نزوح

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: أكثر من مليون شخص عدد النازحين العراقيين حسب احصاءات منظمة الهجرة الدولية، والعدد مرشح للزيادة في ظل الاوضاع المتدهورة في الكثير من مناطق العراق.. دول أخرى تعاني ايضا من وجود النازحين على اراضيها نتيجة الصراعات العسكرية والاوضاع السياسية الهشة، فهناك سوريا واليمن وليبيا وعدد من الدول الافريقية، التي تعاني مما يعانيه العراق والعراقيين من موجات نزوح متواصلة لا تتوقف حتى تبدأ من جديد.

ما هو النزوح؟

اطلقت الكلمة في العربية على البئر حين يكون ماؤها قليلا، وعلى البلد البعيد، قبل ان تطلق على مجموعة من السكان من اماكنهم ويصبحون بعيدين عن مقر سكناهم بسبب الحرب أو البطالة أو المجاعة.

وهناك النزوح القسري ويعني: الهجرة التي يقوم بها الأهالي هربًا من القصف والأعمال الحربيَّة التي تدفعهم إلى الانتقال قسريًّا، وترتبط بالنزوح كلمات اخرى تصف اوضاع النازحين او ماتؤول اليه اوضاعهم او تترافق معها في حركة الانتقال ولكنها تختلف عنها في الاسباب او الاليات او الصفات مثل: (اللجوء – الترحيل – الشتات – المهجر – الهجرة – المنفى - نقل السكان - الهجرة الموسمية)

هناك خطأ شائع بالنسبة لتسمية النازحين، حيث يطلق عليهم تسمية لاجئون، لكن ذلك هو خلاف الحقيقة، فالنازح لايعبر حدودا دولية، بحثاً عن ملاذ آمن وإنما يبقى داخل بلده الأصلي. حتى وإن كانت أسباب فرارهم مماثلة لتلك التي تدفع اللاجئين إلى مغادرة بلدانهم ( نزاعات مسلحة، عنف معمم، انتهاكات لحقوق الإنسان)، إلا أن النازحين يبقون من الناحية القانونية تحت حماية حكومتهم - حتى لو كانت هذه الحكومة هي سبب فرارهم. ويحتفظ النازحون كمواطنين بكامل حقوقهم، بما في ذلك الحق في الحماية، وفقاً لقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

قد تكون دوافع النزوح; الحوافز التي تجتذب الناس بعيدا، والمعروفة باسم عوامل "الجذب"، أو الظروف التي تشجع الشخص على المغادرة، والمعروفة باسم عوامل "الدفع"، فعلى سبيل المثال:

عوامل الدفع وتشتمل على: (الحرب أو غيرها من الصراعات المسلحة - المجاعة أو الجفاف – المرض – الفقر - الفساد السياسي - الخلاف مع السياسة - الأصولية الدينية / التعصب الديني - الكوارث الطبيعية - استياء من المواطنين، مثل المضايقات المتكررة، البلطجة، والاعتداء - الاستياء من معدل الهجرة، مما يسبب مضايقات متكررة، البلطجة، والاعتداء على السكان الأصليين - انعدام فرص العمل - انعدام الحقوق المختلفة - هدف نشر الثقافة الخاصة والدين).

هذه العوامل، باستثناء الخلاف مع السياسة والسخط من السكان الأصليين والمهاجرين، لا تؤثر على شعوب البلدان المتقدمة، وحتى وقوع كارثة طبيعية لا تتسبب غالبا في النزوح إلى الخارج.

وهناك عوامل الجذب ومنها: (دخول أعلى - ضرائب أقل - أحوال جوية أفضل - توافر فرص العمل - مرافق طبية أفضل - مرافق تعليم أفضل - سلوك أفضل بين الناس - أسباب عائلية - الاستقرار السياسي - التسامح الديني - الحرية النسبية - الهيبة الوطنية)

تحد بعض البلدان من إمكانية نزوح مواطنيها إلى بلدان أخرى. فقد بدأت الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية مثل هذه القيود في عام 1918، بسن قوانين وتشديد الرقابة على الحدود، حتى أصبح النزوح الغير شرعي مستحيل تقريبا بحلول عام 1928. ومن أجل تعزيز هذا، أقاموا الرقابة على جوازات السفر الداخلية وتصاريح الإقامة الداخلية للفرد في المدينة ("مكان الإقامة")، جنبا إلى جنب مع تقييد حرية الحركة الداخلية التي تسمى غالبا 101 كيلومتر، وهى التي تقيد التنقل حتى داخل المناطق الصغيرة.

في نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، احتل الاتحاد السوفياتي بلدان عديدة في أوروبا الشرقية، حيث شكلوا معا المسمى بالكتلة الشرقية، وقد طمح غالبية الذين يعيشون في المناطق المكتسبة حديثا في الاستقلال وأرادوا رحيل السوفيتين. وقبل عام 1950، نزح أكثر من 15 مليون مهاجر من الاتحاد السوفيتي والبلدان الأوروبية الشرقية المحتلة إلى الغرب في السنوات الخمس التي تلت الحرب العالمية الثانيةمباشرة. وبحلول أوائل عام 1950، تمت محاكاة النهج السوفياتي في السيطرة على الحركة الوطنية من معظم بقية دول الكتلة الشرقية. حيث توقفت معظم النزوحات من الشرق إلى الغرب، بسبب القيود التي نفذت في الكتلة الشرقية، فوصلت إلى 13.3 مليون هجرة غربا بين عامي 1950 و 1990. ومع ذلك، هاجر مئات الآلاف من الألمان الشرقيين سنويا إلى ألمانيا الغربية عبر "ثغرة" في النظام الذي كان قائما بين الشرق والغرب في برلين، حيث تحكم في الحركة الأربعة قوى المحتلة في الحرب العالمية الثانية. ولقد نتج عن النزوح "نزوح العقول" من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية من الشباب المحترفين المتعلمين، وبحلول عام 1961 كان قد هاجر ما يقرب من 20 ٪ من سكان ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية. كما أقامت ألمانيا الشرقية في عام 1961، حاجز من الاسلاك الشائكة الذي اصبح يعرف  بجدار برلين، الذي نجح بشكل فعال في اغلاق الثغرات.

وفى أوائل عام 1950، تم الاحتذاء بالنهج السوفياتي في السيطرة على الحركة على الصعيد الدولي بواسطة كل من الصين، منغوليا، وكوريا الشمالية. حيث لا تزال تفرض كوريا الشمالية قيودا صارمة على النزوح، وتحتوي على حظر النزوح الأكثر صرامة في العالم، حتى في أواخر الثمانينيات، قبل سقوط جدار برلين،  ومع ذلك يهاجر بعض الكوريين الشماليين بصورة غير شرعية إلى الصين. وهناك بلدان أخرى فرضت قيودا مشددة على النزوح مرة واحدة منها أنغولا، إثيوبيا، موزامبيق، الصومال، أفغانستان، بورما، كمبوتشيا الديمقراطية (كمبوديا في الفترة من 1975-1979)، لاوس، فيتنام الشمالية، العراق، جنوب اليمن وكوبا.

لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية (1939ــ 1945)، تخطى عدد النازحين قسرا فى العالم بسبب النزاعات والأزمات وفى طليعتها النزاع فى سوريا، عتبة الخمسين مليونا، وفق تقرير اصدرته المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة . وقال التقرير إنه فى نهاية 2013 «كان هناك 51.2 مليون نازح قسرا، أى بزيادة ستة ملايين عن عددهم فى نهاية 2012 وقدره 45.2 مليونا».

وتشمل حركات النزوح القسرى ثلاث فئات من السكان هى اللاجئون وطالبو اللجوء الذين يتحركون بصفة فردية والنازحون الداخليون الذين يغادرون منازلهم لكنهم يبقون داخل بلادهم.

وتابع التقرير: «اننا نواجه تزايدا هائلا فى جميع أنواع النزوح القسري» مشيرا إلى أنه ومنذ اندلاع النزاع فى سوريا تم احصاء 2.5 لاجئ سورى و6.5 مليون نازح داخلى فى هذا البلد.

كما حصلت حركات نزوح سكانى كبرى العام الماضى فى افريقيا وخصوصا فى افريقيا الوسطى وجنوب السودان. وذكر جوتيريس سببين لهذه الزيادة الكبيرة فى عدد النازحين، وهما «تضاعف الأزمات الجديدة» التى تدفع السكان إلى مغادرة منازلهم» و«استمرار الأزمات القديمة التى يبدو أنها لن تنتهى».

والدولة الأولى من حيث حركة النزوح الداخلى هى سوريا (6,5 ملايين نازح) تليها كولومبيا (5,3 ملايين) وجمهورية الكونغو الديمقراطية (2,9 مليون) والسودان (1,8 مليون). وبلغ عدد اللاجئين الذين فضلوا الرحيل عن بلادهم فى 2013، 16.7 مليون شخص، وهو عدد قياسى منذ 2001، بحسب التقرير الأممى. ويشكل الافغان والسوريون والصوماليون أكبر مجموعات من اللاجئين. ويعيش 86% من اللاجئين فى دول نامية.

من جهة اخرى قدم 1.1 مليون شخص العام الماضى طلبات لجوء بزيادة قدرها 15%، ومعظمهم فى الدول المتطورة. وهو عدد قياسى لطالبى اللجوء منذ عشر سنوات، يضاف إلى 1.2 مليون شخص سبق أن قدموا طلب لجوء وينتظرون البت به، وفق التقرير نفسه. وحلت المانيا عام 2013 محل الولايات المتحدة كأول مقصد لطالبى اللجوء حيث تلقت 109 آلاف طلب بزيادة 70% عن العام 2012.

يعيش حوالي ثلثي النازحين داخلياً في العالم في أوضاع النزوح المطوّل. ويحدد "الإطار المتعلق بالحلول الدائمة لمشكلة المشردين داخلياً" التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات ثلاثة خيارات للتوطين من أجل الحلول المستدامة للنازحين داخلياً، وهي: العودة إلى مجتمعاتهم الأصلية أو التوطين في المنطقة التي نزحوا إليها أو التوطين في مكان آخر من الدولة. وفي حين أن العودة هي الخيار الذي تصرّ عليه غالباً الحكومات والفاعلين الدوليين الآخرين، فإنه يجب اعتبار الحلول المستدامة الأخرى، ومنها الاندماج المحلي، خاصة عندما يرغب النازحون داخلياً في الاندماج المحلي أو عند نزوحهم لفترات زمنية طويلة مع صعوبة عودتهم.

وعلى الرغم من الإصرار والتفضيل الرسمي لحل العودة، فإنها صعبة في الغالب. وقد كانت العودة هي حل التوطين الذي اختاره ٩٠% من النازحين داخلياً في أوغندا وحوالي ٥٠% نازحاً داخلياً في بوروندي وجنوب السودان (رغم اشتمال النسبة الأخيرة على من عادوا إلى جنوب السودان ككل، وليس بالضرورة إلى بلاد المنشأ. وفي كولومبيا وجورجيا وصربيا، عادت نسبة بسيطة للغاية من النازحين نتيجة لانعدام الأمن وغياب الحلول السياسية للصراعات.

إن الاندماج المحلي هو خيار يختلف اختلافاً نوعياً عن العودة والتوطين في مكان آخر، حيث أنه لا يشتمل في الغالب على التنقل وقد لا يتخذ النازحين داخلياً قراراً واعٍ للاندماج محلياً في وقت معين. وفي حين أن جميع الحكومات تستخدم مصطلح "العودة" عند مناقشة عودة النازحين داخلياً إلى بلد منشئهم، فإنهم يستخدمون مصطلحات أخرى مختلفة للاندماج المحلي. ففي صربيا، على سبيل المثال، يُطلق على الاندماج المحلي "تحسين الظروف المعيشية"، في حين أنه "دعم الظروف المعيشية اللائقة للسكان النازحين ومشاركتهم المجتمعية" في جورجيا و"الاستقرار" في كولومبيا. وغالباً ما تتطور خيارات التوطين بمرور الزمن.

ليس النازحون داخلياً بجماعة متجانسة، وتستند تفضيلاتهم لصور التوطين المختلفة على خبراتهم الشخصية وظروف الحرب، حتى داخل الأسرة الواحدة. وقد تجعلهم خبرات الأفراد أو العائلات أو الجماعات من بعض المناطق يختارون الاندماج المحلي حتى وإن اعتقد البعض الآخر في إمكانية العودة. ففي صربيا مثلاً، يبدي النازحون داخلياً من روما اهتماماً بالعودة أقل من النازحين داخلياً من صربيا. وفي حين يفضل النازحون داخلياً من كبار السن العودة إذا بقوا تحت سلطة الدولة الصربية، فإن النازحين داخلياً من صغار السن لا يهتمون، ما لم تُتاح لهم فرص العيش وكسب الرزق. كما نزحت مجتمعات السكان الأصليين في كولومبيا، والذين تعد عودتهم إلى منطقة المنشأ ذات أهمية أساسية، عدة مرات، مع استمرارها في النزوح.

ومن الوارد أيضاً أن يفضل النازحون داخلياً خيارات التوطين المختلطة من خلال التنقل من وإلى مناطق نشأتهم لزراعة أراضيهم. ففي أوغندا، اتخذ بعض النازحين داخلياً الأراضي في دول المنشأ كمأوى ولزراعتها في حين أنهم يواصلون أعمالهم التجارية في مناطق نزوحهم. أما في بوروندي، فإن أغلب النازحين داخلياً يزرعون أراضيهم في دول منشأهم مع العيش في مستوطنات النازحين داخلياً. وقد تتغير أهداف وتفضيلات النازحين داخلياً بمرور الزمن ووفقاً لأماكن نزوحهم. وحتى في مواقع النزوح المطوّل، يعدّ النزوح عمليةً ديناميكيةً.

في العام 2013 أكد تقرير اميركي عن الحرية الدينية أن النزاعات واعمال القمع ذات الطابع الديني التي هزت العالم أدت الى أكبر حركات نزوح سكاني لاسباب دينية في تاريخ العالم الحديث، موضحا ان الملايين هربوا من منازلهم.

وذكرت واشنطن في تقريرها أنه “في جميع انحاء العالم تقريبا، ارغم الملايين من المسيحيين والمسلمين والهندوس واتباع ديانات اخرى على مغادرة منازلهم بسبب معتقداتهم الدينية”.

واضاف التقرير انه “سواء بدافع الخوف او بالقوة، تفرغ احياء كاملة من سكانها”.

واشار الى انه من الشرق الاوسط الى اسيا وصولا الى افريقيا واوروبا “ان مجموعات كاملة تختفي من مساكنها التقليدية والتاريخية وتتبعثر. وفي مناطق النزاعات على الاخص، باتت حركات النزوح السكاني الواسعة النطاق هذه وبشكل خطير هي القاعدة”.

وبحسب الولايات المتحدة ففي العام 2013 “شهد العالم اكبر حركات نزوح لمجموعات دينية في التاريخ الحديث” بدون اعطاء احصائيات دقيقة تسمح بالمقارنة مع السنوات السابقة.

وفي هذا التقرير الدولي الواسع الذي يستعرض كل سنة الوضع في عشرات البلدان شددت وزارة الخارجية الاميركية بصورة خاصة على النزاعات في سوريا وجمهورية افريقيا الوسطى والاضطرابات الدينية في بورما.

ففي سوريا التي تشهد نزاعا مستمرا منذ اكثر من ثلاث سنوات كتبت الوزارة ان “الوجود المسيحي لم يعد سوى ظل ما كان عليه” موضحة انه “في مدينة حمص تراجع عدد المسيحيين من حوالى 160 الفا قبل النزاع الى الف” اليوم.

وشددت الولايات المتحدة ايضا على اعمال العنف الدينية بين المسيحيين والمسلمين في افريقيا الوسطى والتي تسببت بمقتل ما لا يقل عن 700 شخص في كانون الاول/ديسمبر في بانغي وادت الى نزوح اكثر من مليون شخص في جميع مناطق البلاد عام 2013.

وفي بورما ادت اعمال العنف ضد المسلمين في ميكتيلا (وسط) الى مقتل 100 شخص وارغمت 12 الفا اخرين على مغادرة المنطقة في بداية العام الماضي.

ورأت واشنطن في ذلك دليلا على ان “اعمال العنف ضد المسلمين لم تعد محصورة في ولاية راخين (غرب) التي تشهد منذ 2012 موجات من المواجهات بين الروهينغا المسلمين والبوذيين من اتنية الراخين”.

واعمال العنف هذه اسفرت عن اكثر من 200 قتيل و140 الف نازح معظمهم من المسلمين الذين ما زالوا يعيشون في مخيمات وسط ظروف مؤسفة.

وتابع التقرير “هناك في كل انحاء العالم افرادا هم ضحايا عمليات تمييز وعنف واعتداءات (…) لمجرد ممارستهم ايمانهم”.

وذكرت الوزارة حالات اضطهاد لشيعة في السعودية وشيعة واقباط في مصر وشيعة في باكستان، واعمال اضطهاد ضد غير الشيعة في ايران.

كذلك اشار التقرير بالاتهام الى الصين التي تحمل عليها واشنطن باستمرار في قضايا تتعلق بحقوق الانسان والحريات الدينية، كما الى بنغلادش وسريلانكا، منددا باعمال عنف ضد الاقليات الهندوسية والمسلمة والمسيحية.

وجاء في التقرير ان “تصاعد مشاعر العداء للسامية وللاسلام في بعض انحاء اوروبا تثبت ان عدم التسامح ليس محصورا بدول تشهد نزاعات” ذاكرا ان العديد من المجموعات اليهودية في بعض البلدان الاوروبية تفكر في الهجرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/آب/2014 - 18/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م