قيم التخلف: التكلف المادي والمعنوي

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: نعني بالتكلف في أوضح معانيه، التصنّع، وإظهار حالة من التبجح، لا علاقة لها بواقع الحال، والتكلف يأتي في شقّين، مادي ومعنوي، الاول عندما يحاول الانسان أن يرتدي ثوب البذخ والادّعاء وربما الكذب احيانا، فيمضي الانسان في طريق التكلف الى منتهاه، منتهجا اساليب لا تمت بحقيقة و واقع الانسان بأية صلة، فيعلن للناس غير ما يُبطن، ويدّعي لنفسه بما ليس له او منه، وربما يصبح غنيا (في الصورة) وإن كان قصير اليد، ويُظهر قدرات مزيفة على حساب الصدق، ويجهد نفسه ماديا حتى لو سرق او استدان، كل هذا حتى يبدو لمن يراه او يتعامل معه، بأنه مكتمل ماديا ومعنويا، ويملك النفوذ والتأثير والجاه وما شابه.

ولكن عندما يتم تمحيص واقع هذا الانسان بدقة، سنجد أنه انسان متكلف في الظاهر، لانه يرتدي شخصية غير شخصيته الحقيقة، ومثل هؤلاء ينكشفون للاخرين مع الزمن، لذلك لا تصمد ادّعاءاتهم امام الحقيقة، لأنهم كما ذكرنا يظهرون غير ما هم عليه او غير ما يبطنون، من هنا تصبح شخصياتهم محط تذمر، وربما كره الاخرين، لأنهم يبالغون في كل شيء على حساب الحقيقة والواقع، وقد يكون هذا التكلف نوع او صنف من الامراض النفسية، بمعنى كل ما يقف وراء هذه السلوكيات عبارة عن عقدة مستعصية، او مرض نفسي يصعب الخلاص منه، إلا اذا استطاع الانسان مراجعة الطبيب النفساني المختص بانتظام، من دون ان يشعر بالحرج، لأن الناس لدينا ينظرون الى مرضى النفس باستصغار!!.

 ولا تتوقف أضرار التكلف عند الشخص المتكلف فقط، إنما تنسحب على المحيط الانساني الذي يعيش فيه وينشط ويتحرك وينتج ويتطور وما الى ذلك، بمعنى ان المجتمع مهدد ايضا بهذا النوع من السلوك الذي في الغالب يأخذ طابع التبجح، واظهار ما لا يمت للواقع والحقيقة بصلة، فالشخص المتكلف يميل الى التعقيد، ويقوم بحركات مبالغ فيها، ويطلق أقوالا ذات صيغة متعالية في الغالب، فينفر منه الناس، ويترك لديهم طابع الانزعاج والكره، وقد يُظهر للناس بأنه لا يعبأ بالخسائر المادية، بل في الغالب يجهد نفسه وعائلته بأعباء مادية ومالية، حتى لو قام بالحصول عليها بطرق غير صحيحة، كالسرقة مثلا، وربما الاستدانة كما ذكرنا، كل هذا من اجل ان يظهر للاخرين بأنه متمكن وقادر على البذخ مثلا، فضلا عن اقامته لعلاقات مع المحيطين به، قائمة على المغالاة والتبجح.

في الشق الثاني من التكلف، اي التكلف المعنوي، يقوم اصحاب التكلف بسلوكيات غير مادية، لكنها تحمل اضرار التكلف المادي نفسها تقريبا، وتعود بالاذى على الشخص نفسه، وعلى المجتمع ايضا، فالتكلف المعنوي، يأتي لاسباب قد تكون خفية او ظاهرة، ويحدث تحت ضغط المرض النفسي ايضا، فيبدو الانسان غير واقعي في ادعاءاته، وفي كل ما يقوم به من انشطة في الاقوال والافعال، ويبدو للجميع بأنه صاحب شخصية متعالية، متكلفة، تحاول أن تعطي للاخرين انطباعا غير الانطباع الحقيقي لها.

قد ينجح الانسان المتكلف معنويا في بدايات الامر، باعطاء صورة اخرى عن نفسه للاخرين، ولك لا يمكن ان يدوم الحال على ما هو عليه، لسبب بسيط أن الانسان المتكلف معنويا لا يستند في صنع شخصيته الى الواقع، لذلك سوف يكتشف الذين يتعاملون معه حقيقة شخصيته المتكلفة المتبجحة في الغالب، من هنا لابد من رفض هذه القيمة المتخلفة التي لا تنفع الانسان، بل تضره كثيرا فضلا عما يلحقه التكلف بالمجتمع، في حالة انتشاره بين الناس تحت ظاهرة التقليد او التماثل والتأثير.

مكافحة سلبيات هذه القيمة المتخلفة، تبدأ مع الانسان وهو طفل في المحيط العائلي، بمعنى ينبغي على الاب والام مراقبة الابن او البنت، في الاقوال والافعال، وان يتم وضعها ازاء الحقائق والوقائع وجها لوجه، وأن لا يتكلف الاب او الام في السلوك والقول، وأن يظهرا دائما واقع الحال على السطح، وان يتم الابتعاد عن كل ما يمت للتكلف او المغالاة بصلة، ولا شك ان هذا السلوك العائلي سوف ينتقل للطفل، ويؤثر فيه، ويجعله ينحو الى البساطة والعمق والذكاء والانسانية في تعامله مع الاخرين، وفق قيمة تدفعه الى التقدم وتمنعه من السير وفقا للقيم المتخلفة، كما هو الحال مع قيمة التكلف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آب/2014 - 23/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م