ما هو دور واشنطن في العراق؟

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: تحت هذا العنوان جاءت ورقة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام في ملتقاها الاسبوعي وقد قدمها علي طالقاني مدير ادارة المؤسسة.. تدور رحى المعارك بين تنظيم "داعش" الذي أطلق لأسباب تنظيمية تسمية جديدة على نفسه تحت عنوان "الدولة الاسلامية" وبين القوات الأمنية العراقية في مرحلة ترسم صورة مخيفة حيث تصور الاخبار بان شمال العراق وغربه يشبه الى حد كبير الجبهة الشرقية في سوريا التي تشمل محافظات الرقة ودير الزور والبوكمال وغيرها من المناطق الحدودية الواقعة قرب العراق.

وفي تاريخ 30 حزيران 2014 وهي الليلة الأولى من شهر رمضان الذي يتخذه التنظيم حافزا لانطلاق عملياته، أعلن المتحدث باسم تنظيم "الدولة الاسلامية" محمد العدناني في تسجيل صوتي عن إعادة إحياء "الخلافة الإسلامية" التي قال عنها أنها كانت سائدة في القرن السابع الميلادي، في إشارة الى الدولة الأموية من 661-750 ميلادية حسب قوله، وأن التنظيم ألغى المسمى السابق "داعش" وتبنى مصطلح "الدولة الإسلامية"، وأنه بايع أبو بكر البغدادي خليفة للدولة.

لكن هذا الأمر ربما غير واقعي فالخارطة التي يتحدث عنها تنظيم "الدولة الاسلامية" تشمل الأردن وسوريا والكويت والعراق وأجزاء من السعودية وهو الأمر الذي يضع هذه الدول على المحك مما سيجعلها في النهاية تواجه خطرا وبالتالي يستدعي مواجهة التنظيم الذي أصبح يشكل تهديداً للمنطقة.

وفي مطلع شهر حزيران قام التنظيم بالسيطرة على محافظة نينوى شمال العراق ومدن أخرى شمالية وغربية، وقام بتهريب مئات السجناء وقتل قرابة 190 شخصا واعدم 1700 جندي في تكريت، كما أعدم 175 من رجال القوة الجوية في تكريت أيضاً، فضلا عن قيامه بأعمال أخرى كالاغتصاب والسلب والتهجير. وقد قالت وزارة الهجرة والمهجرين انها سجلت اكثر من 38 الف اسرة نازحة في حين قالت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان أكثر من مليون لاجئ فروا من منازلهم بسبب المعارك الجارية بين قوات الجيش وتنظيم داعش الارهابي.

واقتصادياً حصل التنظيم على 500 مليون دولار من خلال سرقة المصارف في الموصل، كما استحصل على اموال أخرى من خلال سيطرته على ابار للنفط في سوريا ويحاول اليوم السيطرة على مصافي عراقية من أجل تعزيز قدراته المادية.

وكان التنظيم يحصل على مبالغ مالية تقدر بـ 12 مليون دولار شهرياً من المواطنين في الموصل الذين يرغمون على دفعها تحت عنوان الفدية كما يقوم التنظيم بجمع التبرعات عبر طرق الجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة والنفط والآثار والابتزاز والسطو المسلح.

تنذر الاوضاع في العراق بكارثة انسانية وضعت البلد أمام تحديات عديدة منها:

ـــــــ سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات عديدة في الموصل والانبار ومدن أخرى وهو الأمر الذي يجعل من هذه المناطق نقطة توتر تتخذها التنظيمات الارهابية قاعدة لانطلاق عملياتها.

ـــــــ استغلال الأكراد الأوضاع الأمنية المتوترة والاستحواذ على كركوك وربما مدن أخرى.

ـــــــ ضعف إمكانية قدرة القوات المسلحة العراقية من السيطرة على الاراضي التي انتزعت منها وهو الأمر الذي سيكلفها كثيرا فان المعدات التي كانت في حوزة الجيش العراقي في الموصل تم الاستيلاء عليها وتم نقلها الى سوريا وأخرى لازالت بيد التنظيم. لذا أصبح من الواجب على الحكومة العراقي شراء معدات جديدة وإرجاع الأراضي، والأهم من ذلك هو إعادة الثقة في نفوس الجنود العراقيين والقدرة على خوض المعارك.

ـــــــ مخاطر ازدياد رقعة السيطرة من قبل تنظيم "الدولة الاسلامية" وهو الأمر الذي يهدد مدنا أخرى فان التنظيم يمتلك الان امكانيات عسكرية تؤهله لذلك من خلال القصف المدفعي وصواريخ الكاتيوشا...

ـــــــ ازدياد حراك التنظيمات المسلحة التي يقودها رجال عشائر سنة بدعم من قبل بعض القادة السياسيين الذين يؤيدون حركة التمرد مما ستكون هناك جبهة أخرى تدفع بعجلة الطائفية وضرب العملية السياسية.

ـــــــ كشفت هذه الاحداث عن عمق الفجوة بين الحكومة المركزية وهذه المدن سياسياً وهو الأمر الذي يتطلب إجراء إصلاحات سياسية.

حلول مقترحة

لعل بصيص الأمل لأنهاء الأزمة التي يمر بها البلد تكمن في انهاء الصراع وتشكيل حكومة تضع الاستقرار السياسي من أولوياتها، وانهاء الخلافات المستمرة حول الإيرادات والتراخيص النفطية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان.

وبغض النظر عن توزيع المناصب فإن مشكلة التنظيمات الارهابية تتطلب تسوية سياسية تحد من العنف فهناك حاجة إلى ان يقدم الاكراد والحكومة المركزية تنازلات بشأن صلاحيات المركز ومساعي الاقليم لتصدير النفط، كما ينبغي على السنة معايشة الواقع والقبول بالعملية السياسية التي يقودها الشيعة بعد ان عملت الحكومة المركزية على إجراء اصلاحات سياسية ودستورية وإدارية.

ان عودة الأمن واعادة انتشار قوات الأمن العراقية في الموصل وأجزاء أخرى من العراق مثل كركوك والفلوجة تواجه عائقاً كبيراً حيث يستلزم ذلك مساعِ كبيرة تتمثل بالتوافقات السياسية، فما لم تتلقَّ الحكومة العراقية الدعم من القوى السنية، ربما لا يتهيأ لها السيطرة على تلك المدن وسيبقى تواجد القوات العراقية في هذه المدن مشكلة يعتبرها السنة جزءا من الأزمة.

ـــــــ السعي لإقناع الولايات المتحدة الامريكية بان العراق يسعى للتخلص من التنظيمات الارهابية التي تشكل خطرا على العملية السياسية والمنطقة، وأنه سيكون أمام خيار التعاون مع دولة أخرى دون تقديم الدعم الأمريكي والالتزام بالمعاهدة الأمنية التي تنص على دعم العراق في حال تعرضه لأي خطر.

على الرغم من أن القادة العراقيين غير قادرين على تجاوز الأزمة، ما زالت الأوضاع مقلقة من أن يجرّها الوضع إلى نشوب حرب أهلية، وهذا أمرٌ يهدد مسار العملية السياسية وتقويض السياسة الخارجية للبلد مما يجعل من أرض العراق ساحة للصراعات الدولية.

وإذا ما أثرت سياسة الولايات المتحدة على مجرى الأحداث في البلد، فسيكون أمام العراق فرصة ومجموعة من الخيارات التي تنطوي على خارطة من التحالفات الجديدة بينها وبين روسيا وايران.

وقد رأى محللون أمنيون وخبراء غربيون في شؤون الشرق الاوسط أن ليس أمام الولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي بصورة عامة إلا 3 خيارات لمواجهة الازمات التي يمر بها العراق وإيقاف المد المسلح المتطرف، وإنقاذ بغداد من تكرار محتمل لسيناريو الموصل.

وقال المحللون ان الخيار الاول يتمثل في التزام غربي عسكري شامل وطويل الامد بوجوب هزيمة "داعش" وإنقاذ بغداد، أما الخيار الثاني، فيتمثل في مساعدة الدولة العراقية على هزيمة تنظيم "داعش" بنفسها، أما الخيار الثالث المتبقي، فينصب على تسليح الاكراد وتقديم المزيد من الدعم العسكري والاستخباراتي لهم، لكن جميع الخيارات لم تخل من سلبيات ونقاط ضعف، غير أنها الخيارات الوحيدة لمعالجة أوضاع العراق.

اشترك عدد من الحضور في التعليق على الافكار الواردة في الورقة واضافوا عليها بعضا من افكارهم من خلال مداخلاتهم، والتي بدأها باسم الزيدي معاون مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث بقوله: لنراجع بعض التصريحات السابقة ونقرأ ماخلفها.

تصريح أبو محمد العدناني الناطق الإعلامي باسم تنظيم الدولة الإسلامية بعد احداث التاسع من حزيران موجها كلامه الى نوري المالكي قائلا: (لقد ضيعت على قومك فرصة كبيرة بسبب غبائك).. ماذكره الرئيس الامريكي أوباما في حديثه مع توماس فريدمان، وترداده لكلمة السنة تسعة عشر مرة.

يرى الزيدي، ان التاسع عشر من حزيران قد حدد بشكل او اخر علاقة الشيعة بامريكا، واعاد طرح السؤال الملح حول حكم الشيعة في العراق او في في بعض الدول من الشرق الاوسط..

وهناك ايضا السؤال الابرز الاخر وهو: هل أمريكا في مجال إعادة تقييم الدور الشيعي في المنطقة وإعادة تقييم ورسم الخرائط فيها وهي خرائط سايكس - بيكو؟

يعتقد الزيدي، ورغم مايتبدى من مظاهر الانكسار والخسارة على الشيعة باعتبارهم الحاكمين،  ان السنة هم الخاسر الاكبر في هذه الاحداث، فاغلب مدنهم قد احتلت ودمرت من قبل داعش، وبسبب العمليات القتالية فيها، وانهم لم يستطيعوا افراز قيادة موحدة يمكن لها التعاطي السياسي مع الاخرين، وبقوا على اعتقادهم المر والمدمر بان لهم حقا تاريخيا في حكم العراق، وهو اعتقاد لايستطيعون تبديله والاعتقاد باحقية الاخرين، مما يفرض عليهم مزيدا من الضغوط من قبل قواعدهم او الجماعات المتطرفة التي تجد حاضنة مستمرة لها في مجتمعاتهم.

نظرة أمريكا للشيعة كحكام هل تغيرت؟

يتساءل الزيدي ويجيب:

ان الترحيب الدولي الكبير بتكليف حيدر العبادي لتشكيل الحكومة، هو في منح فرصة حقيقية هذه المرة للشيعة، وان امريكا بضغوطها المتواصلة لغرض اشراك الاخرين في هذه الحكومة، وان كان ضغطا منفردا الا انه في الحقيقة لايبتعد عن التفاهمات الايرانية – السعودية.

يختم الزيدي مداخلته بسؤال اخير يتركه معلقا دون اجابة:

اذا اخذنا جميع المعطيات السابقة والراهنة، واذا كان الشيعة قد فشلوا في تجربة حكم العراق، فما هو سبب إصرار الولايات المتحدة على التمسك بهم ومنحهم فرصة اخرى؟

ينطلق احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات من مشروع القرار البريطاني والتصويت عليه في مجلس الامن، حول تجريم الداعمين لجبهة النصرة ولتنظيم الدولة الاسلامية تحت طائلة البند السابع، ويرى فيه خطوة اولى للقضاء على الجماعات المتطرفة بصورة جدية.

ويرى جويد، ان أمريكا وطيلة عقود طويلة قد جربت حكم السنة في العديد من الدول ورهنت مصالحها مع حكانم تلك الدول، الا ان ذلك لم يمنع من ظهور جماعات خارج سيطرة تلك الدول تهدد المصالح الامريكية، ويعود ذلك برايه الى ان  السنة ليست لهم قيادات موحدة، تستطيع السيطرة على اتباعها وتوجيههم. وكذلك الحال في العراق طيلة السنوات الماضية، فلا وجود لقيادة موحدة للسنة.

على العكس من ذلك، فالشيعة باعتقاد جويد يمتلكون تلك القيادة الموحدة، والتي يمكن التفاهم معها، كما هي حالة حزب الله في لبنان، وكما هو حال الكتل الشيعية والتي تعود في نهاية المطاف الى قيادة واحدة متمثلة بالمرجعية الدينية رغم كل الاختلاف الذي تبدو عليه.

في مساءلته للتجربة الماضية في العراق، يعتقد جويد ان سبب الفشل فيها يعود الى نظام المحاصصة الطائفية والقومية، والفشل الخارجي في علاقات العراق مع محيطه العربي يعزوه الى وجود كردي على راس وزارة الخارجية العراقية..

يضيف: التاييد غير المسبوق لتكليف حيدر العبادي، رسالة سياسية معناها انه لايمكن للامريكان ان يفرطوا بعلاقتهم بالشيعة، وان أمريكا ليست في وارد  تخليها عن مصالحها في العراق، بشرط ان يحفظ الشيعة هذه المرة التوازن فيه.

حيدر المسعودي مدير قسم الجودة في مؤسسة النبأ يبدأ مداخلته بتسليط الضوء على  انقسام الراي العام الأمريكي والقوى السياسية، والصراع بينهما حول صورة العراق ومستقبله. وهي صورة تؤكد على  المناداة بالاستقرار في العراق.

وهو يعتقد ان الموقف الامريكي من العراق ليس بعيدا من هذا الموروث الغربي في العلاقة مع الاخرين والذي يحدده مقدار ماتقدمه او تخدمه الاطراف الاخرى لمصالح تلك الدول الغربية ومنها امريكا بطبيعة الحال.

على مدار السنوات الماضية، دعمت امريكا المالكي وقامت بتسليحه، الا انها ونتيجة لكثير من المتغيرات اصبحت تشعر بالملل والضيق من هذا الدعم، وكذلك حين ظهرت بوادر التفرد والاستئثار بالسلطة على تعامل المالكي مع الشركاء السياسيين، اضافة الى الفخ الذي وقع فيه وبارادته في سوريا دفاعا عن نظامها.

في مايتعلق بالترحيب الدولي لحيدر العبادي يرى المسعودي ان ذلك معناه نجاحا للتعاطي الأمريكي مع االعراق، اضافة الى ان ذلك هو نوع من المباركة الدولية للعبادي، وتحقيق اختراقات من خلال تفاهمات سياسية مع الاكراد والسنة، والعمل على تحقيق توازنات في العلاقات الخارجية للعراق، وان داعش ستختفي بتعديل ملف تلك العلاقات.

ويعتقد حيدر المسعودي كذلك، ان الشيعة امام فرصة تاريخية نتيجة لهذا الدعم اللامحدود للعبادي، واذا نجحوا في استثمار تلك الفرصة فسيكونون الاقرب الى علاقة مريحة مع امريكا في المستقبل.

يعود باسم عبد عون الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، الى ما يسميه بخلل التوازن الذي اصاب العالم في العام 1990 بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، واعاد رسم الاستراتيجية العالمية التي قامت على مبدأ التوازن طيلة عقود طويلة، مما حدا بامريكا الى خلق عدو وهمي جديد يحل مكان العدو السابق، وكان هذه المرة الهلال الاسلامي، كي تبرر من خلال هذا العدو المتوهم سياساتها الخارجية، وتبحث عن حجج وذرائع لها امام الاخرين..

على المستوى العراقي، يعتقد باسم ان اول صدام حصل بين العراقيين والامريكان بعد العام 2003 كان بسبب رغبة الادارة الامريكية واصرارها على كتابة الدستور العراقي كما تريد هي، لكن العراقيين اصروا على كتابته بايديهم وبما يتوافق مع متطلباتهم المجتمعية والثقافية.

يمكن تحديد عدد من المحطات التي مرت بها العلاقات بين الامريكيين والعراقيين في مايخص مسيرة العملية االسياسية طيلة السنوات الماضية، منها: (تشكيل االحكومة في العام 2005 – ظهورالتيار الصدري كقوة عسكرية فاعلة على الارض، ثم قوة سياسية لايستهان بها– عدم الاستقرار الامني – ظهور القاعدة في العراق بقيادة ابو مصعب الزرقاوي – الاقتتال الطائفي في العام 2006 – ثم خروج االقوات الامريكية) حسب الاتفاقية الشهيرة، والتي كان من ضمنها (تسليح – دعم) العراق، الا ان امريكا لم تلتزم بالتسليح والدعم.

يخلص باسم الى القول، ان امريكا غير جادة في بناء النظام الديمقراطي في العراق، وبالتالي هي لايمكن ان تدافع عن نظام تتقاسم مقدراته مجموعة من الاحزاب غير الجادة في بناء الدولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آب/2014 - 20/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م