الإسلام السياسي وإلغاء الآخر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أتاحت التحولات السياسية التي نتجت عمّا يسمى بـ (الربيع العربي)، فرصة نادرة للمراقبين والباحثين المعنيين، لكي يطلعوا (عمليا) عن كثب، على الاحزاب والحركات والجماعات السياسية التي تنضوي تحت مظلة الاسلام، أو تلك التي تطلق على نفسها بالحركات السياسية الاسلامية، وقد أطلق الباحثون المعنيون عليها، مصطلح (الاسلام السياسي)، كون هذه الجماعات تعلن في برامجها السياسية أنها تنتمي للاسلام، وتسمد افكارها ومساراتها السياسية من تعاليمه ومبادئه، لهذا السبب ينسبها الغربيون للاسلام ويعلن انها حركات واحزاب سياسية اسلامية، بل ينسبها العالم أجمع للاسلام شئنا أم أبينا، حتى وإن كانت في حقيقتها، لا تمثل الاسلام ولا تنتمي إليه في التعاليم والافكار، فضلا عن التطبيق.

لقد أدت الاحداث والمتغيرات التي ظهرت في العقد الاول من الألفية الثالثة، الى وصول عدة جماعات واحزاب اسلامية الى دفة السلطة، في عدد من الدول العربية، قادتها الى ذلك انتخابات حصلت في هذه الدول، بعد الاطاحة بالانظمة الفردية، ومن الواضح أن صعود هذه الجماعات والحركات، حصل في ظروف مرتبكة ومتداخلة، فضلا عن كونها جاءت كنتيجة لرد فعل شعبي عارم، أطلقته جماهير ذاقت الويل على أيدي الانظمة الدكتاتورية التي كانت تتلفع بوشاح علماني، لم يفلح بتغطية أخطائها الفادحة في ادارة الحكم، الامر الذي دفع بالناخبين، الى سحب البساط من تحت الاحزاب والقوى العلمانية التي سقطت بسقوط الانظمة الفردية ذات الطابع العسكري، والتي كانت تحكم معظم الدول العربية، لتجرّب الجماهير هذه المرة، الحركات والجماعات الاسلامية، عسى أن تجد لديها الانصاف، وإحقاق الحق وردع الباطل واطلاق الحريات الفردية التي كفلها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والدساتير المدنية المتطورة كافة.

وتمكنت الاحزاب التي تنضوي بمجموعها، تحت مفهوم (الاسلام السياسي)، من الوصول الى السلطة لاول مرة في تاريخها، ليس بقوة السلاح، ولا عن طريق الانقلابات كما كانت تفعل الحكومات الفردية التي تدّعي (العلمانية)، بل عن طريق الاقتراع، حيث منحت أكثرية الناس اصواتها للاحزاب الاسلامية لاسباب كثيرة، اهمها فشل الحكومات والاحزاب ذات الطابع المركزي، في تحقيق طموحات وتطلعات الطبقة المسحوقة (الفقراء والمحرومين).

والسؤال الذي بقيَ يتردد بقوة على ألسنة المراقبين ومن يهمهم الامر، هل استطاعت الاحزاب والحركات الاسلامية، بعد أن وصلت الى دفة الحكم، أن تستثمر هذه الفرصة، وتثبت أنها أكثر قدرة على قيادة الدولة، وتحقيق تطلعات الجماهير، فيما فشلت الانظمة التي سبقتها وتمت الاطاحة بها في احداث (الربيع العربي)؟، إن الاجابة الدقيقة عن هذا التساؤل سوف تؤكد فشل هذه الاحزاب والحركات الاسلامية، في تحقيق نتائج افضل مما حققته الانظمة التي سبقتها، بل لقد اثبتت هذه الحركات والاحزاب، أنها تبحث عن السلطة اولا وتضعها في صدارة اهدافها، وهذا هو ذات المرض الذي اطاح بالانظمة الدكتاتورية التي سبقتها.

ولنا في تجربة الاخوان المسلمين في مصر خير مثال، فقد تمكنت هذه الحركة او الجماعة السياسية المخضرمة، من الحصول على المناصب العليا في السلطة المصرية بعد الاطاحة بنظام حسني العسكري، حيث فازت اغلبية من الاخوان المسلمين في مجلس النواب، وحصل محمد مرسي، الرئيس المصري المخلوع المنتمي لحركة الاخوان المسلمين في مصر، على اكثرية اصوات الناخبين من الشعب المصري، تؤهله لكي يصبح رئيسا لجمهورية مصر العربية لأول مرة في تأريخ الاسلام السياسي، وفي تاريخ حركة الاخوان المسلمين!، ولكن ما هي نتائج هذا الكسب الكبير للحركات الاسلامية؟، وهل تمكنت من ان تقدم صورة مغايرة عن الانظمة المطاح بها؟، وهل حققت الحرية المأمولة للشعب؟.

الجواب: لقد أقصت هذه الحركة التي تعلن انتسابها للاسلام السياسي، جميع العناصر والاحزاب التي تختلف معها في الفكر والرأي، واصدرت عددا من القرارات والقوانين، قيّدت الحريات أكثر من السابق لاسيما في حقل الاعلام، وحاول الاخوان المسلمون، بقرارات لافتة، أن يجمعوا السلطة والمراكز الحساسة في قبضتهم!!، وفي الوقت نفسه شنّوا حملة اقصاء كبيرة و واسعة، أقل ما يقال عنها، أنها محاولة واضحة لالغاء الاخر مع سبق الاصرار.

وهكذا اثبتت هذه الحركات، أنها جماعات باحثة عن السلطة قبل البحث عن السبل السليمة لبناء الدولة، وهو خطأ فادح وقعت فيه معظم الاحزاب والحركات الاسلامية، كونه الاسلوب الذي يماثل تماما اسلوب الحكومات التي تم الاطاحة بها، بمعنى اوضح أن هذه الحركات التي تنضوي تحت الاسلام، لم تستفد من الدرس الذي أدى الى سقوط العروش الدكتاتورية السابقة، وهكذا أفرزت الوقائع السياسية على الارض، عدم قدرة (الاسلام السياسي/ الحركات والاحزاب والجماعات الاسلامية)، على تحقيق حلم الجماهير، فكان الفشل من نصيبها، كما كان من نصيب الانظمة التي سبقتها، بسبب تركيزها على اسلوب الاستحواذ على السلطة والانشغال بها، بدلا من الانشغال في بناء الدولة أولا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/آب/2014 - 26/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م