سد الموصل .. الأعنف والأخطر في العالم

 

شبكة النبأ: كان الهدف على الدوام أن يكون سد الموصل رمزا لطموح كبير لدى العراق يخرج به من دوامة الفقر والتخلف، لكن السد الذي بلغت تكاليفه 1.5 مليار دولار ويقع شمالي المدينة لازمته من البداية مشاكل هندسية كبيرة والان ازداد الوضع سوءا بعد أن أصبح محور معركة بين مقاتلي الدولة الاسلامية من جانب والولايات المتحدة والقوات العراقية من جانب آخر، ورغم العيوب الهيكلية يعد السد مصدرا حيويا للمياه والكهرباء لمدينة الموصل أكبر مدن الشمال العراقي التي يعيش فيها 1.7 مليون نسمة.

ويعتبر سد الموصل أكبر سدود العراق إذ يبلغ طوله 3.6 كيلومتر وتولت بناؤه مجموعة شركات ألمانية ايطالية في الثمانينات، فمن يسيطر على السد يتحكم في "مفاتيح" المدينة. وإدراكا لذلك انتزع مقاتلو الدولة الاسلامية - الذين استولوا على مساحات كبيرة من أراضي العراق وسوريا وأعلنوا قيام دولة الخلافة - السيطرة على السد من القوات العراقية في الأسابيع الأخيرة، وتزايدت المخاوف من أن يلحق الجهاديون الضرر بالسد الذي يمكنه حجز أكثر من 11 مليار متر مكعب من المياه.

وفي حين أن القوات العراقية والكردية استعادت السيطرة على السد بمساعدة الضربات الجوية الامريكية فما زال احتمال الكارثة يخيم على السد الذي وصفه تقرير لسلاح المهندسين الامريكي بأنه "أخطر سد في العالم".

ويصور أسوأ السيناريوهات انهيارا كاملا للسد يمكن أن يطلق موجة عملاقة تغرق الموصل في مياه يتراوح ارتفاعها بين 25 و30 مترا وتقتل ما يصل إلى نصف مليون شخص. وربما يصل ارتفاع المياه في بغداد إلى خمسة أمتار.

وسيضع ذلك السد في مرتبة واحدة مع فيضان النهر الأصفر عام 1938 عندما فتح شيانغ كاي شيك السد لوقف تقدم اليابان في الصين في حادث قيل أنه أسفر عن مقتل ما بين 500 ألف و900 ألف شخص، ولم يتصور المهندسون الذين عملوا في مشروع السد أنه قد يصبح محور معركة بعد 30 عاما لكن المشاكل البنيوية ظلت قائمة طوال هذه الفترة.

فقد بني السد على أسس جيوليوجية خاطئة على مسافة تتراوح بين 45 و50 كيلومترا شمالي الموصل من بينها الجبس أو الجص وهو مادة رخوة ليست بالصلابة الكافية لتحمل ثقل السد، وقال شخص عمل مع شركة هوكتيف الألمانية التي قادت عملية بناء السد في الثمانينات "داخل هوكتيف كان السد يعتبر أسوأ ما بنته المجموعة على الاطلاق"، وأضاف هذا الشخص لرويترز في فرانكفورت طالبا عدم نشر اسمه "من الناحية الجيولوجية لا يعتبر الجص مادة صخرية. فهو مادة رسوبية ناعمة كالزبد. وبتعبير فيزيائي هو سائل لزج. التربة كلها تشبه الجبن السويسري"، وللتغلب على هذه المشكلة وضمان عدم انهيار السد يتعين حقنه على مدار الساعة في عملية يتم فيها ملء الفراغات التي تظهر في أساساته بالخرسانة.

ويقول ريتشارد كوفمان استاذ الهندسة المدنية المساعد بجامعة أركنسو الذي أجرى أبحاثا موسعة على السد إن الحقن يتم في العادة ستة أيام في الاسبوع على مدار 24 ساعة، ويضيف "إذا توقف برنامج الحقن اسبوعين فسنبدأ في مشاهدة المزيد من التفسخ في القاعدة الصخرية... ومن المحتمل أن يؤدي ذلك لاضعاف السد تماما وقد تنطلق المياه من الخزان"، وأضاف المياه قد تصل إلى الموصل في ثلاث ساعات ونصف الساعة.

وقال مهندس إنشاءات يعمل بفريق الحقن إن عملية الحقن توقفت قبل ثلاثة أيام وإنه غادر السد خوفا على حياته، وأضاف "بالقطع يحتاج السد لحقن شبه يومي لضمان بقاء الأساسات سليمة ومستقرة"، وتابع أن قوات الأمن حثت المهندسين على استئناف الحقن لكنهم رفضوا إلا إذا "تحسن الوضع وأصبحت سلامتنا مضمونة تماما".

ضغط المياه

وقال المهندس إن الأسمنت الذي يستخدمونه من نوع رديء وإن "مرور أسبوع آخر دون أعمال حقن سيعرض السد للخطر ويدفعه للانهيار تحت ضغط المياه"، وبعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 زار مهندسو الجيش الامريكي الموقع لتقديم توصيات بشأن تحسين السد. وحفر المهندسون آلاف الفتحات وضخوا فيها خرسانة تحت ضغط لملء الشروخ.

وقال حسن الريزو ممثل العراق لدى الجمعية الدولية لعلوم المياه إن الضرر لن يكون ضرر الفيضان فحسب. بل إن العراق سيفقد أيضا احتياطياته الاستراتيجية من المياه اللازمة للري وتوليد الكهرباء، ورغم أن السد أصبح هذه الأيام ساحة لقتال عنيف فقد كانت المنطقة المحيطة بموقعه مقرا لالاف العمال الأجانب في ذروة أعمال البناء.

وأقيمت في الموقع بيوت فاخرة وأحواض للسباحة وملاعب للاسكواش وكرة القدم. وقال مهندس اسكتلندي عمل في المشروع بين عامي 1983 و1988 "كان لديك الكثير لتفعله عندما تأخذ يوم الراحة. كنا نلعب كرة القدم مع فريق جامعة الموصل"، وقال المهندس الذي يعيش في دبي لرويترز "لم يكن ينقصنا شيء فعلا. فقد كان كل شيء يجلب لنا من أوروبا" وأضاف أن صدام حسين زار المشروع.

ايطاليا الصغيرة

بل إن جوسيبي كاتاني الذي عمل مديرا ماليا لواحدة من الشركات العاملة في المشروع قال إن موقع بناء السد كان مدينة صغيرة. وأضاف "بل إن الناس من مناطق مختلفة كانوا يسمون أحياءهم (ايطاليا الصغيرة) و(باريس الصغيرة)"، وتابع "بالنسبة للعراقيين كان امتلاكهم واحدا من أكبر السدود في العالم مدعاة للفخر حقا"، وقد انقضت هذه الأيام بأحداثها منذ مدة طويلة، وقال اللواء هالجورد حكمت المتحدث باسم قوات البشمركة الكردية إن المتشددين زرعوا ألغاما ومتفجرات داخل السد، وأضاف "سنحميه. لدينا أسلحة متقدمة وثقيلة وهي الان رابضة على السد وقواتنا الخاصة هناك"، لكن الكلام عن حماية السد أسهل من الفعل نظرا لحجمه وموقعه، وقد رافق المستشار الأمني جون هوليس مهندسي الجيش الامريكي ومسؤولين حكوميين من الأكراد والعراقيين في زيارة السد أكثر من عشر مرات بين عامي 2004 و2006 لاجراء عمليات لتثبيته، وفي مرات كثيرة تعرضت قافلتهم لكمائن من قنابل مزروعة على جانبي الطريق إلى نيران الاسلحة الصغيرة من جانب مقاتلي القاعدة.

وقال هوليس لرويترز في دبي "إنها مساحة كبيرة للغاية وهي منطقة تأمينها في غاية الصعوبة بسبب طبيعة تكوينها الجغرافي"، وأضاف أن مقاتلي الدولة الاسلامية استطاعوا اجتياح المنطقة بسهولة لانها لم تكن تتمتع بالحماية الملائمة موضحا أن من الضروري وجود وحدة عسكرية كبيرة ودائمة مع مراقبة جوية لضمان أمن المنطقة، وقال "يمكنك أن تتوقع حدوث الشيء نفسه مرة أخرى... فعندما يعتقدون أن الوقت مناسب للهجوم سيهاجمون مرة أخرى".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/آب/2014 - 26/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م