ندوة في القطيف عن (الإعلام في فكر الإمام الشيرازي)

تناقش أساليب الديكتاتوريات في التعامل مع وسائل الإعلام

 

- الأستاذ الشبيب: مؤسساتنا الإعلامية التي تشكو من غياب للخطاب الجاذب المؤثر للشباب

- السيد السادة: الديكتاتوريات تتعامل مع الإعلام كملف أمني وليس فكري ثقافي، فتسلط عليه وزارة الاستخبارات!

 

شبكة النبأ: أقامت (لجنة مداد) وبالتعاون مع 10 مؤسسات ولجان أخرى من مختلف نواحي القطيف وبحضور اجتماعي وعلمائي كبير، ندوتها التأبينية للإمام الشيرازي –أعلى الله مقامه- بعنوان (الإعلام في فكر الإمام الشيرازي) وذلك مساء يوم السبت 26 شوال 1435هـ بمسجد الإمام الحسن الزكي –عليه السلام- بالعوامية.

شارك في الحفل المقرئ الأستاذ ناصر علي أبوعبد الله، والأستاذ بدر الشبيب، وسماحة السيد ماجد السادة، وسماحة الشيخ سعيد آل إبراهيم، وقد تخلل البرنامج عرض مقطعين مرئيين قصيرين حول الإعلام للإمام الشيرازي –أعلى الله مقامه-، إضافة لعدد من الفعاليات الثقافية المصاحبة للبرنامج كمعرض المؤلفات، ومعرض الصور، وركن توزيع المحاضرات والصور الرقمية، وركن بيع وتوزيع المطبوعات.

وقد ابتدأ الأستاذ بدر الشبيب مشاركته بالحديث حول الأهداف والغايات من إقامة التأبين للشخصيات والعلماء، وذكر منها أربع غايات:

أولأً: التأبين هو استحضار للشخصية المؤبنة بما لها من خصائص تميزت بها، ومحاولة لجعل قيمها ومبادئها وسلوكياتها الرائدة حاضرة في وعي الأجيال لتمثلها وإعادة إنتاجها.

ثانيًا: أن التأبين وإحياء الذكرى هو أداء لحق من نؤبنه علينا بمساهمته في نقل أمته أو مجتمعه من حال إلى حال أفضل، وكلما عظمت المساهمة عظم الحق. ومما لاشك فيه أن مساهمات علمائنا الربَّانيين عظيمة جدًّا لأنهم الكافلون لأيتام آل محمد.

ثالثًا: نظرا لما لقيه الإمام الشيرازي من غمط لحقه نتيجة الدعايات المغرضة التي أثّرت سلبًا على التعرف عليه وعلى مشروعه، فإن تأبيناته المتوالية يفترض فيها أن تعمل على رفع شيء من تلك الظلامة من خلال التعريف بما قدم على المستويين العلمي والعملي بصورة موضوعية حيادية.

رابعًا: لأن السيد الشيرازي لا يزال مظلومًا حتى من بعض أتباعه، فلم يسلط الضوء الكافي على نتاجه وما أضافه، وغابت عن واقعنا الثقافي والاجتماعي والسياسي رؤاه الحضارية التغييرية التي بثّها وفصَّلها، لكل ذلك فإن تأبينه هو باب للعودة لذلك النتاج الغزير والرؤى النهضوية، وهذا ما ينبغي أن تركز عليه احتفالات التأبين.

ثم انتقل الأستاذ الشبيب إلى المحور الثاني من مشاركته والذي تركز حول الإعلام وأهميته، واستهل حديثه في هذا المحور باقتباس من كتاب: الرأي العام والإعلام للإمام الشيرازي: (إن مهمة الإعلام في العصر الحديث لا تقتصر على إيصال المعلومات أو تصحيحها وملء الفراغ والترفيه، بل ويتعداها إلى التأثير على الأفكار والآراء، وتشكيل تصورات الشعوب والثقافات، والتحكم بالسوق صناعة وتسويقًا، والتحكم بالتقنية إنتاجًا، وبالتنبؤ المستقبلي).

وتابع الشبيب: نحن نعيش اليوم في عصر (الهايبر ميديا) أو الوسائل المتعددة الفائقة، حيث أصبح الإعلام متحكمًا في المفاصل الرئيسة لصناعة القرار وتسويقه من خلال إعادة تشكيل الرأي العام السياسي والفكري والعقائدي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها.

ونبَّه أن: الإعلام اليوم يصنع وعي العالم وتوجهاته واهتماماته، ومن يسيطر على وسائل الإعلام وتقنياته يمكنه أن يكون رقمًا صعبًا في المعادلة العالمية لتشكيل الرأي العام الذي يعاني من تزييف حاد للوعي.

لقد استطاعت المصانع الإعلامية أن تعيد تشكيل وعينا كما تريد، وبلغت براعتها حدًّا يشعر معه المستهلك أنه المنتج؛ يشعر بالحرية وهو في أسر القيود، وبالسعادة وهو في غمرات الشقاء.

إن الشاشة الفضية تعيد صياغتنا وتشكيلنا كما يريد منتج موادها الإعلامية، فتشغلنا بالقضايا التي يسلطون عليها الضوء، وبالشكل الذي يرغبون فيه، ونهمل القضايا التي يهملون، وحتى وإن كانت أهم قضايانا.

وأكد الشبيب في ختام مشاركته، على ضرورة العمل على إحداث نقلة نوعية في مؤسساتنا الإعلامية التي تشكو من غياب للخطاب الجاذب المؤثر للشباب بالذات، الذي تستهدفه وتجتذبه وسائل الإعلام الغربية وتركز عليه، ومن أسباب ذلك: البساطة، وضعف الرؤية، والخطاب الضيق الذي لا تتعدى حدوده دائرة صغيرة جدًّا من المشاهدين.

ثم افتتح سماحة السيد ماجد السادة مشاركته بفهرسة سريعة لكتاب: (الرأي العام والإعلام) للإمام الشيرازي، واختار منها ثلاثة عناوين لتكون محاور لحديثه، وهي:

1- الإعلام والديكتاتوريات

2- الإعلام والتغيير النهضوي

3- الإعلام والإعلام الإسلامي.

وأشار سماحته في المحور الأول: أن علاقة الديكتاتوريات بالإعلام تسودها حالة الرهاب والفوبيا والإنزعاج الشديد، فهي تحتكر وسائل الإعلام وتقمع الوسائل التي لا تخضع لها، وتكرس إعلامها لخدمة الرجل الأوحد.

وأضاف سماحته: هنا يسجل الإمام الشيرازي مقارنة بين العالم الحر وعالم الديكتاتوريات بمقارنته بين معرضين للكتاب، أحدهما في دولة غربية والآخر في دولة مسلمة. في الدولة الغربية احتوى المعرض على 80 مليون كتاب، أما في الإسلامية فلم يتجاوز المليونين، وكانت عناوين الكتب في معرض الدولة الغربية 50 ألف عنوان تقريبًا، أما في المسلمة فكانت ألفي عنوان فقط.

ويقول -قدس سره-: (أن الغزاة والمحتلين والديكتاتوريين يرهبون الكتاب كما يرهبون السيف، فصلاح الدين الايوبي أحرق مليونين وستمائة ألف كتاب من كتب الفاطميين كانت من أثمن الذخائر، وأكثر هذه الكتب كانت خطيَّة للمئات من العلماء والمفكرين!).

واستنكر السادة تعامل الأنظمة الديكتاتورية مع وسائل الإعلام، قائلاً: والأدهى من ذلك أن الديكتاتوريات تتعامل مع الإعلام كملف أمني وليس فكري ثقافي، فتسلط عليه وزارة الاستخبارات!

ونقل سماحته بعض الأمثلة التي كان الإمام الشيرازي يدعو للإستفادة منها في النهوض بعالمنا الإسلامي، ومنها: أنه في إسرائيل مثلاً لا تحتاج إلا إلى أن تدفع سعر تقديم الطلب لافتتاح وسيلة إعلامية. وينقل الإمام الشيرازي تجربة شخصية له حين أرسل شخصين لوزير إعلام للحصول على تصريح لبعض المطبوعات، فضحك الوزير من هذا الطلب، وقال لهم أن افتتاح وسائل الإعلام في بلده هي عملية حرة تمامًا مثل عملية شراء الفواكه والخضروات من السوق التي لا تحتاج إلى ترخيص رسمي!

ويشير –قدس سره- في المقابل إلى بعض تصرفات الأنظمة الديكتاتورية في قمع وسائل الإعلام من خلال مجموعة من العقوبات مثل: فرض عقوبات ضخمة على المخالف، أو مصادرة أدواته، أو حظر بعض المواد الإعلامية. وكان يدعو الرأي العام باستمرار أن يقاوم ويفضح هذه الأنظمة الديكتاتورية التي تقمع الإعلام وبعضها يتلبس بلبلس الحرية، فبعض الأنظمة اليوم تمنع حتى طبق استقبال البث الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشبَّه –قدس سره- المجتمعات المحكومة بوسائل الإعلام التي تحتكرها الأنظمة بالطيور المحبوسة في الأقفاص. ولأن الرأي العام مؤثر جدًّا على الحكومات وغيرها، تجد أنه لا يمكن محاصرته بوسائل إعلام دكتاتورية، فاليوم الإعلام مفتوح والعصر عصر الشعوب لا الحكومات.

واعتبر السادة أن القوة الفاعلة في النهوض هو الرأي العام ويخطئ من يظن أن الوسائل الأخرى أهم منه في التغيير، حيث يقول الإمام الشيرازي حول دور الرأي العام في التغيير: (.. فبدونه لا تتم العملية، ولو تمت لكانت ناقصة.. بالرغم من أن الرأي العام ليس أداة المعركة لكنه هو الذي يهيئ للإنتصار فيها)، ويشير إلى أن الرأي العام حقق أمورًا في غاية الأهمية للغرب مثل الثورتين الفرنسية والأمريكية.

كما يذكِّر –أعلى الله درجاته- أن الرأي العام يحتاج إلى عمل متراكم ومستمر، وعلينا أن لا نستعجل قطف الثمار ولا نيأس، وأن الفرصة عظيمة في عصرنا الحاضر لدعاة الإصلاح لتغيير الرأي العام لتطور علم الإعلام ووسائله، ويشدّد أن على المسلمين إذا أرادوا أن يعودوا للحياة، فعليهم بالاهتمام بهذا العلم.

وفي نهاية مشاركته، تطرق سماحة السيد السادة إلى بعض نواقص وثغرات الإعلام الإسلامي التي تحتاج إلى التفات وتطوير، ومنها:

- اللاعنف: حيث يوصي الإمام الشيرازي بأن: (اللسان يجب أن يكون غير عنيف، والقلم يجب أن يكون غير عنيف).

- المنهج: هل الإعلام الإسلامي طرح منهجًا؟

يقول الإمام الشيرازي: (الدنيا الآن خاضعة لأصحاب المناهج التي تعرض عليها في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية والجيش وغير ذلك).

كما تطرق سماحته، إلى بعض الاستفهامات التي طرحها الإمام الشيرازي على الإعلام الديني حول المساهمة في الدعوة للتسامح، ومعالجة قضايا الأسرة وتشغيل المرأة وتعليمها، ورفع مستوى الناس علمًا وعملاً ووظيفة، وتغيير مفاهيم المجتمع الخاطئة، وإزالة الديكتاتورية من بلاد الإسلام.

وفي معرض كلامه حول مرتكزات الدعاية والإعلام المضاد، نبَّه السادة إلى أنه: (ليس من الصحيح استفزاز واستعداء الآخر، فينبغي أن يكون الإعلام متزنًا).

كما تحدث سماحة الشيخ سعيد آل إبراهيم في مقدمة المجلس الحسيني الذي عقد في نهاية الندوة حول ظلامة الإمام الشيرازي الذي: (حُسِد وظُلِم كما ظُلم أهل البيت –عليهم السلام- وحُسِدوا، فقد استخدموا الإعلام في ظلمه. يقول نجله السيد مرتضى الشيرازي أنهم كانوا يأتون لبعض كتبه التي كتبها لمختلف المستويات ومنها ما كتبه للأطفال -وهذا في حد ذاته تميز، فليس الكل يستطيع أن يكتب في العقائد للأطفال-، فكانوا يأتون بهذه الكتيبات لبعض الخطباء كالشيخ الوائلي، ويقولون لهم أن هذا هو مستوى السيد، ليكون لهم موقف سلبي منه).

وفي ختام الندوة، شكر عريف الحفل الأستاذ محمد أبو سلطان وبالنيابة عن (لجنة مداد) جميع من حضر من طلبة علم ومثقفين وناشطين ومن عامة المؤمنين، كما أشاد بجهود اللجان والمؤسسات التي أسهمت في إنجاح هذا الحدث الثقافي، وهي:

1- إدارة مسجد الإمام الحسن الزكي بالعوامية

2- قناة الإمام الحسن الفضائية

3- اللجنة الدائمة لإحياء الذكرى السنوية لرحيل الإمام الشيرازي بالخويلدية

4- اللجنة الشبابية الاجتماعية بالعوامية

5- مؤسسة أنوار الرسالة بتاروت

6- مؤسسة الأنوار الثقافية العالمية

7- مركز مشكاة للتنمية البشرية

8- هِمم للثقافة والإعلام

9- هيئة أبي الفضل العباس بصفوى

10- هيئة عابس بصفوى

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آب/2014 - 3/ذو القعدة/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م