اكتسبت الجماعة قوة دفع جراء المكاسب التي تحققت بسرعة في العراق، وقال المقاتل المعارض الذي استسلم لتنظيم الدولة الإسلامية "لن أنسى ذلك اليوم" في إشارة لليوم الذي سيطر فيه مقاتلو الدولة الإسلامية على بلدة الشحيل على بعد 40 كيلومترا جنوب شرقي مدينة دير الزور خلال شهر رمضان، وأضاف المقاتل "كان الناس بصدد تناول الإفطار حينما شنت الدولة الإسلامية هجومها".

وقال "تجري الدولة الإسلامية إحصاء مفصلا لكل الرجال، هم يسجلون الأسماء الكاملة ويؤشرون على من حاربوا ضدهم مثلي، بمعلومات مفصلة عن السلاح الذي استخدمته والمعارك التي خضتها"، وكان المقاتل المعارض الذي لم ينشر اسمه لأسباب أمنية مقاتلا في جماعة مرتبطة بالجيش السوري الحر، وهو تنظيم خاص بالمعارضين السوريين المدعومين من الغرب أفل نجمه إلى حد بعيد عن المشهد مع سطوع نجم الجماعات الإسلامية المسلحة ذات التسليح الأفضل، وشاركت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في الحرب الأهلية السورية وشاركت في جهود صد تقدم الدولة الإسلامية في دير الزور، وتخلت الجبهة الآن عن المنطقة التي كانت في وقت من الأوقات معقلا لها بعدما رفضت الاستسلام.

وبعد استشعار اقتراب الهزيمة خاطبت كتائب المعارضة الضعيفة وسيطا ليقول للدولة الإسلامية إنها مستعدة لهدنة بل مستعدة لإعلان الولاء للجماعة، وقال المتمرد واصفا ليلة رمضان "كنا جميعا نعرف أنه إذا استمرت هذه المعركة طوال الليل، فستكون هذه نهايتنا جميعا ونهاية بلدتنا ونهاية أسرنا"، ولم يقتل تنظيم الدولة الإسلامية مقاتلي المعارضة ووجهاء العشائر الذين استسلموا في الشحيل، ولكنهم أجبروا أهالي البلدة البالغ عددهم 35 ألفا على المغادرة ثمانية أيام قائلين إن ذلك هدفه تفتيش المنازل وتأمين المنطقة، وقال المقاتل المعارض "لم يكن أمامنا خيار، جميعنا غادرنا المدينة: كبارا، رضعا، مدنيين، مقاتلين، الكل"، وأقام البعض مع أقاربهم في قرى قريبة بينما نام آخرون في الصحراء لمدة أسبوع متحملين قيظ الصيف، وأضاف "أعلنت توبتي، ولكني لا أؤيدهم".

ولكن بالنسبة لعشيرة الشعيطات، لم تأخذهم بهم شفقة، وقال المقاتل المعارض وشخص آخر في المنطقة إن مقاتلي الدولة الإسلامية سيطروا على ثلاث قرى للشعيطات وجعلوها منطقة عسكرية، وصودرت ممتلكات العشيرة وثروتها الحيوانية، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن أن من غير الممكن إبرام هدنة مع الشعيطات وأن بالإمكان قتل أسراهم وسبي نسائهم، وقال شخص من المنطقة جرى الاتصال به عبر وصلة الإنترنت بعدما طلب عدم الإفصاح عن اسمه "ما زلنا نرى شاحنات الدولة الإسلامية محملة بالأثاث والسجاد من منازل الشعيطات في هذه القرى التي باتت الآن مهجورة تماما"، وبدأ مقاتلو الدولة الإسلامية استخدام إزالة المنازل كإجراء عقابي، ويظهر فيديو وضع على الإنترنت ما بدا أنه تفجير لمنزل ريفي بينما كان المعلق على الفيديو الذي عرف نفسه بأنه من الدولة الإسلامية يشرح كيف أن المنزل يخص "كفارا" من الشعيطات، ويقول المعلق إن هذا تحذير لكل العشائر كي تستسلم وتدين بالطاعة للدولة الإسلامية.

وأصدرت عشائر أخرى في دير الزور مناشدة للدولة الإسلامية كي تتوقف عن إلحاق الضرر بالشعيطات، وظهر وجهاء عشائر وعشائر من جماعات أخرى في فيديو ظهر يناشدون زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي كي يعفو عنهم، والتمس أحد كبار الوجهاء العفو عن أبناء الشعيطات الذين دانوا بالولاء للدولة الإسلامية وفتح صفحة جديدة، وأشار إلى التوسع المحتمل للضربات الجوية الأمريكية على الدولة الإسلامية لتشمل الأراضي السورية قائلا إن "العدو الصليبي" يعد العدة لضرب المناطق السنية الواقعة تحت حكم الدولة الإسلامية داعيا إلى القتال يدا واحدا ضد أعداء دين الله.

قسوة مفرطة

الى ذلك نشرت صور على الانترنت وانتشرت أنباء على تويتر عن اعدام الدولة الاسلامية جنودا من الجيش السوري واحتجاز البعض رهائن عقب اجتياح مقاتلي التنظيم لقاعدة جوية في شمال شرق سوريا، واجتاح مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية المنشق على تنظيم القاعدة قاعدة الطبقة الجوية القريبة من مدينة الرقة بعد معارك مع الجيش السوري استمرت عدة أيام وأدت الى مقتل أكثر من 500 شخص طبقا لما أورده المرصد السوري لحقوق الانسان، وكانت قاعدة الطبقة موطئ القدم الاخير لقوات الجيش السوري في منطقة يسيطر عليها متشددون استولوا على مناطق كبيرة من سوريا والعراق، وشنت الولايات المتحدة هجمات جوية على التنظيم في العراق وتدرس خياراتها في سوريا.

وأظهرت صورة نشرت على الانترنت مجموعة من المسلحين الملثمين وهم يقتلون بالرصاص سبعة رجال على الاقل راكعين عرفوا بانهم من جنود الجيش السوري، وفي صور أخرى ظهرت مجموعات لما يتراوح بين 8 و10 جنود بملابسهم العسكرية وهم يحتجزون رهائن بعضهم كان به اصابات في الوجه، وعرف ثلاثة من بينهم على انهم ضباط، وتظهر الصور فيما يبدو احتجاز نحو عشرين رهينة، وذكرت تقارير ان احدى الصور هي لجثة طيار ظهر في التلفزيون السوري قبل الهجوم على القاعدة وهو يشرح كيف ان الجيش يستطيع بسهولة الدفاع عنها، وفي صور أخرى ظهر مسلحون آخرون وهم يمسكون السكاكين بالقرب من مجوعة من الرجال الاسرى، وعرض التلفزيون السوري تقريرا شمل مقابلات مع أفراد عسكريين في القاعدة وعرض دفاعاتها قبل ان تجتاحها الدولة الاسلامية. بحسب رويترز.

وقال التلفزيون السوري انه بعد معركة شرسة أعاد الجيش تنظيم صفوفه وقام بإخلاء ناجح للمطار مع مواصلة توجيه الضربات الى الدولة الاسلامية في المناطق القريبة من القاعدة، والرقة هي معقل قوي للدولة الاسلامية واحتفل بعض سكان المدينة لدى سقوط القاعدة في قبضة مقاتلي التنظيم، وقال المرصد السوري ان ما لا يقل عن 346 مسلحا من الدولة الاسلامية قتلوا كما قتل أكثر من 170 فردا من قوات الامن في قتال استمر خمسة ايام على القاعدة مما جعله واحدا من أشد المواجهات دموية بين الجانبين منذ بداية الحرب السورية، وظهر في الصور التي نشرت على الانترنت الهجوم على القاعدة الذي استخدمت فيه دبابة واحدة على الأقل، كما أظهرت صور لاحقة جثثا على الارض وقطعا عسكرية منها طائرة وذخيرة طائرات وصواريخ ولم يتضح ما اذا كانت تعمل.

انفراجه مع الغرب

فيما تراهن سوريا على أن مسعى تنظيم الدولة الإسلامية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط سيدفع في نهاية المطاف الغرب المعادي إلى التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره الخيار الوحيد للتصدي لهذا الخطر، وفي حين تصعد قوات الأسد قتالها مع مسلحي الدولة الإسلامية في حرب سوريا الأهلية تنفذ الولايات المتحدة غارات جوية على الجماعة ذاتها في العراق المجاور، وتقول مصادر على دراية بتفكير الحكومة السورية إن هذه العوامل بالإضافة لعقوبات الامم المتحدة على المقاتلين السنة في سوريا والعراق عززت اعتقاد الأسد بأن الولايات المتحدة وأوروبا ستتفقان مع رؤيته للصراع، ويستبعد مسؤولون في حكومات غربية دعمت الانتفاضة ضد الأسد فكرة التقارب ويقولون إن سوريا ليست العراق.

لكن تنامي المخاوف الغربية من الدولة الإسلامية يثير الجدل بشأن السياسة تجاه سوريا، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الحرب الأهلية تراجع دور المعارضة السورية المعتدلة (التي كان الغرب يأمل أن تكون لها اليد العليا) مع صعود إسلاميين متشددين، وترى حكومة دمشق التي تشجعت بسبب زيارات من وكالات مخابرات أوروبية أعلن عنها مسؤولون سوريون في وقت سابق هذا العام أن الحرب على الدولة الإسلامية ستفتح فرصا جديدة للتواصل، ولا توجد مؤشرات على أي تغيير في واشنطن التي تقوم سياستها تجاه سوريا على ضرورة رحيل الأسد وكادت تقصف سوريا العام الماضي بعد أن اتهمت الأسد باستخدام أسلحة كيماوية، وقال بن رودس نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال مقابلة اعلامية "إنه (الأسد) جزء من المشكلة".

وتقول المصادر إن الأسد لا يتوقع أن يغير الغرب سياسته قريبا لكن بعد سيطرته على أراض ينظر لها باعتبارها ضرورية لبقائه فإن أمامه متسعا من الوقت طالما يتحلى ببعد النظر في الصراع في سوريا، وقال سالم زهران وهو صحفي لبناني مقرب من الحكومة السورية "يدرك النظام أن الانفتاح الغربي سيكون في السر وعبر قنوات أمنية وليس دبلوماسية، الانفتاح الدبلوماسي والسياسي يحتاج لوقت أطول، لكن النظام يعتقد أن العالم كله سوف يأتي للتنسيق معه تحت شعار (مكافحة الإرهاب)"، وتقدم دمشق نفسها كشريك في حرب ضد عدو مشترك أعلن خلافة إسلامية في الأراضي التي يسيطر عليها عبر الحدود بين سوريا والعراق، ويتحرك مقاتلو الدولة الإسلامية بحرية بين البلدين.

ويسيطر التنظيم على نحو ثلث أراضي سوريا وهو الأقوى بفارق كبير بين الجماعات التي تقاتل الأسد في حرب قتل خلالها نحو 170 ألف شخص ودمرت معظم سوريا وقصرت سيطرة الاسد على المناطق الغربية وبينها دمشق، ووصف الأسد معارضيه بأنهم متطرفون منذ بداية الانتفاضة في 2011 حين قمعت قواته بعنف متظاهرين سلميين استلهموا الربيع العربي، ويقول منتقدون إن هذا القمع أدى لتطرف خصومه، وتهيمن الجماعات الإسلامية الآن على المعارضة المفككة، وثاني أقوى هذه الجماعات هي جبهة النصرة الذراع الرسمية لتنظيم القاعدة في سوريا والتي أدى تنافسها مع تنظيم الدولة الإسلامية إلى اقتتال داخلي بين مقاتلي المعارضة أنفسهم.

وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع يوم 15 أغسطس آب الجاري يدرج فيه جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية على القائمة السوداء، لكنه على النقيض لم يستطع ان يتفق على اتخاذ أي إجراء صارم ضد الأسد خلال السنوات الثلاثة الماضية فيما يرجع أساسا إلى الدعم الروسي لدمشق، وبث التلفزيون السوري جلسة الأمم المتحدة، وقال فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري إن قرار مجلس الأمن "يمثل إرادة المجتمع الدولي في محاربة الإرهاب"، وقال إن سوريا لن تتردد في التعاون مع اي دولة في محاربة الارهاب الا من يدعون محاربته وهم يمولونه ويدعمونه ويرعونه. بحسب رويترز.

وتبدو السعودية (المعادية بقوة لتحالف الاسد مع ايران الشيعية) قلقة بدرجة متزايدة من قوة الدولة الإسلامية، وبينما يعتقد كثيرون ان التفسير المتزمت للإسلام الذي تتبناه الرياض هو السبب في انتشار التشدد السني فقد أدان مفتي السعودية الدولة الاسلامية والقاعدة باعتبارهما العدو الاول للإسلام، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية ماري هارف ان الولايات المتحدة (التي يقلقها وصول تمويل الى الدولة الاسلامية من متعاطفين معها) تعمل مع حكومات المنطقة لحملها على مزيد من التضييق على التمويل، والمقاتلون الاسلاميون الآخرون في سوريا في حالة تراجع، فهم يقاتلون تحت مظلة الجبهة الاسلامية ويواجهون ضغطا نتيجة لتقدم مسلحي الدولة الاسلامية شمالي حلب وهي مدينة سورية رئيسية تطوقها القوات الحكومية ايضا.

وينظر الى الجيش السوري الحر الذي كان في وقت من الأوقات الامل الرئيسي للغرب في معارضة معتدلة للأسد على انه الان فقد أهميته، وقال جوشوا لانديس وهو خبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما "الاسد دفع المعارضة نحو مأزق، لقد نفذوا كل ما تمناه، بأن يصبحوا أكثر دموية منه، وان يصبحوا حفنة من قاطعي الرؤوس والمتطرفين الاسلاميين"، وأضاف ان الدول الغربية التي صورت الاسد كشيطان ستجد من الصعب اعادة التواصل معه، لكن له أصدقاء سيضغطون من أجل السير في هذا الطريق بمن فيهم رئيس الوزراء العراقي الشيعي المكلف حيدر العبادي، وقال لانديس "يحتاج الاسد الى تقديم نفسه كشريك للولايات المتحدة وان يساعد في الترويج لمقوله ستطرحها بلا شك ايران ورئيس الوزراء العراقي الجديد: أنه لا يمكنك ان تكون ضد (الدولة الاسلامية) وضد الاسد".

ويمثل هذا الوضع ورطة للغرب، وحتى العام الماضي فقط سعى أوباما للحصول على موافقة من الكونجرس على توجيه ضربات جوية ضد الاسد بعد ان اتهمه باستخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه وهو زعم نفته حكومة دمشق، وتم تجنب هذه الضربات نتيجة لاتفاق توسطت فيه روسيا وافق بموجبه الاسد على تسليم مخزوناته من الاسلحة الكيماوية، وردا على نداءات لواشنطن بأن تدرس العمل مع الاسد قال رودس ان سياساته هي التي مكنت الدولة الاسلامية من اقامة ملاذ آمن في سوريا، وأضاف انه بدلا من ذلك ركزت الادارة الامريكية على تعزيز قوات الامن العراقية وقوات المعارضة السورية المعتدلة، لكن وزير الخارجية البريطاني السابق مالكولم ريفكند قال ان المعارضة المعتدلة "في حالة فوضى"، وأضاف قائلا "الإرهابيون (من الدولة الاسلامية) يصبحون على نحو سريع الخصوم الجادين الرئيسيين للحكومة المؤيدة لإيران في دمشق".

وكتب في صحيفة ديلي تلجراف البريطانية داعيا للتعاون مع ايران في مواجهة الدولة الاسلامية في العراق وسوريا وقال "اذا تعين علينا العمل مع ايران لهزيمة الدولة الاسلامية فليكن كذلك" ومناطق سيطرة الدولة الاسلامية بعيدة عن مناطق الاهتمام الرئيسي للحكومة السورية وخاصة دمشق وممر اراض استراتيجيا يمتد شمالا الى الساحل معقل الاقلية العلوية التي ينتمي اليها الاسد وتشكل قاعدة سلطته، وهذه المنطقة تخضع الآن في معظمها لسيطرة الأسد، وقال مسؤول غربي مستندا في تحليله الى صور نشرت على الانترنت ان الدولة الاسلامية استولت على ثلاث قواعد للجيش السوري في الرقة في الاسابيع القليلة الماضية لتزيد ترسانتها بواقع 20 قطعة مدفعية بعيدة المدى و22 دبابة على الاقل.

وقال المسؤول "إنها زيادة هائلة في قدراتهم لكنهم غير مدربين على كيفية استخدامها"، وشنت القوات الجوية السورية عشرات الهجمات الجوية على الرقة تزامنا مع الهجمات الامريكية التي ساعدت في طرد مقاتلي الدولة الاسلامية من سد الموصل في العراق، ويسأل المنتقدون عن السبب في ان دمشق تركت فيما يبدو الدولة الاسلامية لحالها حتى وقت قريب مشيرين الى فرص ضاعت لضرب قوافل الجماعة ومتهمين الاسد بالسماح لها بسحق جماعات المعارضة الاخرى، لكن هذا الامر يتغير، فقد قتل عدة مئات من الموالين للاسد منذ كثفت الدولة الاسلامية هجماتها على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في يونيو حزيران حسبما أشار المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يراقب الحرب، وقصفت القوات الجوية السورية ايضا مقاتلي الدولة الاسلامية اثناء تقدمهم قرب حلب، وقال غالب قنديل وهو صحفي لبناني آخر له علاقة وثيقة بالحكومة السورية ان الغرب سيضطر الى التعامل مع الاسد إن عاجلا أو آجلا، ومقابل التعاون الامني سيطالب الاسد برد اعتبار سياسي كامل، وقال "الدولة (السورية) هي الوحيدة التي تملك كمية من المعلومات حول الارهابيين".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آب/2014 - 3/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م