المدن المقدسة وإيران .. بين صراع النفوذ وتقاطع المصالح

 

شبكة النبأ: منذ القدم؛ كانت المدن المقدسة في العراق، محط رحال ملوك وزعماء إيران منذ العهد البويهي في القرن الرابع الهجري، وما أعقبه من ظهور الدولة الصفوية ثم الدولة القاجارية.. كان الملوك و"الشاهات" يأتون الى كربلاء المقدسة والنجف الأشرف بالتحديد، وقطع مسافات طويلة بالعربات التي تجرها الخيول.. فعندما كان – مثلاً- ناصر الدين شاه القاجاري، وهم من مشاهير الملوك القاجاريين والمثير للجدل، وصاحب الاتفاقية مع البريطانيين حول بيع امتياز زراعة وإنتاج "التبغ" الإيراني. يجلس في احدى مضايف كربلاء وبالقرب من حرم الإمام الحسين عليه السلام، وهو يتناول الشاي أو ينفث دخان النرجيلة، فانه بالحقيقة كان يوجه رسالة بليغة الى الدولة العثمانية المتولية إدارة العراق آنذاك، بان له موطئ قدم في هذه المدينة المقدسة، وإذا كانت في العراق أربع مدن مقدسة، فالنتيجة؛ تكون لإيران موطئ قدم في مساحة لابأس بها في العراق.

وتشير الحقائق التاريخية الى أن الاهتمام الإيراني – المذهبي، بالمدن المقدسة في العراق، نابع من حاجة ماسّة وشديدة الى الشرعية السياسية، وهذا ما نلاحظه تحديداً في الاهتمام بالنجف وكربلاء، فالأولى محور العلم والقيادة المرجعية، والثانية محور الفكر والثقافة، فمنها تستلهم أفكار النهضة والرفض والممانعة بما يفيدها في مواجهة الاعداء المحتملين.

المراقبون والمحللون في العراق، رصدوا اهتماماً ايرانياً بالمدن العراقية وخاصةً المقدسة منها، بالمقابل هنالك أطراف اقليمية تحاول بسط نفوذها في العراق مثل السعودية، مما خلق نوعا من الصراع على الهينمة وبسط النفوذ والذي ادى الى زهق ارواح الكثير من العراقيين بسبب الصراع الإيراني السعودي.

أما الجديد في الامر حالياً، هو خروج الصراع الطائفي الى السطح من خلال ظهور جماعة "داعش" وتحوله من جماعة إرهابية الى مسمى "دولة" ذات قدرات عسكرية ومالية هائلة وتخطيط وتنظيم دولي واسع النطاق، وهو يحمل نفس الهمّ الذي كانت تحمله الجماعات الارهابية الصغيرة التي فجّرت وقتلت وشردت خلال السنوات العشر الماضية. وهذه المرة فان القضية تتم بشكل منظم ومعد له سلفاً والخسائر في الارواح بالمئات.

وعليه فان المحللين لم يتفاجئوا كثيراً بالتصريح المثير والخطير لوزير الداخلية الايراني عبد الرضا رحماني فضلي مؤخراً، من أن المدن المقدسة في العراق، تُعد خطاً احمر..". بيد أن الخطورة تكمن في التقارب بين خطّي المواجهة؛ ايران واعدائها، وربما تتخذ عملية ليّ الأذرع ، من كربلاء والنجف نقطة الحسم، حيث يقول الوزير الايراني بأن "الرئيس الإيراني کان قد أعطي أوامره للجهات المعنية في الداخل بوجوب التدخل العسکري السريع والمباشر في حال تعرضت الأماکن المقدسة في النجف وکربلاء لأي تهديد محتمل..". مع العلم بأن صدور تصريح من هذا النوع من وزير داخلية، له مدلولاته الخطيرة، حيث يفهم على أن المدن المقدسة في العراق، وتحديداً كربلاء والنجف، ستكون ضمن نطاق الامن الايراني، وربما تكون السيارتين المفخختين اللتين انفجرتا مؤخراً في كربلاء، رسالة الى من يهمه الامر في ايران بانها لن تكون بعيدة عن الصراع بعد اليوم، وأي تحرك يتعارض مع مصالح الاطراف الراعية للارهاب، فان الرد سيكون في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف تحديداً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/آب/2014 - 30/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م