إسرائيل وغزة .. الحرب خيارهم الأوحد

 

شبكة النبأ: أكثر من نصف مليون مدني نزحوا من مناطق القتال الدائرة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، وبعد ان دخلت الحرب اسبوعها السابع، حذر خبراء من جدوى استمرار القصف الإسرائيلي العشوائي في مناطق يسكنها مدنيين فلسطينيين، تعتقد إسرائيل انها مراكز تابعة لحماس تدير من خلالها عمليات المقاومة التي تستهدف إسرائيل، وبعد أيام من فشل أطول هدنة بين الطرفين، لم تنجح حتى الان أي وساطة دولية في إيقاف مقتل وجرح الالاف من المدنيين، بعد ان صعدت إسرائيل من غاراتها الجوية التي لم تستثني العمارات السكنية ودور العبادة والمدارس وأماكن اللاجئين الفلسطينيين.

فيما قال موسى أبو مرزوق أحد قادة حماس إنه وقع وثيقة للانضمام إلى المعاهدة المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، وأضاف "وقعت حركة حماس على الورقة التي اشترط الرئيس أبو مازن موافقة الفصائل عليها قبل ذهابه للتوقيع على ميثاق روما الممهد لعضوية فلسطين في محكمة الجنايات الدولية"، في محاولة لممارسة المزيد من الضغط الدولي تجاه إسرائيل، سيما وان المحكمة سيكون لها حق الولاية القانونية في التحقيق في الجرائم او الابادة البشرية خصوصا خلال فترات الحروب والنزاعات المسلحة.

وبعد ان اختلفت الأطراف حول شروط الهدنة التي شجعت مصر على توقيعها، لإيقاف القتال لمدة غير محدودة بين الجانبين، عادت نذر الحرب من جديد، لتهدد سكان القطاع المحاصر منذ سنين، بالمجاعة والامراض بعد شحة المواد الغذائية والأدوية، إضافة الى صعوبة عمل المنظمات الدولية للإغاثة والتي تعرضت للقصف لأكثر من مرة من قبل إسرائيل، وأدت الى احتجاجات دولية.

ويبدو ان السلام الذي يحلم به الطرفين، ما زال بعيدا على ارض الواقع، رغم ان الهدف المعلن لهما هو البحث عن السلام ومنع تهديد الطرف الاخر له، فإسرائيل تصر على ان حماس تحاول تدمير إسرائيل بالكامل، رغم ان الأخيرة تفوقها في كل شيء تقريبا، بينما تؤكد حماس ان إسرائيل لا تريد السلام، وتفرض الحصار والجوع والقتل على قطاع غزة خصوصا وسكان فلسطين عموما، فيما يبقى الحال من دون ان تكون هناك بادرة للسلام واضحة الملامح في الطريق بين غزة وتل ابيب.

السلام بين حماس إسرائيل

فقد حان الوقت للتفكر، هل سيكون بمقدور إسرائيل وفلسطين أن تخرجا من الهاوية الأخلاقية التي أسقطا نفسيهما فيها وأن تتعاملا مع خطر السلام؟، و"خطر" هو التعبير الصحيح لأن السلام خطر على زعماء في الشرق الأوسط، وكان الأمر دائما كذلك، وإذا ما رجعنا إلى الوراء لأوائل التسعينات سنجد أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين (اللذين كانا يمقتان كل ما يمثله الآخر) كانا يعرفان أن لكل أسبابه للعمل من أجل السلام، ومن المحتمل فقط (كما تصورا) أن يكون السلام أفضل من الحرب للأجيال القادمة، فهو لن يكون بالقطع بنفس القدر من التدمير، ولم يكن الحال في تلك الأيام منتهى المراد، لكن السلام على الأقل كان مقبولا.

الحقيقة المأساوية هي أن المواقف تشددت الآن، فحكام اليوم (ومنهم من يفتقر لسعة الأفق ومنهم من يتمادى في ردود الفعل) ليسوا أوردة تتوق لجرعة سلام، لقد أدرك كل من رابين وعرفات على نحو جلي أن العمل باتجاه السلام محفوف بالمخاطر والمجازفات، وبعد هذا العقد الأخير، هل سيتحلى الجانبان بالشجاعة الكافية لتجاوز تاريخهما المضطرب والتحرك صوب كراسي مهتزة محفوفة بالمخاطر على طاولة السلام؟، ليس الهدف من هذا هو الإيحاء بأن اللائمة تقع مناصفة على الجانبين في الاضطرابات وإراقة الدماء خلال السنوات العشر الماضية، ربما كان سلوك حماس شائنا وغير مسؤول لكن إسرائيل احتلت غزة حتى وهي تنسحب منها كما أن قصفها العشوائي للسكان المدنيين في مكان تحتجزهم فيه سجناء أمر لا يغتفر.

وفي النهاية يتعين على الطرفين المتحاربين التحرك ابتعادا عن القتل المتبادل إلى مرحلة سلام دائم لا "تجز" فيه "المروج" (المجاز الإسرائيلي الساخر من قصفهم المتكرر لغزة) ولا يخطف فيه جنود ولا يعدم أحداث ولا تمحى أحياء ولا يقصف فتيان يلعبون، ومن الصعب بلوغ هذا لأنه إذا حل السلام في إسرائيل فمن المرجح أن يصبح السكان أكثر ضجرا وأشد اهتماما بالمشاكل الداخلية الصعبة التي يتعين على الحكومة أن تواجهها، فالسلام يعني التركيز على المصالح الفردية ومعارك سياسية صعبة، أما الحرب فتعني التفكير الجماعي- يمكننا القول إنها تعني دعما تلقائيا للجيش ورئيس الوزراء الذي يقرر خوض الحرب.

أما في فلسطين (ولنقل في غزة في الوقت الحالي) سيعني السلام تحديا يتمثل في تحديد كيفية إدارة دولة وكيفية خلق اقتصاد وكيفية خوض حياة أسرية عادية، فالسلام يحول أذهان الناس عن كراهية إسرائيل وعن التفكير الجماعي، وعلى الجانب الآخر فإن الحرب تصرف الناس عن التركيز على ما إذا كان زعماؤهم قد لبوا مطالبهم على نحو جيد أم سيئ، لكن السلام قبل كل شيء أمر يهم المعتدلين، والزعامة في كل من إسرائيل وغزة تزدري الاعتدال، إنها تزدري الحل الوسط وتخشى المصافحة، إنها تعاف كل ما من شأنه أن يقود للسلام بما في ذلك التفاوض، من الممكن فقط أن يقودها أطراف خارجية إلى طاولة وقف إطلاق النار، الحرب أبسط بالنسبة لهم، أيسر، بل إنه يبدو أحيانا في الحقيقة أن كراهية إسرائيل مجرد أداة في السياسة الفلسطينية الداخلية وأن ازدراء حماس مجرد عامل متوقع في الانتخابات الإسرائيلية، بند رئيسي على الساحة السياسية.

الحرب مكون أساسي في أسطورة الخلق الإسرائيلية، وعلى نفس الشاكلة فإن الانتفاضات جزء من الهوية الفلسطينية، فلتشن حربا ولتدبر انتفاضة وكل من هم في جانبك سيتبعونك، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على سبيل المثال يتمتع الآن بشعبية تفوق كثيرا ما كان يحظى به قبل بدء جولة القتل الأخيرة هذه، وكل من في غزة تقريبا يعلم أن حصار إسرائيل الطويل للقطاع إضافة إلى قصفها المكثف المتقطع دفع أهل غزة أكثر إلى أحضان حماس، لقد نشأ الآن ثلاثة أجيال على الأقل من الفلسطينيين على عشق المقاومة، ومن ثم عزز "الجرف الصامد" (اسم أحدث عملية إسرائيلية في غزة) موقف المقاتلين، وإذا أجريت انتخابات غدا فقد تكسبها حماس بجدارة فائقة. بحسب رويترز.

هناك تفهم جيد لوجهة نظر كل جانب، فإسرائيل (كما هو الحال دائما) تشعر بأنها حرب دفاعا عن وجودها وتشير إلى أنفاق حماس الجديدة والصواريخ الأطول مدى كأسباب مقنعة للسلوك الإسرائيلي السيء، أما حماس فتسوق على نحو يتفهمه الآخرون مسألة التجويع البطيء وسجن الشعب الفلسطيني في غزة سببا لمواصلة قصف إسرائيل حتى وإن كان قصفا عقيما، قضية غزة بأكملها تكرار مرضي للعلاقة المختلة بين هذين الشعبين اللذين يعتبر كل منهما نفسه ضحية حتى وإن كان يطلق صواريخ ليقتل أسرا بأكملها أو يهدف منها لقتل أسر بأكملها، وأي محلل نفسي قد يخبرك بأن الإثنين يجب أن يغيرا سلوكهما.

لكن زعماء الجانبين لا يرون الأمر على هذا النحو، هم أشبه بالأخوين المريضين، كل طرف يحتاج الآخر لإرساء هويته، فإسرائيل الآن أقرب لأن تكون بلا معنى دون التهديد الفلسطيني، وبالنسبة للفلسطينيين: من دون مقاومة القمع الإسرائيلي، من هم في هذه المرحلة؟، إلا أن الكيان الأكثر تضررا بالصراع الأخير هو إسرائيل، إنها أشبه بالأخ الأكبر الغاضب، يواصل الضرب والضرب دون أن يدرك أن أخاه الصغير أصبح أسرع حركة وأكثر مهارة وأغنى موارد، وأنه أصبح له أصدقاء جدد، وفي حين أن الإسرائيليين يستخدمون مجددا ذلك الأسلوب المتكرر الذي يبعث في النفس رضا شديدا والمتمثل في الإفراط في القتل باستخدام الطائرات لدى التعامل مع العدو يملك الفلسطينيون الآن آليات وبنية تحتية أفضل للمقاومة كما أنهم أصبحوا أكثر كفاءة في إخفاء تحركاتهم عن المخابرات الإسرائيلية.

بمقدور حماس الآن أن تصمد فترة أطول وأن تمد اللعبة لوقت إضافي، وبينما تواصل حماس القتال تموت أعداد أكبر من الفلسطينيين في حملات القصف الإسرائيلية ويدخل مزيد من أعضاء المجتمع الدولي المعسكر الفلسطيني، إنها استراتيجية حاذقة: أن تقاتل وتموت، وتكسب من خلال الخسارة، حماس تتحمل قطعا قدرا من المسؤولية عن سقوط القتلى المدنيين من جانبها خلال هذه الجولة من الصراع، لكنك لن تجد أفضل من جثث شعبك لإخفاء شعورك بالخزي، الاشمئزاز الدولي من قتل مدنيين أبرياء يمكنه أن يوقف أحيانا قوة نيران عظمى تمضي في مسارها، عفا الدهر الآن على مجرد ذكر عملية أوسلو للسلام لكنها محط اعتبار، ماذا كانت الفكرة من وراء السلام فيما يخص إسرائيل؟

السعي للسلام سيجلب تطبيعا مع الفلسطينيين ينقلهم لمصاف الأمم التي تحظى باحترام والتي لديها مسؤوليات غير المقاومة والتشدد، ويتفقد الفلسطينيون حطام المنازل المدمرة في حي الشجاعية الذي قال شهود إنه تضرر بشدة في القصف والضربات الجوية الإسرائيلية خلال هجوم إسرائيلي بمدينة غزة، لكن السلام انهار وبقوة حين دمر المتطرفون من الجانبين المعتدلين من أهلهم، حين اندلعت الانتفاضة الثانية، بسطت حماس سيطرتها على غزة وتم تهميش حركة فتح (منظمة عرفات التي سعت للسلام) وأغلق الإسرائيليون القطاع وقصفوا مطاره.

وما كان من إسرائيل المتشددة إلا أن أضاعت التطبيع مع أبناء غزة وضمنت استمرار مغالاتهم في كراهية إسرائيل، ماذا يمكنك أن تفعل أكثر من هذا لشعب 70 إلى 80 في المئة منه عاطل عن العمل؟، إم. جيه. روزنبرج (مراقب الشرق الأوسط الذي يكتب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عقود مركزا في الأغلب على إسرائيل) قرر خلال هذه المعركة الأخيرة أن يتوقف، كتب "قررت ببساطة ألا أكتب شيئا آخر عن إسرائيل"، وقال "قررت حتى ألا أفكر فيها خاصة لأنني فقدت أي أمل في مستقبلها"، ربما يكون من الخطأ الذهاب إلى هذا الحد، لكن تطرف القيادة الإسرائيلية لا يقدم سببا يذكر لتوقع تغير قريب ذي مغزى في وضعها الراهن القبيح.

اخفاق الحرب

فيما تظاهر نحو عشرة آلاف إسرائيلي في ميدان بتل أبيب احتجاجا على ما يصفونه بفشل الحرب المستمرة منذ خمسة أسابيع في ايقاف اطلاق الصواريخ وقذائف المورتر على البلدات الجنوبية الواقعة على الحدود مع قطاع غزة، ووصل الكثير من المتظاهرين في حافلات من مناطق من إسرائيل التي تضررت بشدة من القصف الصاروخي في القتال الاخير لينضموا إلى اخرين في المنطقة التجارية الإسرائيلية التي تعرضت أيضا لهجمات صاروخية بشكل يومي في القتال الذي بدأ في الثامن من يوليو تموز.

المتظاهرين ضجروا من اندلاع المزيد من العمليات القتالية فور انتهاء وقف اطلاق النار ويشعر كثيرون بأنه يجب على الجيش الإسرائيلي أن يدمر ترسانة صواريخ حركة حماس التي تهيمن على قطاع غزة، وشكا البعض من انهم يشعرون بأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خدعتهم، وكانت الحكومة وعدت بأن الحرب ستعيد الهدوء إلى جنوب إسرائيل بالإضافة إلى تدمير الانفاق السرية التي ينظر اليها على انها منصات اطلاق لهجمات في المستقبل.

وقال الون دافيدي رئيس بلدية سديروت وهي واحدة من اكثر البلدات الحدودية مع غزة تعرضا لهجمات صاروخية "سئمنا من الوعود، نخشى من ان تؤدي الاتفاقات إلى تسوية على حسابنا وأرواحنا ليست رخيصة ولسنا على استعداد للقبول بوابل متواصل من النيران المميتة من غزة"، وأضاف "هذا الوضع يجب أن ينتهي في نهاية الأمر بحل ولا نستطيع فحسب السماح لبعض الجماعات الارهابية بأن تجعلنا نرقص على موسيقاهم، في أي دولة محترمة يحمي الجيش مواطنيه وهذا ما يتعين على إسرائيل ان تجعلهم يقومون به"، واشاد متظاهر يدعى حاييم داهان (39 عاما) وهو أب لأربعة من مزرعة تعاونية قرب سديروت بدافيدي مع الاف اخرين وقال لمراسل انه يعتقد ان على إسرائيل أن تدمر حماس التي ترفض حق إسرائيل في الوجود.

كثيرون من الإسرائيليين الذين يعيشون على الحدود مع قطاع غزة غير مقتنعين بإعلان جيشهم أن المهمة انجزت في هجوم استمر ما يقرب من شهر استهدف وضع حد للهجمات الصاروخية والتسلل عبر الأنفاق، وقالوا إن الحكومة تأخرت كثيرا في التعامل مع شبكة الأنفاق التي حفرها النشطاء الفلسطينيون على مدى سنوات وإنها ربما تعجلت في سحب الجيش من غزة حتى قبل بدء هدنة مدتها 72 ساعة، وقالت ليا موسفي (30 عاما) التي تعيش في كيبوتز (نير عام) المجاور للحدود مع غزة "كانوا يعلمون بأمرها منذ فترة طويلة ولم يفعلوا شيئا، من الذي يمكنه ان يقنعني بأن جميع الأنفاق قد دمرت؟ أنا غاضبة لأنهم لم يواصلوا الهجوم".

ودخل سكان الكيبوتز في ملاجئ لساعات بعد أن عبر مقاتلون من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من خلال نفق على بعد 1.5 كيلومتر، وقتل عشرة مسلحين من غزة وأربعة جنود إسرائيليين في القتال الذي اندلع إثر ذلك، وسرعان ما أصبح الدخول إلى الملاجئ حدثا مألوفا بعد بدء الهجوم الإسرائيلي في الثامن من يوليو تموز مع حدوث عددا من حالات التسلل أثناء الهجوم، وغادرت موسفي وأطفالها وعائلات كثيرة اخرى نير عام مع احتدام المعارك، وقالت موسفي "هناك جنود هنا الآن لكن إلى متى؟ اسبوع؟ اسبوعين؟ ثم سينسوننا، سيحدث تسلل وسيقتل أناس، إذا طلبوا منا مرة أخرى أن ندخل الملاجئ سآخذ أطفالي وأغادر المكان"، ووقف ساكن آخر في نير عام طلب عدم الكشف عن شخصيته وسلاحه في يده بينما كان جنديان يحرسان بوابة الكيبوتز، وقال "الجنود كانوا يعلمون بأمر الأنفاق لكنهم أخفوها عن السكان.

وتقول إسرائيل إنها دمرت 32 نفقا تستخدم للهجوم لكن لا يزال هناك المزيد من الأنفاق الأخرى التي تمر تحت عزة بالطول والعرض وتستخدم كمخابئ ومستودعات للأسلحة، ومع بدء سريان وقف إطلاق النار قدم الميجر جنرال سامي ترجمان قائد القيادة الجنوبية في الجيش عبارات لطمأنة سكان المناطق الحدودية، وقال "يمكنني أن أقول لسكان الجنوب أن بمقدورهم العودة إلى بيوتهم وأن يشعروا بآمان، لقد أتممنا المهمة ودمرنا جميع الأنفاق التي نعرفها وتلك التي اكتشفناها"، وعلى بعد عشر دقائق بالسيارة من نير عام ومرورا بحقول مهجورة تنتشر فيها نباتات زهرة الشمس الجافة وقد غطتها الرمال التي أثارتها مئات المركبات العسكرية يقع كيبوتز ناحال عوز، ويمكن رؤية الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنازل المكتظة في غزة جراء القصف الإسرائيلي عبر السياج من أفنية الكيبوتز المورقة والمزهرة. بحسب رويترز.

وتسلل مسلحون من حماس من خلال نفق وقتلوا خمسة جنود إسرائيليين عند برج للمراقبة قرب ناحال عوز، وتتناثر فوارغ الطلقات التي أطلقت على غزة في حقل متاخم تتمركز فيه القوات الآن، وقالت استير تارانتو التي تعيش في الكيبوتز منذ 36 عاما "من يعرف ماذا سيحدث الآن عندما يغادر الجيش، ذلك هو السؤال الكبير الذي يدور في اذهان الاسر التي غادرت ويجب أن تعود الآن، هم ينتظرون رؤية ما إذا كانت الأوضاع ستهدأ"، وقال مسؤول إسرائيلي تحدث شريطة عدم الكشف عن شخصيته إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعد مسؤولين محليين في محيط غزة بأنه سيجري تطوير السياج الحدودي بأجهزة استشعار لرصد الحركة وكاميرات، وقال نتنياهو إن وحدات عسكرية ستتمركز عند تجمعات الاسرائيليين للرد بسرعة على أي عمليات تسلل في المستقبل، وقال المسؤول إن إسرائيل تعمل على تطوير تقنيات الاستشعار لكن استخدامها سيتطلب وقتا.

الاقتصاد الإسرائيلي

الى ذلك عززت حرب إسرائيل المستمرة منذ اكثر من شهر مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة مقاطعة فلسطينية وربما تضر معنويات المستثمرين تجاه إسرائيل حتى في الوقت الذي يبدو فيه أن الاقتصاد الإسرائيلي المتطور تكنولوجيا وقوامه 250 مليار دولار لن يتأثر بدرجة تذكر، ويتوقع محللون أن تقلص الحرب النمو وتتكلف عدة مليارات من الدولارات فقد تراجعت السياحة وحدها 25 في المئة في يوليو تموز، لكن إسرائيل واجهت مثل تلك العواصف في الماضي وتعافت خلال أشهر قليلة مع نمو الناتج المحلي 3-4 في المئة سنويا في الأعوام الماضية.

لكن المخاوف الإضافية هذه المرة تنبع من أن الاضطرابات في الضفة الغربية أصبحت أكثر تكرارا وأشد حدة كما أن احتمال استئناف الحرب في غزة (الرابعة في ثماني سنوات) يشكل تهديدا حقيقيا وكانت الانتقادات الدولية لإسرائيل شديدة وخاصة في أوروبا وهو ما يدعم المؤيدين للمقاطعة، ولن يسبب عامل واحد منفرد من تلك العوامل ضررا كبيرا لاقتصاد إسرائيل إلا أنها مجتمعة قد تضر الثقة وتخرج البلاد من المسار المستقر الذي ساعدها على جذب تدفقات كبيرة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وقال لويس كوستا المتخصص في أسعار الفائدة والعملات لوسط أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى سيتي بنك "كان الاقتصاد متباطئا حتى قبل صراع غزة بسبب تراجع الطلب المحلي وانخفاض الصادرات، وفي الوقت نفسه فإن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل والتي يقودها الفلسطينيون كثفت أنشطتها وتدعو الأجانب لعدم شراء السلع التي تنتجها مستوطنات الضفة الغربية وتضغط على الفنانين لمقاطعة إسرائيل. بحسب رويترز.

وحذر عدد من دول الإتحاد الأوروبي الشركات من التعامل مع شركات إسرائيلية تتخذ من المستوطنات مقرا لها أو ترتبط بها وفرض الإتحاد قيودا على مشروعات البحث العلمي التي سيمولها مع إسرائيل، ويتوقع أليكس جوفي وهو مؤرخ متخصص في شؤون الشرق الأوسط ويتابع الإجراءات الدولية ضد إسرائيل أن يعزز الصراع في غزة ردود الأفعال الغاضبة الوليدة من جانب المستهلكين والشركات مستشهدا بخطوات اتخذتها مؤخرا شركات في عدة دول منها بلجيكا وبريطانيا، وكتب جوفي في تعليق الشهر الماضي "تشير تلك التحركات إضافة إلى تنامي الاحتجاجات والهجمات المعادية للسامية في أوروبا وكندا والولايات المتحدة إلى أنه عندما يتوقف القتال في غزة فستصبح إسرائيل هدفا للمقاطعة الاقتصادية، في المنتديات الدولية وفي قطاعات أخرى مثل الكليات والجامعات".

ويرى كبار المستثمرين الأجانب أن حركة المقاطعة التي تأسست في العام 2005 ليست ذات أهمية على الأقل حتى الآن، فالحركة قد تتصدر عناوين الأخبار وتلحق بعض الضرر بالمعنويات لكن الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد على التكونولوجيا المتطورة والصناعات الهندسية والدوائية لم يتأثر بدرجة تذكر، وقال بول جامبل مدير التصنيفات السيادية لدى فيتش للتصنيف الائتماني "الاقتصاد ليس معزولا عن تلك الأمور، لكن هناك عناصر محددة (معزولة عنها) مثل قطاع التكنولوجيا المتطورة الذي تتجه إليه الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأعتقد أن هذا سيستمر"، لكن مبعث قلق فيتش يكمن في أن تزيد حرب غزة خطر دخول إسرائيل في صراعات متكررة مكلفة وهو ما يؤدي إلى زيادة الإنفاق العسكري وتضخم الميزانية ويدق ناقوس الخطر حول المالية العامة للحكومة.

وقال جامبل "من بين الأشياء التي نفكر فيها التأثير في الأمد البعيد على الإنفاق العسكري"، كان جامبل ذكر أن من المرجح ألا تتكمن إسرائيل من الوصول إلى مستوى العجز المستهدف في الميزانية وعزا ذلك بشكل كبير إلى أن الإنفاق العسكري لن يتقلص الآن، وربما تؤدي تلك الحالة من عدم التيقن إلى جانب تراجع الطلب المحلي والمخاطر الهامشية لحركة المقاطعة إلى آفاق قاتمة، وكان البنك المركزي الإسرائيلي قد خفض أسعار الفائدة الشهر الماضي في خطوة غير متوقعة في محاولة لتحفيز النشاط، وقال كوستا "لم نصل بعد إلى مرحلة يمكن فيها لحركة المقاطعة إلحاق الضرر بالاستثمار في إسرائيل، يوجد مستثمرون يرغبون في الاستثمار في قطاعي الأدوية أو التكنولوجيا المتطورة في إسرائيل"، واضاف "لكننا بدأنا نلحظ بعض الانقسام في وجهات النظر هنا بشأن كيف ينبغي لإسرائيل أن تتصرف"، ومن جهة أخرى فإذا تم إحراز تقدم ملموس في المفاوضات الجارية مع مصر وحماس حول غزة وهو ما من شأنه أن يقلص مخاطر نشوب صراع آخر ويمهد الطريق أمام محادثات مثمرة مع السلطة الفلسطينية حول الضفة الغربية فإن هذا قد يبدد الكثير من الغيوم الاقتصادية.

وحذرت وكالة التصنيف الائتماني فيتش من ان العملية الاسرائيلية في قطاع غزة يمكن ان تؤدي الى اخفاق الدولة العبرية في تحقيق اهدافها المرتبطة بالحد من العجز في الميزانية في 2014، وتفيد التقديرات الاولية لوزارة المالية الاسرائيلية ان العملية الاسرائيلية "الجرف الصامد" التي بدات في الثامن من تموز/يوليو حتمت نفقات اضافية تشكل بين 0,3 و0,6 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي الاسرائيلي للسنة الحالية وسنة 2015، واوضحت فيتش في بيان ان "التأثير على الواردات يصعب التكهن به وسيكون مرتبطا بنتائج اقتصادية اعم"، واضافت انه بمعزل عن العملية الجارية "يمكن لاستئناف النزاع مع حماس ان يعزز الضغط لزيادة النفقات العسكرية مما يحد من مرونة الميزانية".

وكانت النفقات المدنية الاساسية تشكل 33 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي لاسرائيل في 2012، كما قالت فيتش موضحة انها واحدة من ادنى النسب في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، لكن هذا التأثير يمكن ان يكون محدودا بفضل الاداء الاقتصادي الجيد الذي سجلته البلاد في النصف الاول من السنة، حسب فيتش، وفي الواقع، تجاوزت اسرائيل في الاشهر الستة الاولى من السنة اهداف ميزانيتها بزيادة في العائدات وتراجع في النفقات مما خفض العجز على مدى 12 شهرا الى 2,5 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي اي اقل من الهدف المحدد اصلا لمجمل السنة وهو 3 بالمئة.

الخوف المشترك

بدوره جال رمضان صبح بعينيه في مدرسة مكتظة في غزة لاذ بها 2500 فلسطيني طلبا للأمان وتحسر على الشقاء الذي يكابده مدنيون يحاولون النجاة بأرواحهم من قصف اسرائيلي مستمر منذ أربعة أسابيع تقريبا، وقال صبح (42 عاما) الذي فرت أسرته المكونة من 12 فردا الى مدرسة الفاخورة التي تديرها الامم المتحدة من بيت لاهيا وهي بلدة في شمال قطاع غزة دمرها القتال "الحياة التي نعيشها هي حياة ذل، ولاذ نحو 260 الفا من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة الى المدارس والمنشآت الأخرى التي تديرها الأمم المتحدة، وكثيرون لم يبرحوا أماكنهم الى أن يتأكدوا من ان وقف اطلاق النار سيصمد. بحسب رويترز.

في مدرسة الفاخورة يتكدس أكثر من 50 شخصا في كل فصل وتنشر كل أسرة ملاءات حول الركن الذي تنزوي به لتحافظ على أقل قدر ممكن من الخصوصية، تستخدم النساء دلاء وأوعية بلاستيكية لتحميم أطفالهن وغسل الصحون، وقال صبح الذي كان عاملا زراعيا باليومية اعتاد ان يعمل في اسرائيل قبل ان تسيطر حركة المقاومة الاسلامية (حماس) على غزة عام 2007 "عليك أن تنتظر نصف ساعة أو ساعة حتى تدخل المرحاض، عليك ان تنتظر دورك في كل شيء حتى تشرب وحتى تحصل على وجبتك الحقيرة"، يوجد في المدرسة 12 مرحاضا لكن لا توجد بها مياه جارية.

ويستطرد صبح "كل يوم يقولون لنا انتظروا الغد والاوضاع ستتحسن، لكن هذا الغد لا يأتي أبدا، نأمل ان تنتهي الحرب ونستطيع العودة لنعيش في بيوتنا"، كانت مدرسة الفاخورة قد تعرضت للقصف خلال حرب غزة التي استمرت ثلاثة اسابيع في عام 2009 لكنها نجت هذه المرة، وتعرضت ست مدارس أخرى للقصف خلال الصراع الحالي وقتل على الاقل 30 شخصا كانوا يحتمون بها كما أصيب عشرات، وعلى بعد نحو 12 كيلومترا الى الشمال عبر الحدود تعيش ثلاث أسر اسرائيلية في مأوى عام منذ ما يقرب من شهر، هم من سكان عسقلان البلدة التي كانت هدفا متكررا لهجمات الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة، الحي القديم الذي يعيشون فيه لا توجد به "غرف آمنة" حصينة ينص القانون الاسرائيلي على ضرورة وجودها في أي شقق جديدة لذلك لاذت تلك الأسر الى مأوى عام تحت الأرض.

عند المدخل طاولة مستديرة عليها قدح بلاستيكي مليء بأعقاب السجائر، في الداخل تجد أحشية ملقاة في كل مكان على الارض وعليها اناس من بينهم خمسة أطفال نيام في سبات عميق، على الحائط شاشة تلفزيون كبيرة يعرفون منها آخر التطورات، في الاركان وبطول الحوائط تتناثر الملابس وحقائب الطعام وعلب مسحوق حليب الاطفال ولعبهم كما تنتشر على الحوائط رسوماتهم وأسماء الهجمات الاسرائيلية على قطاع غزة مكتوبة بألوان مختلفة، واعتادت اسرائيل اطلاق اسماء رنانة على حروبها في غزة وآخرها "الجرف الصامد"، وقالت "الأوضاع صعبة، يمكن ان تدفعك الى الجنون، لا يمكن ان تحبس الاطفال 24 ساعة في اليوم على مدى شهر"، وأضافت "خلال فترات الهدوء في القتال نسمح لانفسنا بأن نصحبهم الى الخارج قليلا الى السينما او اي مكان آخر آمن".

وقالت الكايام انها لن تعود هي وأسرتها الى المنزل رغم الهدنة التي توسطت فيها مصر، واستطردت "ننتظر لنرى ما اذا كان الموقف سيهدأ قبل ان نخرج من المأوى، هذا شيء مفزع، نرتعد مع انطلاق كل صفارة انذار ونرتعد مع كل انفجار"، يوجد في المأوى مرحاضان لكن لا يوجد به حمام، ومثل النازحين الفلسطينيين الذين لجأوا الى المدرسة في غزة يستخدم الاسرائيليون في مأوى عسقلان الدلاء والاوعية البلاستيكية للاغتسال، وقالت الكايام "حين يهدأ القتال أركض لأعلى لأغسل الملابس، لا أصدق هذه الهدنة والا كنت مكثت في الطابق العلوي منذ زمن"، وقالت الكايام "الوضع متوتر للغاية ونحن أيضا فقدنا أعصابنا، نقضي وقتا طويلا في متابعة الاخبار".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آب/2014 - 28/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م