العراق ومهمة الخروج من نفق الأزمات

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: لمعالجة الأزمات التي يعيشها العراق، وهي متعددة وشائكة، ينبري البعض من الخبراء والمسؤولين في التفتيش عن الحلول فيما لديهم من قدرات مالية وعناصر بشرية وموقع استراتيجي وعلاقات خارجية ومصالح مشتركة مع هذا وذاك. ثم يتوجهون للتخطيط على هذا الأساس، وربما يصلون الى بعض الحلول المهدئة والمؤقتة، بيد أن جذر المشكلة يبقى على حاله، لان المشاكل لدينا ليست عادية وسطحية، إنما هي ذات ابعاد اجتماعية ونفسية وحتى حضارية، الامر الذي يتطلب بعد نظر وتطلق الى الآفاق لإيجاد حلول متكاملة تفيد الناس في خروجهم من الازمة بشكل كامل.

هنا يأتي دور "التجارب" وقيمتها العالية لدى الشعوب المتقدمة والمتحضرة التي نرى كيف انها تعيش بنسب قليلة من الازمات، وقد تركت مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية وراء ظهرها. لنلاحظ دول وشعوب مثل الهند وكوريا الجنوبية والصين وحتى الولايات المتحدة، كيف انها تغلبت على ازماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين، وهذه الدول حديثة النشوء، وليس لها عمق حضاري ولا خلفية ثقافية تستقي منها التجارب والعبر، كما هو الحال في بلادنا الاسلامية، وتحديداً العراق، لكن مع ذلك، نشهد التخبط في الازمات الانسانية الناتجة عن الازمات السياسية المتلاحقة، ومثالها اليوم، "النازحون"، وقبلها الازمات الاجتماعية الناتجة من الازمات الاقتصادية وهكذا.. ازمات تلد أخرى دون حلول جذرية.

سماحة الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- يذكرنا في كتابه "الخبرة ودورها في الحياة" بان "عالم اليوم، عالم الخبراء..". فهل تأتي الخبرة من فراغ؟ او انها تأتي على طبق من ذهب..؟! انها تأتي بالبحث والتنقيب عنها وعن التجارب التي مرت على شعوب وأمم اخرى.

والخبير – كما يعرفه سماحته – "هو الشخص الذي يتميز بمستوى عالٍ من الخبرة في مجال محدد من مجالات المعرفة حيث يكلّف عادة بإعداد دراسة، أو تقديم مشورة لبعض الحكومات.وواحدة من أبرز مشاكل بلادنا الإسلامية، عدم وجود خبراء محليين في مستوى عال من الخبرة، فهي فقيرة في هذا الجانب؛ ولذلك فهي تستعين بالخبراء الأجانب..".

وإذن؛ الخطوة الاولى: البحث عن خبرات وتجارب الآخرين، لاسيما ونحن نعيش "القرية العالمية"، حيث وسائل الاتصال قرّبت المسافات، مما يسهّل المهمة. بل ان بعض البلاد المتقدمة اقتصادياً تضع "الخدمات" ضمن قائمة التصدير الى جانب المعادن والنفط والغاز والسلع الاستهلاكية، وهي عبارة عن تجارب وخبرات تفيد في تحسين الوضع المعيشي للناس، سواءً في مجال الطرق والمواصلات او الصحة والتعليم وحتى مسائل تتعلق بالبيئة والنظافة وتوسيع المساحات الخضراء وغيرها.

وفي فترات سابقة حيث لم تكن بلادنا قد وصلها كل هذا التطور العلمي وتقنية الاتصال، كان سماحة الامام الراحل يظهر غير قليل من الحرص على هذا الجانب المهم والحضاري، حيث يشير لنا على طرق عديدة للحصول على الخبرات والتجارب من الآخرين منها: "ما يسمى بالخدمات الودية، حيث تبعث دولة إلى أخرى بخبير، أو مجموعة من الخبراء تساعدها بلا مقابل، أي أن الدولة التي تبعث الخبراء لا تأخذ من الدولة الأخرى أجرة على ما يقومون به من خدمات، بل تكتفي بأخذ قروض طويلة الأجل بلا فائدة، أو لقاء خبراء آخرين من ذلك البلد.. وهناك لون آخر، وهو البعثات التي تقوم بها الدول النامية مثلاً، إلى الدول الأوروبية، من أجل تحصيل الخبرة والمعرفة..".

ان امام العراق فرصة كبيرة وواسعة لاستحصال التجارب في شتى الميادين، و ابرز معالم هذه الفرص، وجود عقول مبدعة وقابلة للتطور والنمو، فهي مثل الارض الخصبة والطيبة التي تنتظر الماء العذب لتخضر وتنمو وتعطي الثمار اليانعة. ام الاعتماد على الجانب النظري في اكتساب العلوم والتجارب، فانه يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، حيث تتسع المسافة بيننا وبين واقع المشاكل والازمات التي تزداد يوماً بعد آخر، وهي من التعقيد والتشابك ما يصعب على احدنا حلّها من خلال معادلة علمية او نظرية  معينة مع صحتها، لان ببساطة؛ النظرية العلمية او حتى الفكرة الواحدة تتعلق بجانب واحد، فهي تضيئ لزاوية محددة، وربما تحل جانباً من المشكلة، في حين التجارب والخبرات تعطينا كماً هائلاً من الحلول لجوانب المشكلة باكملها او لقدر كبير منها.

لنأخذ قضية السكن والبطالة – مثلاً- فهي ليست دائماً تتعلق بنظريات اقتصادية بحتة، إنما تتشابك معها مسائل اجتماعية ونفسية، فهنالك الأسرة وأنماط التربية والسلوك، كما هناك الحالة  النفسية ومستوى تقبل الانسان للامور وكيفية تعايشه مع التطورات او الحلول المطروحة.. كذلك نعود الى المثال الآنف الذكر، وهو "النازحين" الذين لا يشكلون اليوم ملفاً انسانياً وحسب، إنما ستأخذ قضيتهم ابعاداً اقتصادية واجتماعية، مع عدم وجود بصيص أمل في المستقبل المنظور لحل الازمة السياسية والامنية في شمال العراق. الامر الذي يتطلب من المسؤولين المعنيين الاستفادة ما أمكن من تجارب الشعوب والبلاد الاخرى التي مرت بهكذا ازمات انسانية، وكيف عالجتها وتعاملت معها، من حيث الاستفادة من الكفاءات والقدرات الموجودة بين النازحين، ثم تنظيم مسألة السكن والخدمات وصولاً الى توفير فرص العمل وإدخال هذه الشريحة في عجلة الانتاج، وعدم تركهم للاقدار ولما تؤول اليه الايام، فما دامت القضية انسانية، فان الانسان بطبعه حيوي ونازع الى التحول والتطور في الاتجاهات كافة، فاذا لم يتحول الى البناء والابداع مستفيداً من القيم الاخلاقية والمفاهيم الانسانية، فان قيماً ومفاهيماً اخرى ستدفعه نحو عواقب لا تحمد عقباها.

ثم لاننسى قضية هامة؛ ان البحث عن التجارب والاستفادة منها، لا يجب ان يكون وليد الساعة واليوم، إنما يتم الاستعداد لها منذ سنوات، بحيث تكون جاهزة يوم الشدة والمحنة وتتم الاستفادة منها بالشكل الصحيح بحيث لن تؤثر الازمة – مهما كانت- على انسيابية الحياة العامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/آب/2014 - 23/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م