من واجبات الدولة في الإسلام

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يحدد الإسلام في تعاليمه الواضحة، ماهية الواجبات التي تتكفل بها الدولة والسلطة تجاه الفرد والشعب، ويمكن أن يستقي المعنيون بالسياسة وإدارة السلطة، واجبات الدولة، من سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، كقائد لأول دولة في الإسلام، استطاعت ان تنشر العلم والعدل والنور في ربوع الجزيرة العربية، وتمكنت من تحويل المجتمع الجاهلي، الى مجتمع متنوّر، قام بدوره في نشر روح الإسلام السمحاء، بين بني البشر، والسبب يعود الى أن الدولة والسلطة كانت في قمة الالتزام بواجباتها ومسؤولياتها حيال الشعب، الأمر الذي يؤكد أن بمقدور الدولة اداء دورها بطرائق مثلى، اذا التزمت بواجبها تجاه الفرد والمجتمع، وجعلت من السلطة في خدمة الناس وليس العكس.

ويرى علماء ومفكرون معنيون ورجال دين، أن الدولة التي تستمد سيرتها من الإسلام، لابد أن تتصرف بحزم وحذر حيال الأمور كافة، لأن الأطراف التي تعمل بالضد.. موجودة دائما، وهي تتربص بالسلطة حتى تعيث فسادا بمصالح الناس، وهكذا هو الحال تماما في الدول العربية والإسلامية، فلم نرَ حاكما او حكومة أنصفت الشعب، كل الحكام والحكومات التي كانت قائمة وبعضها لايزال، لم تضع حاجة الناس في مقدمة أعمالها، بل لم تضع حدا لحرمة الانسان وقيمته، لذلك فشلت كما يؤكد التاريخ والواقع معا.

حول هذا الموضوع.. يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه الحكم في الإسلام): (الدولة الإسلامية إذا قامت يجب أنْ تبدل الأوضاع بكل حزم وحذر، لئلا يكون تبديلها رد الفعل، بل تشرع من أسهل الطرق، فتبدل أولاً بأول، وتصلح ما أمكن إصلاحه). ولعل اول الامور التي تُسهم في بناء الدولة بصورة سليمة، تتعلق بتحقيق حاجات الفرد، ومن خلاله المجموع بطبيعة الحال، لأن جواهر واجب الدولة يقوم على خدمة الانسان، حتى ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وحماية مصالح الدولة وما شابه، يصب في جانب الاهتمام بالانسان الفرد والجماعة.

اما الحكومات الركيكة او ما يطلق عليها بالفاشلة، فإنها غالبا ما تلجأ الى تبريرات وحجج واهية لتبرير ضعفها، فمنها من يلقي اللوم على فقر الدولة وشحة مواردها، علما اغن من يصنع الموارد ويطورها هي الحكومة نفسها، بمعنى أن واجب الحكومة الأساسي، هو تطوير موارد الدولة، من خلال العناية بالموارد البشرية كافة، فعندما تستجيب الدولة لاشتراطات التقدم، سوف تكون قادرة على العناية التامة بالفرد، وتُسهم في تطوير العقل والطاقة والذكاء والإنتاج في وقت واحد، والدليل أن نموذج الدولة في صدر الإسلام، قدم كل ما يحتاجه الفرد والشعب، ولم تكن هناك موارد كالنفط والمعدن الأخرى، أما القول بعدم وجود الموارد او شحتها، فهذا يقع في باب الحجج الواهية.

يقول الإمام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه حول هذا الجانب: (إن إعطاء الإسلام لحاجات الفرد ليس خاصاً بالبلاد النفطية ـ كما وربما يزعم ـ ففي بعض العهود الإسلامية الصحيحة كانت حاجات الناس موفورة، وإنْ لم يكن نفط ولا معدن آخر، بل وإنْ لم يكن لهذه المعامل الكبيرة الكثيرة الإنتاج أثرٌ، والسر يتلخص في كلمات: الحريات الموفورة. الأرض المباحة لكل أحد. الإيمان المحفز لصحة العمل. إشغال الناس كل طاقاتهم الفكرية والبدنية. عدم سرقة الأموال وعدم التبذير فيها، والدولة الإسلامية إذا قامت توفر كل ذلك.)

القطاع الخاص والكفاءات

ويرى الإمام الشيرازي أهمية كبيرة في القطاع الخاص، أو دور الأمة في إدارة الأعمال والمشاريع بدلا من الدولة او السلطة التنفيذية، ففي هذه الجانب تخففي كبير من الاعباء الملقاة على عاتق الدولة، ويمنحها القطاع الخاص فرصة أفضل للتفرغ لخدمة الناس في جوانب اخرى، ليس في الجانب المادي الخدمي او المالي (قيمة دخل الفرد) فحسب، إنما في الجانب النفسي المعنوي ايضا، فالمجتمع لا يحتاج الى الطعام فقط، ولا الى الملبس فحسب، او الخدمات الملموسة الاخرى، إنه يحتاج الى الفكر السليم، والى تحقيق الوضع النفسي المستقر حتى ينتج بصورة افضل، وهذا يستدعي تقوية الجانب الايماني لديه.

من هنا يقول الإمام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا المجال: ينبغي (إعطاء الدوائر الممكنة بيد الأمة، حتى تخفف من كاهل الدولة أولاً، وتشغل الأمة بالأعمال الحيوية ثانياً، فإنّ الدولة لم توضع إلاّ لإشاعة العدل وتقديم الأمة إلى الأمام ـ بما في ذلك بناء نفسياتهم على الإيمان والفضيلة، وبناء اقتصادهم وسياستهم وغير ذلك ـ فلا وجه لتدخل الدولة في كل الشؤون، فمثلاً تفوض الدولة المطارات والقطارات والمواصلات، والشركات، والمعامل وما أشبه إلى أيدي الناس، وكل حاجة من حاجات الناس، تحرضهم الدولة ببنائها)، ويؤكد سماحته على أهمية الكفاءات في بناء مؤسسات الدولة، ومنشآتها الإنتاجية والخدمية كافة.

لذلك يؤكد الامام الشيرازي على أهمية: (تسليم الأمور إلى الكفاءات، فتبدل الدولة كل غير ذي كفاية من رؤساء الدوائر، ومن أشبههم إلى أصحاب الكفاءات، الذين يتوفر فيهم العلم، والفضيلة، وفهم الدنيا، فإنّ الكفؤ الواحد يفعل ما لا يفعله ألف من غير الكفوئين، مع ملاحظة إعطاء كل ذي حق حقه، فالمحسوبية والمنسوبية لا مجال لهما في الدولة الإسلامية). في حين تنخر هذه الامراض في الهياكل المؤسساتية والانتاجية والخدمة للدول الاسلامية والعربية، فالمتابع يمكنه ملاحظة انتشار المحسوبية والمنسوبية والوسطة وتفشيها في معظم دوائر الدول المذكورة، الامر الذي يؤدي الى ضعفها وفشلها الذي ينعكس سلبا على المجتمع.

البطالة وإصلاح القوانين

من مهام الدولة والسلطة في الاسلام، معالجة البطالة والقضاء عليها، وإصلاح القوانين التي تُسهم في تعطيل طاقات الفرد والمجتمع، ولعل جميع هذه المسؤوليات تعاضد بعضها البعض، لتصب في نهاية المطاف بما يخدم الدولة والمجتمع والفرد معا، لتكتسب الدولة مظهرا وجوهرا معاصرا، يضاهي ما عليه الدول المتطورة، لذلك ينبغي اصلاح القوانين، حتى تسهل مهمة تطوير الدولة ومؤسساتها وفقا لرؤية الإسلام ومبادئه الإنسانية الراقية.

لذلك يركّز الامام الشيرازي كما ورد في كتابه نفسه على: (وجوب إصلاح القوانين)، ويضيف سماحته أيضا قائلا في هذا المجال: (من الاهمية بمكان، وضع صيغة عملية للدولة بمختلف شؤونها، وللأمة بمختلف حاجاتها، بحيث تكون تلك الصيغة مطابقة للإسلام أولاً ومطابقة للعصر ثانياً).

ولعلنا نتفق على أن هناك اسبابا أساسية لضعف الدول الاسلامية والعربية، ومن أهمها تفشي البطالة بين صفوف الشعب، وعدم اهتمام الحكومات الاسلامية بمعالجة مثل هذه الاسباب التي تضعف الدولة والمجتمع في الوقت نفسه، لذلك من واجبات الحكومة والدولة على وجه العموم، معالجة اسباب الفشل كافة، والتصدي لها بجدية، من خلال وضع البرامج العلمية المناسبة لمعالجة اماكن الخلل كافة، وإعطاء الفرصة للكفاءات كي تقوم بدورها التم، من دون معوقات او مضايقات، لخدمة الدولة والمجتمع.

ولابد للدولة والسلطة التنفيذية، اذا كانت سببا في إحداث البطالة، او منع العمل في هذا المجال او ذاك، لاسباب منطقية او اخلاقية او شرعية، فإن الدولة ملزمة بايجاد البديل لمن تمنعهم من القيام بهذا العمل او ذاك، فعندما تمنع الدولة هذه المجموعة او تلك، هذا الفرد او ذاك، من هذا العمل او ذاك، كونه لا يتناسب وكرامة الانسان، فإنها ملزمة في ذات الوقت بتوفير العمل البديل لهم، حتى لا تزداد البطالة، ولا يصبح هؤلاء عبءاً على المجتمع.

من هنا يرى الامام الشيرازي في كتابه المذكور اعلاه انه: من (الواجب على الدولة الإسلامية، أنْ تجد العمل المناسب للّذي تعطلهم الدولة عن العمل الذي كانوا يزاولونه، لأنّه عمل غير مشروع، أو لأنّ الدائرة زائدة عن قدر الحاجة بذاتها، أو بعدد أفرادها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آب/2014 - 28/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م