اليوم العالمي للعمل الإنساني والحفاظ على السلامة

 

شبكة النبأ: جلب اليوم العالمي للعمل الإنساني هذا العام أخباراً محزنة؛ فقد كان عدد عمال الإغاثة الذين لقوا حتفهم في عام 2013 أكبر من أي عام منذ بدء الاحتفاظ بسجلات. فقد قُتل ما مجموعه 155 عامل إغاثة، في حين أصيب 305 آخرين بجروح خطيرة أو اختُطفوا، وفقاً للبيانات الصادرة حديثاً عن قاعدة بيانات أمن عمال الإغاثة. وقد كان عدد الضحايا أعلى من العدد المسجل في عام 2012 بنسبة 66 بالمائة. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وتبحث وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والأكاديميون عن سبل للحد من التهديدات التي يتعرض لها الموظفون حتى وهم يتصدون لعدد متزايد من الأزمات الإنسانية التي تكون عنيفة في الكثير من الأحيان.

ويتعلق جزء من النقاش بمدى شدة المشكلة، حيث يحرص البعض على التأكيد على أن العمل الإنساني نشاط خطير لا محالة. وترى لاريسا فاست، الأستاذ المساعد في حل النزاعات في معهد كروك لدراسات السلام، ومؤلفة كتاب المعونة في خطر - مخاطر العمل الإنساني ووعوده، أنه على الرغم من أن الزيادة في الوفيات مقلقة، إلا أن "هذه الأرقام لا تعني الكثير إذا أُخرجت من سياقها".

وأشارت إلى الزيادة في حجم العمل في مجال الإغاثة – حيث زاد الإنفاق من جانب الحكومات المانحة بحوالي 75 بالمائة على مدار العقد الماضي - وتحسن الإبلاغ عن الوفيات، كعوامل مخففة. وأضافت أنه "من المنطقي أن يكون هناك عدد متزايد من الحوادث في نفس وقت زيادة عدد العمليات".

مع ذلك، تعترف فاست بأن عمال الإغاثة الآن أكثر عرضة للخطر نظراً لنشوب صراعات عديدة تشمل أطرافاً معادية للمنظمات الخيرية الأجنبية. وأكدت أن "وكالات الإغاثة على استعداد لقبول المزيد من المخاطر والبقاء في الأماكن الأكثر خطورة مما كانت تفعل قبل 10 سنوات".

استراتيجيات التكيف

ويعد التكيف والتعديل للحد من هذه المخاطر أمراً أساسياً، وفقاً لتقرير نتائج العمل الإنساني الذي يضم أحدث الإحصائيات. ومن أهم ما خلص إليه التقرير هو ارتفاع عدد الهجمات على عمال المنظمات غير الحكومية أثناء التنقل. وبينما كانت المركبات أكثر عرضة للهجوم من المجمعات المسلحة منذ فترة طويلة، وقع أكثر من نصف حوادث العنف في عام 2013 في سياق كمين أو هجوم على جانب الطريق. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

وحدد التقرير عدداً من الاستراتيجيات المختلفة للسفر التي تمت الاستعانة بها، بما في ذلك تغيير المسارات بالتناوب بشكل منتظم والابتعاد عن الانظار واستطلاع الطرق.

ومن الآليات الأخرى التي سعت من خلالها وكالات الإغاثة إلى تحسين الظروف الأمنية أثناء السفر، تبادل المعلومات بشكل أفضل. ففي السنوات الأخيرة، تم إنشاء هيئات تنسيق في أفغانستان واليمن وغزة وأماكن أخرى لمساعدة المنظمات غير الحكومية في التفاوض على القضايا الأمنية، مثل تحديد الطرق الآمنة للسفر.

وتجدر الإشارة إلى أن أحدث إضافة إلى هذه الهيئات هي لجنة السلامة والأمن في لبنان (SSCL)، وهي هيئة تمولها دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو)، ذراع المساعدات الإنسانية التابع للمفوضية الأوروبية، لتسهيل تبادل المعلومات الأمنية بين هيئات الأمم المتحدة، وكذلك المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية. وقد شهد لبنان استمرار العنف على مستوى منخفض طوال عام 2014، وادعى متشددون من تنظيم الدولة الإسلامية سيطرتهم لفترة وجيزة على بلدة ذات أهمية استراتيجية في شرق البلاد في وقت سابق من هذا العام.

من جانبه، أفاد لورانس تاكر-غاردنر، مدير لجنة السلامة والأمن في لبنان، أن تبادل المعلومات هذا يساعد المنظمات غير الحكومية على تجنب المخاطر غير الضرورية، ويتوقع أن تحتاج وكالات الإغاثة في العراق وسوريا إلى تطوير شبكات مماثلة.

وقد تم تعزيز الشبكات من خلال قدرتها على التكيف. وأفاد تاكر-غاردنر أنه عندما تم تشكيل شبكات تبادل المعلومات الأولى قبل بضع سنوات، سعوا إلى دفع جميع الوكالات لاتباع السياسات الأمنية نفسها، مما أدى إلى التوتر في كثير من الأحيان لأن المنظمات غير الحكومية شعرت بالقلق إزاء استقلالها. وأضاف أنه "كان لدى الأمم المتحدة نهج واحد [تجاه الأمن]، وقد يكون مفرطاً في الحماية، بينما كانت [تركز] المنظمات غير الحكومية أكثر بكثير على القبول. وهذا يعني أنها أصبحت قلقة بشأن تبادل المعلومات".

ولكن مع مرور الوقت، أصبحت شبكات تبادل المعلومات أقل تقييداً، وسعت بدلاً من ذلك إلى منح الوكالات القدرة على وضع السياسات الخاصة بها. "وما يبدو أنه قد تطور بشكل جيد هو الإدراك بأن تبادل المعلومات لا يرتبط بالضرورة بالاستراتيجية. فعلى أحد المستويات، يتم تبادل معلومات السلامة والأمن، وعلى مستوى آخر، يُترك للمنظمات الحق في أن تفعل ما تشاء بتلك المعلومات،" كما أفاد.

وبينما يعتبر ردع الهجمات وتجنبها من الإصلاحات القصيرة المدى، فإن الهدف الأسمى للعاملين في المجال الإنساني غالباً ما يكون قبول عملهم من قبل جميع الأطراف. وأشارت فاست من معهد كروك إلى أنه في السنوات الأخيرة كان هناك إدراك متزايد للانفصال بين عمال الإغاثة والناس الذين من المفترض أن يساعدوهم - وهو جدل أضر به تشديد الإجراءات الأمنية التي كثيراً ما تضطر المنظمات إلى اتخاذها.

وأضافت أن "هناك حاجة إلى العودة إلى تذكر الغرض الأساسي من العمل الإنساني،" مؤكدة أن المجمعات المحاطة بالجدران التي يقيم بها عمال الإغاثة تخلق أيضاً التصور بأنهم أجانب. "على الأمن [أن يتصرف] كجزء من العلاقة [مع المستفيدين] بدلاً من التفكير في المزيد من الطرق لفصل عمال الإغاثة عن الناس الذين يعملون معهم".

الجماعات الإسلامية

وتعاني العديد من الدول التي يشتد بها انعدام الأمن من وجود جماعات متشددة تسيطر على مناطق واسعة، وتعد أربع دول من الدول الست الأكثر خطورة - أفغانستان وباكستان والصومال وسوريا - موطناً لمسلحين يشتبه في أنهم على صلة بتنظيم القاعدة.

كما ازدادت التهديدات الموجهة لعمال الإغاثة في العراق في الأشهر الأخيرة بعد استيلاء مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية (المعروفة سابقاً باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مساحات كبيرة من الأراضي، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من السكان. في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي انسحاب القوات التي تقودها الولايات المتحدة من أفغانستان الخطرة بالفعل في نهاية عام 2014 إلى وقوع المزيد من الأراضي في أيدي حركة طالبان. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين".

كما يمكن أن يصبح التفاوض على صفقات مع هذه الجماعات تحدياً كبيراً للجهات الفاعلة في مجال الإغاثة، ولكن يبدو أن دراسة جديدة أجرتها مجموعة السياسات الإنسانية في معهد التنمية الخارجية بالمملكة المتحدة تدعم رؤية فاست حول الحاجة إلى المشاركة. وقد ركز المشروع البحثي الذي استمر لمدة ثلاث سنوات على عمال الإغاثة الذين يتعاملون مع طالبان في أفغانستان وحركة الشباب في الصومال.

وأفادت أشلي جاكسون، كاتبة التقرير، أن الهدف كان إجراء دراسة منهجية لمواقف الجماعات الإسلامية تجاه عمال الإغاثة. وأضافت قائلة: "كنا نريد حقاً التحدث إلى المقاتلين على الأرض والقادة من المستوى المتوسط والقيادة العليا لأننا لم نشعر بأن هذا قد تم القيام به من قبل".

وأوضحت أن النتيجة الرئيسية كانت أن الوكالات يجب أن تخصص موارد كبيرة لتطوير علاقات مع شخصيات على جميع المستويات في الجماعات الجهادية والحفاظ علها، مضيفة أن "وكالات كثيرة تشعر بالخوف من التصدي للمشكلة بشكل مباشر"، وأن العديد من المنظمات غير الحكومية تشعر بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف بناء هذه الشبكات من حيث القوى البشرية ومخالفة قانون مكافحة الإرهاب إذا ما تفاعلت مع جماعات محظورة.

"ما كنت تجده كثيراً هو وجود البيئة القائمة على مبدأ 'لا تسأل ولا تفشي الخبر لتجنب الحرج'، حيث يجلس كبار المديرين بعيداً عن البرمجة الفعلية وينكرون [أنهم تعاملوا مع جماعات جهادية] ولكنهم يصرون على أن لديهم القدرة على الوصول إلى المحتاجين ... لأن 'المجتمعات' تحميهم، ولكن عندما تحدثنا إلى الموظفين الميدانيين على الأرض، قدموا قصة مختلفة بشكل كبير - و[اعترفوا] بأنهم يعملون مع حركة الشباب طوال الوقت،" كما أشارت.

وأضافت أن نقل المسؤولية إلى أدنى مستويات السلطة بهذه الطريقة من المرجح أن يؤدي إلى الفساد وانعدام العلاقات المنظمة، ويفاقم أيضاً خطر سوء الفهم بين وكالات الإغاثة والمسلحين الذي يؤدي إلى عمليات القتل والخطف.

والجدير بالذكر أنه لا يبدو أن هذه النهج المنظمة متبعة في العراق وسوريا حتى الآن. وقد سُمح لبعض المنظمات غير الحكومية التي كانت تعمل بالفعل في المناطق التي تسيطر عليها حالياً الدولة الإسلامية بالبقاء وتقديم الخدمات، على الرغم من اعتقال بعض الموظفين.

مع ذلك، أفاد أحد موظفي المنظمات غير الحكومية التي تعمل في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا أنه لم يتم اتخاذ إجراءات تذكر في قطاع الإغاثة لمناقشة قواعد التطبيع لأن تشريع مكافحة الإرهاب يجعل المنظمات غير الحكومية مرعوبة من النظر إليها على أنها تقبل رسمياً بوجود تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات إسلامية متشددة أخرى. "كيف يمكننا دفع رواتب موظفينا الذين يعيشون في تلك المنطقة، ونحن نعلم أنهم سوف يضطرون لدفع الضرائب مباشرة إلى تنظيم الدولة الإسلامية؟" كما تساءل المسؤول نفسه.

مع ذلك، فإن جاكسون ترى أن مخاطر عدم التفاوض مع مثل هذه الجماعات أكبر بكثير. وقالت أنه على الرغم من أن الوضع في العراق ربما لا يزال متقلباً أكثر مما ينبغي بالنسبة لوكالات الإغاثة لدرجة تمنعها من بدء تسليم المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن عليها التفكير في كيفية القيام بذلك بأمان.

وأكدت أن "بدء الحوار في وقت مبكر أمر ضروري، حتى لو كانت مجرد مناقشات عن المحادثات أو الاتصالات غير الرسمية التي تساعدك كوكالة إغاثة على فهم الأشخاص الذين قد تتحدث إليهم عندما تكون الظروف مواتية أكثر لإيصال المساعدات".

وقد تكون هناك أساليب أخرى يلزم اتباعها مع المتشددين الإسلاميين للمساعدة في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ومن أجل فهم أفضل للنظم القانونية المعمول بها في المناطق الخاضعة لسيطرة مجموعات قد لا تقبل القانون الدولي الإنساني، يتم تدريب العاملين في المجال الإنساني على قواعد الشريعة الإسلامية بشكل متزايد، في حين تقول فاست أنهابدأت إجراء بحث عن ما إذا كانت الجهات الفاعلة الدينية أكثر قدرة على عقد اتفاقات من الجهات العلمانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/آب/2014 - 24/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م