متلازمة حزب الدعوة والحكومة

د. علي المؤمن

 

داعية يتنحى لمصلحة داعية

 في عام 2006 سألني وزير عراقي بحضور عدد من النواب؛ كانوا في زيارة الى بيروت؛ عن ضبابية مستقبل حزب الدعوة بعد إجبار السيد ابراهيم الجعفري على التنحي عن رئاسة الوزراء وإنتقال رئاسة الحكومة الى السيد نوري المالكي. وكان يتحدث وكأن حزب الدعوة على حافة الإنهيار. فقلت له: إن كنت (متاثراً) لتنحي الداعية الجعفري؛ فإن المالكي هو داعية جعفري أيضاً، وإن الفرقاء السياسيين الذين أجبروا الجعفري على التنحي؛ سواء السيد مسعود البارزاني أو السيد أياد علاوي أو بعض الجماعات الشيعية والسنية؛ سيمارسون الدور نفسه ضد المالكي في عام 2010، و ربما سيحاولون سحب الثقة عنه قبل ذلك؛ لأن الجعفري والمالكي ينتميان الى المنظومة الفكرية السياسية السلوكية نفسها. وإن كنت (خائفاً) على مستقبل حزب الدعوة لمجرد تنحي الجعفري؛ فإن حزب الدعوة الذي إقتنص رئاسة الوزراء وهو يمتلك 15 مقعداً فقط ؛ بالرغم من وجود كتل شيعية لديها عدد أكبر من النواب؛ سيحصل على خمسة أضعاف مقاعده الحالية في عام 2010، وسبعة أضعاف مقاعده الحالية في 2014، وإن دور الفرقاء السياسيين الداخليين واللاعبين الدوليين الخارجيين؛ تحديداً أمريكا وإيران؛ سيبقى حتى عام 2026 يتلخص في ترجيح داعية على آخر؛ ليكون رئيساً للوزراء. وقلتها مازحاً: ((كل الدعاة هم في طابور الإنتظار)).

فقال لي الوزير الضيف: ألا ترى إن هذا تضخيم لواقع حزب الدعوة ؟. قلت له: لا مصلحة لي في ذلك؛ فأنا باحث متخصص في شؤون حزب الدعوة وسياسي مستقل، ولا أتكلم بهذه الحقائق من منطلق الإنتماء السابق أو الميول؛ بل من منطلق التوصيف المبني على المعرفة الدقيقة، وأنا أقدم لك خدمة معرفية؛ باعتبارك سياسي قيادي، وتحتاج لمعرفة هذه الحقائق؛ لتعرف كيف تتعامل مع الدعوة أو تتعاون معها أو تنافسها؛ خدمة للعراق الجديد والعملية السياسية.

 واليوم يعيد التاريح نفسه؛ حين ظن معظم الفرقاء السياسيين إن حزب الدعوة سيتشظى ويتآكل بعد تقدم السيد حيدر العبادي بالترشيح الى رئاسة الحكومة على حساب ترشيح محازبه السيد نوري المالكي؛ ولاسيما ان لكل منهما من يدعمه في قيادة الحزب. ولكن؛ كما فاجأت قيادة الحزب الجميع بترشيح العبادي؛ فإنها فاجأتهم بالإجتماع الصادم الذي سحب فيه السيد نوري المالكي ترشيحه. ففي هذا الإجتماع التاريخي الذي عقد مساء 13/8؛ سحب رئيس الوزراء الداعية نوري المالكي ترشيحه عن المنصب لصالح ترشيح الداعية حيدر العبادي؛ الذي وقف متراصاً على يمينه؛ في مشهد قريب من الخيال لمن لايعرف حزب الدعوة، ومتوقّع لمن يعرف حزب الدعوة. فقد قرأ المالكي خطاب سحب الترشيح بحضور جميع أعضاء قيادة حزب الدعوة؛ يتقدمهم الشيخ عبد الحليم الزهيري والسيد علي الأديب، إضافة الى قياديين سابقين وكوادر بارزين في الحزب، وقياديين رأسيين من أجنحة حزب الدعوة الأخرى؛ كالسيد خضير الخزاعي؛ القيادي في حزب الدعوة (تنظيم العراق). ولم يتخلّف حلفاء الدعوة في دولة القانون عن الإجتماع؛ يتقدّمهم السيد حسين الشهرستاني؛ رئيس كتلة مستقلون، والسيد هادي العامري؛ رئيس كتلة بدر؛ وكلاهما من الدعاة القدماء؛ رغم تركهما الحزب في ثمانينات القرن الماضي.

 كانت لحظة تاريخية؛ صنعت للعراق ولحزب الدعوة آفاقا جديدة؛ فقد تسببت هذه اللحظة في صدمة كبيرة لخصوم المالكي وحزب الدعوة؛ إذ كان معظم الفرقاء السياسيين يأملون في أن يتسبب ترشيح العبادي وتمسك المالكي بالترشيح؛ في إنشقاق سلطة كبير داخل الدعوة، وصدام مسلح في الشوارع والمؤسسات بين أنصار المالكي وداعمي العبادي؛ بالشكل الذي يتسبب في نهاية حزب الدعوة وتدمير الساحة الشيعية العراقية وإضعاف الحكم المركزي. وكان كل خصم يطرح أمنياته وفقاَ لنوعية الخصومة مع المالكي ومع الدعوة، وبناء على إنتمائه السياسي والفكري والعقائدي والمذهبي؛ وهو ماينطبق أيضاً على دول كبرى وإقليمية؛ كأمريكا وتركيا والسعودية.

 وكما كان حزب السيد مسعود البرزاني وكتلة السيد أياد علاوي؛ هما أبرز الخاسرين في عام 2006 عندما سحب الداعية الجعفري ترشيحه لمصلحة الداعية المالكي؛ بعد أن كان الخاسران هما السبب في منع الجعفري من تشكيل الحكومة؛ فإن الخاسرين الأبرز اليوم؛ من المشاركين في العملية السياسية؛ هما أيضاً حزب السيد مسعود البارزاني وإتحاد القوى الوطنية. أما الرابح الوحيد دائماً فهو حزب الدعوة.

 لقد كان الخصوم على يقين بحدوث إنشقاق سلطة دموي في حزب الدعوة؛ كما يحصل في الأحزاب الأخرى، وكما حصل في حزب البعث أكثر من مرة، وكما حصل في الحزب الشيوعي، وكما حصل مع جماعات الضباط الأحرار وجبهات التحرير في مصر والعراق وليبيا والجزائر وغيرها. ولكن من يعرف الدعوة والدعاة؛ يدرك بأن هناك عشرات الموانع الفكرية والعقائدية والمنهجية والسلوكية التي لاتسمح للدعاة بالتفكير بإحداث إنشقاق سلطة دموي داخلهم. وهكذا؛ فإن المنظومة الفكرية السلوكية التي ينتمي اليها المالكي؛ هي التي دفعته للتنحى لصالح داعية قيادي (حصراً) ؛ بالرغم من أنه على يقين بأحقيته في الترشيح وفي تشكيل الحكومة؛ بلغة القانون والديمقراطية والحسابات الرياضية. وبالنتيجة حالت قيادة حزب الدعوة دون خروج الإستحقاق من يدها للمرة الرابعة على التوالي.

السيد حيدر العبادي.. بديل من المنهج ذاته

 إن ماحصل ويحصل منذ عام 2006 و حتى الآن من صراعات سياسية وضوضاء إعلامية و جدل قانوني بين الفرقاء السياسيين العراقيين؛ شيعة وسنة وأكراد، وكذا بين الدول الإقليمية والعالمية، حول البديل والتغيير، وغضب بعضهم وفرح آخرون، ونزول وصعود التصريحات؛ ينتهي دائما بخيار لا ثاني له؛ وهو إختيار بديل من حزب الدعوة لقيادة الدولة !. وبعد إنجاز عملية ترشح البديل، وهدوء الفرقاء وشعورهم بنشوة النصر؛ لأنهم تخلصوا من عبء المرشح المتنحي أو رئيس الوزراء السابق؛ فإنهم بعد فترة يكتشفون إن رئيس الوزراء البديل لايقل إنصهاراً بمنهج حزب الدعوة عن سابقه.

 وبغض النظر عما حدث بالأمس من تكليف وتنحي؛ فإن الفرقاء الفرحين بتنحية السيد نوري المالكي؛ سيكتشفون إن العبادي هو مالكي بالمنهج الفكري والسلوك السياسي أيضا؛ كما إكتشفوا إن المالكي هو جعفري آخر، وستقوم قائمتهم على العبادي في انتخابات 2018 أو قبلها؛ وسيطالبون بالتغيير، ويبحثون عن البديل. وحينها.. سيكون البديل من حزب الدعوة أيضاُ.

 ويبدي بعض الفرقاء السياسيين فرحهم أيضاً بوجود إنشقاقات في حزب الدعوة؛ لإعتقادهم أن الإنشقاقات تضعفه وتقضي عليه تدريجياً. ولكن الواقع أثبت إن هذه الجماعات الدعوتية المنشقة التي تختلف في أسمائها وتتشابه في منهجيتها وتتناغم في سلوكياتها؛ تحوّلت وتتحول بمرور الزمن الى أجنحة متناغمة؛ برغم ما يمنحه بعض الفرقاء من مغريات لإستمالتها. وقد زادت هذه الإنشقاقات من إستحقاقات الدعاة في المناصب؛ حتى أفرزت انتخابات عام 2010 عن هيمنة الدعاة على أكثر المناصب التي تمثل إستحقاقاً للمكون الشيعي. فكان السيد نوري المالكي رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، والسيد خضير الخزاعي نائبا لرئيس الجمهورية ثم رئيساً للجمهورية بالوكالة، والسيد إبراهيم الجعفري رئيساً للتحالف الوطني. صحيح أن الثلاثة ينتمون الى ثلاثة أجنحة دعوتية مختلفة في أسمائها؛ ولكنهم ظلوا منسجمين في توجهاتهم ويمسكون بقرار المكون الشيعي في الدولة، ويسيّرونه وفق منهج الدعوة. ولم يأت إنسجام المالكي والجعفري والخزاعي من خلال تحالف سياسي سري أو إتفاق مصالح؛ بل لأنهم ينتمون الى منظومة عقائدية سياسية ضاغطة واحدة؛ تجعلهم يفكرون بالطريقة نفسها؛ ويتشابهون في المنهج والرؤية والتوجه؛ وإن اختلفوا في المزاج الخاص والاخلاقيات الشخصية؛ إذ أن المؤثر الأساس في إدارة الدولة وقيادة السلطة ليس السلوك الشخصي بقدر ماهو السلوك المترشح عن الانتماء السياسي والفكري. وهذه هي سمة الأحزاب الايديولوجية العقائدية. وحزب الدعوة ليس حزباً سياسياً وحسب، بل هو حزب ايديولوجي يتميز بمنهج فكري وسلوك سياسي خاص به.

أخطاء الخصوم بحق الدعوة.. سبب صعودها

 خلال تشكيل السيد حيدر العبادي الحكومة الجديدة ومابعدها؛ فإن إستحقاقاً جديداً سيضاف الى الدعاة؛ وهو إستحقاق السيد نوري المالكي؛ لأن استحقاق رئاسة الوزراء بات من نصيب مجموعة من نواب الدعوة الذين رشحوا العبادي، وهي تتمايز الى حد ما عن كتلة السيد نوري المالكي. وهناك تسريبات تؤكد أن الوساطة الإيرانية ووساطة حكماء الدعوة القدامى ستمنح مناصب ترضية مهمة لكتلة السيد نوري المالكي، ومن هذه المناصب: النائب الأول لرئيس الجمهورية مع تفويض صلاحيات الرئيس أو القيادة العامة للقوات المسلحة، و وزارة الخارجية وعدد من الوزارات وغيرها من المناصب و بعض رئاسات الهيئات المستقلة. وحينها ستكون للدعاة الحصة الأكبر من مناصب القرار السياسي والعسكري والتنفيذي في الدولة.

 والعارفون بخفايا الأمور؛ يدركون ببساطة إن قيادة حزب الدعوة هي التي كانت وراء ماحدث؛ للحيلولة دون خروج قيادة الحكومة عن مساحة نفوذ الحزب؛ وإن كان ذلك دون موافقة أمينه العام السيد المالكي وقياديين آخرين؛ بعد أن أغلق الخصوم الداخليين والخارجيين جميع أبواب الحل أمام الدعوة؛ وكادت الأمور تفلت من يدها. وكان السيناريو يكتبه مثلث؛ أضلاعه: قيادة حزب الدعوة والمرجعية العليا النجفية والقيادة الإيرانية. وقد أنجز خلال أقل من 48 ساعة. ولم تكن هذه الأضلاع تستهدف السيد المالكي، أو أنها غير مقتنعة بحقه في تشكيل الحكومة؛ ولكن كان كل منها يقرأ الواقع العراقي الضاغط بصورة تجعله مضطراً للسير باتجاه البديل.

 والمشهد السياسي للتكليف هو دليل بسيط على الحقيقة المذكورة؛ فقد كان الصانع الأساس للمشهد هم الدعاة (قيادة حزب الدعوة)، والذي كان يتصدر المشهد هو داعية (الجعفري)، والطرف المستهدف فيه هو داعية (المالكي)، والطرف المستفيد منه هو داعية (العبادي). أما الباقون من الحضور في المشهد الخاص أو العام؛ فقد ساعدوا الدعاة في إتخاذ القرار وفي ترجيح داعية على آخر. وجميع الدعاة ممن هم في واجهة المشهد أو خلفه ؛ كالجعفري والمالكي والعبادي والزهيري والأديب؛ ليسوا طارئين على الدعوة وفكرها وسلوكها؛ لكي يمكنهم التنكر لأي من أفكارها وتفاصيل منهجها أو التخلص من سلوكياتها؛ فقد تشربوها وهم يافعين، واستوطنت عقلهم الباطن؛ فالأديب انتمى الى الدعوة وعمره 19 عاماً، والجعفري انتمى اليها وعمره 19 عاماً، والمالكي انتمى بعمر 20 عاماً، والعبادي بعمر 15 عاماً، والزهيري بعمر 15 عاماً. أي أن معدل العمر الدعوتي للخمسة يبلغ نصف قرن تقريباً دون انقطاع.

 وهنا تحضرني كلمة لقيادي ورائد تاريخي كبير في حزب الدعوة؛ هو آية الله الشيخ محمد علي التسخيري؛ الذي انتمى هو الآخر لحزب الدعوة بعمر 18 سنة؛ ففي اجتماع ثقافي ثلاثي عام 2000؛ كان يرأسه الشيخ التسخيري ونحضره أنا والشهيد عز الدين سليم فقط؛ توجّه سماحة الشيخ التسخيري بعد انتهاء الاجتماع بالسؤال الى الشهيد أبي ياسين عن نتائج مؤتمر المجلس الأعلى للثورة الاسلامية الذي كان يرأسه آنذاك آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم؛ فقال له أبو ياسين بأنه انسحب من المجلس ولم يعد عضواً فيه؛ فتأثر الشيخ التسخيري جداً؛ وقال وهو يتأوه: ((للأسف لم يعد أحد من الدعاة في المجلس الأعلى؛ كيف ينجح المجلس بدون الدعاة !)). فسألت الشيخ: ((لقد تركت حضرتك حزب الدعوة في عام 1984 أي قبل 16 سنة؛ فهل لاتزال تشعر بالإنتماء الى الدعوة؛ ولاسيما أنك قيادي بارز في الجمهورية الإسلامية)). فتبسم قائلاً: ((كما يقول فلان.. التخلص من منهج حزب الدعوة يحتاج الى 40 عاماً من القطيعة معه)). وفي عام 2013؛ كنت أودعه في مطار النجف الأشرف؛ سألته أيضا السؤال نفسه؛ بعد أن كرّمه حزب الدعوة في احتفالية ببغداد؛ بإعتباره أحد رواد الحركة الإسلامية العراقية؛ قلت له: ((مرّ على خروجك من الدعوة 29 عاماً؛ أي أن عمرك الدعوتي أصبح أقصر من فترة انقطاعك عن الحزب.. بعدك تحن ؟)) فقال مازحاً: ((ما سامع !.. العلم في الصغر...)).

 وكثيراً ما كانت التحليلات والتمنيات والإثارات السياسية والإعلامية قبل تكليف السيد حيدر العبادي؛ تطرح أسماء لسياسيين مرموقين كمرشحين لرئاسة الوزراء؛ كالسيد إبراهيم الجعفري والسيد أحمد الجلبي والسيد عادل عبد المهدي والسيد حيدر العبادي والسيد باقر الزبيدي والسيد طارق نجم والسيد خضير الخزاعي وآخرين. ولكن من يعرف حزب الدعوة؛ كان يدرك تماماً إن التكليف لن يتجاوز أعضاء حزب الدعوة. ولهذا كانت توجيهات العارفين بمنهجية حزب الدعوة؛ كإيران والمرجعية النجفية؛ يطرحون على قيادة الحزب وعلى السيد المالكي؛ أن يكون البديل من حزب الدعوة حصراً؛ لأنهم يدركون إن لغة القانون والسياسة تجعل حزب الدعوة ((ما ينطيها)) بلغة السياسة والقانون. وأنا أرى بلغة الإستشراف العلمي للمستقبل السياسي للعراق؛ إن حزب الدعوة سيبقى في رئاسة الحكومة حتى 2026 على أقل تقدير.

خصوم الدعوة وضرورة معرفة منهجها

 لست هنا بصدد شرح تفاصيل المنظومة الأيديولوجية والمنهجية للدعوة الإسلامية؛ والتي تجعلها سبّاقة الى تحقيق أهدافها، ودقيقة في معالجة العقبات ومواجهة التحديات. ولست أيضاً بصدد شرح طريقة تفكير الدعاة كما تفرضها تلك المنهحية؛ ولكن أرى من الضروري أن أوضح باختصار طبيعة هذه المنظومة وقواعد تكوينها وكيفية التعامل معها. وهدفي في ذلك تقديم خدمة معرفية للفرقاء السياسيين المتحالفين مع الدعاة أو المتنافسين معهم؛ وبالتالي خدمة الواقع العراقي المتأزم؛ ومساهمة نظرية في إصلاحه؛ لأن سوء تنظيم العلاقة بين الدعاة والآخرين؛ سيؤدي الى أزمات ومشاكل مستعصية. وقد لاحظت إن معظم الجهات السياسية تتعامل تعاملاً إنفعالياً وإرتجالياً وعشوائياً مع الدعاة. وظل هذا النوع من التعامل يزيد من أسهم حزب الدعوة ويساعده في الوصول لأهدافه بأسرع وقت؛ مما يزيد من غضب هذه الجهات وتشنجها؛ وهو ما لا يصح بين أبناء المكون الواحد والوطن الواحد؛ لاسيما وانهم يواجهون تحديات مشتركة كبرى. وأتحدث هنا من منطلق المعرفة العلمية والمعايشة اليومية؛ بصفتي باحثاً متخصصاً في حزب الدعوة، وفي الشأن السياسي الشيعي العراقي؛ منذ 32 عاماً؛ نشرت خلالها عشرات الكتب والدراسات في هذا المجال.

 بإختصار شديد وبمنهج توصيفي؛ إن حزب الدعوة هو أول حزب إسلامي شيعي عالمي، يمتلك ايديولوجيا شاملة في العقيدة والفكر والثقافة والسياسة والتنظيم والسلوك الجمعي والفردي، ويمتلك منهجا في إدارة المجتمع واستلام السلطة وقيادة العمل السياسي. وقد بلغ عمر حزب الدعوة أكثر من 55 سنة. وهذا العمر مليء بالتحديات والصراعات والتضحيات؛ منذ اليوم الأول لتأسيس الدعوة؛ بدءا بالصراعات والتنافس والتجاذب داخل الحوزات العلمية وعلى تسميات المرجعيات وعلى استقطاب علماء الدين والمثقفين الشيعة من كل دول العالم ومع الجماعات الشيعية الأخرى، مروراً بالصراعات مع الأحزاب الشيوعية والقومية والبعثية، وانتهاء بالصراعات المصيرية الوجودية مع السلطات في العراق وايران ولبنان والبحرين والكويت وغيرها. أي أن الدعاة بطبيعتهم يولدون من رحم الصراعات الفكرية والثقافية والسياسية والمسلحة، والجدل الايديولوجي، والخطر الدائم الداهم، والمعاناة اليومية؛ فكان عنوان ((عضو حزب الدعوة)) يعني الإعدام والقتل لدى السلطة العراقية، ويعني الإنحراف الفكري والعقيدي لدى بعض الجماعات الدينية والسياسية الشيعية، ويعني الطائفية والصفوية والمجوسية لدى بعض الجماعات السنية. وظلت استقلالية حزب الدعوة في منهجه وفكره سبباً في معظم إنشقاقاته وكثير من مشاكله الداخلية والخارجية؛ وإن ظلت بعض سلوكياته وسلوكيات أعضائه توحي بالتولي لإحدى المرجعيات الدينية النجفية أو القمية أو البيروتية أو الطهرانية، أو للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبالتالي؛ فهو يعتير نفسه منذ أن تأسس وحتى الآن؛ كياناً سياسيا دينياً مستقلاً قائماً بذاته.

 وقد خلقت الأجواء الصعبة المتفاعلة المتخمة بالغليان الفكري والسياسي طوال 55 عاماً من عمر حزب الدعوة؛ وفي أكثر من بلد؛ خبرة تراكمية سياسية وفكرية كبيرة، وقدرة هائلة على الجدل والفعل لدى الدعوة والدعاة. وهذه الخبرة التراكمية التي تمتلكها الدعوة ليست خبرة عراقية وحسب؛ بل خبرة مزيجة فريدة لاتشبه أي من التنظيمات السياسية العراقية أو الشيعية؛ بالنظر لإنتماء مؤسسيه وكوادره الى عدة بلدان؛ ولاسيما العراق ولبنان وايران؛ وهو المثلث الشيعي الأكثر خبرة ونضوجاً سياسياً.

 أما مشكلة الفرقاء السياسيين المنافسين؛ فتكمن في أنهم لايرون في الدعاة وأجنحة الدعوة الّا المظاهر والظاهر، ولا يعرفون بعمق حقائق حزب الدعوة ومنهجه وسلوكياته، وطريقة تفكير الدعاة. وبالتالي يتعاملون مع حزب الدعوة من منطلق التحدي والمواجهة العشوائية والعناد، فضلاً عن الرهان على إسقاطه و تشقيقه و تفتيته. والحال إن الدخول مع حزب الدعوة في خصومة وتنافس خاضع لأساليب التحدي والتهديد بالعدّة والعدد، أو الإحتراب الإعلامي والسياسي والمسلح، أو الإتهام العقيدي والايديولوجي؛ لاينفع أبداً؛ بل إنه يضر بالخصم وبالساحة المشتركة التي تجمعهما وبالمجتمع الواحد الذي ينتميان اليه. صحيح إن التنافس مع حزب الدعوة أمرٌ مشروع وطبيعي من قبل الفرقاء السياسيين أو الأضداد النوعيين؛ ولكن لهذا التنافس شروطاً موضوعية؛ تراعي سمعة حزب الدعوة التاريخية في الوعي الشعبي الشيعي، وسمعة مؤسسيه ورواده ومستوياتهم ومواقعهم العلمية والدينية والفكرية، ومسيرته الطويلة المتخمة بالصراعات والتحديات والتضحيات والجهاد والشهداء، وخبرته التراكمية الممتدة، وقدراته التوالدية الذاتية، ومنهجه الايديولوجي المتقن الشامل، وامتداداته التنظيمية والمنهجية في البلدان الأخرى، ولوبيات التأثير المعمّرة التي تدعمه في الوسط السياسي الشيعي خارج العراق.

 هذه الحقائق؛ تجعل حزب الدعوة يرى في نفسه أنه الأحق موضوعياً في تصدر المشهد السياسي الشيعي بشكل خاص والعراقي بشكل عام، وفي الحصول على المساحة الأوسع من مواقع القرار، وإنه الأقدر ذاتياً على الوصول اليها؛ إذ يرى أن بينه وبين الآخرين فوارق كبيرة في المسيرة التاريخية، وفي حجم الهيمنة التقليدية على الساحة الشيعية، وسنين طويلة من الخبرة التراكمية الشاملة.

 ولا أريد هنا أن أنفي وجود سلبيات رافقت مسيرة الدعوة أو أخطاء ارتكبتها بعض القيادات والدعاة أو شوائب فكرية في مناهجه؛ لكي لايتحول هذا المقال الى مادة للإنفعالات والردود غير الموضوعية. بل أن ما أريد قوله هو أن حزب الدعوة؛ سواء أحببناه أو كرهناه؛ فإنه قدرٌ موجود وراسخ وكبير في الساحة العراقية والساحة الشيعية العالمية، وهو الحركة الأم في الساحة السياسية الشيعية العراقية والعربية؛ ولايمكن التعامل معه الّا بمقدار حجمه ونوعه وقدراته وتاريخه؛ حاله حال كل التيارات والوجودات الأخرى الراسخة في الساحة العراقية؛ بدءاً بالحزب الديمقراطي الكردستاني؛ الحركة الأم للساحة السياسية والإجتماعية الكردية في العراق وخارجه، والحزب الشيوعي العراقي؛ الحزب الأم للحركة اليسارية العراقية؛ وصولاً الى المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري وغيرهما. وهذه التيارات هي أيضا قدرٌ لايمكن تجاوزه؛ لأنها ليست تيارات سياسية وحسب؛ وإنما وجودات ايديولوجية وإجتماعية كبيرة؛ وماينجم عن الصراعات السياسية فيما بينها؛ صراعات مجتمعية خطيرة. ومن الحكمة والعقل والمصلحة أن يتم التعامل فيما بينها تعاملاً موضوعياً؛ ينسجم مع حقائق كل منها؛ لأن أي تعامل غير موضوعي سيؤدي الى نتائج سلبية تعود على الطرف الذي يجهل أو يتجاهل قدرة خصمه وحجمه المعنوي وغير المحسوس.

 وأزعم أن معظم الفرقاء السياسيين لايدركون حقيقة القدرة المعنوية وغير المحسوسة التي يمتلكلها حزب الدعوة والدعاة. ولهذا إخذ هؤلاء الفرقاء يستخدمون منذ عام 2003 أساليب الخصومة التي لاتراعي المعايير المذكورة؛ مما جعلهم يخسرون دائماً جولات التنافس مع الدعوة؛ لأنهم يجهلون قدرة هذا الخصم ومكامن قوته وضعفه. وبلغ الأمر ببعضهم الى الإستخفاف بعدد الدعاة وعدّتهم؛ وبأنهم لايمتلكون من العدد مايوازي أصغر جماعة شيعية في العراق. ولطالما نصحت المستخفين بأن لا ينظروا الى حزب الدعوة من هذا المنظار؛ لأنها نظرة خاسرة؛ فليس المعيار في إختبار قدرة الدعوة هو العدد؛ بل النوع والقدرة غير المحسوسة؛ إذ ان لدى الدعاة خبرة تراكمية هائلة تستطيع تغيير كل الموازين خلال أيام قليلة. وهناك آلاف الأدلة على ذلك؛ وأقربها زمنياً ماحدث بعد سقوط النظام البعثي؛ منذ تسلم السيد إبراهيم الجعفري رئاسة مجلس الحكم الإنتقالي عام 2003 وحتى تكليف السيد حيدر العبادي بتشكيل الحكومة عام 2014. وكان معظم المنافسين والفرقاء السياسيين خلال سنوات السقوط الأولى؛ يقول: لم يعد لحزب الدعوة وجود؛ بل هناك دعاة أفراد وتنظيمات صغيرة متناحرة تنتسب الى الدعوة لاحول لها ولاقوة. كما كان بعضهم يراهن على إضمحلال الدعوة في غضون سنوات قليلة. وهذا المنهج الخاطئ في النظرة الى خصم ومنافس مثل حزب الدعوة؛ مكًن الأخير من الإمساك برئاسة الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة منذ عام 2006 وحتى 2018 (المدى المتيقن على أقل التقادير) دون أن يستخدم العنف و السلاح!؟ بل من خلال الممكن السياسي وفن بناء المعادلات وإستثمار العلاقات والفهم الحقيقي لقدرة الفرقاء السياسيين، وصولاً الى إستثمار أخطاء الخصوم بحقه وإنفعالاتهم معه. أفلا يستدعي هذا مراجعة مركّزة من منافسي الدعوة وخصومها؟

عقدة التغيير: المالكي والبديل المشابه

 إن أكثر ما أدهشني هو شعور الفرقاء السياسيين المناوئين للمالكي بالنصر بعد تكليف العبادي؛ بل تصور المعادين للعملية السياسية في العراق وللواقع الشيعي تحديداً بأن وصولهم الى بغداد بات وشيكاً؛ فأخذ تنظيم داعش يوزع الحلوى في الموصل، وأخذ أقطاب حزب البعث وقادة الجماعات المسلحة المقيمين في أربيل وعمّان يتبادلون التهاني. وأكثر ماشدّني هو ظهور متكرر على الفضائيات لشباب مسؤولين في بعض الجماعات الشيعية العراقية؛ وهم يتحدثون بنشوة وزهو عن نصر مبين، ويضعون أمام المالكي خيارات ويحددون مستقبله السياسي؛ وكأنهم أيضاً إكتشفوا العبادي وصنعوا قدره الجديد. ولا أريد أن أخوض هنا في التحليل السايكولوجي لهذا الشعور أو أصفه؛ كي لانبتعد عن الموضوع؛ ولكن ما أريده قوله إن أي إنتصار لم يحدث على الأرض؛ إلّا في حدود النجاح في تحدي شخص المالكي، وهو شعور مؤقت وسيزول مفعوله سريعاً. وهو ماينطبق على أنظمة دول معادية للعراق؛ كالسعودية وتركيا وغيرهما. والسبب بسيط جداً كما ذكرناه سابقاً؛ ويتمثل في كون منهج السيد العبادي شبيه بمنهج السيد المالكي في التعامل مع الأزمات والإشكاليات السياسية والفكرية والقانونية العالقة. ويمكن مراجعة مقابلاته التلفزيونية وخطبه لمقاربة الشبه؛ لاسيما وإن السيد العبادي هو من قياديي الدعوة المقرّبين من المالكي، وكان مستشاره ومن صانعي سياسات الحكومة، ودخل الإنتخابات البرلمانية الأخيرة تحت شعار حكومة الأغلبية السياسية التي كان متحمساً لها، وتحت البرنامج الحزبي والسياسي والإنتخابي نفسه الذي يتبناه السيد المالكي. والأهم من كل ذلك إن المالكي سيكون له تأثير مباشر في صناعة قرار الدولة والحكومة؛ لأربع دالّات؛ الاولى: إنه أمين عام حزب الدعوة الذي ينتمي اليه رئيس الوراء و وزراء ومسؤولين آخرين. الثانية: إنه رئيس دولة القانون وكتلة الدعوة التي ينتمي اليها رئيس الوزراء، وهي التي رشحته للمنصب، إضافة الى وزراء ومسؤولين ينتمون الى الإئتلاف والكتلة. الثالثة: إن المالكي سيختار أو يساهم في اختيار الوزراء وكبار قادة الدولة والقوات المسلحة؛ ولاسيما من كتلة الدعوة ودولة القانون. الرابعة: إن أعضاء مجلس النواب من كتلة الدعوة وإئتلاف دولة القانون سيكونون مرتبطين به مباشرة.

 صحيح إن للسيد العبادي أسلوبه الخاص وأخلاقياته وبصمته الشخصية المختلفة عن السيد المالكي، وصحيح إنه سيتعامل بمرونة ملحوظة خلال فترة تشكيل الحكومة وخلال السنة أو السنتين الأولى والثانية. ولكنه سيضطر بعد ذلك الى التعامل مع الواقع بأسلوب مختلف؛ حتى وإن تم تكبيله بعشرات الإتفاقيات؛ لأن ظروف تشكيل الحكومة على النحو التشاركي الذي ستقوم عليه؛ ربما ستفضي الى سلب بعض صلاحياته. وفي المقابل سيرفض العبادي التنازل عن أي من صلاحياته القانونية والعملية في رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة؛ وهي صلاحيات تجعله يتعامل مع الازمات تعاملاً واقعياً..

 إن الفرقاء السياسيين؛ في خضم الصراع مع المالكي؛ أسسوا لموضوعة التغيير على كونها تغييراً لشخص رئيس الوزراء وإسلوبه في الإدارة؛ وليس التغيير على أساس معالجة الخلل في مضمون الدولة ودستورها وإدارتها، وشكل النظام السياسي ومضمون العملية السياسية، وسلوكيات الأحزاب والفرقاء السياسيين، وطريقة تشكيل الحكومة وإختيار الوزراء وأسلوب إدارتهم لوزراتهم. ومانقصده هنا؛ مضمون التغيير الجذري بفلسفته العملاقة الشاملة التي تتحدث عنها المرجعية النجفية؛ منذ منعت جميع السياسيين العراقيين من زيارتها دون استثناء. وكانت تشير بذلك الى أن مضمون التغيير هو مسؤولية جميع التيارات السياسية المشاركة في العملية السياسية، وليس رئيس الوزراء وحسب.

سحب الثقة من العبادي

 إذا سلّمنا بأن مفتاح التغيير هو تسنم السيد حيدر العبادي منصب رئاسة الوزراء؛ والذي سيقوم بدوره بتنفيذ مطالب الفرقاء السياسيين؛ الذين نفترض أنهم يمثلون مكوناتهم تمثيلا حقيقياً؛ فهل سيلبي السيد العبادي مطالب الفرقاء؛ كما يريدون هم؛ لا كما يريد هو؟. على اعتبار أن هذه المطالب هي تعهدات لايمكن نقضها، وان الفرقاء هم شركاء في الحكومة وقرارها. وهنا تطرح هذه الاسئلة نفسها على هؤلاء الفرقاء:

- هل سيوافق السيد رئيس الوزراء المكلّف على مطالب التحالف الكردستاني؛ وأهمها: إعتبار تطبيق المادة 140 أمراً واقعاً بعد سيطرة قوات الإقليم على الأراضي المتنازع عليها وتقنين إحتفاظ الإقليم بهذه الأراضي؛ ولاسيما كركوك، أو غض النظر عنها حتى إشعار آخر، وإعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات أوسع، وتقنين تصدير النفط من قبل الإقليم، وعدم تسليم العائدات الى المركز، وتخصيص 25% من ميزانية الدولة الى الإقليم، والإبقاء على بعض قادة الجماعات المسلحة وآخرين مطلوبين قضائياً بتهمة الإرهاب وحمل السلاح ضد الدولة في أراضي الإقليم، وغيرها من المطالب التي يعجز اي رئيس وزراء عراقي عن تلبيتها؟

- هل سيوافق على مطالب إئتلاف الوطنية ومتحدون وإتحاد القوى الوطنية؛ وأهمها إلغاء قانون المسائلة والعدالة وتقنين إعادة البعثيين الى مناصبهم ووظائفهم، ولاسيما العسكريين، والعفو العام عن المحكومين والمطلوبين قضائياً، ولاسيما من تنطبق عليهم المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، وإنهاء ما يسمونه بتهميش المكون السني، وإشراكه في القرار السياسي والعسكري والتنفيذي للدولة بشكل متكافئ مع المكون الشيعي، وتشكيل إقليم سني في المحافظات السنية؟

 أما مطالب الشركاء الشيعة في التحالف الوطني؛ ولاسيما الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري؛ فلاتمثل مشكلة أساساً، وبالإمكان التوصل الى حلول بشأنها.

 لاشك إن منهج السيد حيدر العبادي الفكري والعقائدي والسياسي، و متطلبات وحدة الدولة وأراضيها و أمنها الوطني وهيبتها والحفاظ على وارداتها، ومركزية القرار السياسي والتنفيذي للحكومة، ومركزية القرار العسكري للدولة، وطبيعة صلاحيات رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة؛ ستضعه في موقف الرافض لكثير من المطالب الأساسية للكتل الكردية والسنية، أو غير قادر عملياً على تنفيذها؛ فضلاً عن أن بعض مطالب الكتل الكردية والسنية مرفوضة رفضاً قاطعاً لدى الاوساط الشيعية؛ السياسية والشعبية؛ لأنها تضرب المكون الشيعي في الصميم. ولاشك إن السيد العبادي سيقوم بتشكيل لجان مشتركة رأسية وفرعية لحل المشاكل العالقة بين المركز والإقليم، ولجان خاصة بالمحافظات ذات الأكثرية السنية. ولكن؛ سوف تفشل هذه اللجان في التوصل الى حلول جذرية شاملة؛ مهما بلغت مرونة السيد العبادي. وهنا ستبرز المشاكل والأزمات تلقائياً، وسيكون السيد مسعود البارزاني والسيد أسامة النجيفي والسيد أياد علاوي أول المعترضين على سياسات السيد حيدر العبادي. وستعود دوامة التهديد بسحب الثقة والمطالبة بالتنحي.

إذن.. ما الحل ؟

 إذا كان بعض الفرقاء يعتقدون بأن إنهاء إزمة العراق يبدأ بتغيير رئيس الوزراء؛ فهم على خطأ كبير؛ ذلك أن أزمة العراق ليست أزمة سياسية وحسب؛ بل أزمة عميقة موغلة في التاريخ والجغرافيا والقانون والتركيبة الديمغرافية والبيئة النفسية المجتمعية؛ والتي خلقت بمجملها مطالبات متعارضة ومتضاربة؛ بل ومتناقضة أحيانا؛ بين مكونات الشعب العراقي وفرقائه السياسيين؛ بالشكل الذي يستحيل على أية حكومة التوصل الى حلول وسط لها. ومن هنا فإن هذه الازمات بحاجة الى معالجات بالمستوى نفسه من الجذرية والعمق؛ وفي أجواء عقلانية وعلمية و واقعية رصينة وهادئة ومسؤولة.

 أما ما يرتبط بالحكومة الجديدة؛ فإن خياراتها في حل أزمات البلاد؛ تتمثل وبكل بساطة؛ في الخيارات التالية:

1- تنفذ حكومة السيد حيدر العبادي مطالب الكتل السياسية الكردية والسنية؛ وحينها ستنهار الدولة والحكومة تلقائياً، أو تبقى الحكومة والدولة العراقية مجرد شكل دون مضمون، ويتحول العراق الى دويلات وإمارات مستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي والعسكري؛ و لكنها مشاركة في قرار الحكومة المركزية ولها حصتها من أموال الدولة. وسيتلخص دور الحكومة المركزية في الإستجابة للمتطلبات المالية لهذه الدويلات والإمارات؛ كما هو الحاصل الآن مع إقليم كردستان.

2- ترفض الحكومة بعض هذه المطالب؛ وحينها ستطالب الكتل السياسية بإقالة رئيس الوزراء؛ وستنهار الحكومة أيضاً، وتعود الأزمة السياسية الى نقطة الصفر.

3- تتنازل الكتل السياسية عن مطالبها أو بعض مطالبها التعجيزية؛ وهو الخيار الأمثل؛ على الرغم من انه سيفقد هذه الكتل مصداقيتها أمام جمهورها، وسيبدو خيار تغيير المالكي مجرد تنكيل بالرجل.

 وفي كل الاحوال؛ فإن الخيار الثالث هو الأكثر واقعية، والأكثر قرباً من إستشعار المسؤولية تجاه الوطن والشعب..

 وعلى مستوى حل التشنج الحاصل بسبب تكليف السيد العبادي وتنحي السيد المالكي، وتنقية الأجواء السياسية والنفسية؛ فإن الحل لن يكون بيد أي من الأطراف الداخلية والخارجية التي تتعامل بلا موضوعية مع الحدث؛ سواء المنفعلة بفرح بمجيء العبادي وتساهم في الدعاية له بطريقة إستفزازية، أو المنفعلة بشماتة بتنحية المالكي وتعمل على التنكيل به إعلامياً وسياسياً، أو تلك التي تعتقد انها أكثر ذكاء؛ فتراهن على إنشقاق حزب الدعوة.

 ولعل من المهم جداً؛ إيقاف أية تصريحات ومواقف سياسية وإعلامية تصدر عن الفرقاء السياسيين المناوئين للسيد المالكي؛ فيها نوعاً من الإستفزاز والتشفي والتحدي. ولو أرادت أطراف التحالف الوطني أن تخطوا خطوة متقدمة باتجاه الإصلاح الحقيقي وتهدئة النفوس؛ تتناغم مع اللحظة التاريخية التي أعلن فيها المالكي عن تنازله عن الترشيح؛ لاثنت على موقفه وشكرته. كما تطلب علانية من قادة وأعضاء بعض الأحزاب والكتل؛ ولاسيما التحالف الكردستاني وأتحاد القوى الوطنية؛ أن يكفوا عن مواقف وتصريحات التهديد والتشفي والتنكيل؛ لأن هذه المواقف والتصريحات ستثير انصار السيد المالكي في الشارع الشيعي أكثر فاكثر، وستوصل شعورهم بمظلومية المالكي الى أضعاف مضاعفة، وتقودهم الى أقصى حالات الغليان العفوي ضد مكونات التحالف نفسه؛ بسبب ما يتعرض اليه الشخص الذي يعدّه أنصاره رمزهم، ومنحوه أكثر من ثلاثة ملايين صوتاُ. فهؤلاء الناس ليسوا بحاجة الى من يحركهم؛ بل يكفي أنهم يجلسون في بيوتهم ودواوينهم وفي محال تجمعهم؛ ليعقدوا المقارنات الحسابية بين النواب والقادة، ومن حصل على العدد الكذائي من الأصوات ومن الذي حصل على المقاعد الكذائية. دون أن ينسوا إن الأغلبية الساحقة لنواب دولة القانون في إنتخابات نيسان الماضي وصلوا بأصوات المالكي وقائمته؛ بمن فيهم قادة الكتل المؤتلفة معه. وتكفي نتائج هذه المقارنات لكي تغلي نفوسهم وتجعلهم يستشعرون الظلم والغبن.

 إذن؛ من المصلحة أن يكون الخطاب السياسي والإعلامي لخصوم الدعوة والمالكي في هذه الفترة؛ ولاسيما أعضاء التحالف الوطني؛ خطاباً عقلائياً ذكياً حكيماً؛ يوصل حالة التوتر والغليان الى حدها الأدنى.

 وفي مقالي القادم؛ سأقدم تفاصيل أساسية لمقاربة الحل؛ وفقاً للخطوط العامة المذكورة هنا؛ مساهمة نظرية متواضعة في حلحلة أزمة العراق السياسية الحالية..

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آب/2014 - 20/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م